Monday, April 19, 2010

ثانية معارك سليمان الجبيليّة: مجلس بلدية

الرئيس ميشال سليمان الذي وضع، عبثاً، كل ثقله في الانتخابات النيابية الأخيرة لترجيح كفّة الأمين العام لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد على خصومه، يعاود الدخول في الانتخابات البلدية في اللعبة نفسها. وهو خطا أخيراً خطوات واثقة في اتجاه الانحياز في مدينة جبيل إلى عائلة ضد أخرى، وإلى فريق ضد آخر
غسان سعود
في انتخابات 2009 كانت المعركة في جبيل سياسية بامتياز. تموضع أنصار التيار الوطني الحر وحلفاؤهم في لائحة، وأنصار القوات اللبنانية والكتائب والرئيس ميشال سليمان وآل حواط في لائحة أخرى، فحصد مرشح التيّار سيمون أبي رميا 2736 صوتاً من أصل 4971 مقترعاً، وحصد مرشح سليمان، ناظم الخوري، 2113 صوتاً.
تبيّن إذاً أن التسييس لا يفيد الرئيس وقوى 14 آذار، فاستعاضوا عن التحذير من الشادور والمثالثة بلعبة جديدة: هناك اليوم شاب نشيط، ديناميكي، يمتلئ طاقة ويجمع «المجد من طرفيه»، فهو أوّلاً ابن عائلة حليم حواط، التي تشاركت مع عائلة الدكتور أنطوان الشامي في خدمة الجبيليين منذ أكثر من نصف قرن، وهو ثانياً شقيق صهر الرئيس ميشال سليمان. هذا الشاب، زياد حواط، بدأ الإعداد بذكاء لمعركته الانتخابية منذ نحو عام، فشرع مع أقربائه في تنظيم الخدمات، سواء المادية المباشرة التي يدفعونها من جيوبهم أو الخدماتية التي يستفيدون من نفوذهم في الدولة لتوفيرها للجبيليين. وقمع حواط بقسوة كل المحاولات لتسييس معركته، مصرّاً دائماً على أنه صاحب برنامج إنمائي يريد التعاون مع كل أصحاب الخبرات في جبيل لتكون «جبيل أحلى»، كما يقول في شعاره الانتخابي. المعركة إذاً بالنسبة إلى حواط غير سياسية، ولائحته المفترضة تضمّ أبناء عائلات جبيلية متنوّعي الخلفيات السياسية. والمفارقة أن القوات اللبنانية مثلاً، التي تتمسك بخوض الانتخابات في كل لبنان عبر مرشحين حزبيين لاستطلاع قوتها بغض النظر عن حسابات الربح والخسارة، قبلت دون مجادلة تقديم دعم غير محدود لحواط، وغير مشروط بإعلانه التحالف رسمياً مع القوات.
لعبة حواط أعجبت بعض الجبيليين، لكنها لم تعجب التيار الوطني الحر الذي يعتقد أن الانتخابات الأخيرة كرّست مرجعيته كقوة رئيسية أولى في جبيل، ويفترض بالتالي أن يقبض على حق الحل والربط. فبدأ التيار بالإعداد لتأليف لائحته الخاصة المبنية أساساً على تحالف مع العائلات، كما هي الحال في معظم البلديات. ونجح التيار في تحقيق إنجاز يتمثّل في اتفاق الوزير السابق جان لوي قرداحي ورئيس بلدية جبيل جوزف الشامي على خوض الانتخابات جنباً إلى جنب، علماً بأن المعارك البلدية كانت تخاض تاريخياً في جبيل بين الشامي وحواط من جهة وقرداحي من جهة أخرى. وهكذا، كان يفترض أن المعركة في جبيل بين لائحتين، واحدة إنمائية بامتياز وأخرى توازن بين الإنماء والسياسة.
حتى هنا تبدو القصة طبيعية، إذ يتداخل السياسي بالعائلي ويستخدم أحد الطرفين عباءة الرئيس لجذب بضعة ناخبين إضافيين، وهي الحال في الكثير من البلدات. لكن منذ مطلع الأسبوع الماضي، حصل تطور لافت في المعركة المنتظرة. فقد نزل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان إلى أرض المعركة، حيث تكثّفت فجأة استدعاءات أحد مستشاري الرئيس لجبيليين يعملون في القطاعين العام والخاص إلى منزله في عمشيت، يسألهم عن الأحوال ويخبرهم في سياق الحديث أن من يفقد وظيفته هذه الأيام لا يجد، مع الأسف، بديلاً منها. ويروي هنا أحد أبناء آل سعد أن المستشار بدأ بالكلام عن أفضال قائد الجيش السابق على أبناء المنطقة، ثم تطرق إلى ضرورة تقدير الشعب لترفّع فخامته عن طلب مقابل لخدماته، معدّداً أشخاصاً سُهّلت ممارستهم لوظائفهم في مؤسسات الدولة بفضل سهر الرئيس على راحة أبناء منطقته. وصدف أنّ من بين هؤلاء أقرباء للوفد المُستدعى.
وتبثّ الدعاية بنجاح في جبيل: فريق يسوّق أن «هؤلاء يباركهم الرئيس وأولئك أخصام الرئيس». وفريق آخر، يغلب عليه طابع القوات اللبنانية، يسأل: «لماذا تحترم مقامات الرؤساء في مدنهم، إلا المسيحيين؟»، في ظل استعادة لخطاب يرى في إعلان أية لائحة في قضاء جبيل من غير منزل سليمان استفزازاً للرئاسة وتجاوزاً لموقعها.
يعقد الرئيس اجتماعات لدعم لائحة ضد أخرى ويتدخل عند مرشحين لينسحبوا
وفي تكرار لسيناريو الانتخابات النيابية، اضطر سليمان أخيراً إلى دخول المعركة بنفسه. فلم تكد تلوح بوادر الاتفاق بين رئيس بلدية جبيل جوزف الشامي والوزير السابق جان لوي قرداحي في مواجهة زياد حواط، حتى بادر الرئيس إلى الاجتماع بالشامي، يوم السبت الماضي، طالباً منه الانسحاب من المعركة ودعم حواط. واللافت أن شقيق حواط، وهو للمناسبة صهر الرئيس، حضر الاجتماع وشهد الجهد الذي بذله عمّه لحثّ الشامي على دعم شقيقه. وفي اليوم نفسه، المخصّص لجبيل كما يبدو، عقد سليمان اجتماعاً آخر مع رئيس بلدية جبيل السابق جينو كلاب، الذي لا ينوي الترشح إلى الانتخابات، ليستطلع منه أوضاع الجبيليين الانتخابية ويحاول إقناعه بدعم شقيق الصهر.
وأمس استقبل فخامته أحد رجال الأعمال الجبيليين ليطلب منه أيضاً دعم حواط. فيما يردد من يعدّون أنفسهم أصدقاء للقصر الجمهوري أن «طلاب المواعيد كثر ولن يجد خصوم حواط في نهاية الأمر من يترشح معهم». ويؤكد أحد المرشحين في اللائحة المناوئة لحواط، في هذا السياق، وجود ضغوط كبيرة من مقرّبين من الرئيس على معظم من يعلنون نيّتهم الترشح ضد حواط، معتبراً أن عقداً مميزاً يجمع أعضاء اللائحة يزداد متانة نتيجة الضغوط غير المفهومة.
في النتيجة، سحْبُ الشامي يؤثر قليلاً على استعداد التيّار وحلفائه للانتخابات، وكذلك إشاعة جو عام أن عين الرئيس مفتوحة على من معه ومن ضده. لكن جان لوي قرداحي يبدو واثقاً بنفسه، ويؤكد أن المعركة ستأخذ في الأيام القليلة المقبلة طابعاً سياسياً، لأن عائلات جبيل ممثلة في اللائحتين، واللائحتان تضمّان كفاءات، «بعضها مع خبرة وبعضها الآخر تنقصه الخبرة». ويفترض، بحسب قرداحي، أن يتجاوز الفارق في عدد الأصوات بين اللائحتين سبعمئة صوت، لأن أنصار حزب الكتائب الذين انتخبوا فارس سعيد وناظم الخوري في الانتخابات النيابية الأخيرة سينتخبون لائحته هذه المرة لأسباب تاريخية وعائلية. وفي محيط قرداحي من يعتقد أن الرئيس تسرّع هذه المرة مقارنة مع الانتخابات النيابية، بسبب حماسة بعض أقربائه للاستفادة من موقعه، لكن هذا الأمر سيضرّ أكثر مما يفيد، لأنه بمثابة كشف مبكر من الفريق الآخر لكل أوراقه.
أما في منزل زياد حواط، فأعصاب العائلة مستريحة في ظل كثرة الأصدقاء والاستطلاعات التي تؤكد تقدّم ابنها على أقرب منافسيه بعدة نقاط. ويستغرب الوالد، حليم حواط، استغراب البعض تبنّي الرئيس لفريق ضد آخر، كأنهم يفترضون أن الرئيس التوافقي لا رأي له ولا صوت، مؤكداً أن الكلام على تدخله بالتفاصيل غير دقيق: «نحن قلنا لقريبنا جوزف الشامي وينك رايح، تعال إلى هنا. ثمّة نهجان مختلفان وكل عمرنا عائلة واحدة». وبحسب المقرّبين من حواط، فإنهم كانوا سيخوضون الانتخابات سواء تزوّج ابنهم ابنة الرئيس أو لم يفعل، وكذلك فإن عمر علاقتهم بالنائب السابق ناظم الخوري أكبر بكثير من عمر صفته مستشاراً للرئيس.
في النتيجة، يُغرق الرئيس سليمان نفسه طوعاً في الرمال المتحرّكة للعائلات، ويستنبط عداوات محلية كان في غنىً عنها، فضلاً عن إعطائه مبرراً جديداً للسياسيين كي يرفعوا الصوت في وجه انحيازه ضد أحد الأفرقاء السياسيين.
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment