Friday, April 23, 2010

جنبلاط: جعجع لم يتعلّم من الماضي ويـتكلّم بلغة بشير
بعد عودته إلى سوريا، بات لا يريد التكلم على مرحلة عامي 2004ــ2010. يقول رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي: «قرّر الرئيس بشّار الأسد قلب الصفحة نهائياً. لن أتكلم عليها. قد أكتب مذكراتي يوماً، ونرى»
نقولا ناصيف
بين 2 آب 2009 و31 آذار 2010، قطع النائب وليد جنبلاط في الوقت الكافي المسافة الكافية، كي يستعيد في نفسه الصورة التي كان عليها، في موقعه وخياراته، حتى عشية تشرين الثاني 2000 عندما بدأ أول افتراق متدرّج عن سوريا. سرعان ما استعجل حركة هذا الافتراق منذ آب 2004، وبلغ ذروته في شباط 2005، إذ قرّر، على طريقة مألوفة في الطائفة هي «يا قاتل يا مقتول»، مواجهة الأسد ثم النظام السوري بشتى الوسائل. بعد 9 أيار 2008، عندما انتبه إلى حملة حزب الله على الجبل، عزم على أن ينقلب على نفسه. وهكذا حصل. كما ذهب إلى عداء سوريا تدريجاً، عاد إلى التحالف معها تدريجاً أيضاً.
عندما كان يلتقي صديقه القديم العماد أول حكمت الشهابي في باريس أو في الولايات المتحدة، في عزّ المواجهة مع سوريا، كان الشهابي يحذّره من اللعب بالنظام السوري. قال له مراراً: انتبه، لا تلعب بالنظام. الشهابي نفسه لم يُقدم على خطوة كهذه عندما فاتحه شريكه السابق في الإمساك بالملف اللبناني، الصديق القديم لجنبلاط أيضاً، نائب الرئيس عبد الحليم خدّام بالانضمام إلى جبهة الخلاص الوطني عام 2005 مع الإخوان المسلمين لقلب نظام الحكم في سوريا. رفض الشهابي دعوة خدّام المتروك في شقته الفخمة في باريس معزولاً، وقال له إنه ابن نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد وشارك في صنعه وحافظ عليه، ولا يشارك في تقويضه. قال أيضاً إنه ولد سوريّاً وترعرع كذلك، ويريد أن يُدفن في دمشق، وأوصد الأبواب.
سمع جنبلاط القصة من الشهابي، لكنها كانت قد وصلت إلى معاون نائب رئيس الجمهورية اللواء محمد ناصيف الذي خَبِرَ ـــــ كجنبلاط ـــــ الموقع المتقدّم للشهابي منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي حتى تقاعده عام 1998 في نظام الأسد الأب، والثقة التي محضه إياها الرئيس الراحل. توسّط ناصيف لدى الرئيس، وأتاح إزالة العراقيل من طريق عودة الشهابي إلى دمشق في عقده الثامن كي يستقر نهائياً. في 16 نيسان تغدّى ناصيف والشهابي وجنبلاط على مائدة اللواء، أكثر مستشاري الأسد ثقة.
الاتصالات مقطوعة بين جنبلاط وخدّام المطلوب من بلاده. عندما كان يزور الولايات المتحدة، كان الزعيم الدرزي يسمع هناك تهكماً بخدّام وبالمراقب العام للإخوان المسلمين علي صدر الدين البيانوني كلما أثير موضوع تأثيرهما في تقويض نظام الأسد.
طوى جنبلاط الصفحة الماضية مع سوريا. يقول: «خرجت من عقدة 7 أيار 2008 ولم يخرج منها الآخرون. عرفت أخطارها وكانت العودة الطبيعية إلى سوريا عندما استقبلني الرئيس الأسد. لا أقول ذلك تملقاً، بل أشير إلى رمزية ما حصل. كانت للمرحلة السابقة ظروفها، وبعضها مؤلم. أنا نادم على بعض ما قيل. عندما استخدمت عبارة لحظة تخلٍّ كنت أعني ما أقول. لقد أدخلونا في لعبة أكبر منا».
عندما يُسأل إن كان يصحّ القول إن زعامة سياسية كبيرة كبيته تُدخل في لعبة أكبر منها، يجيب: «لم أكن وحدي. أنا استدركت، البعض لا. هناك مَن استدرك قبلي ولا بد من إنصافه رغم كل ما يقال عنه، هو البطريرك (مار نصر الله بطرس) صفير. كان أول مَن استدرك الأخطار عندما رفض نصاب النصف +1 لانتخاب رئيس للجمهورية. أريد أن أعطي حقاً مماثلاً للوزير السابق بهيج طبارة الذي انتبه بدوره دستورياً لهذا الخطأ. عندما أتى الجنون إلى البعض في قوى 14 آذار صدّقوا الدعم الأميركي. قادت النصف +1 إلى 7 أيار».
لا يتردّد الزعيم الدرزي في القول إنه عاد إلى «وليد جنبلاط القديم. التاريخ يعيد نفسه ولا أحد يقرأ التاريخ. أنا لا أعود إلى الخيار السوري، بل هو الخيار العربي الموضوعي الذي لا يلغي استقلال لبنان ولا يتناقض مع عروبته». يقوده ذلك إلى المكان الذي يؤكد أن جنبلاط، مذ عاد من مصالحته مع الأسد والنظام السوري، أصبح نقيض ما كان عليه في السنوات الخمس الأخيرة. يقول الرجل إنه عاد إلى نفسه. التاريخ يعيد نفسه، ليس معه فحسب، بل مع مَن أصبحوا اليوم خصومه لأنهم في المقلب المناوئ للخيار السوري والعلاقات الاستراتيجية المميّزة وحماية المقاومة. ليس خصماً لمسيحيي قوى 14 آذار كما يبدو أن البعض يريد أن يوحي بذلك، بل خصم أكيد لأولئك الذين لم ينتبهوا إلى أن التاريخ يعيد نفسه. يسمّي رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع.
يقول جنبلاط: «كلام جعجع يذكّرنا بعامي 1982 و1983. كانت الحجة آنذاك هي السلاح الفلسطيني وما كانوا يسمّونه اليسار الدولي. حجتهم اليوم سلاح المقاومة. ليتهم يفهمون أهمية هذا السلاح وأهمية بناء استراتيجية دفاعية يكون سلاح المقاومة جزءاً منها. اليوم يهاجمون سلاح المقاومة، وغداً العقيدة القتالية العربية للجيش، ومن بعدها اتفاق الهدنة بغية إلغائه كي يدفعوا لبنان إلى معاهدة سلام مع إسرائيل. يريدون الجيش بلا عقيدة عربية قتالية كي يصبح جيش مرتزقة على طريقة الجيش الأميركي، ويتسللون من خلاله كما حاولوا التسلل عبر الاتفاقية الأمنية. كل ذلك يقلقني».
يضيف الزعيم الدرزي: «هذا الرجل (جعجع) لا أعرف ماذا يريد. إما أنه خيالي، أو لا أستطيع أن أفهم عليه. في طاولة الحوار قال إنه يريد إرسال 4000 جندي لبناني من الوحدات المدرّبة لمواجهة إسرائيل. صحيح أننا نقاومها ونضربها، لكن النتيجة أننا سنخسر الجنود الـ4000 أمام جيش العدو، فيما نحن نعدّهم لمنع الفوضى الداخلية وحماية الاستقرار. بدلاً من التنسيق بين الجيش والمقاومة نخسر أحدهما. الظرف الحاضر يختلف عن عام 1982، ولعلّ في ذلك فضيلة لأنه لا تناقض بين المقاومة وسوريا. حينذاك كان هناك تناقض بين سوريا وأبو عمّار الذي كان يسعى إلى خطة الأكورديون التي من خلالها تهاجم إسرائيل لبنان وتلتف على سوريا لتعصرها، فيذهب هو إلى التفاوض مع إسرائيل. نحن نجحنا في جبهة الخلاص الوطني في مواجهة الخيارات الإسرائيلية. كنت مع نبيه برّي و(الرئيسين) سليمان فرنجية ورشيد كرامي».
يقول أيضاً: «جعجع يكشف نفسه يوماً بعد آخر ويستخدم كلاماً مقلقاً، ولا يريد أن يتعلّم من تجربة الماضي. لو كنت مكانه، لالتزمت الصمت أو لزايدت على كلام المقاومة. لم أعد أفهم عليه، وإذا استمر كذلك فلا أعرف كيف يمكن المحافظة عندئذ على ما بقي من وجود مسيحي في لبنان. إذا دبّت الفوضى فستهاجر البقية. عندئذ ماذا سيفعل الآخرون».
«يهاجمون اليوم سلاح المقاومة، وغداً عقيدة الجيش، ثم اتفاق الهدنة لإيصالنا إلى معاهدة مع إسرائيل»
«لو كنت مكان جعجع لالتزمت الصمت أو زايدت على المقاومة»
«كان البطريرك صفير أول مَن استدرك الأخطار عندما رفض نصاب النصف +1»
يميّز بين موقفه من جعجع والمسيحييين الآخرين في قوى 14 آذار، ولا يتوجه إليهم بهذه المواقف، لكنه يلاحظ أن المسلمين في الأمانة العامة لقوى 14 آذار «يتكلمون كجعجع. لا أرى سلاح المقاومة إلا جزءاً من منظومة عسكرية دفاعية لحماية لبنان وتحسين شروط التفاوض مع إسرائيل وتعزيز المبادرة العربية للسلام».
عندما يُسأل عمّا إذا اكتشف التناقض بينه وبين جعجع عندما قرّر الذهاب إلى دمشق، يضيف جنبلاط: «ظننت أنه انضم إلى اتفاق الطائف. لكن لا يبدو ذلك. للانضمام إلى اتفاق الطائف شروطه وموجباته. يتحدّث جعجع اليوم بلغة بشير (الجميّل) واليمين اللبناني. اليمين اللبناني ليس مسيحياً فقط. كان هناك أيضاً كامل الأسعد. قاومناهم مع سليمان فرنجية ورشيد كرامي ونبيه برّي، واتفقنا مع رفيق الحريري وكان يعمل عامي 1983 و1984 في الظلّ موفداً من الملك فهد، ثم في العلن في اتفاق الطائف».
يقول الزعيم الدرزي أيضاً: «مع سوريا لا يمكننا الكلام على علاقات ندّية. صحيح أنني استخدمت هذا التعبير في المرحلة الماضية. لكن في علاقات الدول هناك أيضاً المزاج الذي يساعد على بنائها كما بين فرنسا وألمانيا. ليست العلاقة دائماً من دولة إلى دولة. نصف لبنان في سوريا، فعن أي علاقات ندّية نتحدّث هنا؟». إلا أنه يرفض الكلام على عودة نفوذ دمشق إلى لبنان: «لا أحب استخدام هذا التعبير. سوريا ردّتني إلى وليد جنبلاط القديم، لكننا الآن في ظروف أفضل لأنه لا حرب في لبنان. مع ذلك هناك مَن لا يزال يتحدّث بلغة قديمة. عام 1958 أنجد (الرئيس جمال) عبد الناصر كمال جنبلاط كي لا يقع لبنان في شرك حلف بغداد. وعندما تعذّر لقاء كمال جنبلاط مع حافظ الأسد نجح لقائي به بعد الأربعين، عام 1977».
إلا أن جنبلاط يضع الوضع الداخلي في سياق تطورات إقليمية من خلال معطيات أبرزها أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تغلب على الرئيس الأميركي باراك أوباما عندما «جمّد خطته الهامشية للسلام وأصرّ على الاستيطان، ويحاول الآن تحويل الأنظار من الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي إلى الجبهة الإيرانية ـــــ السورية ـــــ اللبنانية. وفي رأي إسرائيل إن ذلك يُضعف هذه الجبهة ويجبر سوريا على القبول بالشروط الإسرائيلية. أنا هنا أتمنى على صديقي جيف (مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى السفير جيفري فيلتمان) أن لا يرتكب خطأ فيليب حبيب ويقتدي بتجربته الفاشلة ويصبح مثله محرّضاً على سوريا. أقول ذلك لأنني أعرفه جيّداً، وأعرف على أبواب انتخابات تشرين الثاني أن الحزب الديموقراطي يريد تحسين شروطه للفوز، وقد يكون لبنان مسرحه. وبحسب معرفتي المقبولة به، وهو صديقي، لم يكن كلام جيف تحريضياً في جلسة استماع اللجنة الفرعية للشرق الأوسط التابعة للجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، وأمام رئيسها غاري ايكرمان الذي أعرفه جيداً أيضاً. تريد الإدارة الأميركية فتح صفحة جديدة مع سوريا وإرسال سفير أميركي إليها، لكن اللوبي الصهيوني يؤدي دوراً معاكساً لإحراجها».
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment