Friday, April 23, 2010

)
رائحة كريهة من سدّ بسري
يقع على فالق زلزالي وبكلفة 345 مليون دولار أكثر من سدّ الدامور
إنه الفساد القاتل، يصيب كل شرايين الحياة في لبنان... بما في ذلك حياة مليون ونصف مليون لبناني يعيشون في بيروت وضواحيها من دون الحصول على مياه آمنة ومتدفقة باستمرار! فالحكومة كلّفت أخيراً مجلس الإنماء والإعمار السير في تنفيذ مشروع سدّ بسري، الذي يكلف 500 مليون دولار، ويقام قرب فالق زلزالي ضخم، علماً بأن إقامة سدّ على نهر الدامور، لا تتعدى كلفته 155 مليون دولار! فأين القطبة المخفية؟
رشا أبو زكي
هدر أكثر من مليار دولار من المال العام، حرمان مليون ونصف مليون لبناني من أبناء بيروت وضواحيها مياه الشرب النظيفة، تهديد لبنان كله بخطر حصول هزات أرضية وزلازل نتيجة إقامة سدّ بالقرب من فالق «روم» في منطقة ناشطة زلزالياً، حرمان أهالي الجنوب أكثر من 50 مليون متر مكعب من المياه يومياً، وبالحجم ذاته قرى إقليم الخروب المحرومة أصلاً المياه... هذه ليست عناوين لأكثر من فضيحة، بل هي فضيحة واحدة ستترك كل هذه الآثار والويلات والمخاطر، في حال تنفيذ مشروع سدّ بسري الذي وافق مجلس الوزراء عليه، وحصل مجلس الإنماء والإعمار أخيراً على الجزء الأول من تمويله من البنك الإسلامي للتنمية بقيمة 70 مليون دولار، فيما تبلغ كلفة إنجاز هذا المشروع كاملاً نحو 500 مليون دولار. وإن كانت مبررات ارتكاب جريمة كهذه، أن الجهات المعنية بهذا المشروع تريد أن تضمن جرّ مياه الشفة إلى بيروت، فإنه حتى هذا التبرير ساقط، فالبديل موجود، وهو إقامة سدّ على نهر الدامور، الذي لا يكلف سوى 155 مليون دولار، وقد أُنجزت دراسات عدة أثبتت جدوى إنشائه، وأثبتت أنه يمكن تحييد المال العام وحياة اللبنانيين عن الهدر، لا بل أثبتت أنه يمكن توفير مياه الشفة لأكثر من مليون ونصف مليون لبناني في مدة لا تزيد على أربع سنوات... فأين رأس الفساد؟
تقاطع مصالح الفساد
تشير مصادر «الأخبار» إلى تقاطع مصالح قوي بين عدد من أعضاء لجنة الأشغال العامة والنقل النيابية، إضافة إلى مسؤولين نافذين في مصلحة مياه نهر الليطاني ومصلحة مياه نهر بيروت، وعدد من النافذين في وزارة الطاقة والمياه، إضافة إلى مجلس الإنماء والإعمار. ويقوم تقاطع المصالح هذا على عدم الأخذ بنتائج دراسات الجدوى التي أكدت فوائد استجرار مياه الشرب إلى بيروت وضواحيها من نهر الدامور، لأن القبول بهذه النتائج يؤدّي إلى وقف العمل بمشاريع أخرى للسدود تستفيد منها هذه الجهات المختلفة التي تتحاصص العمولات أو السمسرات بمبالغ تصل إلى ملايين الدولارات. وتشير المصادر المطّلعة إلى تورط شخصيات سياسية في هذا الموضوع، إضافة إلى توفير حماية سياسية على مستوى رفيع، من أطراف تابعين لكل من تيار المستقبل وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي للسير بمشروع بسري على حساب إقامة سد نهر الدامور!
فمند أواخر الستينيات، رُوّج لدراسات تفيد بأن الأوضاع الجيولوجية لنهر الدامور لا تصلح لتخزين المياه. ومن أهم هذه الدراسات، تلك التي وضعتها المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، والتي تقرر بنتيجتها وبموجب المرسوم الرقم 14522 تاريخ 16/5/1970 الاستغناء عن تخزين مياه نهر الدامور وجرّ 50 مليون متر مكعب سنوياً من مياه نهر الليطاني المحوّلة إلى نهر الأولي لتوفير مياه الشرب لمدينة بيروت. أما الدراسة الثانية التي أكدت استحالة تخزين مياه نهر الدامور، فقد وضعتها وزارة الموارد المائية والكهربائية في كتابها الرقم 4264/98 تاريخ 17/8/1998. إلا أنه في أواخر عام 1996، أجرى الخبير في المياه الجوفية، وأول خبير في علم الهيدرو ـــــ جيولوجيا في لبنان، فتحي شاتيلا، دراسة هيدروجيولوجية على نهر الدامور، تبيّن بنتيجتها أنّ بالإمكان تخزين أكثر من 90 مليون متر مكعب سنوياً بواسطة سدّ يقع على مسافة تبعد 1500 متر شرقي ملتقى النهرين. وبدلاً من أن يرحب مجلس الإنماء والإعمار ووزارة الموارد المائية والكهربائية والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني ومصلحة مياه بيروت بهذا الاكتشاف العلمي، تعمّدت، وفق ما أشار شاتيلا للـ«أخبار»، تجاهل هذه النتائج، لأن كشف حقيقة الوضع التخزيني لنهر الدامور سيؤدي إلى إعادة النظر في أربعة مشاريع مائية وضعتها هذه المؤسسات بعدما أخذت في الاعتبار أنه يستحيل تخزين مياه نهر الدامور. وتزيد أكلاف هذه المشاريع على 1500 مليون دولار أميركي، وهي:
1. مشروع وضعته المصلحة الوطنية لنهر الليطاني لريّ جنوب لبنان، تبلغ كلفته 450 مليون دولار أميركي.
2. الخطة العشرية لوزارة الموارد المائية والكهربائية، وتبلغ كلفتها 546 مليون دولار أميركي.
3. مشروع توفير مياه الشرب لمدينة بيروت وضواحيها، بجرّ مياه نهر الليطاني المحوّلة إلى نهر الأولي، وإنشاء سدّ بسري بكلفة تبلغ 500 مليون دولار أميركي. وقد كُلِّف مجلس الإنماء والإعمار تنفيذه.
4. مشروع وضعته مصلحة مياه بيروت، يقضي بجرّ مياه نهر الكلب إلى محطة الضنية خلال فترة الغزارة، بأكلاف تبلغ 100 مليون دولار أميركي.
وفيما تتوزع هذه المشاريع سياسياً على أطراف نافذين، ويستفيد منها عدد من الجهات المعنية بمشاريع المياه، وفق شاتيلا، غُضّ النظر عن الدراسات المتعلقة بتخزين مياه نهر الدامور، رغم أن تنفيذ السدّ يوفر على المالية العامة أكثر من مليار دولار سيُصرف على إقامة المشاريع الأربعة السابقة!
التهديد يطال ممثل الفاو في لبنان!
واستمرت عملية التجاهل حتى اليوم الأول من شهر أيلول من عام 1999 حين قرر مجلس الوزراء برئاسة الرئيس سليم الحص وضع دراسة جدوى لمشروع إنشاء سدّ الدامور، على أن تؤخذ الاعتمادات اللازمة لذلك من الاعتمادات الملحوظة في خطة النهوض الاقتصادي.
وبعد 7 أيام، طلب مجلس الوزراء من مجلس الإنماء والإعمار دعوة كل من الخبير، ممثل الفاو في لبنان، الذي نفذ دراسات عديدة عن السدود، آلان غير والمهندس فتحي شاتيلا واستيضاحهما عن معلوماتهما بشأن إمكان جرّ المياه من الدامور إلى بيروت، وقد حدد مجلس الإنماء والإعمار يوم 29 أيلول موعداً لاجتماع اللجنة التي ألفها من خمسة مهندسين. وطوال الفترة التي سبقت الاجتماع، لم تقم لجنة مجلس الإنماء والإعمار بالاتصال بآلان غير. ويشير شاتيلا إلى أنه «في 28 شباط، اتصلتُ بآلان غير، الذي أبلغني أنه لن يأتي إلى لبنان لأنه تلقى اتصال تهديد إن جاء إلى لبنان. أبلغت مجلس الإنماء والإعمار بالتهديد، لكن لا أحد حرّك ساكناً». ويلفت شاتيلا إلى أن آلان غير «كان قد اقترح المجيء إلى لبنان من دون أي مقابل، ويلفت في رسائله إلى أن وزارة الطاقة والمياه لم تقم بأي دراسة تتعلق بنهر الدامور، بل زوّرت مستندات تشير إلى استحالة إقامة سدّ في بيت الدين وأسقطت هذه المستندات على نهر الدامور مدعية أنها دراسات طالت هذا النهر»!
ويقول شاتيلا إن اللجنة استعانت بخبراء لوضع تقرير تقويمي أوّلي. إلا أن المهندس بيتر راي من شركة Harza Engineering الذي استدعته اللجنة، أوصى في تقريره في 23/11/1999 بأنّ بالإمكان بناء سدّ على نهر الدامور عند الموقع الذي قام الهيدروجيولوجي شاتيلا بتحديده لتخزين 60 مليون متر مكعب سنوياً وما فوق بكلفة 90 مليون دولار أميركي. ويمكن زيادة كمية التخزين إلى أكثر من 100 مليون متر مكعب سنوياً. كذلك وضع برنامج عمل من مرحلتين يمكن تنفيذهما خلال سنتين، وتحديد كمية المياه الممكن تخزينها على نهر الدامور وكلفة المشروع. وكذلك أوصى الخبير رينيه القارح من شركة Water Engineering في تقريره بتاريخ 4/2/2000، مجلس الإنماء والإعمار بتلزيم مشروع دراسة جدوى نهائية وليست أولية لتخزين مياه نهر الدامور توفيراً للوقت والمال. وكذلك فعل المهندس ميشال بروين من شركة Harza Engineering في التوصيات التي وضعها بتاريخ 15/5/2000... لكن على الرغم من هذه التقارير التي قدمها ثلاثة خبراء عالميين، فإن مجلس الإنماء والإعمار لم يأخذ بها، وأصرّ على تجاهل إمكانات تخزين مياه نهر الدامور.
عناد غريب... عجيب!
إنشاء سد الدامور سيؤدي إلى إعادة النظر في أربعة مشاريع مائية، بعدما أخذ في الاعتبار أنه يستحيل تخزين مياه نهر الدامور. وتزيد أكلاف هذه المشاريع على 1500 مليون دولار أميركي
وبسبب الضغوط التي مورست على مجلس الإنماء والإعمار، قام بنهاية عام 2007 بتلزيم مشروع دراسة الجدوى لشركة Liban Consult. وبتاريخ 21/12/2009، عقد صاحب الشركة ندوة في نقابة المهندسين، قال فيها «إن بالإمكان إنشاء سدّ يعلو 110 أمتار لتخزين 42 مليون متر مكعب سنوياً وبمعدل 260000 متر مكعب يومياً، أي ما يكفي لقرابة مليون ونصف مليون نسمة وبمعدل 175 ليتراً للفرد الواحد. وإن الكلفة الإجمالية للسدّ، بما فيها الاستملاكات ومحطة الضخ والتكرير وخزانات المياه ومنشآت نقل المياه إلى بيروت لا تتعدى 155 مليون دولار أميركي. ويمكن في مرحلة ثانية زيادة كمية التخزين لتبلغ 50 مليون متر مكعب سنوياً».
وهكذا يشير شاتيلا إلى أنه تبيّن بصورة قاطعة أن الدراسات التي اعتمدها مجلس الإنماء والإعمار لاختيار موقع سد بسري لجرّ مياه الشرب إلى مدينة بيروت وضواحيها هي خاطئة، ولا يمكن الاعتماد على دراسات خاطئة لتبرير تنفيذ مشروع تبلغ أكلافه نحو 500 مليون دولار. وتبيّن كذلك أيضاً أنّ بالإمكان توفير حاجة مليون ونصف مليون نسمة من سكان مدينة بيروت وضواحيها بأكلاف لا تتجاوز 155 مليون دولار. ويمكن خفض هذه الأكلاف إلى نحو 135 مليون دولار، عند استعمال خطين من الأنابيب يمتدان من خزانات بلدة الناعمة إلى خزانات تلة الخياط. وبدلاً من أن ينفّذ المجلس المرحلة الأولى من مشروع تخزين مياه نهر الدامور وحل الأزمة المائية التي يعانيها سكان مدينة بيروت وأهاليها خلال مدة تقل عن أربع سنوات، استعمل القرض الذي قدمه البنك الإسلامي للتنمية لتنفيذ مشروع سدّ بسري الذي تبلغ أكلافه نحو 500 مليون دولار أميركي، ويستغرق تنفيذه مدة تزيد على ثماني سنوات. وأشار شاتيلا إلى أن الطبقات الجيولوجية التي سيُنشأ سدّ بسري فوقها تتكوّن من مواد دلغانية رملية ليّنة وغير متماسكة. كذلك فإن هذا السد الذي يبلغ وزنه نحو 100 مليون طن، وسيجمّع مياه بوزن يفوق 100 مليون طن، يقع على مسافة لا تبعد أكثر من كيلومترين اثنين من فالق روم الزلزالي الذي ما زال ناشطاً.
إلا أن المدير العام لمصلحة نهر الليطاني، علي عبود، أكد لـ«الأخبار» أن المصلحة أشرفت على دراسة سدّ بسري، وهي دراسة فنية تغيرت معطياتها للتوافق مع وضع الفالق، وتبين أن تنفيذ السدّ لن يترك أي أثر يذكر، لافتاً إلى وجود سدود على فالق روم نفسه! ولفت إلى أن بيروت الكبرى تحتاج إلى سدّ بسري والدامور لكي تؤمن حاجتها.
أما رئيس لجنة الأشغال العامة والمياه، محمد قباني، فلفت لـ«الأخبار» إلى أن المشروعين واردان، لكن مشروع بسري بوشر بتنفيذه لأن دراسته منتهية وتمويله كذلك، أما سدّ الدامور فلا يزال في مرحلة دراسة الجدوى، مشيراً إلى أن بيروت بحاجة إلى السدين.
________________________________________

5000 بئر
تضخ المياه غير الصالحة للشرب لكي يستهلكها أبناء بيروت. وفيما من شأن إنشاء سد الدامور توفير حاجة بيروت، يذهب 180 مليون متر مكعب من مياهه إلى البحر!
________________________________________

الفوائد تطال المناطق
تبلغ كلفة بناء سد الدامور وجر 90 مليون متر مكعب سنوياً من مياهه 225 مليون دولار، فيما جر الكمية ذاتها من بسري تكلف 500 مليون دولار، ما يرفع كلفة الاشتراك بالمياه على البيروتيين. من جهة أخرى، إذا نُفّذ سد بسري وفق مراحل لتفادي تحرك الفالق الزلزالي، فإن كمية المياه التي سيخزنها السد ستستخدم لري 15 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في صيدا وجوارها بدلاً من تحويل المياه إلى بيروت. كذلك سيحوَّل نحو 50 مليون متر مكعب من مياه نبع الصفا التي تروي سهل الدامور إلى قرى الشوف وإقليم الخروب التي تعاني نقصاً في المياه.
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment