Friday, April 23, 2010

وزارة المال في قبضة المستقبل
تحت أنظار القوى السياسية المختلفة، يكاد تيار المستقبل يستكمل سيطرته على إدارات وزارة المال وتحويلها إلى ما يشبه المؤسسة الخاصة، فيقرر هو لمن تُخفض الضرائب ولمن تُرفع، لأي وزارة تُصرف الأموال وعن أي وزارة تُحجب... والتشكيلات الأخيرة التي أجرتها الوزيرة ريا الحسن في الفئة الثالثة جاءت لتنجز شوطاً مهمّاً من عملية التحكّم في مفاصل الوزارة
غسان سعود
ما يفعله تيار المستقبل في وزارة المال يتجاوز أفعال الوزراء عامة، فهؤلاء يكتفون بدسّ بعض المقرّبين منهم في الإدارات والمناصب، فيما وزيرة المال ريّا الحسن، التي تدافع عن صلاحياتها في إجراء التشكيلات الإدارية في إطلالاتها الإعلامية، تنقضّ على إدارات وزارتها، الواحدة تلو الأخرى، وعلى مستوى كل الفئات، وبأسلوب سافر لا يخلو من وقاحة... فتعمد إلى استكمال ما بدأه أسلافها من التيّار نفسه: فؤاد السنيورة وجهاد أزعور ومحمد شطح، لجعل وزارة المال صافية من أي مدير صغير أو كبير لا يكون تابعاً للتيّار وحلفائه ومستزلماً لمستشاريها الموروثين من أيام السنيورة وخاضعاً للسماسرة المقيمين في المكاتب الأساسية يمررون المعاملات التي يطلب تسييرها سيّدهم الوحيد: السنيورة.
بات واضحاً أن القوى السياسية المختلفة غافلة كلياً عن خطّة محكمة تنفّذ تدريجاً منذ التسعينيات، وبدأت ملامحها تنكشف أكثر منذ نحو 6 سنوات، عندما سُلّمت إدارة هذه الخطّة لمستشارين اثنين أتى بهما السنيورة ليؤدّيا الدور الأبرز، هما: نبيل يموت وعامر مملوك. والمعروف أن وجود هذين المستشارين يجعل من وزيرة المال مجرد شاهد لا أكثر، فهما من يتخذ القرارات فعلياً بالتنسيق الدائم واليومي مع السنيورة، ويديران عملية الإمساك بكل مفاصل هذه الوزارة، مع ما لهذا الأمر من ارتدادات على المستوى الشخصي (المالي والسياسي) لكل من لا يعجبه تيار المستقبل.
يؤدي يموت الدور الرئيسي. فهو دائم التحرّك، يتنقل بين مكاتب الوزارة، يوزّع الأوامر ويسيّر المعاملات التي تخص جماعته في دائرة الصرفيات كما دوائر الضرائب. ويذهب إلى أبعد من ذلك عبر استحداثه الفروع وتسمية المديرين، وكل ذلك بصفته مستشاراً للوزير. يتغيّر الوزير ويبقى هو (يجلس غالباً إلى يمين الوزيرة ريا الحسن في مؤتمراتها الصحافية). أما مملوك، فيؤدي دوراً أقلّ بروزاً، لكن بصفته المشرف على المركز الآلي في وزارة المال، فهو بمثابة أداة تنفيذ بالغة الأهمية.
دخلت خطة السيطرة على وزارة المال مرحلة متقدّمة بعد إسقاط الرجلين النافذين على الوزارة من خارج الملاك في عام 2004، عندها كثّف تيار المستقبل في تلك المرحلة الدورات التحضيرية لأنصاره الراغبين في الدخول إلى مديرية الواردات، موفراً لهؤلاء الأساتذة النافذين في الوزارة والمطلعين على كيفية إعداد الأسئلة (كي لا يقال الأسئلة نفسها). وبالتالي امتلأت الوزارة بالموظفين المنتمين إلى تيار المستقبل الذين نجحوا دون غيرهم في امتحانات الدخول. ولإحكام السيطرة، بدأ تيار المستقبل عبر الوزراء المحسوبين عليه بتفريع الإدارة وتنصيب مقرّبين منه رؤساء للفروع الجديدة بما يبقي الوزارة في قبضة المستقبل حتى لو تغيّر وزير المال.
ففي دائرة ضريبة الدخل، وهي من أهم الدوائر في الوزارة، التي تناوب على رئاستها كثر، منهم رئيس جمعية المصارف ورئيس الرابطة المارونية جوزف طربيه وإبراهيم الخوري وسركيس صقر، عمد السنيورة إلى التحايل على هذا الموقع عبر تقسيم الدائرة إلى ثلاثة أقسام، هي: دائرة كبار المكلّفين ودائرة ضريبة الرواتب والأجور، ودائرة ضريبة الدخل. وعندما تولّى أزعور الوزارة، عمد إلى تعيين 3 مديرين، خلافاً لرأي مجلس الخدمة المدنية. فعيّن سلام عيدو ـــــ قريب النائب الراحل وليد عيدو ـــــ رئيساً لدائرة ضريبة الدخل، من دون أن تكون لديه أي خبرة في مجالها، إذ إنه كان موظفاً في مديرية الضريبة على القيمة المضافة، وعيّن إيلي أبي عاد رئيساً لدائرة الرواتب والأجور، وعيّن باسمة أنطونيوس رئيسة لدائرة كبار المكلّفين، علماً بأن هذه الدوائر الثلاث تتبع مديرية الواردات التي يتولاها لؤي الحاج شحادة، ابن بلدة شحيم. ولم تنته فصول الخطّة هنا، بل أُحكمت السيطرة على أكثرية الفروع داخل هذه الدوائر عبر تعيين الأتباع. فقد أشرف يموت ومملوك على تعيين فيصل الحجّار ـــــ ابن شحيم أيضاً وقريب عائلياً من عضو كتلة المستقبل النيابية النائب محمد الحجار ـــــ رئيساً لفرع التدقيق في حسابات كبار المكلفين، وهو الفرع الأهم في وزارة المال، لأنه يتولى التدقيق في أعمال الشركات الكبرى (المصارف، شركات التأمين وكل شركة حققت رقم أعمال يتجاوز عشرة مليارات ليرة) ويطّلع على أعمالها الحسابية وكل مستنداتها ليقرر حجم الضرائب المترتبة على هذه المؤسسات. والمفارقة هنا أن الحجار (الذي حلّ محل إيلي نجيم الذي نقل إلى منصب رئيس قسم الخدمات في كسروان، رغم خبرته التي تتجاوز مدتها خمسة وعشرين عاماً) لا يملك أية خبرة في التدقيق أو في وسائل تهرّب الشركات الكبرى من الإفصاح عن حقيقة أرباحها. فهو كان موظفاً في مديرية الضريبة على القيمة المضافة، ولا يعرف شيئاً بالتالي عن ضريبة الدخل، علماً بأن تعيين الحجار مثّل صفعة قوية لكل موظفي الفئة الثالثة المتطلّعين إلى الترقّي في وظيفتهم. ويشار هنا إلى أن رئيس فرع التدقيق في دائرة كبار المكلفين، ورئيس فرع خدمات المكلفين مقرّبان جداً من تيار المستقبل.
هناك العديد من المناصب المستحدثة تمت السيطرة عليها تماماً، أبرزها على الإطلاق فرع الالتزام الضريبي، وهو بمثابة مرصد للضرائب، ومهمّته إعداد برامج الدرس، بمعنى أن ملاحقة المكلّفين باتت خاضعة لهذه السيطرة، مع ما تنطوي عليه هذه السيطرة من دلالات، وجرى تعيين موظفين محسوبين على تيار المستقبل على رأس فروع التدقيق الضريبي (الذي يضم 28 موظفاً) والضرائب النوعية وخدمات المكلفين ومتابعة العمليات ومعالجة المعلومات. وتتميّز دائرة الالتزام الضريبي بأهمية خاصّة لمن يسعى إلى السيطرة والتحكّم. فهذه الدائرة أشبه بصندوق معلومات تُجمع فيه المعطيات الكاملة عن كل المكلفين في لبنان. وقد عُيِّن محمد النجّار، المحسوب على تيار المستقبل، رئيساً لها. ويفترض أن يضع القيّمون على هذه الدائرة ـــــ الصندوق برامج للدرس في صحة بيانات المكلفين والتدقيق فيها. وبالتالي، فإن النجّار اليوم يقرر، بإيحاء ممن عيّنوه، الشركات التي يفترض أن تُفتّش حساباتها
يفرّغ المستقبل عبر الوزراء المحسوبين عليه الإدارة وينصّب مقرّبين منه رؤساء للفروع
هناك مستشاران يتخذان القرارات بالتنسيق مع السنيورة ويمسكان بمفاصل الوزارة
ويُدقّق في تصاريحها لفرض ضرائب إضافية عليها، والشركات التي يمكن غض النظر عنها. وهو المسؤول أيضاً عن تنظيم محاضر بالمخالفات لدى المكلفين لدرسها واكتشاف المكتومين، ويستطيع، عبر كبسة زر، الاطلاع على كل المعلومات عن كل المكلفين في لبنان، وتسريبها إلى من يحتاج إليها: شركة منافسة مثلاً أو جهة أمنية أو سياسية. والأخطر، أنه يمكنه بكبسة زر أخرى أن يمحو الضرائب المترتبة على إحدى المؤسسات، أو أن يضاعف الرقم المترتب على مؤسسة أخرى. فما من رقابة جدية في هذه الدائرة. ويصدف أنه منذ نحو عشر سنوات لم يصدر أي مذكرة ذات طابع تأديبي بحق موظف في وزارة المال محسوب على تيار المستقبل.
هناك أيضاً دائرة الاسترداد الضريبي في قسم الضريبة على القيمة المضافة، فقد عُيّن بهيج عيسى، القريب جداً من تيار المستقبل، رئيساً لها، مع العلم بأن هذه الدائرة تقرر قبول أو رفض طلبات استرداد ضريبة القيمة المضافة المقدمة من الخاضعين لها. وهكذا يعود لعيسى وحده تحديد من يجب إرسال فرق التفتيش للتدقيق في طلبه المقدم لاسترداد بعض المبالغ المالية، ومن يقبل طلبه وترجع إليه الأموال من دون التدقيق في ملفاته.
فضلاً عن ذلك، استكمل تيار المستقبل في التعيينات الأخيرة بسط نفوذه على كل فروع المناطق تقريباً، إذ شملت التشكيلات نحو 35 مركزاً من الفئة الثالثة، كلّ شاغليها محسوبون على تيّار المستقبل والقوات اللبنانية، ما عدا موظّفاً شيعياً واحداً عُيّن في مركز مالية الهرمل وموظفين آخرين عُيّنا في عكّار بناءً على طلبهما.
وعلى سبيل المثال، عُيّن سمير حسين في مالية صيدا، وهو ابن بلدة شحيم، قريب جداً من تيار المستقبل، ونقل رئيس دائرة التدقيق هناك إبراهيم همدر إلى مالية بعلبك ـــــ الهرمل بحجة أنه من الطائفة الشيعية، ليعيّن محله محمد عبد الله وهو من شحيم أيضاً، فقبض بذلك تيار المستقبل على مالية صيدا كاملة.
في موازاة هذه التعيينات، حصلت موجة ترهيب للموظفين لفرض سطوة يموت ومملوك بصفتهما ممثلَي تيار المستقبل. فرئيس مالية زحلة السابق مثلاً، طانيوس رزق، رفض تعيين أحد الموظفين في موقع حساس بناءً على توصية نبيل يموت، وذهب إلى وزير المال السابق محمد شطح شاكياً، فحماه الأخير. لكن فور حلول الوزيرة ريا الحسن محل شطح، نجح يموت في التخلص من رزق عبر تعيينه في منصب هامشي. أما أسد الملاح، المحسوب على القوات اللبنانية، الذي كان يعمل في دائرة ضريبة الدخل في بيروت، فاتهم بعدما عارض جزئياً مخطط يموت ـــــ مملوك بالاختلاس، وأُحيل على التفتيش والنيابة العامة المالية. وبسرعة، خوفاً على المال العام، نقل من دائرة ضريبة الدخل إلى دائرة الصناديق (دائرة هامشية جداً). لكنّ المفارقة كانت أنه بقي هناك حتى بعدما ثبتت للتفتيش وللنيابة العامة المالية براءته.
________________________________________

تهريب 346 موظّفاً إلى المركز الإلكتروني!
بعد التعيينات الأخيرة في وزارة المال، التي تدخّل البطريرك الماروني نصر الله صفير لتغطيتها، ستعرض وزيرة المال ريّا الحسن على طاولة مجلس الوزراء مرسوماً أعدّ لاستحداث ملاك دائم للمركز الإلكتروني في وزارة المال وتحديد شروط التعيين. هذا المركز هو قائم حالياً، وتتعاقد وزارة المال مع 346 موظفاً لتشغيله. وقد صدر قانون خاص بموظفيه يخالف الأعراف السائدة، بأن يدفع للموظفين بالتعاقد بحسب الفاتورة، وخصصت لهؤلاء أجور شهرية يتجاوز معظمها ضعفي أجور الموظفين المثبتين. واللافت في المرسوم أنه يطلب تثبيت موظف فئة ثانية و345 موظفاً فئة ثالثة من دون المرور بمجلس الخدمة المدنية، خلافاً للقانون. فالمادة الثامنة من مسوّدة المرسوم المحال على مجلس الوزراء تسمح «بتثبيت الموظفين المؤقتين والأجراء الدائمين التابعين لمركز المعلوماتية الموجودين في الخدمة بتاريخ صدور هذا المرسوم في الوظائف التي يشغلونها فعلاً في وظائف الدائرة الإدارية، وذلك دون التقيّد بشروط الشهادة والسن والمباراة». و«يجري التثبيت مبدئياً في الدرجة الأخيرة من الرتبة. أما الذين يتقاضون رواتب وأجوراً أعلى من راتب الدرجة الأخيرة من الرتبة، فيجري تثبيتهم في الدرجة الأقرب إلى رواتبهم ويقدّم أو يؤخّر تاريخ استحقاق التدرج بنسبة الزيادة أو النقص الذي أصاب الراتب عند التثبيت، ويحتفظون بالقدم المؤهل للتدرج». أما المادة التاسعة من المسوّدة نفسها، فتشرّع تعيين المتعاقدين و«العاملين بالساعة التابعين لمركز المعلوماتية الموجودين في الخدمة بتاريخ صدور هذا المرسوم في الوظائف المسمّاة في هذا المرسوم»، علماً بأن موظفي الفئة الرابعة الحاليين في وزارة المال، ليتدرجوا ويصبحوا فئة ثالثة، عليهم التقدم إلى امتحانات في مجلس الخدمة. يذكر أيضاً أن مُدخل المعلومات إلى أجهزة الكمبيوتر يعدّ وفق المرسوم الجديد موظف فئة ثالثة. أما المحاسب في وزارة المال فيُعَدّ موظف فئة رابعة. وتبرز مسوّدة المرسوم تكريس تيار المستقبل لاستراتيجية في التوظيف تقوم على التعاقد مع موظفين مقرّبين من تيار المستقبل ثم يُحال هؤلاء الموظفون على مجلس الوزراء للنظر في أوضاعهم وتثبيتهم رأفة بهم، فيجري تجاوز قوانين التوظيف والامتحانات التي يفترض أن توصل الرجل المناسب إلى المكان المناسب. وغالباً ما يجري تجاوز الاعتراضات من هذا الطرف أو ذاك عبر تعزيز حصته في الموظفين المنوي تثبيتهم، فتمرّ مخالفة القانون من دون اعتراض من أحد.
بالعودة إلى مسوّدة المرسوم، تعطي المادة السابعة منها الحق لوزير المال في إعطاء موظفي مركز المعلوماتية مكافآت إنتاج شهرية (من دون العودة إلى أحد).
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment