Monday, April 19, 2010

الأحزاب في خدمة العائلات

قبل يومين من موعد إقفال باب الترشيح إلى الانتخابات البلدية في جبل لبنان، باتت الصورة واضحة في معظم بلدات الجبل ومدنه، حيث يبدو واضحاً أن الأحزاب في أكثر المراحل تسييساً في تاريخ لبنان لا تزال هشّة، فإما أن «يراعي الحزب الأهواء العائليّة لأنصاره وإما... لنا ديننا وله دينه»
غسان سعود
هذه ساعة الندم للكتائبي الذي طلّق زوجته لأنها عونية، وللعوني الذي ملأ الدنيا بضجيج كلامه عن الفاسدين والمفسدين، جاعلاً من النائب ميشال المر حمّالة لكل أوساخ العالم، وللقواتي الذي صدّق أن المواطنين اثنان: واحد معنا وآخر ضدنا. وهي ساعة الندم للزعماء الذين صدّقوا أن المناصرين قطعان يقودونهم كيفما شاؤوا، وللحزبيين أيضاً الذين صدّقوا القصة فاعتقدوا لوهلة أنهم أكبر من عائلاتهم وأهمّ. وهي في النتيجة ساعة وضع الملفات جانباً ونسيان كلام الزنانير. ولجبل لبنان في هذه الرواية رمزيّته، إذ يعتقد كثيرون أن بعض أقضيته تقدمت على صعيد العمل الحزبي كثيراً مقارنة بأقضية أخرى.
العائلة أولاً
عبثاً حاول رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الأسبوع الماضي إقناع عونيي مزرعة كفرذبيان الكسروانية، المرشحين على ثلاث لوائح متخاصمة، التوحّد ضمن لائحة واحدة، فانتهى به الأمر إلى مباركة انقسامهم والتمنّي عليهم التنافس بديموقراطية ليفوز الأقوى. ما شجّع الجنرال على الاستسلام سريعاً، بحسب أحد المشاركين في اللقاء، هو عدم تطرق أحد من المجتمعين إلى البرامج الانتخابية واستعادتهم مشاكل عائلية عمر بعضها يتجاوز عمر كفرذبيان نفسها.
في بلدة غزير الكسروانية أيضاً، لا يختلف المشهد كثيراً. هناك لائحتان محسوبتان على التيار الوطني الحر، يقول معظم أعضائهما إنهم عونيون. حاول التيّار عبر هيئة البلديات في كسروان أن يجمعهما، لكن سرعان ما تبيّن أن ما فرّقته الخلافات العائلية لا يجمعه التيّار.
ومن غزير إلى جارتها زوق مصبح، يصرّ بعض العونيين على الترشح مع اللائحة التي يترأسها جوزف مغامس، رغم وجود لائحة يفترض أن التيار الوطني هو الذي يرشحها. ويبدو أن عونيي زوق مكايل لن يبتعدوا كثيراً عن عونيي زوق مصبح، فهناك أيضاً بدأ صوت العونيين يرتفع ضد الرئيس الحالي للمجلس البلدي نهاد نوفل المتهم بالتعامل بفوقية مع العونيين، وبدأ الإعداد لتأليف لائحة تواجهه، علماً بأن نوفل يقول إن في لائحته عونيين عدة (تحدثت معلومات مساء أمس عن أن الجنرال عون أبلغ مناصريه في زوق مكايل أنه حاسم في دعم نوفل). وليست الحال في قضاء عاليه أفضل من كسروان، فعونيّو بحمدون مثلاً منقسمون بين من يدعم اللائحة التي يترأسها وليد خير الله، ومن يدعم ويترشح مع اللائحة الثانية التي يترأسها سليم خير الله. ومن عاليه إلى المتن مجدداً، ينقسم التيار الوطني الحر في بصاليم بين من يدعم الرئيس السابق للمجلس البلدي (البلدية اليوم محلولة) نسيم أبو حبيب وجزء آخر من العونيين يدعم نائب رئيس المجلس البلدي السابق جورج مزهر.
في هذه المناطق وغيرها، حيث يخوض العونيون معارك بعضهم ضد بعض تنقسم وجهات النظر. فهناك من يقول إن التيار فائز في الحالتين، والتنافس الانتخابي أمر إيجابي. وهناك من يرى أن التنافس يولد نفوراً يستفيد منه خصوم التيار للعب على التناقضات ولوضع موطئ قدم لهم في مناطق يفترض أنها مقفلة في وجههم، علماً بأن لا برامج انتخابية هنا ولا وعود إنمائية ولا انقسام على مشاريع، بل خلفيات عائلية تبقى في كفرذبيان وغزير وزوق مصبح أقوى من الانتماء إلى الحالة العونية وحتى إلى التيار الوطني الحر. وفي أحاديث المرشحين كلام صريح عن ثأر وحسابات معلقة وديون يبدو أن لدى قيادة التيار قراراً بعدم الغرق في رمالها المتحركة. وبحسب أحد المسؤولين في لجنة البلديات في التيار، فإن انحياز قيادة التيّار إلى شخص دون آخر سيفقدها تأييد الشخص الآخر الذي سيحرد ويحقد على التيّار. وبالتالي فإن وقوف التيّار على الحياد، مراقباً ما يحصل بانتباه لقطع الطريق على المصطادين في الماء العكر، يسمح له بالحفاظ على علاقاته المتينة بكل أبنائه. لكن، لماذا لم تحصل اجتماعات حزبية لتحديد مرشحي التيّار؟ لأن الوقت سبقنا وعدد البلدات، حيث للعونيين نفوذ، كبير جداً.
طبعاً، ليست الظاهرة عونية حصراً، فالكتائب اللبنانية في معظم المناطق التي لها وجود فيها تواجه المشكلة ذاتها. ففي الجديدة ـــــ البوشرية ـــــ السد يكرر الكتائبيون مشهد ذهابهم إلى الصناديق عام 2004 صفين، كل منهما ينتخب لائحة. وفي مزرعة يشوع، يتكرر المشهد نفسه حين تترشح لائحتان، كل منهما تدّعي الكتائبيّة. واللافت هنا على صعيد الانتشار الكتائبي أنه في ساحل المتن ليس للكتائب إلا مرشح واحد على موقع الرئيس، هو نبيل كحالة في سن الفيل، وحظوظه متواضعة. ما يشير إلى أن الكتائب تخلي الساحة المتنية كاملة تقريباً لتفاهمات العائلات. أما في كسروان فهناك خياران: إما أن الكتائب تخبّئ مفاجأة للحظة الأخيرة، وإما أن حجمها يغيّبها بالكامل عن المعركة. وفي عاليه، يبدو واضحاً الصراع الكتائبي ـــــ القواتي على القول «الأمر لي». في وقت، يبدو فيه أن القوات اللبنانية تحاول عبر الانتخابات البلدية تحديد نفوذها بوضوح، ومعرفة من معها ومن عليها، بغضّ النظر عن حسابات الربح والخسارة. ولن يكون مفاجئاً بالتالي إذا ترشح قواتيون في معظم بلدات جبل لبنان. والجدير ذكره، مقارنة مع التيّار والكتائب، إظهار القواتيين انضباطاً كبيراً واستعداداً للتضحية بالحسابات العائلية لمجرد اكتشاف حجمهم في بلداتهم.
العائلة في خدمة الحزب
حماسة أهل البيت الواحد للتنازع على المناصب تتراجع قليلاً، حيث هناك خصم جدي. ففي بلدة طبرجا الكسروانية، هناك اليوم ثلاث لوائح عونية، لكن وجود خصم قوي لهذه اللوائح يشجع أصحابها على تكثيف اجتماعاتهم المشتركة للتوصل إلى حل. وهم في هذا السياق يضعون مصلحة عائلاتهم في خدمة مصلحة التيّار. في أنطلياس يبدو أن الحل قد ركب ويتمثل بالتفاف غالبية عونيي البلدة حول المرشح جوزف صافي لخوض المعركة في وجه مرشح النائب ميشال المر ـــــ رئيس المجلس البلدي الحالي إيلي أبو جودة، بعد الكلام السابق عن وجود لائحتين عونيتين وربما ثلاث. أما في بلدة حراجل، فكانت الأمور تسير كما يفترض بها، لائحة يدعمها النائب السابق فريد هيكل الخازن ويترأسها الرئيس الحالي للمجلس البلدي أنطوان زغيب، ولائحة عونية يترأسها ربيع موسى زغيب. لكن النائب نعمة الله أبي نصر دخل أخيراً على الخط، فبدأ يوسف مخايل زغيب إعداد العدة لتأليف لائحة ثالثة تأخذ من أصوات العونيين لتعزز بذلك حظوظ اللائحة المدعومة من الخازن (حصل اجتماع مساء أمس للتوفيق بين يوسف وربيع زغيب).
صفحات جديدة
يبقى أن ما فرّقته السياسة تجمعه البلديات. فخصوم الأمس القريب في الشياح يعدّون للاجتماع في ائتلاف موحد في هذه الانتخابات، يرأسه خصم التيار الوطني الحر في الانتخابات الأخيرة إدمون غاريوس، وتتوزع حصصه على العونيين والقوات والكتائبيين. ومن عاصمة بعبدا إلى عاصمة كسروان، يضع آل أفرام لمساتهم الأخيرة على ائتلاف يجمعهم والعونيين والقوات والنائب السابق منصور البون. أما في قرنة شهوان فتجتمع القوات والكتائب والعونيون تحت قيادة جان بيار جبارة. وتبقى المفاجأة الكبرى لبعبدات، حيث يدعم الرئيس إميل لحود ائتلافاً يشارك التيار الوطني الحر فيه، ويترأسه الرئيس الحالي للمجلس البلدي عماد لبكي، القريب من القوات اللبنانية. وضمن الغرائب أيضاً، تبرز بلدة بيت مري حيث نجح الرئيس الحالي للمجلس البلدي أنطوان مارون في تأليف لائحة تضم التيار والكتائب والقومي والقوات، جنباً إلى جنب.
ليست الظاهرة عونيّة حصراً، فالكتائب اللبنانيّة تواجه المشكلة ذاتها
يظهر القواتيّون انضباطاً واستعداداً للتضحية بالحسابات العائليّة لاكتشاف حجمهم
هي إذاً علاقات شخصية تتقدم على العلاقات السياسية، ومصالح محلية تفرض نفسها على المصالح الحزبية. ولا يستغرب حصول معارك طاحنة بين من يفترض أنهم حلفاء. ففي بلدة ضبيّة مثلاً، لا يقيم العونيون حساباً لتحالف التيار الوطني على مستوى القيادة مع الحزب السوري القومي. فهم حاولوا احترام هذا التحالف وطلبوا مرات عدة من الرئيس الحالي للمجلس البلدي قبلان الأشقر، القومي، أن يسمح لهم بتسمية مرشحين على لائحته، لكنه رفض ففتح العونيون باب التحالف مع الكتائب. ويبدو أن للاتفاق العوني ـــــ الكتائبي نصيباً، فيما يحاول النائب السابق إميل إميل لحود بمبادرة شخصية تقريب وجهات النظر بين العونيين والأشقر. في الأثناء، يتمدد الانسجام العوني ـــــ الكتائبي من المتن إلى عاليه، حيث يتلاقى في شرتون العونيون والكتائبيون في تحالف تواجهه القوات اللبنانية، الحليفة المفترضة للكتائب. وبين القوات والكتائب أكثر من ذلك، فقد نجح العونيون في الإيقاع بينهم، من دون قصد، في سن الفيل. فقد جرى تداول حصل فيه اتفاق أوّلي بين عونيي البلدة والرئيس الحالي للمجلس البلدي نبيل كحالة، الكتائبي، يحصل العونيون بموجبه على ثمانية مقاعد من أصل خمسة عشر، فيما يحصل كحالة على سبعة أعضاء، إضافة إلى موقع الرئيس. فاعتذر كحالة نتيجة ذلك عن تبنّي ترشيح أي قواتي لينشب خلاف كتائبي ـــــ قواتي. لكنّ قيادة التيار تدخلت لاحقاً لتقنع عونيي البلدة بدعم ترشيح عبدو شاوول إلى موقع الرئيس. وهكذا قرر العونيون تأليف لائحتهم الخاصة، تاركين كحّالة يواجه مصيره وحده بعدما خسر تأييد القوات والعونيين ومعظم أنصار حزب الوطنيين الأحرار في سن الفيل الذين يؤيدون شاوول ـــــ ابن العائلة الشمعونية.
أما في الدكوانة، فبعد كل ما قاله العونيون عن النائب ميشال المر، تراهم يتحالفون معه من دون الرجوع إلى قيادة التيّار بحجة وجود قواعد مشتركة اتفقت على أن يكون أنطوان شختورة، القريب من المر، رئيساً وجورج صادق، العوني، نائباً للرئيس. ويفترض أن تواجه تحالف عون ـــــ المر في الدكوانة لائحة قواتية صبّ أنصارها المفترضون أصواتهم في الانتخابات الأخيرة لمصلحة النائب المر. وفي العودة إلى قواعد التيار، هي أكثر صرامة مع مرشح المر في الجديدة ـــــ البوشرية ـــــ السد الرئيس الحالي للمجلس البلدي أنطوان جبارة. ورغم اجتهاد البعض لإقناع العونيين بالتحالف مع جبارة، فإن الملفات التي أثارتها قناة أو تي في وتتهم جبارة بالفساد، تركت جدراناً تحول دون تقبّل عونيي الجديدة للتحالف مع جبارة، علماً بأن تفاهم عون ـــــ المر الذي يسوّق له البعض يبدو بعيداً اليوم، إذ يعدّ العونيون لمعارك جدية، حظوظهم في ربحها كبيرة، في الجديدة والزلقا وأنطلياس والمنصورية. وهذه جميعها يعدّها المر ملكية خاصة. إضافة إلى ذلك، بدأ عونيّو بتغرين بالإعداد لمعركة ضد المر.
تحاول الأحزاب إذاً الخروج من الانتخابات البلدية بأقل خسائر ممكنة، تاركة حزبييها يفصّلون اللوائح على مقاسات عائلاتهم، كأنها بذلك تعترف بأن الانتماء الحزبي في أكثر المراحل اللبنانية حماسة للسياسة ما زال ثانوياً جداً، مقارنة مع الانتماء للمصالح والعائلات.
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment