Tuesday, April 20, 2010

قطار التوافق الصيداوي: انطلاقة تحتاج إلى حماية
من رفض التحالف المتبادل، والانتظار الذي عاشته القوى الصيداوية، وسط شعورها الضمني بأن كل طرف يمكر بالآخر ويعدّ لمعركة انتخابية، إلى اتفاق على التوافق، على الأقل، معلناً من طرف ولا اعتراض من الطرف الآخر، وكل ذلك خلال ساعات قليلة
فداء عيتاني
لا يستكين طرف إلى آخر في صيدا، وكل طرف يرى أن هناك مكيدة ما تدبّر له، وأن الآخرين يشنّون حملة، سراً يعدّونها للحظة الحسم، ولكن رغم ذلك، فإن الانتخابات البلدية في صيدا تتجه نحو الاتفاق على مجلس بلدي، برئاسة شخص مقبول من الطرفين، هو رجل الأعمال المهندس محمد السعودي (راجع الإطار). أمس، كان نهار التوافق في صيدا، وبينما ظهرت بداية التسوية من عند المعارضة، وخاصة النائب السابق أسامة سعد، فإن من يتابعون حركة النائبة بهيّة الحريري لاحظوا أيضاً أن حركتها كانت تنحو نحو تسهيل تمرير التوافق على السعودي، رجل الأعمال الذي لا يعدّ مناصراً لطرف محدد، من دون أن يكون بعيداً عن أيّ من الطرفين، علماً بأنه بنى حصانته وموقعه من خلال انتفاء أيّ حاجة فعلية إليه بالتركيبة السياسية القائمة في البلاد.
وقد سبق هذا المناخ التوافقي ما يشبه الاستعداد للمعركة، فقد نقل عن النائبة بهيّة الحريري أنها لا توافق على التحالف مع أسامة سعد ورئيس البلدية الحالي الدكتور عبد الرحمن البزري. في المقابل، رد سعد، أمس، منتقداً «طريقة إدارة الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري موضوع التنمية، بعد كل ما جنوه على اللبنانيين عموماً، والصيداويين خصوصاً»، محمّلا فريقهما إيصال الدين إلى «نحو 60 مليار دولار».
وقال تعليقاً على موقف بهيّة الحريري: «خيراً كشفت عن حقيقة موقفها من استحقاق الانتخابات البلدية، هذا الأمر لا يفاجئنا». ورأى «أن الكلام عن إشراك جميع العائلات والقطاعات في القرار لم يكن أكثر من محاولة فاشلة لذرّ الرماد في العيون، بهدف الاستئثار والتفرد». إلا أن كلام الصباح محاه ما بعد الظهر، وبرأي متابعين لملف الانتخابات البلدية ومعنيين بها، فإن التوافق لا يخضع للمواقف السياسية، وإن كلام سعد لن يتغيّر بعد الوصول إلى التوافق إذا ما سارت الأمور على خير ما يرام.
بعد هذا الموقف لسعد، كان البزري يلتقي رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، ومن بعدها كانت النائبة الحريري تجتمع إلى الأمين العام للجماعة الإسلامية إبراهيم المصري. وقبل هذا وذاك، كان وفد من الجماعة الإسلامية في صيدا يلتقي مفتي صور محمد دالي بلطة، والحديث الرئيسي هو التوافق على مجلس بلدي في صيدا برئاسة السعودي. ولكن، كيف أتى هذا الكمّ من الوئام فجأة؟
قبل نحو أسبوعين، وبعدما أعلن البزري عدم نيته الترشح مجدداً، كان بحث عن كيفية إخراج المعارضة في صيدا من الإحراج، وخاصة أن الطرفين، أي آل الحريري والمعارضة، لا يملكان خيارات حقيقية لترشيحها إلى رئاسة البلدية على رأس اللوائح المنوى تأليفها، بعد استطلاع سريع لمجموعة من الأسماء التي رفضت الترشح. وإن كان الطرفان في صيدا يقولان إلى من يسأل إن الوقت ما زال مبكراً للبحث في الأسماء.
ورأى المعارضون أن السعودي قريب من سعد، ومن البزري أيضاً، وفي الوقت عينه علاقاته جيدة مع آل الحريري في صيدا. وبالتزامن مع طرح اسمه، كان السعودي يراجع سعد والبزري وغيرهما، فيعلن أولاً عدم رغبته في خوض الانتخابات، وخاصة أنها ستكون محرقة، معتبراً أن الدخول في صراع سيعطل أي إمكانات عمل جدية، وبعدما استشفّ الرجل جديّة بهية الحريري في طرح التوافق، بادر إلى الاتصال بعدد من الأطراف الصيداوية، معلناً أمام الجميع أمرين: أولاً أن بهية الحريري جدية في طرحها أن يكون رئيس بلدية للائحة توافقية؛ وثانياً أنه سينسحب إذا أبدى أيّ طرف معارضة، سواء كان سعد والبزري أو غيرهما. وطلب من الحريري تسهيل لقائه بالجماعة الإسلامية، بصفتها الطرف الوحيد الذي لا تربطه به علاقات سابقة.
فالطرفان الرئيسيان في المعارضة والأكثرية يتحدثان عن مجلس بلدي من خارج المحاصصة، وعن مجلس يضم أشخاصاً مقبولين من الطرفين الرئيسيين، وعن عزل الانتخابات والتوافق عن الخطاب السياسي، الذي يبدو واضحاً أن الطرفين مصرّان على الحفاظ على حدّته، لعدم الإيحاء بأن التوافق البلدي يعني بداية تحاور سياسي أو تسوية من خارج السياق السياسي العام في البلاد.
ولكن، ما تزال الطريق أمام التوافق المنجز طويلة، فهناك عامل الوقت، وخاصة أن طرح التوافق قبل شهر وبدء إعلان الأسماء، ولا سيّما اسم رئيس اللائحة التوافقية، قد يسهّل ضربه أو حرقه مع الوقت. هذه وجهة نظر، وهناك وجهة نظر أخرى تقول إن تقدم الوقت سيؤدي إلى تراكم مواقف ولوائح وارتباطات بأسماء مرشّحة يكون من الصعب بعدها إعلان توافق في المدينة.
ومن الصعوبات أمام التوافق أيضاً تأليف لائحة مكتملة، تتوافق عليها الأطراف كافة، ولا سيما أن الأسماء المرشّحة حتى اليوم ليست كثيرة، والجميع حريص على عدم إعلانها، والمطلوب لدفع التوافق إلى النجاح الاتفاق على معظم الأسماء، وبعدها يصبح تمرير اسم أو اثنين لطرف أو آخر أمراً ممكناً، ولكن على أساس شواذ القاعدة، لا على أساس تقاسم الحصص.
ولم تُبحث بعد التفاصيل الفعلية للتوافق، لا مع السعودي الذي لا يزال في إطار تمهيد الأجواء، ولا بين الأطراف نفسها. كذلك، فإن العامل الذي يراه البعض الأخطر هو «أننا في لبنان»، أي أن المفاجآت واردة.
سعد، من ناحيته، أكد أمس التزامه التسوية، حين استقبل السعودي وصرح بعدها أن ثمة «أوضاعاً متردّية تعانيها مدينة صيدا على مختلف الصعد التنموية والاجتماعية، وأن هناك ضرورة لقيام المجلس البلدي الجديد بدوره في مجال التنمية الحقيقية بهدف تحسين مستوى معيشة الناس، ولا سيما الفئات الشعبية».
وقال سعد لـ«الأخبار» إن «السعودي لم يكن يوما بعيداً عن التيار الذي نمثله وان الفضل يعود إليه في فتح سوق العمل في الخارج للعديد من الشبان الصيداويين المنتمين إلى تيارنا. لا نتنكر ذلك اطلاقاً، لكنه لايعني اننا سنمضي بمشروع التوافق على اسمه على العمياني وقبل ان نكتشف ان لا مناورة من وراء طرح اسمه».
ونُقل عن سعد قوله إنه لا مشكلة بتأليف مجلس مستقل عن القوى، ولكن في السياسة لا تسوية مطروحة، بل كل ما يجري هو إيصال مجلس بلدي على مسافة واحدة من الجميع، وإذا لم تصل هذه المبادرة إلى النتيجة المطلوبة عبر تمثيل الفئات الاجتماعية في صيدا، فإن فريقه جاهز للمعركة الانتخابية، وهو ما أشار إليه أحد القريبين من الاستعدادات الميدانية حين قال إن طرح التوافق قد تم منذ ساعات فقط، ولم يبدأ بعد الانعكاس على الأرض.
ويرى هؤلاء أن من الأسباب التي تدفع سعد إلى السير في التوافق البلدي هو أن الشارع الصيداوي لا يرى سبباً عميقاً لخوض معركة، ولا سيما أنه غير مسيّس بالمعنى العميق للكلمة، وأن الأكثرية تفضل أن تصل الأمور إلى اتفاق بين الأطراف، وهو ما سيعطى فرصة كاملة عبر محمد السعودي.
البزري، من ناحيته، قال بعد لقائه رئيس مجلس النواب إن «الانتخابات البلدية والاختيارية لا يجب أن تعطل الشق الإنمائي والشق الخدماتي». ورأى أن الاستقطاب السياسي في صيدا ما زال موجوداً، والخلاف في الرؤية في المدينة ما زال موجوداً، لافتاً إلى أننا ننظر إلى الأمور نظرة مختلفة، تحديداً في ما يتعلق بعلاقة صيدا مع الجنوب ودورها في الوطن ودور الوطن في محيطه العربي ودعمه للمقاومة..
________________________________________

محمد السعودي... صيته سبقه
صيدا ــ خالد الغربي
«التوافق على ترشيح رجل الأعمال الصيداوي محمد السعودي لرئاسة بلدية صيدا»، هذا الخبر انتشر أمس في المدينة التي كان من المفترض أن تجري فيها معركة انتخابات بلدية قاسية. للوهلة الأولى، ظنّ الصيداويون أن الأمر لا يعدو أن يكون «رمياً» لاسم في بورصة الأسماء الانتخابية، قبل أن يتأكد الخبر مع اجتماع عقده السعودي والدكتور أسامة سعد، الذي استقبل مناصروه التوافق على مضض ولم يهضموه بعد، لا انتقاصاً من «المعلم» محمد كما يحلو لشباب من التنظيم الشعبي، مدّ السعودي يد العون لهم وأرسلهم إلى العمل في دول عربية وأجنبية في مشاريع تنفذها شركة المقاولات C.C.C التي كان نائباً لرئيس مجلس إدارتها، وبات راهناً مستشاراً نافذاً فيها، بل لأنهم كانوا يعتقدون أن لا توافق مع الخصوم السياسيين، أي مع تيار المستقبل، ممثلاً بالنائبين بهية الحريري وفؤاد السنيورة.
يروي شبّان أسهم السعودي في توظيفهم أنه وفّر فرص عمل للعشرات من المحسوبين على آل سعد، يوم كان آل الحريري يحكمون حصارهم التوظيفي على سعد، حتى باتت المعادلة أن الحريريين يسفّرون الناس إلى السعودية وبعض دول الخليج، وأسامة عبر محمد السعودي يوفّر فرص عمل للشباب في كازاخستان والسعودية والبحرين وأفريقيا وقطر، وأن الصيداويين العاملين في هذه المشاريع يتمتعون بحصانة اسمها «السعودي». ويشير أحد أقرباء السعودي، واسمه حسن جرادي، إلى أن «أكثر من مئتي شاب صيداوي يدينون للمعلم محمد بتسفيرهم إلى الخارج للعمل في مشاريع تنفذها شركة المقاولات الكبرى، وتحصيل قوت يومهم، وأنه من النوع الذي يرفض تمنين الناس، ولطالما ردد أنه واجب عليّ أن أدعم أهل بلدي».
ويؤكد عدد ممن رافقوا الشهيد معروف سعد أن «هذا طُرح ذات مرّة، وقبل نحو أربعة عقود اقترح تعيين الشاب محمد السعودي مهندساً بلدياً في بلدية صيدا. لكن هذا الشاب الذي يحمل إجازتين في الهندسة المدنية وإدارة الأعمال سافر ليبدأ عمله موظفاً بسيطاً في شركة المقاولات C.C.C، متنقلاً بين الدول حيث مشاريع الشركة ومكاتبها، من السعودية إلى اليونان. وخلال عمله في الخارج تدرج في الشركة حتى بات أحد الآمرين والناهين داخلها وكلمته لا ترد»، يقول أحد المتحمّسين له شخصياً قبل قصّة التوافق البلدي.
قبل ثلاثة أشهر، كانت علاقة محمد السعودي بالقوى السياسية الصيداوية شبه محصورة بعلاقته بأسامة سعد، يتزاوران متى جاء «المعلم محمد» إلى صيدا، إلى أن تلقّى ذات يوم اتصالاً خلال وجوده في منزله في الهلالية من السيدة بهية الحريري: «سيّد محمد، جايي اشرب فنجان قهوة عندك». ومن يومها وطّدت بهية الحريري علاقتها بالسعودي، من دون أن يقطع الأخير علاقته بأسامة. وراحت بهية في لقاءاتها تتحدث عن السعودي إيجاباً. «هناك كثر في المدينة يقدمون يد العون والمساعدة لها، ومثال على ذلك السيد محمد السعودي»، كلام كرّرته الحريري ولم يفهم مغزاه في حينها، ليكتشف أنه كان بمثابة تمهيد للرجل لاحتلال موقع رئاسة البلدية، وكلما رددت ذلك زادت من مفاجأة سامعيها، على اعتبار أن السعودي مصنف في خانة أخرى غير خانة الحريرية. زيارات الحريري المكثفة للسعودي جعلته في عداد المشاركين في لقاء رجال الأعمال الذي ترعاه الحريري والسنيورة، وهو لقاء لم يتردد أسامة في انتقاده وتشبيهه بمجلس اللوردات.
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment