Monday, April 19, 2010

موسم الهجرة إلى «السفارة
جمعت سفارة سوريا في لبنان، في أول حفلٍ لها، أغلب الطاقم السياسي اللبناني، في حشد يُعلن التحوّلات السياسيّة التي عاشها لبنان منذ أكثر من سنة. حضر لبنان بسياسيّيه ليؤكّد أن «الغالبيّة» تريد علاقةً متينة مع سوريا بعكس ما كان في السنوات الخمس الماضية
ثائر غندور
دارت البرازق السوريّة على الجميع. لم يبقَ أحدٌ لم يتناولها «ليحجز مطرحاً له»، كما قال الوزير طارق متري. النائب وليد جنبلاط خطف الأضواء كعادته. قدّم له النائب عاصم قانصو مساعدةً كبيرة في ذلك، عندما انتظره ليُسلّم عليّه وعلى زوجته نورا جنبلاط.
أمتار قليلة حالت دون السلام بين المدير العام لقوى الأمن اللواء أشرف ريفي، وسلفه اللواء علي الحاج. لكن اللقاء حصل بين الوزير السابق عدنان عضوم وخلفه القاضي سعيد ميرزا.
النائب أحمد فتفت داس مرتين على قدم أحد السياسيين، إذ كاد يهرول وهو يتجه للسلام على السفير السوري علي عبد الكريم علي. السياسي اشتكى للصحافيين.
النائب جورج عدوان يؤكّد وهو واقف بقرب علي عبد الكريم علي، أنه يُمثّل القوّات اللبناني، وأنه آتٍ كنائب لرئيس هيئتها التنفيذيّة. يقول عدوان كلاماً إيجابياً بحق سوريا والسفير، الذي لا يبدو فرحاً بكلمات عدوان.
الوزير غازي العريضي يقف بهدوء بين الناس. لا يُزاحم على الاقتراب من هذا أو ذاك، ولا يسعى للظهور بالصور. أصلاً هو سبق الجميع إلى الشام عندما كلّفه جنبلاط بالعلاقة مع دمشق.
النائب أسعد حردان يقف في آخر صالة البيال. يأتي من يقول له تفضّل إلى الصفوف الأماميّة، لكنه يبقى في مكانه «مرتاح هنا». يُراقب المشهد من بعيد مبتسماً، ثم يسكت ويطلب من الواقفين معه الاستماع إلى النشيد الوطني اللبناني.
في زاوية من القاعة، أقام بعض رجال الدين صلاة الجماعة، ليُباركوا هذا الجمع، كما قال أحدهم.
يوم أمس، حضر لبنان إلى البيال لتهنئة سوريا بجلاء الجيش الفرنسي عن أراضيها. حضر ما يربو على 3000 سياسي ليشكّلوا أكبر حفل استقبال تنظّمه سفارة في لبنان. كثيرون حضروا مع عائلاتهم. التقى الأصدقاء القدامى والحاليون. تبادلوا المزاح والنكت... وأخبار الانتخابات البلديّة.
يوم أمس، شهد لبنان حدثاً سياسياً، هو نتيجة لانقلاب موازين القوى في البلد وتعبير عنها. كثيرون قالوا فيه إنه تعبير عن عراقة العلاقة بين البلدين، رغم أن «البعض في لبنان لم ولن يرتاحوا للعلاقة مع سوريا في وجود سفارة أو عدمها»، كما قال الوزير محمّد فنيش.
جذب جنبلاط الأضواء وشاركه عاصم قانصو «النجوميّة»يوم أمس، كان مرهقاً لعلي عبد الكريم علي. كان عليه أن يبتسم ويُصافح مئات من السياسيين، وخصوصاً أن تقاطر الوفود بدأ قبل الساعة السابعة، الموعد المُحدّد للاستقبال. هذا ما قام به وفد حزب الكتائب الذي ضمّ النائبين سامر سعادة وفادي الهبر ونائب رئيس الحزب شاكر عون. ربما لم يُريدوا للإعلام أن يلتقط صورهم.
أمّا ممثلا القوات اللبنانيّة، الوزير إبراهيم نجار والنائب جورج عدوان، فتصرّفا براحةٍ كبيرة. مازحا الصحافيين، ولم تُفارق البسمة وجنتي عدوان، لا بل بدا كأنه أبو العريس.
بدوره، تحلّق وفد تيّار المستقبل وممثلون للرئيس فؤاد السنيورة (الذي ضمّ النواب: أحمد فتفت، عمار حوري، محمد الحجار، باسم الشاب، عاصم عراجي وبدر ونّوس) حول السفير السوري ليلتقطوا الصورة معه. ويقول حوري: «نزلنا لنُعايد ونهنئ، واحتفلنا بإنجاز سعينا له طويلاً، وهو وجود سفارة والعلاقات المستمرّة والطبيعيّة والمتوازنة». وأشار إلى مشاركة كلّ الأطياف اللبنانيّة، «ولا نريد فريقاً يقول إنه في الماضي كان البعض على صواب وآخر على خطأ، أو إن العلاقات اللبنانيّة ــــــ السوريّة في الماضي كانت طبيعيّة، الطرفان أخطآ ونحن نريد فتح صفحة جديدة».
ولحظة وصول وليد جنبلاط إلى القاعة، ترك عشرات الصحافيين أماكنهم، واتجهوا صوبه. انتظروا لحظة العناق بينه وبين عاصم قانصوه. ضحك الرجلان طويلاً. ثم كرّت عناقات جنبلاط، الذي أعطى تصريحات عدّة لفضائيّات عدّة بين عناق وآخر. شدّد الرجل على أن هذا الجمع هو تأكيد للثوابت: الطائف والمقاومة واتفاق الهدنة وللعلاقة المميّزة بين البلدين. وأكّد أن الشوائب التي عرقلت العلاقة بين البلدين في السابق لن تتكرّر بشيء من الحكمة.
أمّا وزيرا حزب الله محمد فنيش وحسين الحاج حسن، ورئيس كتلته النيابيّة محمد رعد وعدد من أعضاء الكتلة، فتحوّلوا إلى مقصدٍ للكثير من الحاضرين. منهم من يحمل شكوى، ومنهم من يُريد أن يرسل سلاماً. وآخرون أرادوا أن يُثبتوا حضورهم، وقال رعد إن «ما نشهده اليوم هو تظهير لحقيقة العلاقة مع سوريا التي حاول الكثيرون التدليس عليها وافتعال الالتباسات، لكن العلاقة بين لبنان وسوريا هي أكبر وأعظم وأهم من التبادل الدبلوماسي بين البلدين».
وصل الرئيس نبيه من ندوته في البريستول، فاعتلى السفير علي عبد الكريم علي المنبر، يُحيط به برّي وممثل رئيس الجمهوريّة الوزير علي الشامي، وممثّل رئيس الحكومة الوزير عدنان القصّار. أعلن علي سعادته بالحديث «من على هذا المنبر من بيروت، العاصمة الأقرب إلى دمشق في الجغرافيا والتاريخ والأنساب والروابط الأخوية الجامعة، أن أتوجه بالتحية والتقدير إلى هذا الحشد الكريم الكبير من الإخوة والأصدقاء الذين كرّمونا بحضورهم».
وأشار السفير السوري إلى أنه حتى لو كان هذا «الاستقبال هو الأول لسفارة الجمهورية العربية السورية في لبنان، فإن لقاء الإخوة وتعاونهم وتمازج أفراحهم وأتراحهم في البلدين الشقيقين، يمتد على مساحة التاريخ كله، ولا أحسبني أفاجئ أحداً إذا قلت إن العائلات في الدولتين السيدتين المستقلتين متوزعة بين البلدين، فلا تكاد تجد شجرة عائلة إلا لها امتداد على الضفتين».
ورأى علي أن الموقع الجغرافي للبلدين يجعلهما «هدفاً لكل صنوف الطامعين والمستعمرين والغزاة والباحثين عن الهيمنة، واحتفالنا اليوم يرمز إلى واحد من شواهد تملأ تاريخنا، تؤكد تشبّث شعبنا بأرضه وكرامته»، مضيفاً: «أحسب أن جدران الخوف من عدو متغطرس لا يقهر قد انهارت بعد حرب تشرين التحريرية التي خاضتها مصر وسوريا عام 1973، وبعد النصر المدوّي الذي حققه لبنان المقاوم عام 2000 في تحرير أرض الجنوب وفي الصمود المشرف الذي أربك كل حسابات الأميركيين والإسرائيليين، وأسقط رهانات الهيمنة والإلغاء في تموز 2006».
________________________________________

فنّانون ونكات
إلى جانب المشاركة السياسيّة، شارك العديد من الفنانين اللبنانيين، فاعتلى المغني راغب علامة المنبر كأنه من أهل الدار، ويتزامن ذلك مع خبر طموح شقيقه إلى أن يكون مرشحاً عن المقعد الشيعي في بلديّة بيروت. وشارك الفنانون: وديع الصافي، ملحم زين، معين شريف، الياس الرحباني، غدي الرحباني، ميشلين خليفة، التي قالت إن مشاركتها في هذا الحفل أكثر من طبيعيّة، وخصوصاً أن سوريا «كرّمتني في عهد الرئيس حافظ الأسد يوم تعرّضت للإجحاف في لبنان»، وأكّدت أنها «مبسوطة لحضور احتفال لسوريا في لبنان، رغم إيماني بأنهما جسد واحد وشعب واحد».
وقد اختتم الحفل بعرض فيلم ترويجي عن سوريا أعدّته وزارة الإعلام السوريّة، وذلك على وقع صوت السيّدة فيروز.
أمّا عندما دخل أحد المقرّبين من سوريا القاعة وشاهد الحشد وحجمه، همس في إذن زميل له: «لو عُقد هذا الاستقبال منذ سنتين، لكنّا جلسنا قليلين وتسايرنا بهدوء من دون عجقة»، كما لاقى حضور رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب روبير غانم الكثير من التعليقات الساخرة، بينما رحّب الجميع بالنائب نقولا فتوش.
________________________________________

حمادة يحضر ليقول: أنا هنا دائماً
مثّل حضور النائب مروان حمادة مفاجأةً للكثيرين الذين لم يتوقعوا ذلك. لكنّ حمادة قال إن ذهابه يأتي «تلبيةً لدعوة سورية عزيزة على قلبي، لمناسبة مشتركة بين البلدين، وإننا نُلبّي دعوات سفارات عربيّة كثيرة، فالأحرى أن نلبّي دعوة سوريا»، نافياً أن يكون ذلك تمهيداً لزيارةٍ إلى دمشق. حمادة أكّد أن الاحتفال بحدّ ذاته تأكيد لتحقيق مطلب قديم وهو تبادل السفارات.
ولحظة شاهد الوزير السابق فايز شكر حمادة توجّه إليه بالسؤال: «ما الذي تفعله هنا؟». فأجابه حمادة: «ولو، ما أنا هنا دائماً. ألا تذكر عملي في جبهة الخلاص، وتشاركنا في حكومة واحدة، وعملي من أجل الاتفاق الثلاثي». فردّ شكر: «وشو بعدك عم تعمل بـ14 آذار، ما خلصو، تعال صوبنا». أجاب حمادة: «قادم قادم».
وجود حمادة استفزّ البعض. وعندما مازح أحد السياسيين آخر مقرّباً من سوريا سائلاً إياه: «ماذا تفعل هنا؟»، أجابه: «معك حق. لمّن يكون مروان حمادة هنا، علينا أن نذهب إلى عوكر».

جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment