Friday, April 23, 2010

«دولة التنصّت»: إمّا تفكيكها وإمّا «مشكل كبير»...
جان عزيز
يعتقد بعض السياسيين المعنيين بملف «التسوية» الشاملة الحاصلة هذه الأيام، داخل لبنان وخارجه، أن هناك فرقاً كبيراً بين سرعة التسوية السياسية وسرعة التسوية الأمنية. ففي الأمن لا تزال «الحرب الباردة» قائمة فعلاً، وهي تستمد مشروعيتها على ما يبدو من أكثر من عامل، منها استمرار «التركيبات» الشخصية والمؤسسية الموروثة من مرحلة ما قبل 7 أيار، ومنها استمرار الحسابات الانتظارية ونظريات «القتال التأخيري» وعدم تسليم الأوراق كاملة، علّ جديداً يطرأ. ومنها أيضاً بروز رهانات «وصائية» جديدة على طريقة أن «الجو» السوري الجديد، لا بد من أن يعيد في مكان ما تجربة وصايته السابقة، لجهة تشجيعه على «التعددية» الأمنية والاستخبارية، ضماناً لمبدأ «التقاطع»، وهو ما سيسمح لتركيبات 2005 بالاستمرار في عام 2010، مع بعض التكيفات لا غير.
إلا أن السياسيين المتابعين لهذا الملف يشيرون إلى خطأ أساسي في حسابات أصحابه، وهو الخطأ حيال تقدير خطورة الموضوع وجذريته. ذلك أن جوهر المسألة في هذه القضية هو وجود جهاز أمني كامل، ليس خارجاً عن الدولة فحسب، بل يكاد يكون أكبر من الدولة، فكيف إذا كان يتصرف عكسها، أو حتى ضدها. ويؤكد السياسيون أنفسهم أن قضية الاتفاقية الأمنية الأميركية أعادت تسليط الضوء على هذا الوضع الشاذ. يكفي التذكير بأن هذا الاتفاق أعاد التنبيه إلى الحجم المالي الضخم المنفق في هذا المجال، فهو يخصّص للجهاز الأمني المذكور مبلغاً قدره 104 ملايين دولار أميركي، كانت الإجراءات الفعلية قد أقرت تحويل نصفه، أي 52 مليوناً. ولأن الشيء بالشيء يذكر، تنبّه السياسيون أنفسهم إلى أنه حين أقرّت دولة خليجية هبة مالية للبنان بعد حرب تموز 2006، بقيمة 300 مليون دولار، تبين عند «التسليم»، أن مئة مليون منها مخصّصة لهذا الجهاز أيضاً. كذلك فإن دولة خليجية أخرى قدمت له هبة بمبلغ مماثل، فضلاً عن مساعدات عينية أوروبية وأميركية، لا تقلّ وفق التقديرات عن القيمة نفسها.
ماذا تعني هذه المبالغ في دولة مثل لبنان؟ الشيء الهائل جداً، يؤكد السياسيون المعنيون، وخصوصاً أنها تصرف من خارج كل الموازنات العادية التشغيلية، التي توفرها خزينة الدولة للجهاز نفسه. ما هي الميادين الأساسية لاستثمار هذه الإمكانات؟ يجيب المعنيون: في مجالين اثنين: تكوين شبكة معلومات، أي مخبرين، والتنصت.
غير أن المقارنة بين «المنتج» الأمني المتواضع لهذا الجهاز، و«منتج» أجهزة أخرى ذات إمكانات متدنية جداً مقارنة به، تدفع السياسيين أنفسهم إلى الحذر والريبة، من كون الاستثمار الفعلي لهذا الجهاز لا يزال متركزاً على الشأن السياسي الداخلي، أكثر منه على مجال الأمن الداخلي، أي المصادر الخارجية لهذا الخطر.
على سبيل المثال، يشير هؤلاء إلى أن مسألة التنصت على كل المتعاطين بالشأن العام، تبدو الوظيفة الرئيسية لهذا الجهاز. فهو لا يزال يحظى بالداتا الكاملة لحركة الخلوي في لبنان، وما يهمه منها نحو عشرة آلاف خط، تمثّل «الشبكة الخلوية السياسية» في البلد. حتى «الخطوط المقفلة» باتت محددة وموضع رقابة. والمقصود بها، أن قسماً من كبار السياسيين يملكون خطوطاً خلوية مقفلة دائماً، منعاً لرصد حركتهم عبرها. غير أنها تفتح فقط عند الاتفاق عبر خطوط أخرى، على استعمالها لتبادل مكالمات بالغة الدقة. غير أن تزويد الجهاز المذكور بالداتا الدائمة والكاملة سمح بتحديد هذه الخطوط، كما يسمح بتجديد معطياتها، عند أي تبديل لأرقامها، نظراًَ إلى رصد سلسلة الاتصالات السابقة.
مسألة أخرى بالغة الحساسية، هي القدرة على التنصت عن «بعد مجاور»، عبر السيارات المتنقلة المجهزة لهذه المهمة.
حتى إن السياسيين أنفسهم يشيرون إلى أن بيروت ممسوحة دائماً، وموزعة على سيارات تنفذ مهمات التنصت على مضمون المكالمات وحتى اللقاءات، عبر سيارة مموهة مركونة في الشارع، تحت تغطية ما.
ولا يتردد أحد السياسيين في الجزم بأن تنصتاً على هاتفه الخلوي، استخدم في الدفاع الحكومي في قضية الاتفاقية الأمنية المثارة في المجلس النيابي، وهو ما باتت جهات رسمية مطلعة على تفاصيله.
«المعالجة مطلوبة، تحت طائلة جر البلد إلى مشكل كبير»، يقول أحد المعنيين، مشدداً عليها. وباكورة الجواب تعديل الاتفاقية الأميركية، ومن ثم تفكيك الذهنية التي جاءت بها، واستثمرت فيها.
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment