Wednesday, April 14, 2010

قناة باكيشتُعدّ مخالفة لقانون تملك الاجانب
تعد قناة باكيش نقطة انطلاق بالنسبة إلى ربط مراكز التزلج في فاريا المزار وفقرا والزعرور (هيثم الموسوي)
عندما اعترض وزراء التيار الوطني الحر على تمديد مهل تنفيذ مشروع «قناة باكيش» السياحي من دون شروط، لأنه يخالف قانون تملّك الأجانب وينطوي على مضاربات عقارية لا تمتّ بصلة إلى السياحة ويؤسس لبناء قرية تتجاوز مساحتها مساحة بسكنتا وتقضي عليها... عمد وزراء آخرون من تيّار المستقبل والقوات اللبنانية إلى اتهامهم بأنهم يعادون المستثمرين ولا يريدون للبنان أن يستقطب رساميل خارجية. فما هي قصّة باكيش؟
محمد زبيب، محمد وهبة
شهدت جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 6 نيسان الجاري، مناقشات حادّة بين الوزراء، على خلفية مناقشة طلب وزارة المال تمديد المهل القانونية لتنفيذ مشروع «قناة باكيش» السياحية من دون ربط المستثمر السعودي فهد العدل بأي شروط تفرضها القوانين والأنظمة المرعية الإجراء. فقد رفض وزراء التيار الوطني الحرّ إمرار المشروع على النحو الذي ورد فيه باعتباره مشروعاً عقارياً لا استثمارياً، يهدف إلى المضاربة وتحقيق الأرباح الريعية، مطالبين بتطبيق قانون تملك الأجانب وإلغاء الترخيص المعطى إلى الشركة الأجنبية صاحبة المشروع. فساندهم بمطلبهم الوزير سليم الصايغ (الكتائب) والوزير حسين الحاج حسن (حزب الله) الذي اعترض على كيفية انتقال العقارات بلا أي رسم، فيما لم يعلّق وزراء حركة أمل، واكتفى وزراء رئيس الجمهورية بطلب المزيد من التوضيحات. أمّا الوزراء ميشال فرعون، جان أوغاسبيان، وحسن منيمنة، فشنّوا هجوماً على الوزراء المعترضين، غير آبهين بالمعلومات التي تكشفها وثائق المشروع المعروضة أمامهم، وطالبوا بإمرار المشروع «على العمياني» لأن لبنان، برأيهم، بلد مفتوح على الاستثمار والمستثمرين، ولا يجوز أن تكون القوانين والأنظمة عائقاً في هذا المجال!
انتهت الجلسة من دون قرار، بحجّة غياب وزيرة المال ريا الحسن عن الجلسة، وضرورة الاستماع إلى شروحها، وهو ما قد يحصل في جلسة قريبة. فما هو مشروع قناة باكيش السياحي؟ ولماذا الاعتراض عليه؟ وما هي المخالفات التي ارتكبتها الحكومة في شأنه؟ من يمتلكه؟ ولماذا؟
قصّة الترخيص بتملّك العقارات
صدر بتاريخ 26/2/2005 المرسوم الرقم 14242 المتضمن موافقة مجلس الوزراء على الترخيص لشركة باكيش السياحية (ش.م.ل) بتملُّك العقار الرقم 5571 من منطقة بسكنتا العقارية ـــــ قضاء المتن ـــــ البالغة مساحته 1.036.915 متراً مربعاً، والموافقة أيضاً على تعديل نظام الشركة وإبقاء ملكيتها. وسُجّل هذا المرسوم بتاريخ 21/3/2005 في أمانة السجل العقاري في المتن.
فرز العقار إلى 1121 قطعة أرض بمساحة 700 متر لكل قطعة، مخصصة لتشييد 1121 فيلّا
وقد اشترط المرسوم المذكور على الشركة المرخص لها أن تتقيد بأحكام قانون اكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية العقارية في لبنان (المعروف باسم قانون تملّك الأجانب)، ولا سيما المادة 11 منه التي تنص على «أن على كل شخص معنوي أن يخصص العقارات موضوع التملك في الغاية التي من أجلها تملّك أو مُنح الترخيص في مهلة أقصاها خمس سنوات من تاريخ التسجيل في السجل العقاري، قابلة للتمديد مرة واحدة بقرار من مجلس الوزراء، وذلك تحت طائلة سقوط الحق أو إلغائه».
هذا المرسوم رخّص للشركة السعودية تملّك العقارات لإنشاء مدينة سياحية نموذجية، تتكون من فندق ومقاهٍ ومطاعم وشاليهات ومنتجع وحدائق وملاعب رياضية ومركز تزلج (20.000 متزلج) وأسواق تجارية، وما يقتضيه ذلك من إنشاء بنية تحتية وإنشائية (طرقات وتمديدات صحية وكهرباء واتصالات). وقدّرت الشركة كلفة هذا المشروع بنحو 180 مليون دولار، كما ورد في دراسة الجدوى الاقتصادية.
انتهت المهلة القانونية بتاريخ 21/3/2010، ولم تكن الشركة قد أنجزت أي عمل جدّي يتصل بما تقول عنه إنه مشروع استثماري سياحي، فلم تستحصل على الرخص المطلوبة ولم تستكمل الوثائق المفروضة ولم تبنِ أي منشأة، وذلك بذريعة الظروف القاهرة الخارجة عن إرادتها، بسبب الأحوال التي مرت بها البلاد، والتي حالت دون تمكنها من إنجاز البناء ضمن المهلة المحددة.
قبل انتهاء هذه المهلة القانونية للمباشرة بتنفيذ المشروع، أحالت وزارة المال على جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 17/3/2010 طلب شركة باكيش السياحية تمديد مهلة الإنجاز لمدة خمس سنوات إضافية تنتهي بتاريخ 21/3/2015، فوافق المجلس على الطلب، لكن شرط أن تستكمل الشركة المستندات المطلوب توافرها قانوناً في الملف خلال مهلة 6 أشهر، تحت طائلة سقوط حقها في التمديد.
إلا أن الشركة المستندة إلى دعم واسع من قوى نافذة في الحكومة اعترضت على هذا الشرط، وأرسلت بواسطة وكيلها المحامي عثمان عرقجي طلباً إلى وزارة المال تسعى من خلاله إلى إلغاء أي شرط عليها، مدّعية أن المستندات المقدّمة كاملة، وقد سقطت منها سهواً «الدراسة الاقتصادية»، وهذا ما جعل الطلب المقدم من الشركة غير مكتمل، وتعهدت إرسال هذه الدراسة مجدداً إلى مجلس الوزراء، متذرّعةً باستحالة تقديم طلبات الرخص للحفر ورخص البناء وموافقات التنظيم المدني وموافقات البلدية وغيرها من الاستحقاقات المطلوبة في مهلة ستة أشهر، فضلاً عن الأمور المتعلقة بالطرقات والبنى التحتية والقضايا البيئية وغيرها من المسائل المرتبطة ارتباطاً مباشراً بمواضيع الرخص الواجب إصدارها من المراجع الرسمية.
سرعان ما استجابت وزيرة المال ريا الحسن لرغبة الشركة، فأرسلت بتاريخ 31 آذار 2010 كتاباً إلى مجلس الوزراء تقترح فيه إصدار قرار جديد بتمديد الترخيص يكون خالياً من أي شروط، وقد تضمّن الكتاب بقية الدراسات التي قيل إنها سقطت سهواً... وهنا كان الخطأ الكبير.
الصفقة العقارية واكتشاف المخالفات
الدراسة التي قيل إنها سقطت سهواً في السابق كشفت عن حقيقة المشروع، فإذا به مشروع عقاري بحت لا يمت بصلة إلى الاستثمار السياحي. إذ تظهر دراسة الجدوى الخاصة بمشروع «قناة باكيش» السياحي أن الشق العقاري منه يوازي ما نسبته 96.4% من المساحة المرخص بتملّكها لجهة أجنبية، وهو شق ذو طابع ريعي خالص يحقق أرباحاً خيالية للمستثمر، فيما الشق السياحي ينحصر بنحو 3.5% فقط من المساحات المتملّكة.
مساحة الفندق والقرية السياحية توازي 3.64% فقط من مساحة العقار المرخّص بتملّكه
لقد ساورت بعض الوزراء شكوك بأن الشركة تحاول استغلال قانون تملك الأجانب لإنجاز صفقة عقارية ضخمة تحقق لها ربحاً صافياً يبلغ 340 مليون دولار في الحدّ الأدنى من جرّاء عمليات بيع عقارات صغيرة مفروزة. فدراسة الجدوى تبيّن أن العقارات المخصصة للبيع (بمساحة 700 متر مربع لكل عقار مفروز) تستحوذ على مساحة 784700 متر مربع، في مقابل 20 ألف متر لإنشاء قرية سياحية، و9 آلاف لإنشاء فندق و650 متراً لإنشاء «تيليفريك»، وهو يخالف المخطط التوجيهي، ولذلك وصف وزير السياحة فادي عبود هذا المشروع في مجلس الوزراء بأنه «مزحة سياحية».
وتبيّن أيضاً أن شركة «باكيش» استحوذت على العقار الرقم 5714 الذي يقع ضمن المشاعات البلدية، فوقّعت الشركة مع البلدية عقد إيجار بسعر رمزي لمدة تنتهي في عام 2228، وهي تنوي إقامة الفندق وبعض المرافق التابعة لمشروعها السياحي على عقار البلدية لا على عقارها الخاص الذي فرزته إلى قطع صغيرة للبيع!
ويقول رئيس بلدية بسكنتا سامي كرم إن قصّة دمج العقارين 5571 و5714 تعود إلى 30 عاماً مضت عندما أسّس عدد من آل كرم شركة لإدارة وتشغيل مركز للتزلّج فتملّكت العقار 5571 الذي تبلغ مساحته 1.036 مليون متر مربع، لكن إنشاء المركز كان يتطلب أيضاً استعمال العقار الرقم 5714 فوقّعت الشركة مع البلدية عقد إيجار بسعر رمزي لأن المشروع ينطوي على منفعة عامة ويهدف إلى ربط مراكز التزلّج (فاريا المزار، فقرا والزعرور).
إلا أن شركة آل كرم توقفت عن العمل منذ 15 عاماً، إلى أن بيعت أخيراً للمستثمر السعودي فهد العدل بقيمة 13 مليون دولار، وهو الذي استفاد من أن انتقال ملكية الشركة وعقاراتها لا يوجب أي رسم عقاري، فانتقلت ملكية العقار 5571 وعقد إيجار العقار 5714 إلى المستثمر الجديد. وبما أن هذا الأخير سعودي، فإن تملّكه للعقار 5571 يخضع لقانون تملك الأجانب الذي لا يجيز لأي أجنبي تملّك ما يزيد على 3 آلاف متر مربع إلا بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء ومبرر بإقامة مشروع استثماري لا عقاري، فضلاً عن أن انتقال عقد الإيجار يخضع للقانون نفسه أيضاً. لذلك، استحصلت شركة «باكيش» في 26 شباط 2005، من مجلس الوزراء، على مرسوم يمنحها مهلة 5 سنوات لتنفيذ غاية التملك التي صرّحت عنها.
إنّه مشروع عقاري!
يوضح وزير السياحة فادي عبود أن الشركة تحايلت على القوانين وعمدت إلى فرز العقار 5571 إلى 1121 قطعة أرض بمساحة 700 متر لكل قطعة، مخصصة لتشييد 1121 فيلّا، أي إن المساحات السكنية ستبلغ 784700 متر مربع. وتقدّر الشركة الكلفة الإجمالية للمشروع المزعوم بنحو 235 مليون دولار، في مقابل 575 مليون دولار للمبيعات، أي إن الأرباح الصافية ستبلغ 340 مليون دولار، وإذا احتسب سعر الأرض البالغ 13 مليون دولار، فإن الأرباح تنخفض إلى 327 مليون دولار.
المشروع يحطّم آمال أهل المنطقة الذين رأوا أن الربط بين المناطق التزلجية سيؤدي إلى انتعاش منطقتهم
وهذا يعني، برأي عبود، أن المشروع ليس استثمارياً، إذ إن الحجم المخصص للاستثمارات السياحية يعدّ «سخيفاً» مقارنة بحجم الأرض. فمساحة الفندق تبلغ 1.14% من مساحة العقار، أما مساحة الشاليهات في القرية السياحية فتوازي 2.5% من مساحة العقارات المفروزة للبيع والمضاربات، فضلاً عن أنها ملحوظة عرضاً في المشروع بلا أي تفاصيل. أما إقامة «التيليسكي» بطول 650 متراً، فتتناقض مع المخطط التوجيهي الموجود في وزارة السياحة الذي يعدّ باكيش نقطة انطلاق بالنسبة إلى ربط مراكز التزلج في فاريا المزار وفقرا والزعرور بعضها ببعض، ما يعدّ «مزحة تزلجية»، إذ يفترض أن لا تقل مسافة «التيليفريك» عن 2.5 كليومتر لربط المتن بكسروان.
وما يسهم في اعتبار دراسة الجدوى غير جديّة، أنها تتوقع أن تبلغ كلفة إنشاء متر الجرّ للبنى التحتية، 2700 دولار، أي أن الكلفة الإجمالية للبنى التحتية المتوقعة تبلغ 35 مليون دولار، علماً بأن مستثمرين سياحيين أكدوا لـ«الأخبار» أن كلفة البنى التحتية في مناطق مثل فقرا وغيرها لا تزيد على 200 دولار للمتر الواحد الجرّ!
ويرى كرم أن هذا المشروع يحطّم آمال أهل المنطقة الذين رأوا أن إنشاء مركز للتزلج وربط المناطق التزلجية بعضها ببعض سيؤدي إلى انتعاش منطقتهم، فهذا كان الهدف من إعطاء الشركة سابقاً الحق في استثمار العقار ببدل رمزي، فضلاً عن أن الإنشاءات السياحية المبنية على العقار 5714 يفترض أن تعود ملكيتها إلى البلدية بعد انتهاء العقد، فيما المشروع ألغى مركز التزلج «وبالتالي أصبح عقد البلدية بلا موضوع وقابلاً للطعن».
________________________________________

الكتائب: تحايل على القانون
يلاحظ أكثر من وزير تغيّراً في ممارسة حزب الكتائب في مجلس الوزراء. فعلى عكس وزيري حزب القوات اللبنانية والوزير بطرس حرب، بات وزير الشؤون الاجتماعية سليم صايغ يتخذ مواقف تتعارض أحياناً مع توجّهات تيّار المستقبل ورئيسه، رئيس مجلس الوزراء، سعد الحريري. الأمثلة لا تنحصر فقط بمشروع قناة باكيش، عندما ساند الصايغ وزراء التيار الوطني الحر جبران باسيل وشربل نحّاس وفادي عبّود، بل تنسحب على قضايا أخرى مهمّة، كموقفه المساند للتيار وحزب الله اللذين اعترضا على اقتراح ناقشه المجلس، يرمي إلى إعطاء كل بلدية يفوز مجلسها بالتزكية مبلغ 50 مليون ليرة كرشوة لتفادي العملية الديموقراطية.
وأمس، عقد الوزير الصايغ والنائب سامي الجميل مؤتمراً صحافياً، في موقع العقار في باكيش، استهله النائب الجميل بعرض ملف بيع هذا العقار خلافاً لكل الأعراف والقوانين اللبنانية التي تقضي بعدم البيع إلى الأجانب أو إلى غير اللبنانيين. وقال: «نحن أمام موقع استراتيجي يفصل بين أقضية المتن، كسروان وزحلة، والمطروح اليوم تمديد عقد استثماره وإعادة بيعه من شركات أجنبية لا تحترم القوانين ولا تراعي خصوصية الأراضي اللبنانية»، مشيراً إلى «أن هذا الموقع كان مخصصاً للتزلج وإفادة أهالي المنطقة منه».
ورأى الجميّل أن الخطورة تكمن في إعادة تقسيم مساحة تبلغ مليوناً و 600 ألف متر عشوائياً إلى أجزاء من 700 متر وتحويلها إلى ملك خاص، وبالتالي استخدامه لأغراض مختلفة... وأضاف: «نحن هنا اليوم مع الوزير الصايغ لنحمّله رسالة واضحة تمنع التصرف بهذا الموقع الذي شهد معارك بطولية، باعتباره جزءاً أساسياً من هويتنا وأرضنا وثقافتنا وتاريخنا، بحيث لا يمكننا السماح ببيعه... لذلك نحن نرفض تمديد العقد والسماح بشراء أراضٍ أخرى باعتباره قراراً خاطئاً يؤدي إلى ضرب مفهوم وحرية تنقل اللبنانيين على مختلف الأراضي اللبنانية».
ووصف الوزير الصايغ مسار المشروع بأنه «تحايل حقيقي على القانون يسمح بتملك أهم منطقة في جبل لبنان، وهي سابقة خطيرة»، مؤكداً «أن لا شيء يمنع اليوم من استملاكها وتغيير هوية المناطق والهوية اللبنانية باعتباره استملاكاً عقارياً».
وأضاف: «نحن لسنا ضد أي استثمار سياحي في لبنان، لكن هذا المشروع خصوصاً، على ما هو عليه، يضرب ويقسم ويفرز الأراضي ويجعلها مقفلة في وجه أبناء جميع المناطق اللبنانية من بسكنتا إلى صيدا إلى زحلة، ويمنعهم بالتالي من الإفادة منها».
وتعهّد بإثارة ملف المشروع مجدداً في مجلس الوزراء، بهدف اتخاذ القرار المناسب.
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment