Saturday, April 24, 2010

بعد استقبال السفارة السورية، القلق الرباعي...

جان عزيز
يمكن مشهد استقبال السفارة السورية في بيروت أن يكون مدعاة لبعض القلق. ذلك أن ثمة نموذجين اثنين تكرّسا عبر سبعة عقود من الزمن، للتعاطي اللبناني مع سوريا.
فبمعزل عن النيّات والعقل السياسي السوري، وموروثات الجغرافيا والتاريخ والعقيدة والمصالح والجيوستراتيجيا والجيوبوليتيك.، تقلّب اللبنانيون في علاقتهم مع حاكم
دمشق، منذ إعطائهم وطناً، بين نهج من اثنين: إما الاستقواء بذلك الحاكم على الداخل اللبناني، وإما استعداء الخارج، ضد هذا الحاكم.
في أيامنا الراهنة، عشنا النموذجين والنهجين في شكل نافر سافر: الاستقواء بين عامي 1990 ومطلع 2005. والاستعداء بعد 2005، مع تعرّجات تدريجية للنمطين، بحسب
منطق البدايات والنضج والنهاية...
اليوم ثمة مرحلة جديدة، عنوانها الظاهر هو نهاية المرحلتين: سقوط الاستقواء قبل خمسة أعوام، والآن بالذات، سقوط الاستعداء. وهذا ما يفتح الباب، نظرياً، لمحاولة
البحث عن استقرار جديد... ما الذي قد يحول ـــــ نظرياً أيضاً ودوماً ـــــ دون بلورة هذه المعادلة الجديدة؟ إنها حسابات الجماعات ـــــ الأمم اللبنانية، في
واقع زعاماتها السياسية المبايعة، بلا استحقاق ولا مساءلة.
وفي هذا السياق، ثمة أربع جماعات، لديها أربعة حسابات، قد تحمل «القلق» المقصود. وهي موزّعة بين جماعتين أقلويّتين، في الواقع أو في النظام، وبين جماعتين أكثريّتين،
في الواقع أو في النظام أيضاً:
الجماعة الأولى، هي المسيحيون. ليسوا أقلية في الواقع. لا في الديموغرافيا ولا في مقوّمات الوجود الاجتماعي والاقتصادي العام. غير أنهم كرّسوا، منذ نحو عقدين،
سلوكاً سياسياً و«دولتياً»، يشي بأنهم باتوا أصحاب وجدان أقلّوي، ولاوعي أقلّوي. وهي مسألة مرتبطة إلى حدّ ما بالضعف النسبي لموقعهم ـــــ رئاسة الجمهورية ـــــ
ضمن التركيبة الدستورية. القلق الأول في «مشهد السفارة»، هو أن يبادر الإستابليشمانت المسيحي، إلى نسيان الأثمان الباهظة التي دفعها ودفَّعها، نتيجة تقلّبه
أو توزّعه وانقسامه طيلة عقود، بين خيار الاستقواء بسوريا، أو استعدائها. فيقوم بعضه بالعودة إلى مذهب الاستقواء بدمشق، على خلفية تحصين الوجدان الأقلوي، بدعم
خارجي، أو وفق نظرية تعويض الهزال النسبي لرئاسة الجمهورية في المعادلة الطوائفية الداخلية، بجرعة قوة خارجية. هذا في التنظير، أما في الواقع، فالقلق يكون عندها
من أن يلجأ بعض الطبقة السياسية المسيحية إلى العودة إلى نهج الاستقواء بدمشق، من أجل «غرض الرئاسة»، إما تمديداً وإما تأبيداً وإما وصولاً...فيدفع الآخرين
إلى التعامل بالمثل.
الجماعة الثانية، هي الجماعة الدرزية. وهي أقلوية واقعاً ونظاماً. وهي عاشت في العقود الثلاثة الماضية تجربة زعامتها في التعويض عن «قلقها الوجودي الأقلوي»،
بالسند الخارجي، والسوري تحديداً. وهي وصلتها العدوى المسيحية في الأعوام الخمسة الماضية، فانتقلت فجأة إلى الاستعداء، لا من باب اليقظة الوطنية، بل من باب
الاستقواء بخارج آخر، خُيّل لزعامتها، في لحظة، أنه أقوى من الخارج السوري، وأقدر على كسره وتغييره، وتبديله بخارج سوري آخر، أكثر تماهياً مع حساباتها. وهذا
ما قد يجعل هذه الزعامة لهذه الجماعة أمام الخطر نفسه اليوم: أن تجد نفسها مضطرة إلى استعادة نهجها الاستقوائي السابق، في محاولة رفضها لمنطق «عدم اعتراف النظام
اللبناني بالصين الشعبية»...
تبقى جماعة ثالثة: الشيعة. هم ليسوا أقلية مطلقة في الواقع الديموغرافي على الأقل. لكنهم كذلك في فائض القوة الذي امتلكوه، والذي تضاعف مع التطورات السياسية
الأخيرة. وهو فائض، قد يؤدي ـــــ نظرياً ـــــ إلى توهّم بعض زعاماتهم أنه بات كافياً لضمان الغطاء الخارجي لتعديل المعادلات الداخلية. أي أن يوفّر مظلة دولية
للوصول إلى 7 أيار سياسي، من دون الحاجة إلى 7 أيار عنفي، إن على مستوى تركيبة النظام، أو على مستوى علاقاته وطريقة عمله.
تبقى الجماعة الرابعة والأخيرة: السنّة. وهي جماعة أكثرية في الواقع والنظام معاً. فضلاً عن تملّكها، نتيجة الأعوام الخمسة الماضية، فائضاً منفوخاً حتى المبالغة،
في واقع «أكثريّتها» وإدراكها له. الخطر على هذه الجماعة يكمن في عاملين: أوّلاً، ألّا تدرك زعامتها مثلاً، أن عليها التخلّي عن الفائض المنفوخ الذي أعطي لها
مصادفة بعد عام 2005، وأن الاستقرار اللبناني لا يسمح لها بهذا الفائض، ولا لأي جماعة أخرى. ثانياً، أن تُدفع زعامتها إلى تعاطٍ دوني مع دمشق، في حال تقدّم
العلاقات السورية السعودية أكثر مما يجب، بحيث تذهب الرياض إلى البيع في بيروت، لتقبض في غير مكان، في بغداد أو في مبادرة ملكها السلمية...
أخطار أربعة، هي في الوقت نفسه خطر على كل جماعة، وعلى الجماعات اللبنانية كافة، وعلى لبنان، وحتى على سوريا، المفترض أن تكون قد اعتبرت هي أيضاً من لحظة وقوف
بشار الأسد في 5 آذار 2005، معلناً الانسحاب الكامل، من وحول الجماعات اللبنانية المستقوية به، أو المستعدية له...
اليوم، ثمة أخطار لبنانية أربعة، حيال ضرورة قصوى لنموذج ثالث، وثمة فرصة للبلدين، قد تكون الأخيرة...
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment