Monday, June 28, 2010

طرابلس: السفير السوري يخترق مقاطعة المستقبل
السفير السوري علي عبد الكريم علي في طرابلس أمس (الأخبار)كادت الزيارة الأولى للسفير السوري علي عبد الكريم علي إلى طرابلس، أول من أمس، أن تصاب بـ«نكسة» سياسية، بسبب «مقاطعة» غير معلنة لنواب تيار المستقبل وفريق 14 آذار في طرابلس والشمال، لولا استدراك مرجعيات عاصمة الشمال وفاعلياتها الأمر، متجنّبة بذلك إدخال مدينتهم مجدداً في لعبة التجاذبات وتصفية الحسابات المحلية والإقليمية
عبد الكافي الصمد
مع أن الغياب المتعمد لنواب المستقبل وحلفائه في قوى 14 آذار عن برنامج الزيارة الأولى للسفير السوري علي عبد الكريم علي إلى طرابلس، أول من أمس، لم يكن معلناً، إلا أن ما يشبه «كلمة سر» جرى تداولها في ما بينهم، ودفعت معظمهم إلى مقاطعة زيارة السفير السوري، في خطوة فسرها مراقبون على أنها «تهدف إلى إفشالها، وتصوير مجيئه إلى طرابلس على أنه قدوم غير مرغوب فيه». وأوضح المراقبون تعليقاً على الموقف الاعتراضي لتيار المستقبل، ولو كان غير معلن، أنه «ليس مقبولاً في السياسة ولا على مستوى العلاقة بين البلدين، الغياب عن استقبال السفير السوري، وإعطاء تفسيرات بأن طرابلس ما زالت ترفض تقبل الحضور السوري فيها وتعامله معها، فيما نرى أن الرئيس سعد الحريري وقادة في 14 آذار يزورون دمشق تباعاً، ويلتقون المسؤولين فيها، فلماذا علينا أن ندفع الثمن مرتين: مرة أثناء الكباش ومرحلة التوتر، ومرة ثانية بعد عودة العلاقات إلى طبيعتها، فهل يجب علينا أن نكون دائماً كبش محرقة في الصراعات التي تأتي على حساب طرابلس وأهلها؟».
لكن مصادر سياسية متابعة أوضحت لـ«الأخبار» أن أوساط تيار المستقبل في طرابلس «كانت تأمل أن يتوقف السفير السوري في إحدى محطاته الطرابلسية عندها، ومراعاة حيثيتها السياسية في المدينة، ولو شكلاً، شأنها في ذلك شأن الآخرين، أو أن تقوم هي بدعوته في التوقيت الذي تراه مناسباً؛ وبما أن أي شيء من ذلك لم يحصل برغم بقائهم مراهنين عليه حتى قبل 24 ساعة من وصوله إلى طرابلس، أعلنوا إما اعتذارهم عن عدم الحضور، أو عدم الاعتذار وعدم الحضور معاً».
هذه الأجواء برزت قبل 4 أيام من موعد الزيارة، عندما عبّر النائب محمد كبارة عن «تحفظه» على حفل التكريم، وأسفه على «تسابق البعض في لبنان للحصول على شهادة حسن سلوك من الوصاية»، وهو موقف تزامن مع الإعلان عن أن السفير علي سيزور الرئيسين عمر كرامي ونجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي والنائب السابق أحمد حبوس، قبل حضوره حفل تكريم أقامه على شرفه الرئيس السابق لجمعية تجار طرابلس مأمون عدرة في فندق «كواليتي ـ إن».
على هذا الأساس، بدا من خلال «تحفّظ» نواب تيار المستقبل وكوادره، حيال زيارة سفير سوريا إلى طرابلس، أن تقربهم من المسؤولين السوريين ما زال خياراً عسيرَ الهضم عليهم، فضلاً عن أنهم ظهروا بعيدين عن «مجاراة» الحريري في فتحه صفحة جديدة مع دمشق، ما يدل على أن التناغم بدا مفقوداً داخل تيار المستقبل لجهة كيفية النظر والتعامل مع «الطرف الآخر».
التحضيرات لإفشال زيارة السفير السوري إلى طرابلس بمقاطعته وصلت إلى أسماع كرامي، الذي آثر الحضور شخصياً حفل التكريم ليمثّل ذلك غطاءً سياسياً مهماً له، ويعوض غياب الآخرين عنه، وهو الأمر الذي ترجمه أيضاً حضور الصفدي وحليفه النائب قاسم عبد العزيز، ليؤكدا حصول الافتراق بينهما وبين تيار المستقبل في أعقاب التباين والسجال الحاد الذي دار بين الجانبين بشأن مقاربة الانتخابات الفرعية في قضاء المنية ـــــ الضنية التي جرت في 13 حزيران الجاري.
غير أن حضور حلفاء تيار المستقبل حفل التكريم لم يقتصر على الصفدي الذي جلس بمحاذاة كرامي، ودار بينهما حديث وهمس طويلان، بل حضر أيضاً مسؤول الشمال في الجماعة الإسلامية النائب السابق أسعد هرموش، في خطوة عكست ما أوضحه مصدر مسؤول في الجماعة لـ«الأخبار» من أن «المياه عادت إلى مجاريها بيننا وبين السوريين وأن التواصل بات في أرفع مستوياته».
وإذا كان قد سُجّل حضور نائب الكورة نقولا غصن الدعوة ممثلاً وحيداً لنواب تيار المستقبل إلى جانب نقابيين محسوبين على التيار، مثل نقيب الأطباء الجديد فواز البابا، فإن تلبية النائب السابق مصباح الأحدب الدعوة، وهو الذي بقي لفترة طويلة رأس حربة تيار المستقبل وفريق 14 آذار في وجه سوريا وحلفائها في لبنان، جاءت في أعقاب «انكسار الجرة» بين الأحدب وحلفاء الأمس بعد استبعاده عن لائحتهم الانتخابية العام الماضي في طرابلس، وظهور تباين بينه وبينهم في مقاربة كثير من الملفات والقضايا الداخلية، أو على صعيد العلاقة مع سوريا.
وكان الأحدب قد استبق حفل التكريم بمؤتمر صحافي أعلن فيه أنه سيحضره، لكنه سأل عما «يحكى عن مقاطعة البعض لهذه الزيارة، وبعض التصريحات التي صدرت، وتأييد زيارات على أعلى المستويات من ناحية أخرى»، مؤكداً أنه «ندعم خطوات الرئيس سعد الحريري باتجاه حل الأمور مع سوريا، لكن لا يجب لهذه السجالات والخلافات التي شغلت الإعلام أن تعالج بهذه الضبابية»، فرأى أن المطلوب «أفضل العلاقات مع سوريا، لكن وفق قواعد جديدة، والمعادلة هنا بسيطة جداً وواضحة: لا للعودة إلى الوصاية، ولا للاستمرار في العداء أو الجفاء مع سوريا».
لكن ما لفت الأنظار على صعيد تغيّب المدعوّين عن الغداء التكريمي أن الأمر لم يقتصر على السياسيين، بل امتد ليشمل بعض رجال الدين المسلمين والمسيحيين. إذ طرحت تساؤلات عن أسباب غياب مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، إضافة إلى عدم حضور راعي أبرشية طرابلس المارونية المطران رولان أبو جودة وراعي أبرشية طرابلس للروم الكاثوليك المطران إلياس رياشي، في الوقت الذي حضره رئيس المحاكم الشرعية السنية في الشمال الشيخ سمير كمال الدين، وراعي أبرشية طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذكس المتروبوليت إفرام كرياكوس، ونائب رئيس المجلس الإسلامي العلوي محمد عصفور.
أوساط المستقبل في طرابلس كانت تأمل أن يتوقف السفير السوري عندها
تلبية الأحدب الدعوة جاءت في أعقاب «انكسار الجرّة» بينه وبين حلفاء الأمس
ومع أن زيارة السفير الشامي إلى طرابلس كانت محل اهتمام الوسط السياسي فيها، فإن أي تحرك اعتراضي عليها لم يحصل، وخصوصاً لجهة رفع لافتات وشعارات، في موازاة غياب مماثل للافتات التأييد والترحيب، وهو ما يشير إلى أن علاقات سوريا مع طرابلس تدور حالياً في مرحلة انتقالية بعد خروجها من مرحلة التشنج والتوتر، لكن من غير وصولها إلى مرحلة العلاقات الطبيعية على مستويات السياسة والاقتصاد تحديداً.
هذه «النقلة» اعتبرها صاحب الدعوة، مأمون عدرة، إشارةً إيجابيةً، لأن سوريا وتحديداً «ساحلها وعمقها القريب منّا هو المتنفس الاقتصادي الرئيسي لطرابلس والشمال، وهو أمر خبرناه أيام الحرب وبعدها»، معبراً عن ارتياحه للحضور كمّاً ونوعاً، الذي «يمكن اعتباره نجاحاً في اتجاه تطوير العلاقات بين البلدين نحو الأفضل».
إلى ذلك، جاءت زيارة السفير علي لتعطي قوى المعارضة السابقة جرعة دعم إضافية وتعزز حضورها، وتثبت صحة توجهاتها السياسية في المرحلة السابقة، وهو ما عكسه الارتياح الذي كانت معالمه واضحة في صفوف الموجودين الذين كانوا بأغلبيتهم حاضرين، فإلى جانب كرامي حضر وزير الدولة يوسف سعادة ممثلاً رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، ومنسق جبهة العمل الإسلامي الشيخ بلال شعبان، وأمين الحزب السوري القومي الاجتماعي في طرابلس عبد الناصر رعد، ومنسق التيار الوطني الحر في طرابلس طوني ماروني، ونواب سابقون وفاعليات سياسية.
________________________________________

غيمة صيف أم غيوم مطر؟
حرص السفير السوري علي عبد الكريم علي على التأكيد لـ«الأخبار» أن «العلاقة بين لبنان وسوريا لم تكن غير طبيعية حتى تعود إلى طبيعتها، بل هي كما تعودناها دائماً علاقة تعاون وأخوة»، رافضاً اعتبار ما حصل في السنوات الخمس الماضية «غيمة صيف ومرت»، لأن «الغيوم فوق البلدين هي دائماً غيوم مطر تحمل الخير والبركة» على حد تعبيره.
وكان علي قد شدد في كلمته على أن المخاطر التي تهدد البلدين «تستدعي منا أن نتكامل في السياسة والثقافة والاقتصاد والرؤى». أما كرامي فرأى أن «التجربة أثبتت أنه إذا لم تكن العلاقة طبيعية وودية ومميزة، فلن يرتاح لبنان ولن يكون هناك استقرار فيه»، وميقاتي الذي أقام له «ترويقة» واعتذر عن عدم حضور تكريمه لارتباطه بموعد مسبق، والصفدي الذي أكد أن «العلاقات التي نصبو إليها هي العلاقات الودية والثابتة التي نستطيع أن نبني عليها مستقبلاً ثابتاً للبلدين في التعاون والانفتاح الاقتصادي».

عدد الاثنين ٢٨ حزيران ٢٠١٠
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment