Saturday, June 26, 2010

إعداد بدائل سياسية لرئاسة الحكومة
فداء عيتاني
ما دامت البلاد مركّبة على حكم الطوائف، وما دامت كل طائفة عملياً تحمل ثنائية في قيادتها، فلا بد للسنّة من أن ينشئوا ثنائية في جسمهم القيادي، بعدما انتفت الأسباب التي جعلت الرئيس رفيق الحريري قائداً وحيداً للطائفة، ما بين عام 1992 ولحظة غيابه.
هذا المنطق هو ما يحاول البعض ترويجه، وخاصةً في عاصمة الشمال طرابلس، حيث لا يزال نوّاب هذه العاصمة من خارج تركيبة المستقبل، كما أنّ القادة المحليّين وبعض الوجهاء يرون أنّ زعامة السنّة من الحقوق الطرابلسية المطلقة، وأنّ ما حصل في المرحلة المذكورة سابقاً هو من الهفوات التاريخية، التي لا بدّ من تصحيحها.
ولكنّ الورثة السياسيّين للرئيس رفيق الحريري لم يتركوا مجالاً لمنافسة. ومن الرئيس فؤاد السنيورة إلى سعد الحريري وبهية الحريري وابنيها، جرت الإحاطة بكل آليات الحكم، التي تُعدّ في لبنان حصصاً طائفية، وأُلقي القبض على كل ما أمسك الحريري الأب به في المراحل الماضية، ولكن مع فارق جوهري، فالحريري الأب أول الأمر كان نتيجة توافق إقليمي ودولي، ثم إنّه لم يحجب مرةً حصص الآخرين عنهم، وخصومه في نهاية التحليل كان يعدّهم منافسين على المستوى الشخصي لا السياسي، والخصوم السياسيون كان دائماً يجد صيغة للحفاظ على حصصهم أو لترك المجال لهم للمناورة، وفي تلك المرحلة كان المطلوب القضاء على الاستقلالية المسيحية، فأمسك الحريري الأب بالرموز المسيحية الباقية، التي تعاملت كلها مع سوريا مباشرةً أو مداورةً، ولكن اليوم الأمور لا تشبه أبداً مرحلة الحريري الأب.
في تلك المرحلة كان يمكن رفيق الحريري مثلاً أن يعيّن عبد الرحيم مراد وزيراً للتربية، فيرضي بذلك مراد، ولكن اليوم قد لا يوافق مراد ومن هم خلفه ببساطة على الدخول في حكومة دون مجموعة من الالتزامات تضعها هذه الحكومة أمام سوريا وحزب الله والتيار الوطني الحر وغيرهم، وأصبح الثقل الخلافي السياسي أكبر من أن يجري تجاوزه ببعض الحصص. ولكن في هذه الأجواء لا يزال السنّة بقيادة وحيدة، ومهما قيل عن تراجع وضع تيار المستقبل في الشارع، وعن ضعف في بنيته التنظيمية وتضعضعها، وعن اعتراضات داخلية، وعن تراجع في مستوى التمثيل، وعن معركة المنية الفرعية التي حقّق فيها كامل الخير نسبة لا يستهان بها أمام تيار المستقبل، فإنّ آل الحريري لا يزالون الحاكمين بأمرهم لأكثر من 70 في المئة من السنّة في لبنان، ويمثّلون القيادة الوحيدة لطائفتهم، ويمكنهم استخدام الحواشي كما يريدون من شخصيات مسيحية، كذلك يمكنهم إيجاد بدائل من الدور الصدامي الذي أدّاه وليد جنبلاط في المرحلة الماضية، فينفخون بقربة سمير جعجع كي يصبح إعلامياً بحجم يؤهّله للصراخ بوجه المقاومة، والتغطية على دور ميشال عون، وتكريس واقع أمني ـــــ عسكري، بحسب ما يذهب إليه بعض العسكريين السابقين.
ومن سوء حظ آل الحريري أنّ رئيس الحكومة ليس ضليعاً لا بالدبلوماسية ولا بالبروتوكول، فهو على سبيل المثال، حين سأله بعض حلفائه في الشمال عن سبب عدم استشارتهم قبل قراره خوض معركة وتسمية مرشح أوحد للانتخابات الفرعية في المنية أجاب: «المرة المقبلة سنسألكم أوّلاً». ما أدّى إلى غضب حقيقي لدى شخصيات كمحمد الصفدي، أمّا الرئيس نجيب ميقاتي، فحدّث ولا حرج، إذ يكفي متابعة ما يدلي به بين الوقت والآخر أمام الإعلام لتقدير ما يعانيه الرجل من آل الحريري وفؤاد السنيورة، عدا أحمد فتفت وباقي الطاقم الناجح في إدارة تيارات المستقبل.
لولا الحرج والخشية من تضرر صورة الطائفة بأكملها لكان قد أعلن بعض رؤساء الحكومة السابقين، وخاصةً الذين لا تزال علاقاتهم مع آل الحريري محكومة بالنقض والنقد، لكانوا قد أعلنوا أنّ كل ما أعاده مفتي الجمهورية الشيخ رشيد قباني من أموال مهدورة هو نصف مليون دولار، وأنّ السنيورة والحريري لا يزالان يماطلان، ليس فقط في إعادة الأموال وتغطية الرجل، وعدم الالتزام بتنحيته بحسب الاتفاق، بل أيضاً بعدم إجراء الإصلاحات المتّفق عليها في الدار، وبعدم تسريع الخطوات المتفق عليها، والقوانين التي يجب أن تنظّم أعمال الدار، أو بتّها، وما زالت اجتماعات رؤساء الحكومة بهذا الشأن متوقّفة.
وفي المجال نفسه لا يزال الحديث عن إدارة السنيورة للأعمال الرئيسية التي كان يُفترض أن يضطلع بها رئيس الحكومة، سواء مباشرة أو مداورةً أو عبر وسطاء، بينما من يراقبون رئيس الحكومة عن كثب يكثرون من الشكوى بتفريطه ليس فقط بأموال الدولة، بل بموقع الطائفة السياسي ودورها في النظام أيضاً، وتسريب هذا الدور إلى رئيس الجمهورية، أو إلى كل من يتمكن من سحب القليل من البساط من تحت أقدام السنّة سياسياً.
لكن، من يراهن على ثنائية سنيّة لا يزال يعمل في الظل لتحقيق ثنائية تسهّل خيارات بديلة لدى تعطّل الخيار الحريري في السلطة، بفعل العلاقات الإقليمية المتشابكة، وخاصةً العلاقات السورية السعودية من ناحية، والسورية التركية من ناحية أخرى.

عدد الجمعة ٢٥ حزيران ٢٠١٠
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment