Saturday, June 26, 2010

النص الكامل لشهادة دبلوماسي «عتيق» في المنطقة في مجلس الشيوخ الأميركي 3
كروكـر: لا يمكننـا العبـث بعقـل خصمنـا إذا لم نتحـدث معـه

نشرت «السفير» على مدى اليومين الماضيين شهادة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان، في جلسة استماع بِشأن «حزب الله» أمام لجنة
العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي في الثامن من الشهر الحالي.
واليوم تنشر «السفير» شهادة السفير رايان كروكر، في الجلسة نفسها، وحاول فيها تقديم شرح تاريخي لتطور حزب الله وتوسعه منذ نشأته وحتى اليوم، مستعيناً بما خبره
في فترة وجوده في المنطقة، سفيراً في لبنان، ثم سوريا، فالعراق.
واعتــبر كـروكر فـــي شــهادته أنه «لن يكــون من الصحيــح ان ننــظر لحــزب الله على انه دميــة تتلاعــب بها طهــران ودمشــق. فهــذا الحــزب متجــذر بــقوة
في تاريــخ العــرب الشــيعة اللبنانيين».
وقال إن «حرب 2006 مع إسرائيل أظهرت أن التهديد الذي يشكله حزب الله لا يمكن القضاء عليه بالوسائل العسكرية».
أما اقتراحه لمواجهة «نفوذ حزب الله وقوته»، فهو «العمل على تعزيز الدولة اللبنانية، وخاصة القوات المسلحة اللبنانية (الجيش اللبناني)، إضافة إلى دعم جهود الحكومة
اللبنانية، مع وزير الخارجية لمساعدة وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الشيعية». وأكد أنه عبر هذين الاقتراحين «سيتمكن الشيعة من أن يعيدوا
حساباتهم وأن ينظروا الى تكاليف ومكاسب دولة متطورة لديها مواجهة عسكرية مع إسرائيل».
كما دعا إلى التحدث مع حزب الله، عبر ممثليه في الحكومة والمجلس النيابي، لأنه «لا يمكننا العبث بعقل خصمنا إذا لم نتحدث معه».
وفي ما يلي النص الكامل لشهادة كروكر:
أشكركم على إتاحة الفرصة لي للمثول أمامكم لمناقشة موضوع «حزب الله» وقوته، ومؤيديه، والتحديات التي يشكلها على مصالح الولايات المتحدة الحيوية في المنطقة.
هذه هي القضايا الحاسمة بالنسبة لبلدنا. في حين ان تركيزنا اليوم هو على منطقة الشرق الأوسط.
وتجدر الإشارة إلى أن حزب الله هو شبكة عالمية لديها أيضا قدرات في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
لأكثر من ربع قرن، استهدف حزب الله ورعاته الولايات المتحدة وحلفاءها. لقد كنت شاهداً على الكثير منها. لقد كنت حاضراً في لبنان عندما تم إنشاء حزب الله في
اعقاب الغزو الإسرائيلي في عام 1982، ولقد كنت هناك خلال تفجير السفارة وثكنات المارينز في العام التالي. لقد كنت في لبنان سفيراً عندما دخل حزب الله البرلمان
في انتخابات عام 1992 بعد اغتيال عباس الموسوي في وقت سابق من ذلك العام. لقد كنت أيضا سفيراً في سوريا عندما ظهر حزب الله منتصراً في جنوب لبنان في عام 2000،
وكنت حاضراً عندما قاد زعيم حزب الله حسن نصر الله وفداً الى دمشق لإضفاء الشرعية على بشار الأسد في أعقاب وفاة والده في ذلك الصيف نفسه. ولقد كنت سفيراً في
العراق، ورأيت ان هناك أدلة على تورط حزب الله في تدريب المتطرفين الشيعة برعاية إيرانية.
حزب الله هو على حد سواء منظمة لبنانية فطرية وتابع غير مباشرة لسوريا وإيران. وهو يعتمد بدرجة كبيرة في شرعيته على مواضيع عميقة الجذور في الإسلام الشيعي مثل
المقاومة والاستشهاد، كما يسميه العلماء، مثل الدكتورة رولا حسيني، النموذج الكربلائي، الذي يشير الى وفاة الإمام الحسين وأتباعه على يد جيش بني أمية بالقرب
من مدينة كربلاء العراقية في القرن الاول للإسلام. بالنسبة للشيعة، هذا هو الحدث الحاسم في تاريخهم. ففي رواية حزب الله المعاصرة، نحن وإسرائيل نلعب دور بني
أمية، إنها صورة مقنعة للشباب الذين هم جوهر الدعم لحزب الله.
بالنسبة لإيران وسوريا فإن حزب الله كان وكيلاً له قيمته. إن إيران دائماً تنظر لنفسها على أنها قوة إقليمية، قادرة على ممارسة القوة خارج حدودها. وهذا ما فعله
الشاه مع قواته التقليدية، فلقد نشر جيشه في شبه الجزيرة العربية في 1970، واستطاعت قواته البحرية الاستيلاء على ثلاث جزر من الإمارات العربية المتحدة في نفس
الوقت. إن إنشاء حزب الله في لبنان بعد ثلاث سنوات فقط من الثورة في طهران أتاح للجمهورية الإسلامية مواصلة مشروعها بالوسائل غير التقليدية بدلاً من الوسائل
التقليدية.
وبالنسبة لسوريا، فإن إنشاء منظمة إرهابية ذات دوافع أيديولوجية يشكل أداة يمكن بموجبها لدمشق أن تواصل حملتها في لبنان ضد إسرائيل والولايات المتحدة في أعقاب
الهزيمة التامة لقواتها التقليدية على أيدي الإسرائيليين في عام 1982، وبالنسبة لكل من إيران وسوريا، فهناك عنصر آخر مهم في الشراكة الاستراتيجية التي شُكلت
في اعقاب غزو صدام حسين إيران في عام 1980 عندما أصبحت سوريا الدولة العربية الوحيدة التي تقف الى جانب طهران.
إن الشراكة الاستراتيجية لا زالت سارية ليومنا هذا وبشكل جيد. وهذا ما شاهدته في العراق خلال فترة وجودي هناك، فلقد قامت إيران بتسليح وتدريب الميليشيات الشيعية
بالتنسيق مع حزب الله وسوريا بالإضافة الى دعمها تنظيم القاعدة والمسلحين السنة. لقد كانوا يتبعون خطة لعبة لبنان في 1980 وكادت أن تنجح ولكن عزم العراقيين
أنفسهم عرقل جهودهم، على الأقل في الوقت الحاضر. ولكن الشراكة مع حزب الله في لبنان لا زالت مستمرة. ان الأسلحة الفتاكة والمعقدة جداً تأتي من إيران، ويتم تسليمها
عبر سوريا كما كانت عليه الأمور طوال عقدين ونصف العقد.
ولكن لن يكون من الصحيح ان ننظر لحزب الله على انه دمية تتلاعب بها طهران ودمشق. فهذا الحزب متجذر بقوة في تاريخ العرب الشيعة اللبنانيين. ومن الجدير بالذكر
ان جنوب لبنان المعروف باسم (جبل عامل) ازدهر كمركز للبحث والثقافة في العصور الوسطى. بعد قيام الامبراطورية الصفوية في بداية القرن 16، السلالة الشيعية الإيرانية
الأولى. ولقد أعطى علماء جبل عامل الحكام الجدد نصائحهم بناء على هيكل ومبادئ الدولة الشيعية. ويعتبر أسلوب حزب الله وريثاً لهذه التقاليد.
على مر السنين، توسعت قدرات حزب الله وازدادت لتصبح على كل المستويات، سياسياً واجتماعياً وعسكرياً. وأظهرت حرب 2006 مع إسرائيل ان التهديد الذي يشكله حزب الله
لا يمكن القضاء عليه بالوسائل العسكرية. التحسن الذي طرأ على العلاقات السورية السعودية قد عزز يد دمشق في لبنان، وعزز علاقات حزب الله مع رئيس الوزراء سعد
الحريري. ولكن لا حزب الله ولا مؤيدوه لهم الحرية، فهناك فرص وتحديات. ونحن ننظر في خياراتنا، وأنا أقترح ان تتحرك في الاتجاهات التالية:
- العمل على تعزيز الدولة اللبنانية، وخاصة القوات المسلحة اللبنانية (الجيش اللبناني). لا أعتقد انه من الواقعي ان نتوقع من القوات المسلحة اللبنانية ان تأخذ
قوة حزب الله العسكرية، لا الآن ولا في المستقبل. ولكن يمكن لجيش قوي مع الزمن، ان يغيّر تفكير حزب الله. إن الشيعة اللبنانيين وأنصار حزب الله ينظرون للجيش
اللبناني على انه قوة محايدة.
- وهذا يعني تضافر جهود الحكومة اللبنانية، مع وزير الخارجية لمساعدة وتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الشيعية. إن الشيعي تأصل على عدم الثقة
في الدولة، هذا الشعور عززه التهميش الاقتصادي والإهمال. إن معظم قوة حزب الله هي نتاج ضعف الدولة. إذا أخذنا بعين الاعتبار هاتين المبادرتين فيمكن للشيعية
ان يعيدوا حساباتهم وأن ينظروا الى تكاليف ومكاسب دولة متطورة لديها مواجهة عسكرية مع إسرائيل. ففي الوقت الحاضر الفوائد تفوق التكاليف بشكل كبير.
- علينا التحدث مع حزب الله. لقد تعلمت شيئاً واحداً في العراق وهو أن المشاركة يمكن أن تكون قيّمة للغاية في إنهاء التمرد. يمكن للإقناع والتفاوض في بعض الأحيان
أن يغيّر العقول. ولكن في أي حال علينا ان نعرف المزيد والمزيد عن الحزب مما نعرفه الآن، مثل الشخصيات، والخلافات، ونقاط الضعف. لا يمكننا العبث بعقل خصمنا
إذا لم نتحدث معه. هذا لا يحتاج إلى ان يكون هناك تغيير جذري في السياسة؛ ببساطة علينا ان نتحدث مع أولئك الذين يشغلون مناصب رسمية وأعضاء في البرلمان او مجلس
الوزراء. حزب الله هو جزء من المشهد السياسي اللبناني، وينبغي علينا التعامل معه مباشرة.
- للأسباب نفسها، ينبغي لنا تكثيف مشاركتنا مع سوريا. وإرسال سفير الى هناك لا يُعتبر تنازلاً، بل سيحسن قدرتنا على الوصول، ويوسع فهمنا، ويتيح لنا التعرف على
نقاط الضعف المحتملة والخلافات، بما في ذلك بين دمشق وطهران، وباختصار سيكون لصالحنا، وليس لهم. أنا أعرف روبرت فورد جيداً، وهو الشخص المثالي للقيام بعمل أنا
قمت به سابقاً، وهو يجيد اللغة العربية.
سيدي الرئيس، هذه ليست حلولاً سحرية، ولكن مع مرور الزمن، يمكن لمثل هذه الجهود ان تحدث فرقاً. وقد أظهرت سوريا وإيران القدرة على الصبر الاستراتيجي، واستطاعوا
من خلال لعبتهم في لبنان تحويل اليد الضعيفة الى واحدة قوية. من المهم ان نحافظ على التزاماتنا على المدى الطويل.
جريدة السفير

No comments:

Post a Comment