Saturday, June 26, 2010

التثقيف «القواتي» بـ«الكرافات»: «عدّة» تمدّد حزبي... أم فولكلور؟

كلير شكر

واحد من الأسباب التي «تحرّض» سمير جعجع على تكريس مبدأ «التثقيف السياسي» في تنظيم «القوات»، هي «تجربة القطّارة» التي عرفها مع الأب ميشال الحايك، وشارل مالك،
وغيرهما، حين «لمعت» فكرة «البحث عن المعرفة»، واكتشافه ولعه بلعب دور «المعلّم» الذي يعممّ قراءاته على «جمهور الكوادر»، والذي يجاهر بقدرته على المجادلة في
النظريات الفلسفية!
إيمان «قائد معراب» بحديدية التنظيم التي تسمح له بالتمدد بصلابة، وبمواجهة معاقل الخصوم، هو الذي يدفعه إلى تلبية متطلبات التوسّع الحزبي، وأولها، «القولبة»
التثقيفية، احترام النظام المؤسساتي، الإنماء الاجتماعي، الخطاب السياسي «الواضح»...
لهذا تحاول «القوات» اليوم، اثبات براعتها في المجال التنظيمي، كتعويض عن ارباك محتمل في السياسة، لا سيما إذا استمرت التحولات الإقليمية والمحلية، في اندفاعتها
نحو التغيير، حيث قد لا تجد القيادة القواتية حليفاً أو سنداً قوياً إلى جانبها، ما قد يضطرها إلى إعادة برمجة خطابها... وانتشارها السياسي.
في 16 نيسان الماضي، «صفّ» جعجع كوادره تحت سقف «معراب»، ليعلن انطلاق الأعمال التحضيرية للمؤتمر الأول لـ«القوات»، الذي يفترض أن يرى النور على مسافة سنة من
هذا الموعد. أراد بذلك أن يضع حدّاً لكلّ التأويلات التي تلاحق تنظيمه، حول عدم قدرته، أو رغبته، في مأسسة «بيته الحزبي»، في حين يدرك خصومه قبل حلفائه، أنه
«الأشطر» في هذا المجال.
ففي الوقت الذي يمضي الكثير من القادة السياسيين معظم وقتهم في استقبال الزوار وتوديعهم، وإطلاق التصريحات، يخصّص جعجع جزءاً كبيراً من يومياته في متابعة شؤون
«حزبه»، بأدق تفاصيله، لأنه يعرف جيداً، أن «الإتّكال» سيكون عليه، الآن، كما في المستقبل القريب والبعيد.
ورغم ذلك، فإن غياب المشروع السياسي على طاولة معراب اليوم، هو واحد من مواقع الضعف التي يدلّل عليها من خبروا التجربة «القواتية» في بداياتها. بنظرهم، هو مجرّد
تثقيف «فولكلوري»، زاخر بالألوان في شكله الخارجي، ولكنه هشّ في مضمونه. تخمة مواد تدريسية.
في السابق كانت «الفدرالية» أبرز عنوان سياسي وثقافي لهذا التنظيم، أما اليوم، فإن الرؤية السياسية تلفّها الضبابية، لا بل هي فضفاضة، يمكن اسقاطها على «رأس»
أي حزب آخر... ولن يلاحظ أحد الفارق. افتقدت «القوات» بنظرهم، لخصوصيتها التي كانت تشد العصب المسيحي، وبالتالي لم تعد تحمل، أي مشروع سياسي فعلي معلن... ما
عدا الموقف من سلاح «حزب الله» والنبرة «الأنتي سورية» التي تراجعت الى حد ما بعد زيارات رئيس الحكومة سعد الحريري الى سوريا.
يستقي هذا التنظيم تجربته التثقيفية من خبرة «عتيقة» عرفها على مرحلتين، الأولى تجلّت في «المعهد الفكري» في أواسط الثمانينيات، الذي أوكله قائد «القوات» إلى
ايلي كيروز الذي تولى إلقاء بعض المحاضرات على طلاب جامعيين، بضيافة أحد أديرة منطقة بلّونة الكسروانية، إلا أن هذه التجربة الأولية سرعان ما أقفلت أبوابها
بعد خلاف بين جعجع وكيروز حول مضمون المحاضرات التي كانت تلقى في المعهد، واستطراداً تحولّه إلى خلاف تنظيمي.
«معهد غوسطا للتدريب العسكري» شهد نوعاً من الثقيف الحزبي أيضاً الذي خضع له «ضبّاط القوات»، حول المشروع السياسي، وقد أحيل هؤلاء بعد «تسريحهم» في بداية التسعينيات،
إلى معهد «الأوبرلي»، إلى جانب كلّ الكوادر «القواتية»، الذي شهد على أول جلسات التثقيف في كتاب «القوات» السلمي. كان لا بدّ من خلع «البذّة العسكرية»... وارتداء
«الكرافات». ولتلك «النقلة» مقتضيات، أبرزها التثقيف السياسي.
يومها تولى الإعداد أساتذة جامعيون يؤمنون بالفكر «القواتي»، من انطوان نجم، ميشال عواد، عدنان فواز، بول فارس، جان شرف، وغيرهم. وقد تمحورت المحاضرات حول مسائل
تقنية، أبرزها التواصل مع الجمهور، الخطاب السياسي، أسلوب الخطابة... وفي المضمون، وضع تاريخ لبنان منذ أحداث 1860 على طاولة المحاضرات، تطور التركيبات السياسية،
فهم الطوائف وتركيبتها، يومها طرحت «الفدرالية» بحذر داخل الأروقة المغلقة، نوقش مدى قابلية حياة الدولة المسيحية، سبل تطوير اتفاق «الطائف» وتحسين شروطه.
على هامش تلك التجربة، عرفت «القوات» مشروع «الطلائع» الذي انتقل من غدراس إلى فندق واكيم، وأنيطت مسؤوليته إلى جوزيف رزق، حيث كان يتمّ انتقاء جامعيين يخضعون
لدروس تقدّم مرتين في الأسبوع، يتولى اعطاؤها جعجع أو انطوان نجم وأحيانا بعض الأكاديميين «العريقين».
كان «قائد» «القوات» يستفيض على حضوره بالمعطيات السياسية، تصل في بعض المرّات، إلى حدّ كشف بعض الحقائق، التي كانت تتسرّب إلى الخارج، وتحرج جعجع مع حلفائه،
أو خصومه... وما انكشاف مضمون بعض اللقاءات التي كانت تتمّ في بداية التسعينيات مع غازي كنعان، إلا خير دليل.
خلال فترة وجود سمير جعجع في السجن، أكملت نواة «قواتية» التثقيف السياسي على مستوى ضيّق جداً، طغى عليه الطابعين العاطفي والتاريخي. وحده سلمان سماحة الذي
كان مسؤول مصلحة الطلاب، قرر تنظّيم بعض الدورات التثقيفية، خلافاً لرغبة ستريدا جعجع التي كانت تفضّل تقليص النشاط الحزبي إلى أقصى حدوده.
تعتمد «القوات» راهناً، جسماً فكرياً متكاملاً، كما يقول مسؤول التثقيف الدكتور انطوان حبشي، وهو يقوم على ثلاث مستويات، «الجامعة الشعبية»، «معهد الإعداد الفكري»،
و«أكاديمية الكوادر السياسية». ولكل من تلك «المدارس» طريقة عملها، والجمهور الحزبي الذي تتوجّه إليه.
«الجامعة الشـعبية» جسر التواصل مع الجمهور الواسع، تقوم على أرضية تعميم المعطيات السياسية على القواعد، التفاعل وتبادل الأفكار، بهدف تنمية الوعي السياسي.
وهي تحصل في المناطق، وتتمحور حول مواضيع الساعة، سياسية، اجتماعية، اقتصادية أو ثقافية، وفقاً لرغبة المجوعة المستهدفة. وعادة ما تتوّج بلقاء مع «الحكيم»،
في جلسة تتسم بطابع النقاش على أساس السؤال والجواب ولا تكتسب شكل المحاضرة.
«معهد الإعداد الفكري» أو SIPTI مخصص للطلاب الجامعيين، من سنتهم الأولى حتى الرابعة، يهدف إلى تأهيل هذه الشريحة، وقولبتها. هي دورة فكرية - سياسية، مدّتها،
ستة أشهر، وموزعّة على حلقتين كلّ أسبوع، مدّة كلّ واحدة، ساعة وربع الساعة.
«وحده التفاعل بين هذه المجموعات الطائفية والحضارية، هو الذي ساهم في توحيد الكيان»، من «الإمارة المعنية»، إلى «لبنان الكبير» وصولاً إلى الاستقلال. «التعددية
الثقافية هي مصدر الغنى، والحاجة المتبادلة بين هذه المكوّنات، وعدم إلغاء الآخر، ركيزتان أساسيتان لهذا التفاعل».
بتقدير حبشي، هو تواصل طبيعي لفكر «القوات»، «لا يحمل أي تناقض مع ماضيها، وما الاستثناء الذي حصل عن تلك القاعدة، إلا عندما سقطت امكانات التلاقي مع المجموعات
الأخرى، حيث كان من الممكن أن يشكّل طرح الفدرالية أفضل الحلول للحفاظ على وحدة الكيان اللبناني». «إلا أن قناعة «القوات» بـ«اتفاق الطائف» الذي أوقف الحرب،
هي التي دفعتها إلى أن تكون أول المشاركين في تطبيقه».
«أكاديمية الكوادر السياسية»، وهي مخصّصة لمن أنهى تحصيله الجامعي، ويريد خوض التجربة الحزبية من بابها السياسي، تركّز في شقّها التقنيّ على التحليل الخطابي،
حلّ النزاعات، وغيرها من مقومات «الحضور الحزبي». أما الشق الفكريّ، فتتمحور دروسه حول سيادة لبنان، بكلّ مجموعاته، عدم فرض إرادة أي فريق على الآخر، حياد لبنان
الإيجابيّ عن نزاعات المنطقة... تقدّم المحاضرات مجموعة من الأساتذة، بعضهم من غير الملتزمين بـ«القوات»، ويتضمن برنامج المحاضرات:
- الشق الاقتصاديّ - الاجتماعيّ، يشمل كلّ الإشكاليات المطروحة على الساحة الداخلية، ضمن نظرة شاملة تمرّ على كلّ القضايا، ركيزتها الحفاظ على المضمون الاقتصادي
للنظام اللبناني التاريخي.
- الشق السياسي، يتناول تركيبة لبنان، أحزابه، الممارسة الديموقراطية التي تعني الحزب كثيراً لا سيما أن محازبي «القوات» سيخوضون قريباً أول تجربة ديموقراطية
في تاريخ الأحزاب اللبنانية، حيث سينتخبون مباشرة القيادة الحزبية... تاريخ لبنان، تاريخ كلّ المجموعات اللبنانية، «الطائف» والبنود غير المطبّقة بعد وموقف
«القوات» منه، كيفية الوصول إلى دولة حقيقية تؤمّن المساواة بين الجميع، العلاقات الدولية، علاقة لبنان بمحيطه.
يتمّ تقديم النظرة لإسرائيل على الشكل الآتي: «خلال الحرب حين كان المسلمون يعتبرون الفلسطينيين جيشهم، مدّت «القوات» يدها لكل الأطراف بحثاً عن خشبة خلاص،
ولما نجح التواصل مع الدول العربية لرفع الهيمنة عن لبنان، سقط التواصل مع اسرائيل. هي اليوم دولة عدائية تجاه لبنان، ومصلحتها تقتضي بأن لا يقف على رجليه».

ماذا عن الفدرالية؟ «صارت وراءنا، في اللحظة التي ارتضت فيها القوات الدخول في شبكة «الطائف».
تتم الدورة على مرحلتين، الأولى مدتها نحو 7 إلى 8 اشهر، ومن ينجح في اجتيازها، يعبر إلى المرحلة الثانية التي حددّت مدتها بسنة تقريباً. ويفترض أن يصار إلى
تخريج أول دفعة من متخرّجي الأكاديمية والتي تضمّ 200 شخص، خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
كلير شكر
جريدة السفير

No comments:

Post a Comment