Saturday, June 26, 2010

الأخ أسطفان... لمن يطوَّب القدّيسون؟
تحضيرات التطويب في دير كفيفان (الأخبار)تحتفل بلدة كفيفان غداً بتطويب الراهب أسطفان نعمة ليصبح لبنان حاضناً رسمياً، باعتراف الفاتيكان، لثلاثة قدّيسين، طوباويين، ومكرَّمَين. حدث يرى فيه البعض مناسبة دينيّة، وآخرون ينظرون إليه كحاجة أخلاقيّة اجتماعيّة للأجيال الجديدة
مهى زراقط
الساعة تقترب من الخامسة مساء. دير مار قبريانوس ويوستينا في كفيفان يعجّ بالحياة. صوت التراتيل يصدح في المكان، ويترافق مع حركة العمّال المنهمكين في تحضير منصّة احتفال تطويب الراهب أسطفان نعمة. الزوّار القادمون من مناطق مختلفة من لبنان يدخلون إلى غرفة تحتضن ضريح الطوباويّ. الأب جورج كان يشرف على التحضيرات الجارية ويطلب من الزوّار المهتمين موافاته إلى داخل الكنيسة ليخبرهم قصة الدير قبل قداس الساعة السادسة. يسرد قصة قبريانوس ويوستينا ويقول «وكما نسمّي أديرتنا على أسماء قدّيسين من الغرب، هناك من يحمل أسماء قدّيسينا ويطلقها على كنائس في مختلف دول الاغتراب اللبناني».
هذه باختصار صورة المشهد الذي يعيشه دير كفيفان هذه الأيام. قبل ستة أعوام، كان المشهد مختلفاً، على الرغم من أن الدير ذاته كان يتحضّر لإعلان قداسة أحد كهنته، نعمة الله الحرديني. يومها سافر أكثر من مئتي لبنانيّ من قرى البترون إلى روما، للمشاركة في احتفال إعلان القداسة هناك. وفي عام 2001 سافر المؤمنون أيضاً لحضور إعلان قداسة رفقا، التي ترقد على بعد أمتار معدودة، في دير مار يوسف ـــــ جربتا. غداً، تحضر روما إلى كفيفان، لتطويب الراهب نعمة، مع توقعات بحضور نحو مئة ألف شخص إلى المكان.
هذا ما تتمناه رانية على الأقلّ. السيدة الأربعينية التي كانت تذكّر الزوّار بموعد القدّاس الذي سيبدأ بعد ربع ساعة، سافرت إلى روما للاحتفال بإعلان قداسة الحرديني. استفادت من وجودها لتزور ضريحَي القدّيسين مار فرنسيس القسيزي وريتا. حملت معها من هناك ورق عنب «كلّ اللبنانيين قطفوا العريشة» تقول ضاحكة. نسألها إن كان ما فعلته جيداً، وخصوصاً أن شعار الطوباوي أسطفان نعمة «الله يراني»، كان يردّده على مسامع من يحاولون سرقة المزروعات، فتجيب ببراءة: «هذا ورق فيه بركة، حملناه خصيصاً لنوزّعه على أصدقائنا ويتبرّكوا منه». يضيف أحد الزوار: «الأخ أسطفان مميّز بين قدّيسي لبنان، هو راهب لم يصل إلى درجة كاهن، عاش حياته يخدم في الأرض، وعمل نجاراً وكان باسماً على الدوام».
تطويب أسطفان نعمة هو الثاني خارج حاضرة الفاتيكان خلال عامين
تؤمن رانية بالبركة التي تحملها ورقة خضراء نبتت قرب ضريح القديسة الأشهر في الكنيسة الكاثوليكية، كما تؤمن بالأعاجيب، وهي التي اختبرتها شخصياً. فقد شفي شقيقها الذي وُلد مريضاً، على يد القديس شربل. تحكي كيف حملته أمها وهو ابن سبعة أيام، فاقد القدرة على الحراك، ورمته أمام ضريح شربل في عنّايا قائلة للقديس «خذه، هو بين يديك». هنا، ترتعش يدا رانية، تدمع عيناها، وتقول بصوت متأثر: «ما هي إلا دقائق حتى كان شقيقي يحرّك يديه».
سناء، الموظفة في الدير كانت تستمع إلى الحديث. لا تجد في التشكيك بحصول عجائب أمراً منطقياً، وهي التي تتلقى الكثير من الاتصالات من أشخاص يخبرونها عن عجائب حققها لهم أسطفان نعمة، ومياه نبع الغرير الذي اكتشفه في بلدته. صحيح أنها تقول «يفترض بالكنيسة أن تتأكد من الاتصالات لتثبت العجيبة» إلا أنها تستدرك «لكني أعتقد أن العجيبة أبسط من كلّ هذه الأمور، يكفي أن يدخل أشخاص خاطئون إلى الدير طلباً للتوبة والغفران، ويستعيدوا إيمانهم، هيدي عجيبة بحد ذاتها».
ما يكفي سناء لا يكفي غيرها، وخصوصاً عندما يكونون بحاجة إلى من يساعدهم. ريتا تعرف كلّ قصص القديسين، وأطلقت اسم أحدهم على ابنها. لم تجد يوماً في معاناة رفقا مع الفقر والمرض أمراً يستوجب التقديس. على الرغم من ذلك، عندما يئست من الأطباء الذين لم يجدوا علاجاً لمشاكل واجهتها في الحمل، استمعت إلى نصيحة أصدقائها وزارت ضريح القديسة اللبنانية. «مثل الغريق الذي يتعلّق بقشة» تعترف. سجدت أمام الضريح، صلّت ونذرت «إذا حملتُ وأنجبتُ مجدّداً، سأزور رفقا سنوياً في عيدها أنا والمولود». وهكذا كان، حملت ريتا وأنجبت فتاة ترافقها سنوياً إلى الضريح. أما فادية، التي أصيبت بمرض السرطان، فليست هي من صلّى للقدّيس مار رومانوس، بل جارتها. الأخيرة أخبرتها بعد شفائها أنها «شحذتها» منه وقالت لها «لازم تروحي تزوريه». وبالفعل، باتت فادية مواظبة على زيارة المقام سنوياً، الذي تحمل كنيسة في حدشيت اسمه.
مناطق متعدّدة في لبنان تحمل أسماء قدّيسين، وهذا ما يطرح السؤال عن أهمية الاستمرار في الإعلان عن قديسين جدد، ما دام الموجودون يحظون بحبّ مريديهم. تضحك مؤلفة كتاب «الموارنة: مسيحيو لبنان» راي معوّض لدى طرح هذا السؤال عليها. برأيها «الاستمرار في الإعلان عن القديسين مهم على أكثر من مستوى، وخصوصاً بالنسبة إلى الأجيال الجديدة التي تحتاج إلى مثال جيد في عصر تغيّرت فيه القيم، ولم يعد لدى بعض المسيحيين الانطباع نفسه عن الحياة الدينية والروحية». تلفت معوّض إلى فرق بين الشرق والغرب في الوصول إلى مرتبة قدّيس. ففي الشرق «يُعرف القدّيس خلال حياته، تكون له هيبة في محيطه». أما في الغرب فيحتاج الأمر إلى اعتراف الكنيسة الرومانية، التي تختار القديس بعد أن تدرس حياته» معتبرة ما يجري الآن تقديس «قديسين شرقيين».
تفسير معوّض يبدو مقبولاً في الساحة المسيحية التي يتحضّر عدد كبير من أبنائها للمشاركة غداً في الاحتفال. منهم المؤمنون، ومنهم مهتمّون لن يفوّتوا على أنفسهم المشاركة في حدث يُفترض أنه لا يتكرّر كثيراً في الحياة، وإن كان لبنان قد عاشه قبل عامين فقط مع تطويب الأب يعقوب الكبوشي في ساحة الشهداء. «ما إسمو إلا طوباوي من عنّا، لازم نروح نشوفو»، تقول سيدة بترونية وضعت صور قدّيسي لبنان الثلاثة على جدار خلفها.
استمعت إلى النصيحة وزارت ضريح رفقا «مثل الغريق الذي يتعلّق بقشة»
وفي حصيلة عامة، وبعد 33 عاماً على إعلان قداسة شربل مخلوف، شهد لبنان في الأعوام العشرة الأخيرة، الإعلان عن قديسَيْن (رفقا ونعمة الله الحرديني)، تطويب اثنين (يعقوب الكبوشي وأسطفان نعمة)، والإعلان عن تكريم اثنين (البطريرك أسطفان الدويهي والأب بشارة أبو مراد). ويضمّ ملف طالب دعاوى القديسين في الفاتيكان، الأب بولس القزي، المزيد من الأسماء التي تقدّمت رهبانياتها بدعاوى لإعلان قداستها.
«الحبل ع الجرار»، تقول أسمى قرقماز (26 عاماً) لدى سؤالها عن الموضوع. تضيف إنه «في اليوم الذي يتوقف فيه لبنان عن إعطاء قدّيسين، يكون قد فقد هويّته». أما إيلي فيرى في التطويب «حدثاً كبيراً على الصعيدين الديني والوطني». علاقته بالقديسين إيمانية وإن كان لا يطلب شيئاً منهم، «لأن الطلب يكون من يسوع فقط، عندما أصلّي أمام ضريح قدّيس، أكون أكرّم ذكراه فقط وأحاول التعلّم من حياته علّني أصير قدّيساً يوماً ما».
هذا بالضبط ما تطمح إليه الكنيسة، كما يقول مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو بو كسم: «القدّيسون يثيرون الغيرة عند كثير من الشبان، وقد يتشجعون على الدخول إلى الرهبنة». وهذا ما يفسّر أيضاً مبادرة البابا بنديكتوس إلى نقل احتفالات التطويب وإعلان القداسة إلى البلد الذي ينتمي إليه القدّيس أو الطوباوي «لأن هذا أمر يشجّع على إحياء الحياة الروحية، ويتيح لأكبر عدد من المؤمنين المشاركة في الاحتفال».
بو كسم لا يوافق على الربط بين تكاثر عدد القديسين في لبنان، والدعوات إلى ترسيخ الوجود المسيحي في الشرق «وإن كان الإعلان عن القديسين يساهم فعلاً في ترسيخ الوجود المسيحي»، معيداً تكاثر احتفالات التقديس والتطويب إلى المسارات التي تسير وفقها دعاوى المرشّحين للقداسة: «هناك مسار يجب المرور به، من إعلانه مكرّماً، إلى طوباوي ثم تقديسه، وتتقدّم الدعاوى وفق تقدّم الحالات والعجائب التي تحصل».
________________________________________

لحفد فخورة براهب «قدّسته» حيّاً
جوانّا عازار
راح القدّيس وإجا القدّيس» عبارة كان يردّدها أبناء لحفد لدى حديثهم عن ابن بلدتهم الراهب أسطفان نعمة. يتذكر بعضهم أن «البلدة كانت تسهر ليليّاً على صوت الترانيم الدينيّة والصلوات التي كانت تسمع من منزل والديه»، كما يقول وحيد سعادة (مواليد 1917). يضيف «نتذكّر الأخ نعمة المتواضع الذي لا تغيب البسمة عن وجهه، عايشنا أخباره ولا يغيب عن ذاكرتنا صوت الصلاة الجهوريّ الذي كان يخرج من منزل والديه، ولا عبارة قدّيس التي كان يطلقها أهله عليه». يبتسم سعادة حين نسأله عن مدى فرحته اليوم بخبر التطويب «بدّها حكي؟ سرنا مع الأخ نعمة، وهو يصبح اليوم طوباويّاً، وهذا فخر لنا».
يوسف نهرا فخور بدوره «نحن جيران الأخ نعمة» يقول. يرى في التطويب «الحدث الأكثر عظمة في تاريخ لحفد، كيف لا نفرح ولحفد اليوم أصبحت أكثر قداسة». وتقول سهام غاريوس: «الحدث الذي لطالما انتظرناه هو نعمة لنا ولبلدتنا وللبنان، الأخ نعمة هو قدّيس بالنسبة إلينا منذ زمن، ونحن نفتخر به». تقاطعها نيكول بو نصر: «نحن نسمع عن الأخ نعمة منذ صغرنا، وإن شاء الله نكون على قدر النعمة التي أعطيت لنا، سنواكب التحضيرات والاحتفالات من لحفد ومن كفيفان». شربل خالد أشار الى أنّ «الحماسة كبيرة وخصوصاً عند الشباب الذين يسهرون حتّى ساعات متأخّرة من الليل لتعليق صور الأخ نعمة والمساهمة في التحضيرات لليوم الكبير».
التحضيرات باتت شبه مكتملة، الطريق المؤدية إلى البيت الذي ولد فيه نعمة عبدّت وتحوّلت إلى مماشٍ، وجهّز المكان بشكل يجعله مناسباً للتأمّل والصلاة حسب ما يشرح ابن البلدة شربل مطر. ورمّمت البلديّة الكنائس الأثريّة في البلدة (مار حوشب، مار سابا وكنيسة سيّدة المرج) «تعزيزاً للسياحة الدينيّة فيها»، كما تشير رئيسة أخويّة القديسة تيريز، فيوليت سعادة.

عدد السبت ٢٦ حزيران ٢٠١٠
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment