Saturday, June 26, 2010

من قال إن حزب اللّه سيتجاهل محاولة توريطه في اغتيال الحريري؟
<>
عودة إلى الخلف قليلاً، إلى محطتين من المناسب التذكير ببعض التفاصيل الخاصة بهما، لعلّ في التذكّر والتفكّر ما ينفع.
إبّان العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز عام 2006، جاءت مروّجة مشروع الشرق الأوسط الجديد كوندوليزا رايس إلى بيروت، وقالت ما قالته. وعندما اجتمعت مع أركان 14 آذار في السفارة الأميركية، يومها توجّهت رايس إلى الحاضرين وخصّت النائب وليد جنبلاط بالنظرة: حان وقت دفع المستحقات. الحرب مستمرة حتى الانتهاء من حزب الله، ومطلوب منكم حشد الناس وتنظيم تظاهرات بحجم تلك التي تجمّعت في 14 آذار. ومن ثم عليكم ملاحقة حزب الله، ولو اضطررتم إلى قتاله.
كانت رايس تقول ذلك بهدوء، وتلتفت إلى إليوت أبرامز، راعي أقطاب الفريق نفسه، على قاعدة أن ما تقوله يجب أن يكون خطة عمل متفقاً عليها منذ زمن، وأن ما تطلبه الآن ليس سوى القليل الذي من المفترض أن يقدمه فريق 14 آذار لقاء الدعم الكبير الذي وفّرته الولايات المتحدة له منذ ما قبل قيامه، بل ما قدّمته قبل ذلك بكثير، وصولاً إلى ما فرض من وقائع بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وعندما لم تجد جواباً، عادت لتنظر إلى جنبلاط، الذي ترك لمروان حمادة الحديث: الأوضاع مختلفة. لا دماء الحريري على الأرض ولا الجيش السوري في لبنان، والآن إسرائيل تهاجم لبنان. لن يكون بالإمكان حشد الناس. ثم أي محاولة منّا لمواجهة حزب الله ستجعلنا في نظر الناس خونة... كانت رايس تحتاج إلى التثبّت من أن جماعتها لا يقدرون على شيء. خرجت وزادت من اتّكالها على إسرائيل في القصف وعلى فؤاد السنيورة في البكاء.
كان قد مرّ على هذه التجربة أقلّ من عامين، لكن في الغرب من لم يتعلم قراءة المشهد اللبناني. هذه المرة عُهد إلى تيري رود لارسن بإعداد أوراق تفيده في نزع الشرعية عن المقاومة، بعدما فشلت حرب نزع سلاحه بالقوة. كانت خطة 5 أيار الشهيرة. قبلها بأيام قليلة، عُقد في أحد فنادق العاصمة الفرنسية اجتماع عمل، ضمّ لارسن وفريقه، ومستشار عند الوزير برنار كوشنير جاء مع لارسن من أوسلو، وحضر مروان حمادة نفسه على وجه السرعة، ويبدو أن شخصيات لبنانية أخرى قريبة من آل الحريري وموجودة في باريس قد حضرت، مثل جوني عبدو وبازيل يارد وآخرين.
لم يطل النقاش قبل صياغة مشروع القرار الشهير الذي أصدرته حكومة فؤاد السنيورة، والذي استهدف سلاح المقاومة مباشرة. يومها، كان تقويم الغرب مستنداً إلى تقويم فريق 14 آذار في بيروت. هو نفسه التقويم الذي قاله هؤلاء عشية حرب تموز، ورأوا فيه أن حزب الله عبارة عن عصابة سيفرّ عناصرها متى خرج سلاح الطيران الإسرائيلي.
في أيار عام 2008، قال اللبنانيون للفرنسيين وللأميركيين وللدوليين، إن ردة فعل حزب الله على قرارات مثل قرارات 5 أيار ستكون على شكل تحركات في الشارع واعتصامات سرعان ما ستخف لينتهي الأمر على شكل خطب. صدّق الآخرون الأمر، ولا سيما أن الأجهزة الأمنية الغربية والعربية المعتدلة، مثل حال أجهزة الأمن في الأردن ومصر والسعودية، كانت تعتقد أن هناك جهوزية لدى فريق 14 آذار، ولا سيما لدى تيار المستقبل، تمنع أي محاولة من جانب حزب الله لاستخدام الأرض.
آذاريون ينتظرون بلمار ويبلغون الغرب تقديرهم أن لا انعكاسات على الأرض
لم يطل الوقت، يومين، حتى حصل مع حصل، وبدا كل فريق 14 آذار ومعه كل أوروبا والولايات المتحدة في حالة ذهول. لم يكن مقدّراً أن يهجم حزب الله، ولم يكن مقدّراً ألّا يقاومه أحد. وكانت الحصيلة اللجوء إلى مؤتمر الدوحة وما تلاه.
الآن، بعد نحو أربعة اعوام على حرب تموز، وأكثر من عامين على أحداث أيار عام 2008، ثمة محاولة جديدة من الفريق نفسه، وبدعم من الأدوات العربية والغربية نفسها لتكرار الأمر. والمفارقة هنا أن ذلك يجري وفق آلية التقويم نفسها. لكنّ عنوان الحملة الجديدة على حزب الله هو: اتهامه بأنه قوة مجرمة قتلت رئيس الوزراء رفيق الحريري. ولذلك فإن السيناريو الذي رسمه هؤلاء يقول إن القرار الاتهامي سيصدر عن دانيال بلمار خلال شهور (البعض لم يستبعد حصول ذلك خلال أسابيع) ومن ثم ستوجّه الاتهامات إلى شخصيات قيادية في حزب الله وإلى عناصر أمنية وعسكرية من سوريا وإيران، وبالتالي تصبح الأرضية جاهزة لإطلاق حملة لشيطنة المقاومة واعتبار مهمة التخلّص من سلاحها عملاً وطنياً. وبحسب الفريق اللبناني، ومعه داعمون في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة إلى جانب الأردن ومصر والسعودية، فإن التقدير أن حزب الله لن يفعل شيئاً، بل سيصمت، وأن الرئيس الحريري «وعد» بأنه سيساعد على عدم حصول انعكاسات، باعتبار أنه قرّر الخروج على الجماهير للقول إنّ المتهمين لا يعبّرون عن رأي الشيعة ولا عن رأي حزب الله ولا عن رأي قيادته.
العقل الساذج نفسه يعتقد أن اتهام حزب الله مباشرة أو مداورة أمر يمرّ مرور الكرام، وأنه لن تكون هناك أيّ ردود فعل تستدعي القلق. لكن، بما أن الشعارات الداخلية قامت لفترة على شعار عدم النسيان، فمن المفيد تذكّر تموز وتذكّر أيار. أما الغرب الفهيم العظيم، فعليه أن يبحث عن مأوى لكل موفديه إلى لبنان، بمختلف صفاتهم، ولا بأس بأن يحمل معه المرتزقة الذين تحدث عنهم جيفري فيلتمان.

عدد الجمعة ٢٥ حزيران ٢٠١٠
جريدة الاخبار
من قال إن حزب اللّه سيتجاهل محاولة توريطه في اغتيال الحريري؟
<>
عودة إلى الخلف قليلاً، إلى محطتين من المناسب التذكير ببعض التفاصيل الخاصة بهما، لعلّ في التذكّر والتفكّر ما ينفع.
إبّان العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز عام 2006، جاءت مروّجة مشروع الشرق الأوسط الجديد كوندوليزا رايس إلى بيروت، وقالت ما قالته. وعندما اجتمعت مع أركان 14 آذار في السفارة الأميركية، يومها توجّهت رايس إلى الحاضرين وخصّت النائب وليد جنبلاط بالنظرة: حان وقت دفع المستحقات. الحرب مستمرة حتى الانتهاء من حزب الله، ومطلوب منكم حشد الناس وتنظيم تظاهرات بحجم تلك التي تجمّعت في 14 آذار. ومن ثم عليكم ملاحقة حزب الله، ولو اضطررتم إلى قتاله.
كانت رايس تقول ذلك بهدوء، وتلتفت إلى إليوت أبرامز، راعي أقطاب الفريق نفسه، على قاعدة أن ما تقوله يجب أن يكون خطة عمل متفقاً عليها منذ زمن، وأن ما تطلبه الآن ليس سوى القليل الذي من المفترض أن يقدمه فريق 14 آذار لقاء الدعم الكبير الذي وفّرته الولايات المتحدة له منذ ما قبل قيامه، بل ما قدّمته قبل ذلك بكثير، وصولاً إلى ما فرض من وقائع بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وعندما لم تجد جواباً، عادت لتنظر إلى جنبلاط، الذي ترك لمروان حمادة الحديث: الأوضاع مختلفة. لا دماء الحريري على الأرض ولا الجيش السوري في لبنان، والآن إسرائيل تهاجم لبنان. لن يكون بالإمكان حشد الناس. ثم أي محاولة منّا لمواجهة حزب الله ستجعلنا في نظر الناس خونة... كانت رايس تحتاج إلى التثبّت من أن جماعتها لا يقدرون على شيء. خرجت وزادت من اتّكالها على إسرائيل في القصف وعلى فؤاد السنيورة في البكاء.
كان قد مرّ على هذه التجربة أقلّ من عامين، لكن في الغرب من لم يتعلم قراءة المشهد اللبناني. هذه المرة عُهد إلى تيري رود لارسن بإعداد أوراق تفيده في نزع الشرعية عن المقاومة، بعدما فشلت حرب نزع سلاحه بالقوة. كانت خطة 5 أيار الشهيرة. قبلها بأيام قليلة، عُقد في أحد فنادق العاصمة الفرنسية اجتماع عمل، ضمّ لارسن وفريقه، ومستشار عند الوزير برنار كوشنير جاء مع لارسن من أوسلو، وحضر مروان حمادة نفسه على وجه السرعة، ويبدو أن شخصيات لبنانية أخرى قريبة من آل الحريري وموجودة في باريس قد حضرت، مثل جوني عبدو وبازيل يارد وآخرين.
لم يطل النقاش قبل صياغة مشروع القرار الشهير الذي أصدرته حكومة فؤاد السنيورة، والذي استهدف سلاح المقاومة مباشرة. يومها، كان تقويم الغرب مستنداً إلى تقويم فريق 14 آذار في بيروت. هو نفسه التقويم الذي قاله هؤلاء عشية حرب تموز، ورأوا فيه أن حزب الله عبارة عن عصابة سيفرّ عناصرها متى خرج سلاح الطيران الإسرائيلي.
في أيار عام 2008، قال اللبنانيون للفرنسيين وللأميركيين وللدوليين، إن ردة فعل حزب الله على قرارات مثل قرارات 5 أيار ستكون على شكل تحركات في الشارع واعتصامات سرعان ما ستخف لينتهي الأمر على شكل خطب. صدّق الآخرون الأمر، ولا سيما أن الأجهزة الأمنية الغربية والعربية المعتدلة، مثل حال أجهزة الأمن في الأردن ومصر والسعودية، كانت تعتقد أن هناك جهوزية لدى فريق 14 آذار، ولا سيما لدى تيار المستقبل، تمنع أي محاولة من جانب حزب الله لاستخدام الأرض.
آذاريون ينتظرون بلمار ويبلغون الغرب تقديرهم أن لا انعكاسات على الأرض
لم يطل الوقت، يومين، حتى حصل مع حصل، وبدا كل فريق 14 آذار ومعه كل أوروبا والولايات المتحدة في حالة ذهول. لم يكن مقدّراً أن يهجم حزب الله، ولم يكن مقدّراً ألّا يقاومه أحد. وكانت الحصيلة اللجوء إلى مؤتمر الدوحة وما تلاه.
الآن، بعد نحو أربعة اعوام على حرب تموز، وأكثر من عامين على أحداث أيار عام 2008، ثمة محاولة جديدة من الفريق نفسه، وبدعم من الأدوات العربية والغربية نفسها لتكرار الأمر. والمفارقة هنا أن ذلك يجري وفق آلية التقويم نفسها. لكنّ عنوان الحملة الجديدة على حزب الله هو: اتهامه بأنه قوة مجرمة قتلت رئيس الوزراء رفيق الحريري. ولذلك فإن السيناريو الذي رسمه هؤلاء يقول إن القرار الاتهامي سيصدر عن دانيال بلمار خلال شهور (البعض لم يستبعد حصول ذلك خلال أسابيع) ومن ثم ستوجّه الاتهامات إلى شخصيات قيادية في حزب الله وإلى عناصر أمنية وعسكرية من سوريا وإيران، وبالتالي تصبح الأرضية جاهزة لإطلاق حملة لشيطنة المقاومة واعتبار مهمة التخلّص من سلاحها عملاً وطنياً. وبحسب الفريق اللبناني، ومعه داعمون في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة إلى جانب الأردن ومصر والسعودية، فإن التقدير أن حزب الله لن يفعل شيئاً، بل سيصمت، وأن الرئيس الحريري «وعد» بأنه سيساعد على عدم حصول انعكاسات، باعتبار أنه قرّر الخروج على الجماهير للقول إنّ المتهمين لا يعبّرون عن رأي الشيعة ولا عن رأي حزب الله ولا عن رأي قيادته.
العقل الساذج نفسه يعتقد أن اتهام حزب الله مباشرة أو مداورة أمر يمرّ مرور الكرام، وأنه لن تكون هناك أيّ ردود فعل تستدعي القلق. لكن، بما أن الشعارات الداخلية قامت لفترة على شعار عدم النسيان، فمن المفيد تذكّر تموز وتذكّر أيار. أما الغرب الفهيم العظيم، فعليه أن يبحث عن مأوى لكل موفديه إلى لبنان، بمختلف صفاتهم، ولا بأس بأن يحمل معه المرتزقة الذين تحدث عنهم جيفري فيلتمان.

عدد الجمعة ٢٥ حزيران ٢٠١٠
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment