Wednesday, June 30, 2010

بلدات شرق صيدا والزهراني المسيحية خطان متوازيان بين جزين والمدينة
سماسرة وأموال تتدفّق وبلدات تخسر خصوصياتها
تختصر البلدات والقرى المسيحية في شرق صيدا والزهراني كل معاناة التهجير والعودة وما سبقها وتلاها. والمنطقة التي يشتهر اهلها بدمائهم وابتعادهم عن المشكلات، وبحب الحياة الهادئة الوادعة، كان عليهم ان ينتظروا ردحاً لا بأس به من الزمن لكي تستقيم المعادلات السياسية ويعودوا الى ارضهم بعد تهجير ليس بالطويل نسبياً، امتد من 1985 الى 1990.
22 بلدة وقرية مسيحية تتبع ادارياً مدينة صيدا، وانتخابياً دائرة الزهراني، في توزيع غريب لا مثيل له سوى في منطقة صيدا ومحيطها التي تختلط فيها الطوائف، ويسعى كل منها الى حفظ خصوصياتها في اطار الانتماء الى تلك المنطقة التي تشكل بوابة الجنوب من جهة، والمدخل الى جبل لبنان الجنوبي من ناحية اخرى، والتي لا تذكر تفاصيل تاريخ لبنان من دون الاشارة الى مجريات الحوادث فيها خصوصاً مع جارتها الطبيعية مدينة جزين عاصمة المسيحيين في الجنوب. وخلافاً لمنطق غالبية مهجري الجبل، وتحديداً الشوف وعاليه، من الذين لا يقصدون بلداتهم وقراهم الا في خلال المناسبات والاعياد الدينية والعطل المدرسية والصيفية او مواسم الزيتون والثمار، فإن قرى المسيحيين في شرق صيدا والزهراني تزدهر وتكاد تكون ممتلئة بسكانها الذين يفضلون الاقامة في بلداتهم ومسقطهم والتوجه منها الى اعمالهم في بيروت او صيدا وانحاء جبل لبنان الجنوبي، ذلك أن نسبة كبيرة من الاهالي هناك هي من موظفي القطاع العام في المؤسسات العسكرية والامنية والتربوية، او ممن يملكون مؤسسات خاصة، حيث تنقلهم الباصات في معظم الاحيان او يذهبون بواسطة سياراتهم الخاصة. ورغم ان نسبة المقيمين تتفاوت بين بلدة واخرى، تبقى السمة الواضحة أن تلك الانحاء ليست قليلة السكان قطعاً، على غرار بلدات الشوف وعاليه المسيحية حيث لم تجدِ كل المحاولات نفعاً في دفع غالبية مهمة من مهجري الجبل الى العودة والاقامة الدائمة في قراها وبلداتها واقتصر الامر على المتقاعدين والعجزة وفئات محددة.
بري ومغدوشة
التجمّع الاكبر للمسيحيين في الزهراني وشرق صيدا هو في مغدوشة التي تكاد تكون نظير سواها، لولا حكمة ابنائها الذين يحفظون تراثها واطلالتها التي تبقيها بلدة نموذجية وتجمع بين قطاعاتها الزراعية والسياحة الدينية من الطراز الاول من خلال مقام سيدة المنطرة أحد أبرز معالم المسيحية في لبنان والعالم. وانطلاقاً من مغدوشة تكرّ سبحة البلدات التي تشهد كثافة سكانية لا بأس بها، تصل الى نسبة 50 في المئة واكثر، مثل عين الدلب والمية ومية ودرب السيم وعبرا البلدة، حيث تأخذ في التراجع تدريجاً كلما توجه المرء صعوداً في اتجاه منطقة جزين. ويقال في شرق صيدا والزهراني ان الفضل في ازدهار الحضور المسيحي في انحاء الزهراني وتحديداً على الخط الممتد من بلدة عين الدلب الى القرية والمجيدل وكفرشلال وصولاً الى جرنايا ومحيطها، يعود الى الرئيس نبيه بري الذي سعى الى طمأنة الاهالي المسيحيين عقب التهجير الذي طال خط الانتشار المسيحي المقابل الممتد من عبرا الى جزين، وتجلى في خطوط التماس التي نشأت في منطقة كفرفالوس وتسببت بتدمير انحاء شرق صيدا تماماً وتهجير اهلها. ورغم المعارك التي شهدها خط جرنايا - حارة صيدا بين المنظمات الفلسطينية وحركة أمل، وما تعرضت له مغدوشة من تدمير وحروب آخرين على ارضها اكانت ارادة العودة اقوى.
واللافت ان بري كان واضحاً في التعجيل في قفل ملف التهجير في تلك الانحاء واحتضان عودة المسيحيين الى ارضهم في أسرع وقت ممكن، الى منطقة شديدة الحساسية والتوتر المذهبي حيث يحضر العامل الفلسطيني بقوة في مخيم عين الحلوة اكبر مخيمات لبنان، وكان يمكن ان يتمدد في اي لحظة الى خارج حدوده نتيجة انهيار المؤسسات العسكرية والامنية الشرعية في زمن الحروب.
سماسرة وأموال
اما في موضوع شراء اراضي المسيحيين وعقاراتهم، والتي وان تكن ترتدي طابع التبسيط لدى البعض ومحاولة ادخالها في اطار عمليات تجارة العقارات العادية، فهي ترتدي وفي المناطق المختلطة طائفياً طابعاً آخر يهدد بإقتلاع فكرة العيش من اسسها ونسف كل ما جهد الحكماء لتجنبه من فرز طائفي ومذهبي وقيام معتزلات طائفية ومذهبية خالصة. يقال في شرق صيدا. ان عملية شراء الاراضي تتم في اتجاهات عدة، مع تركيز على المناطق المحيطة بصيدا حيث يشتد الطلب على اقامة ضواح لسكن الصيداويين، وبهذا المعنى تتركز عمليات السماسرة المسيحيين الجشعين على البحث عن اراض وعقارات تحت عنوان ان "المنطقة ليست للمسيحيين"، على خط صيدا – جزين حيث تتوسع ما تسمى منطقة صيدا الكبرى لتشمل بقسطا والبرامية والهلالية ومجدليون والصالحية وكفرجرة، والاخيرة تتحول حارة للبورجوازية الصيداوية. ويشار في شرق صيدا الى ان مثلث الاراضي الواقع بين عين الدلب والهلالية ومجدليون اصبح مملوكا بالكامل من الصيداويين، علماً ان عمليات الشراء لا تقتصر على تلك المنطقة بل تمتد لتشمل الاراضي المجاورة لاقليم الخروب وعلى ضفة نهر الاولي الجنوبية حيث ترتفع اسعار بساتين الليمون وتشتد المنافسة عليها خصوصاً مع رغبة عدد من المتمولين الشيعة، كما يقال، في شراء الاراضي في تلك الناحية بأسعار بخسة نظراً الى ما تزخر به المنطقة من امكانات زراعية ومائية وسياحية ضخمة.
ويقول ابناء تلك الانحاء إن غالبية البلدات المسيحية لا تزال تحتفظ بقسم لا يستهان به من العقارات والمشاعات في خراجها، ورغم مساعي السماسرة وحقائب المال النقدي المستعدة لاغراء اصحاب الاراضي المسيحيين، لم تتجاوز نسبة الاراضي المبيعة الـ 35 في المئة حيث يتمسك قسم لا يستهان به من الاهالي برفض فكرة البيع والتخلي عن ارضهم من اساسها. لكن ذلك لا ينفي ان ثمة بلدات تواجه خطر الذوبان كي لا يقال الابتلاع عن خريطة التعايش من "وحش المتمولين"، الامر الذي يتجلى على خط صيدا – جزين في بلدات البرامية والهلالية ومجدليون مثلاً التي فقدت او تكاد هويتها الاصلية بسبب المجمعات السكنية التي تجتاحها تدريجاً وتحول هذه الانحاء ضواحي لصيدا الشرقية والشمالية بعدما كانت مجرد قرى وبلدات وادعة. وفي عبرا الجديدة التي كان المسيحيون يشكلون نسبة كبيرة من سكانها قبل التهجير ها هم يعودون ليجدوا ان المدينة الجديدة اصبحت مدينة اخرى، لا تمت الى عبرا القديمة. وهكذا لم يتبق من المسيحيين في عبرا الجديدة سوى زهاء عشرة في المئة لينحصر وجودهم ببلدة عبرا القديمة او الضيعة.
رغم الصورة القائمة التي يقدمها عرض عملية بيع الاراضي والعقارات في انحاء شرق صيدا والزهراني، يميل الميزان الى التفاؤل لا الى التشاؤم. فمقتضيات التوازن الوطني تمارس دوراً خفياً في ضبط عملية العيش المشترك ومنع السماسرة وهجمة اصحاب المشاريع من التمادي في غيهم واصرارهم المشبوه على شراء الاراضي. ويقول العارفون بأحوال تلك المنطقة ان ما يجري فيها ليس بعيداً عما يجري في اي منطقة لبنانية اخرى.
والامر يحتاج في رأيهم الى مبادرات وطنية وقرار شجاع من اصحاب الشأن في الجنوب، بالتصدي لعمليات بيع الاراضي والحد من هجمة اسراب السماسرة الذين يستفيدون من تردي الاوضاع الاقتصادية. واذا كانت العلاقات الاجتماعية وعوامل الصداقة والجيرة والعيش المشترك تؤدي دوراً في لجم اصحاب النيات الخبيثة، فإن المسؤولية الاساسية تقع على الدولة التي لا تتذكر شرق صيدا ومنطقتها الا عند الحوادث الامنية أو المناشير الاخيرة التي وزعت، في حين ان المطلوب اكثر من ذلك بكثير.
بيار عطاالله
جريدة النهار

No comments:

Post a Comment