Saturday, June 26, 2010

الرئيس ميشال سليمان: الصدفة تستمر
الرئيس ميشال سليمان في الأمم المتّحدة (أرشيف - رويترز)اليوم يكمل الرئيس ميشال سليمان شهره الخامس والعشرين في قصر بعبدا. مرّت السنتان (انتُخب في 25 أيار 2008) من دون أن يستفيد الرئيس من الزخم المعنوي الذي يستهل الرؤساء عهودهم به. وها هو اليوم، كأنه في آخر أيام ولايته، يستقبل ويودّع في قصر بعبدا، متفرّجاً على وئام وهاب يراسله علانية ومستمعاً إلى سمير جعجع يوجّهه وينصحه
غسان سعود
في أول سنتين من عهد الرئيس إميل لحود، كان «فرح الناس» لا يزال كبيراً: الرئيس يحكم، الرئيس يقاوم المشروع الاقتصادي لرفيق الحريري، الرئيس يغيّر المديرين العامين بآخرين على ذوقه، الرئيس يحافظ على نفوذه في المؤسسة العسكرية، الرئيس ينسّق مع بكركي ويتنقّل كالفاتحين من منطقة إلى أخرى. لاحقاً، كانت «خيبة الناس» كبيرة، لكن أقل ما يمكن للحود قوله أنه حاول وفشل.
اليوم، مع انتهاء الثلث الأول من ولاية العهد السليماني، يمكن بعض مستشاري رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أن يتحدثوا ساعات عدّة عمّا يسمونه «دور الرئيس في مصالحة النظامين السوري والفرنسي»، و«تقريبه وجهات النظر بين النظامين السوري والأميركي». لكنّ المستشارين أنفسهم لن يجدوا ما يقولونه بشأن الخطوات التي بدأها الرئيس من أجل «مشاركة الشباب في إيجاد الحلول»، كما تعهّد في خطاب القسم. وسيستخدم هؤلاء المستشارون أذكى الحيل التي تعلّموها في المدرسة الحربية لتغيير الموضوع حين يسألون عن آخر (أو أول) طرح قدمه الرئيس بشأن «الاعتراف بحقوق المغتربين»، كما تعهّد في خطاب القسم أيضاً. وبعيداً عن هذا الخطاب، لن يستطيع المستشارون الإشارة إلى إنجاز عملي واحد على مستوى الوطن (لا عمشيت) حقّقه الرئيس أو الوزراء الخمسة الذين يمثّلونه (تنظيم وزير الداخلية زياد بارود للانتخابات النيابية والبلدية في موعدها هو واجب لا إنجاز، وأقل الإنجاز هو حل أزمة السير).
فرح الناس لم يكن كبيراً بوصول سليمان إلى بعبدا؟ ربما، لكن المؤسف أن الرئيس لم يكلّف نفسه بعد عناء المحاولة. فسياسة اللاإنجاز هذه مضافة إلى استراتيجية اللاموقف تفقد الرئاسة الأولى العصب وتجعل المكان بلا مكانة. يتسلى رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع بنصح الرئيس، وتغدو الإطلالات التلفزيونيّة لرئيس تيار التوحيد وئام وهاب مدرسة توجيهية بالنسبة إلى الرئيس. هذا الأمر قد لا يزعج سليمان، لكنه يغضب بعض المتمسّكين بدور الرئاسة الأولى، المعتقدين أن الحكم يحكم. وغالبية هؤلاء، من مواقع مختلفة، باتوا يتردّدون كثيراً في زيارة الرئيس لمصارحته، بعدما علّمتهم التجارب أنه سيستقبلهم، يصغي إليهم بشغف، ثم ينسى أثناء توديعهم كل نصائحهم، ويفعل بوحي المقرّبين منه.
وفي رأي هؤلاء، فإن الرئيس، إذا ما قرر، ما زال قادراً على أن يفرض نفسه ولديه في الملفات الثلاثة، التي يفترض أن تكون رئيسية بالنسبة إليه، قدرة الإنجاز:
أولاً، الملف المسيحي. فالرئيس القوي عمليّاً هو الرئيس الذي تلتف طائفته حوله. وهذا في حالة سليمان يتطلّب مسألتين رئيسيتين:
ــــ الاقتناع بأن لا شيء أهم من موقعه، وأن ميشال عون وسمير جعجع وغيرهما لا يزاحمانه، وهو رسميّاً أهم منهما، وعليه بالتالي استيعابهما والتنسيق معهما أكثر ليحقق من موقعه مطالبهما. ويؤكد أحد السفراء السابقين أن تنسيق سليمان مع تكتّل التغيير والإصلاح لاستعادة بعض صلاحيات الرئاسة الأولى (توقّف سليمان عن الكلام على هذه الصلاحيات بعدما ردّ بعض النواب على ما ورد في خطابه بهذا الخصوص لمناسبة عيد الجيش في العام الماضي) سيجعله يفوز بإعجاب العونيين الذين لن يترددوا في الهتاف باسمه إلى جانب اسم عون إن هو بدأ العمل جديّاً لاستعادة بعض الصلاحيات. وهو إذا تفاهم على تفعيل القواسم المشتركة مع العونيين والقوات وغيرهم ووضع خطة عمل، فسيجد هؤلاء ملتفين حوله حين تواجهه أية صعوبة، عكس ما هو حاصل اليوم. وفي بعض الصالونات المسيحية، ذات الطابع التربوي، حيث يختلط رجال الدين بالعلمانيين، الأكاديميين والحزبيين، تبرز وجهة نظر تتنقل من صالون إلى آخر تقول إن المسيحيين، خلافاً لما يُشاع، أكثر قوة اليوم مما كانوا منذ الاستقلال (قبل الحرب كانت الطوائف الإسلامية ضعيفة لا المسيحيون أقوياء). وذلك نتيجة تحالف نحو نصف المسيحيين مع حزب الله وحركة أمل، وتحالف حوالى نصفهم الآخر مع تيار المستقبل، وإثبات التجربة أن كلّ نصف قادر على إلزام حلفائه بتحقيق ما يريده. وبالتالي، تتابع وجهة النظر، يمكن سليمان، المقبول من الطرفين المسيحيين، أن يستفيد من نفوذهما وسط حلفائهما لوضع مشروع متكامل يجمع ما يتقاطع الطرفان عليه والمباشرة في تحقيقه.
ـــــ تحقيق بعض الإنجازات التي تعني المسيحيين عموماً. فهو قادر مثلاً على أن يضرب بيده على طاولة مجلس الوزراء مطالباً بتوفير المبلغ الضروري لإعادة من بقي من المهجرين. وهو كان وما زال قادراً على مساءلة وزيرة المال ريا الحسن بشأن التوظيف اللامتوازن طائفياً في وزارتها. ويمكنه فتح نقاش جدّي بشأن اللامركزية الإدارية. ويذكر هنا أن رؤساء الطوائف المسيحية طلبوا مجتمعين في 7 شباط 2009 من رئيس الجمهورية «اعتبار الأوقاف المسيحية بمثابة مؤسسة عامة، فتستفيد من الإعفاءات القانونية التي تستفيد منها الأوقاف الإسلامية». وأرفقوا طلبهم بمشروع قانون معه أسبابه الموجبة والدراسة القانونية المسند إليها. لكنّ الرئيس لم يثر هذا الموضوع، ما جعل رؤساء الطوائف يفكرون مرتين قبل طلب موعد في بعبدا مرة أخرى. وقد وجد هؤلاء لدى نائب في تكتّل التغيير والإصلاح اهتماماً أكبر بكثير مما وجدوه عند الرئيس.
يفضّل السوريون إعطاء ترسيم الحدود أو غيره إلى الحريري لا إلى سليمان
يمكن سليمان أن يستفيد من نفوذ عون وجعجع عند حلفائهما لوضع مشروع متكامل
ثانياً، علاقته مع النظام السوري، إذ يقول بعض المطّلعين على هذه العلاقة إن ثمة أربعة عوائق رئيسية تصعّب بالنسبة إلى السوريين تمتين هذه العلاقة:
1ـــــ علاقة سليمان الوطيدة بالنظام المصري.
2ـــــ عدم حسمه محلياً أي ملف وسعيه الدائم إلى إرضاء كل الأفرقاء.
3ـــــ عدم قوله للسوريين مباشرة، وبوضوح، ماذا يريد تحديداً.
4ـــــ اعتقاده أن علاقته بالسوريين يفترض أن تغنيه عن علاقة هؤلاء بميشال عون أو سليمان فرنجية، في ظل اعتقاد البعض أن تكليف الرئيس سليمان للوزير السابق ناجي البستاني (الذي يرشحه البعض لخلافة الوزير زياد بارود في حال حصول تغيير وزاري) منذ نحو شهرين بمتابعة هذه العلاقة يفترض أن ينعكس إيجاباً عليها، لعلاقات البستاني المتشعّبة، سواء أكان في سوريا أم مع حلفاء سوريا في لبنان. ويعتقد أحد الذين يكثرون التردد على مكاتب الضباط في دمشق أن النظام السوري يفضّل إعطاء ترسيم الحدود أو غيره إلى الرئيس سعد الحريري لا إلى سليمان، لأن الحريري قادر على مبادلة مبادرة حسن النية بمبادرة حسن نية أخرى، أما سليمان فلا يملك شيئاً ليعطيه إلا المواقف.
ثالثاً، دوره في الحكومة، إذ لم يبرز لون الرئيس أو طعمه. وهو، نقلاً عن أحد الوزراء، يكتفي بانتظار احتدام الموقف بين وزيرين ليتدخل مهدّئاً الاثنين، باذلاً جهده لمصالحتهما وجعلهما يتفقان على حلّ لخلافهما دون أن يبتدع شيئاً من عنده. ولم يقدّم أفكاراً أو يعرض دراسات بشأن بعض القضايا المهمّة، ولم يُظهر بعد أن لديه أية مآخذ أو ملاحظات على السياسات الاقتصادية والاجتماعية الحريرية. ويؤكد الوزير الأكثري أن الرئيس يقدم غالباً مطالعة سياسية تكون أقرب إلى مقدمات نشرات الأخبار، يعرض فيها أهم الأحداث التي حصلت، مكرراً موقفه منها، ثم يكتفي طيلة الجلسة بتسجيل الملاحظات على دفتر خاص به. وفي رأي أحد اقتصاديي الرابطة المارونية، فإن الرئيس قادر على الاستغناء عن خدمات بعض المنظّرين غير المنتجين وغير الكفوئين المحيطين به، ويؤلّف بالتعاون مع ممثّليه في الحكومة فريق عمل جديداً تكون وظيفته التدقيق في جدول أعمال مجلس الوزراء ودراسة الملفات بتأنّ، فتكون مداخلاته، سواء أكان هو شخصياً أم ممثلاً بأحد وزرائه، قيّمة وحاسمة.
في النتيجة، يؤكد صديق سابق للرئيس قرّر مقاطعة القصر منذ بضعة أشهر، أن الرئيس، الذي يقول البعض إنه وصل إلى بعبدا صدفة، يشغل كرسيه منذ سنتين بالصدفة أيضاً. فلا خطة ولا خريطة طريق ولا أهداف تتجاوز الفوز بمجلس بلدي هنا وبعضوية غرفة اقتصادية هناك. وهذا الأمر لا يتحمل مسؤوليته وئام وهاب ولا سمير جعجع، ولا تقف خلفه سوريا ولا الولايات المتحدة. هناك أمور، كهذه، مضطر الرئيس سليمان إلى تحمّل مسؤوليتها وحده.

عدد الجمعة ٢٥ حزيران ٢٠١٠
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment