Monday, June 21, 2010

ة نفسها!
سامي رستم
من فيلم «سفربرلك»كيف لا نستحضر البيّاعة في مسرحية «الشخص» حين نقرأ عن الخلافات الدائرة بين عائلتي الأخوين رحباني؟ «شو كان بدك حتى تغني والناس يلوموكي/ بكرا مين رح يسأل عنك إذا بكرا حبسوكي *». الفرق الوحيد أنّ المعركة التي تشنّ هنا لمحاصرة فيروز، بعيدة كل البعد عن المشاهد التمثيليّة. فما نشهده ليس إلا فصولاً واقعية ومثبتة بالوثائق والبراهين لمخطط يعمد إلى «إبعاد تلك البنت عن الساحة».
ما قرأناه كان صادماً. تخيّلوا فيروز ملاحقة على أبواب المطارات. اسمها معمّم على الموانئ والمنافذ! فيروز خلف القضبان، وقد أوكلت إلى الصمت مهمّة الدفاع عنها. نعم الدفاع عنها. فهي متّهمة بسرقة نفسها! مشهد «سريالي» حقاً. ينتابنا خجل عارم ونحن نكتشف لغة الاستدعاءات والتهديد التي لم نألفها في المقالات الفنية، وخصوصاً في مقالات تخصّ فيروز! كم ذلك مخجل ومؤلم!
كنا نتساءل في الآونة الأخيرة لماذا لا تطلّ «زهرة الحرية» علينا؟ جاء الجواب قاسياً: هناك يد خبيثة تمنع فيروز من العطاء. حتى الحفلات المسجّلة التي ننتظرها بشوق لتصدر على DVD لم تسلم، وانضمّت الى جملة الأعمال المحظور على فيروز إنجازها. وهي كانت منهمكة بالإعداد لإعادة عرض عمل مسرحي رحباني من أرشيفها بصيغة جديدة في موسم صيف 2010، لكن المشروع عرقل قانونيّاً من قبل ورثة منصور الرحباني، بدعوى حماية حقوق التأليف والملكية الفكريّة.
نستحضر البيّاعة في مسرحية «الشخص» حين نقرأ عن الخلافات الدائرة بين العائلتين
وهنا تستوقفنا إحدى الجمل من مسرحية «الشخص»: «يا بياعة والقانون مدينة حديد ما فيها حدا غير الليل واليباس والبرودة»!
في عام 1978، أنهك التعب فيروز حين تنقّلت بين مسرحَي «البيكاديللي» و«كازينو لبنان» لتقديم مسرحية «بترا» بعد قرار عرضها في منطقتين مختلفتين ليحضرها أكبر عدد من الناس، في ظل الظروف القاسية وانقسامات الحرب الأهليّة في لبنان. مرّ الزمن ولفّ الظلام مسرح «البيكاديللي» الذي ينتظر اليوم من يبعث فيه الحياة. لكنّ الكازينو بقي وتعاقبت عليه إدارات مختلفة، وآخرها الإدارة الحالية التي تملّصت، بذرائع باهتة، من عرض مسرحية قديمة جديدة لفيروز.
إذاً، على من نعوّل لاستقبال «صح النوم» وصاحبتها؟ في وطنها، لم تسلم فيروز من براثن مافيات الفنون... تلك المافيات هي الحاكم الآمر الناهي، نراها تنتج لهذا، وتحجب عن ذاك. تغذيها مشاعر حقد دفينة على السيدة والأخوين عاصي ومنصور الرحباني على مبدأ «ماتاري المدعي العام طلع قرايب الحق العام ونحنا مفتكرين الرزالة من الشاويش»!
نعود بالذاكرة إلى الوراء قليلاً ونتخيّل الصدمة نفسها تصيب الدمشقيين، لو أنّ الأمانة العامة لاحتفالية «دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008» ألغت عروض «صح النوم»، حارمةً أهل الشام من فيروزهم، ومنتصرةً لليد التي تعبث بتاريخ الأخوين رحباني وتعمل على تغييب فيروز.
لكننا، بالعودة إلى الواقع، نمتلك يقيناً واحداً، هو أنّ ما من أحد قادر على وضع فيروز «برا الساحة»... فهي «ماريا» وناسها ليسوا من ورق، بل من حقيقة! وستبقى تملأ الساحات والقلوب، فيما مسارح المعتدين عليها مقفرة إلا من خيول وعتاد وديكورات وملابس. الجمهور هو الذي يطالب فيروز بأن تقف في أسرع وقت على خشبة المسرح...
* الأغنية أدّتها فيروز في النسخة الدمشقية من مسرحية «الشخص» في العام 1968 ولم تصدر حتى الآن
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment