Monday, June 21, 2010

اتركوا لنا فيروز
بيار أبي صعب
كانوا ثلاثة في هذه المغامرة الاستثنائيّة. ثلاثة تشكّلت حولهم الأسطورة. قولبوا ذائقتنا، وطبعوا ذاكرتنا، وصنعوا أوهامنا الجميلة، قصص حبّنا، مشاعرنا الوطنيّة والقوميّة أيضاً، أعمارنا الهاربة، مزاجنا الشعبي. في أرشيفهم كانت تختبئ حكاياتنا العابرة والخطيرة. رافقوا المحطّات الأساسيّة في تاريخنا المعاصر. أعادوا إنتاج الوطن الخرافي الذي ما زلنا نحاول أن نجعل منه وطناً. معاً اخترعوا تلك الخلطة بين القرية المثاليّة من جهة، بمفرداتها وناسها وفضاءاتها ووعيها للعالم، ومن الجهة الأخرى مفارقات الواقع الاجتماعي والسياسي التي تجد لها دائماً حلولاً سحريّة في وطن الأوبريت. ثم تركوا لنا أن نتدبّر المسائل، وحدنا، مع المقلب الآخر من الحقيقة. ماذا خلف ديكور الوطن النموذجي، وماذا وراء الأسطورة الرحبانيّة؟
وطن الرحابنة الذي غزا قلوب العرب، صار الصورة «الرسميّة» للبنان، تعكس سذاجة القرويين وطيبتهم، وحنين أهل المدن إلى زمن سعيد ولّى، وأحلام الطبقة الوسطى بالارتقاء والازدهار. أما الأسطورة، فكانوا ثلاثة يملكون سرّ معادلتها الخاصة والفريدة. عاصي الأب المؤسس، العبقري النزق والصعب المراس، صاحب الموهبة الخام والزخم الدائم. منصور الشاعر والمبدع، الرفيق المصغي والمكمّل، شريك التجربة وصائغها وحارسها. وأخيراً فيروز. المرأة ــــ الصوت التي حملت الأسطورة، أعطتها جسداً، تماهت معها مثلما تقمّصت بطلاتها على المسرح. صوت فيروز يختزل فنّ الرحابنة وتراثهم، بكلّ ما فيه من موسيقى وشعر، من قصص وأغنيات وحوارات وشخصيات. إنهارَ لبنان الأوبريت. ذهب عاصي، ثم لحق به منصور. ولم يبقَ لنا إلا فيروز. لا أحد يملك
أن يسكتها الآن. اتركوا لنا فيروز!

عدد الاثنين ٢١ حزيران ٢٠١٠
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment