Tuesday, June 22, 2010

صفير في زحلة
«زيارة» فوق صفيح ساخن
صفير مقبلاً مطران الأرثوذكس في زحلة أسبيريدون خوري (الأخبار)لم تعبر زيارة البطريرك الماروني مدينة السلام زحلة بسلام. فإضافة إلى الانفجار «الغامض» الذي هزّ شرق المدينة، فإن انفجارات سياسية ستهزّ عروس البقاع تكون ارتدادات لزيارة تأخرت كثيراً ولم يجد فيها صفير وضعاً يستدعي مبادرة لمصالحة، فقفل عائداً إلى بكركي جواً بعدما غادرها براً، تاركاً «أسود» زحلة في حلبة لا حكم منصفاً فيها
عفيف دياب، نقولا أبو رجيلي
لم يحجب دخان الانفجار «الغامض»، في محل للخرضوات وقطع غيار السيارات في المنطقة الصناعية في زحلة، غبار الانفجار السياسي الذي خلّفته وستخلّفه زيارة البطريرك الماروني نصر الله صفير إلى عروس البقاع. فالانفجار الأول الذي أودى بحياة المدعو زياد حسين، وجرح عامر العجمي وخالد حمزة (جميعهم من بلدة مجدل عنجر) اللذين أصبحا في عهدة استخبارات الجيش اللبناني للتحقيق معهما في ملابسات ما حصل، طغى على المشهد البقاعي الذي سبق «حدث» زيارة البطريرك بساعات، إذ إن التزامن بين الحدثين استدعى، سياسياً على الأقل، ربطهما معاً على الرغم من أن القوى الأمنية لم تجد حتى الآن رابطاً ما بينهما، إذ لم تتوصّل التحقيقات المستمرة في انفجار المدينة الصناعية إلى أي معطيات «خطيرة»، ولا سيما أن بعض الأجهزة الأمنية بمختلف مصاردها، أبلغت الكنيسة المارونية، في زحلة وخارجها، أنه لا «صلة مباشرة حتى الآن بين الانفجار وزيارة البطريرك» وفق ما قالت مصادر كنسية في زحلة لـ«الأخبار». وأضافت: «لم نبلّغ بوجود صلة مباشرة بين الانفجار وزيارة البطريرك، فالاستعدادات وبرنامج الزيارة لم يُعدّلا بعد الانفجار، وإن بكركي تلقّت تطمنيات بأنه لا رابط بين الزيارة وما حصل». هذه المعلومات التي تلقّتها الكنيسة المارونيّة لم تؤكدها أو تنفها مصادر أمنية تواصل التحقيق مع الجريحين، مؤكدة لـ«الأخبار» أن التحقيقات مستمرة في وزارة الدفاع و«لم تنتهِ بعد، أمنيّاً وتقنياً، ولا معلومات نهائية حتى الآن في حوزتنا». تابعت: «لا يمكننا حتى اللحظة وضع ما حصل في إطار العمل التخريبي. الجريحان يؤكدان أن حريقاً نشب داخل المحل وأدّى إلى حدوث انفجار».
هذا الانفجار «الغامض» لم يحجب زمانه وتوقيته ما رافق زيارة البطريرك صفير إلى مدينة زحلة التي دخلت منذ أمس في انفجار سياسي جديد، تكفّلت قوى حزبية محسوبة عليه بالضغط على «زرّ التفجير» السياسي كي تكون الزيارة وفق مصلحتها وأجندتها الزحلاوية. فالقوات اللبنانية احتلت بوضوح المشهد المحلي في مدينة «السلام ومربى الأسود»، معطية من خلال حشودها الشعبية وراياتها الحزبية «إيحاءات» بأن زيارة البطريرك تخصّها وحدها، وهي معنية فيها ولا أحد غيرها، وقد ظهر ذلك جليّاً من خلال هتاف حزبي منظّم وموحّد رافق الزيارة في جميع محطاتها: «يا بطركنا يا عظيم... خلّي عينك عالحكيم»، مصحوباً بـ«الله... قوات... حكيم وبس». هذا الإيحاء القواتي ومن خلفه الكتائبي، أزعج قوى سياسية وحزبية أخرى في زحلة قبل أن تتدخل جهات سياسية ودينية وتطلب من «القواتيين» وقف هتافاتهم تجنّباً لحصول أي إشكالات لا يحبّذها البطريرك في زيارته التي أدخلت وستدخل المدينة في «تلاسنات» سياسية كنتيجة طبيعية لزيارة كان صاحبها، إلى وقت قصير مضى، طرفاً في صناديق اقتراعها الانتخابية، وحاول القول، أمس، إنه للجميع وليس طرفاً في أي صراع محلي.
محاولات صفير في كل محطات زيارته لزحلة التأكيد أنه على مسافة واحدة من جميع القوى الزحلية، وأنه للجميع وليس لطرف ضد آخر، لم يكتب لها النجاح، إذ أصرّت قوى 14 آذار المسيحية في المدينة على اعتبار الزيارة مكافأة لزحلة ودورها وصمودها، و«أنها تمثل خط الثورة التي قادها صفير في عام ألفين»، على حدّ تعبير النائب الكتائبي إيلي ماروني، الذي انتقد بشدة النائب السابق إلياس سكاف واتهمه بأنه يحاول تبنّي زيارة صفير من أجل مصالحه السياسية، فيما ردّ مقربون من سكاف على هذه الاتهامات ووصفوها بـ«صغر عقل» و«البطريرك ليس حصراً بفئة ضد أخرى». أضافوا: «نحن نستقبل البطريرك الماروني لرمزيته الدينية والوطنية، ولن ننجرّ إلى سخافات سياسية، فالزيارة التاريخية لا تستحق إلا كل الترحيب بها والمساهمة في تنظيميها شعبياً، بعيداً عن رفع الشعارات والهتافات والأعلام والرايات، وهذا ما فعله مناصرو الكتلة الشعبية. فأهالي زحلة جميعهم يرحّبون بغبطته بما يمثل من رمزية».
سجال القوات والكتائب مع الكتلة الشعبية لم يجد التيار الوطني الحر في زحلة نفسه معنياً به، إذ اكتفى بالوقوف متفرجاً على هذا السجال السياسي والمشاركة بوفد رسمي في تدشين كاتدرائية مار مارون وقداس صفير والاستماع بإصغاء إلى كلمته الدينية التي لم تخل من تمنّيات سياسية عامة طلبت من السياسيين المسيحيين «التسامح والتوافق». هذا التسامح والتوافق غير الموجودين حالياً في زحلة، وستزيدهما زيارة البطريرك الماروني فرقة وتشرذماً، رغم أن مفتاح المدينة الذهبي أصبح في عهدته، لم يعمل «نيافته» على ترجمتهما والقيام بمبادرة ما تؤسّس لمصالحة مسيحية ـــــ مسيحية تنطلق من زحلة، وفق ما كانت تتوقع شخصيات سياسية زحلية وجدت في الزيارة مناسبة كان على البطريرك أن يستغلها، ولا سيما أن جميع القوى السياسية والحزبية في المدينة كانت في استقباله. وبغض النظر عن التنافس في ما بينها فـ«حين يدعو البطريرك في كلمته الزحليين إلى الوحدة والوفاق، وأن في تضامنهم قوة، عليه أن يترجم ذلك من خلال قيامه بتحقيق هذه الوحدة على الصعيد المسيحي المحلي والعام». ويضيفون: «للأسف أظهرت الزيارة أن المسيحيين ما زالوا منقسمين على أنفسهم، وقد بدا ذلك جلياً في زحلة، وستكون للزيارة تداعيات انقسامية جديدة، وخصوصاً أن زحلة أصبحت اليوم تحت عباءة 3 قوى سياسية أساسية، هي: الكتلة الشعبية، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الكتائب».
الأجهزة الأمنيّة أبلغت الكنيسة المارونيّة أنه لا صلة مباشرة حتى الآن بين الانفجار وزيارة البطريرك
حاول صفير التأكيد أنّه على مسافة واحدة من جميع القوى الزحليّة وأنّه للجميع
أما البطريرك صفير فقد رأى أن زحلة «التي قدّمت الشهداء من أبنائها عندما دعا الواجب هي مدينة سلام وعروس البقاع». ونوّه بـ«نمط العيش المشترك والانصهار الوطني اللذين حقّقهما أهل البقاع». ورأى فيهما «مكسباً يستحق المحافظة عليه، وقد صمد في وجه التطرّف الذي أملته الحوادث التي مرّت بنا صموداً يذكر به البقاعيون هو الذي يرفل لهم السلم الأهلي حالياً أكثر من سواه. والأوطان كالأفراد والجماعات تحتاج الى التعاون المتبادل بينها على ما فيه خيرها وسلامها، وهذا ما ندعو إليه على غرار ما هو قائم بين كل الدول المتجاورة والمتعاونة، ولا سيما التي يقوم بينها جوار حسن، وقد صدق ما يقوله المثل المعروف: «جارك القريب، ولا أخوك البعيد».
زيارة البطريرك الماروني نصر الله صفير إلى زحلة براً ومغادرتها جواً، بدأت من بلدة المريجات حيث كان في استقباله نواب ومحافظ البقاع، مروراً بجديتا حيث نحرت له الخراف، وشتوره وتعلبايا وسعدنايل التي استقبلت أول من أمس بحفاوة بالغة المطران هيلاريون كبوجي وأعضاءً من أسطول الحرية، وصولاً الى زحلة حيث جال في بعض أحيائها، متفقّداً أبناء الأبرشية، ومختتماً زيارته بقداس في كاتدرائية مار مارون ولقاء مع مفتي البقاع الشيخ خليل الميس ومطارنة المدينة وغداء على شرفه، قبل أن يقفل عائداً إلى بكركي، تاركاً زحلة في أتون من الأسئلة، ولا سيما أنه كان قد دعا أبناء المدينة إلى «الوحدة ورص الصفوف والمصالحة إذا كان الوضع يستدعي المصالحة».
مجدل عنجر والقلق
لم تفق بعد مجدل عنجر من صدمتها التي جاءتها من حيث لا تحتسب. فانفجار المدينة الصناعية في زحلة ومقتل أحد شباب البلدة عشية زيارة البطريرك صفير، أدخلا المجدل في ضياع لم تعرف كيف تخرج منه، ولا سيما أن وسائل إعلام قالت إن الشباب الثلاثة ينتمون إلى مجموعة أصولية، ما رفع من خوف الأهالي من ردود فعل أمنية كانوا يخالون أنهم ارتاحوا منها. وأكثر ما أقلق أهالي مجدل عنجر محاولة البعض، سياسياً وإعلامياً، إلصاق تهمة «إرهابية» كبرى بهم واستباق التحقيقات الأمنية. تهمة لا يجد فيها الأهالي إلا محاولة جديدة تستهدفهم، وخاصة أن الأجهزة الأمنية تعرف تمام المعرفة سير حياة هؤلاء الشباب الاجتماعية، وأن أحدهم كان موقوفاً لديها بتهمة غير سياسية أو أمنية. قلق مجدل عنجر المشروع استدعى أيضاً تمنّيات أبلغت أمس إلى قادة في البلاد، بوجوب الإسراع في إنجاز التحقيق الأمني كي لا تبقى البلدة أسيرة اتهامات غير واضحة.
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment