Saturday, June 26, 2010

بلمار: الوصول إلى العدالة بالمراسلة
المدعي العام بلمار الذي لم يدعي على أحد حتى اليوم (أرشيف)قدّم المدّعي العام في المحكمة الدولية الخاصّة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، دانيال بلمار، يوم الأربعاء الفائت، ردّه على ما كان اللواء الركن جميل السيّد قد تقدّم به إلى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين بخصوص تسليم مستندات في قضية اعتقاله التعسّفي
عمر نشّابة
شدّد المدعي العام الدولي دانيال بلمار على عدم صلاحية المحكمة الخاصة بلبنان النظر في قضية الاعتقال التعسّفي، وادّعى عدم الصلاحية القانونية للواء جميل السيّد في المطالبة بعقد جلسة علنية في لاهاي لبتّ طلبه الحصول على مستندات يحتفظ بها المدعي العام.
اللواء السيد يطالب بتسليمه مراسلات بخصوص استمرار احتجازه في سجن رومية لمدة نحو أربع سنوات، كانت لجنة التحقيق الدولية قد بعثت بها الى القضاء اللبناني.
إن إصرار بلمار على عدم تسليم المراسلات يتلازم مع تأكيده عدم صلاحيته النظر في قضية الاعتقال التعسّفي. لماذا إذاً يتمسّك بلمار بمستندات يقول إنه لا صلاحية له بشأنها؟ ألا يعدّ موقف بلمار عقبة أمام ممارسة السيد حقّه بملاحقة محتجزيه تعسّفياً أمام القضاء اللبناني؟
المدير العام السابق للأمن العام كان قد احتجز في سجن رومية لسنوات قبل أن يأمر القاضي فرانسين بعد نحو شهرين على انطلاق المحكمة في آذار 2009 السلطات اللبنانية بفكّ احتجازه بسبب «عدم صدقيّة المعلومات» التي كان قد احتجز على أساسها بناءً على توصية رفعها رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس الى المدعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا.
للسيّد كما لغيره، بحسب أبسط مبادئ العدالة، الحقّ في ملاحقة من احتجزه تعسّفياً، أو على الأقلّ، من يتّهمه بذلك. لكن بلمار كرّر في ردّه الثاني إصراره على حرمان السيّد هذا الحقّ البديهي.
تناول ردّ بلمار على الكتاب الذي تقدّم به السيّد بواسطة وكيله القانوني المحامي أكرم عازوري في 17 حزيران الفائت، جانبين أساسيين: أولاً إذا كان للمحكمة الخاصة بلبنان الصلاحية القانونية لأمر المدعي العام بتسليم مستندات الى السيّد تساعده في قضية يرفعها أمام القضاء اللبناني. وثانياً إذا كان السيد يتمتع بصلاحية إثارة هذا الشأن.
وحسم بلمار الجانب الأول بالتأكيد أن لا صلاحية قانونية للمحكمة في النظر في هذا الأمر. وأضاف ان السيّد كان قد أشار في ردّه الى المادة 85 من نظام المحكمة الجنائية الدولية المعنية بحقّ ضحية التوقيف والاحتجاز غير القانونيين بالعودة إليها للمطالبة بتعويضات. إن هذه المادة تطبّق، بحسب بلمار، بحقّ «شخص أخلي سبيله بعد صدور قرار نهائي بحقّه أو بعد ختم الإجراءات لهذا السبب، وهو ما لا ينطبق على حالة السيد (following a final decision of acquittal or a termination of the proceedings for that reason, a situation that does not apply to the Applicant). إن التعويضات بحسب المادة 85 تمنح في ظروف استثنائية إثر ثبات تجاوزات جدية وواضحة للعدالة». (الفقرة 5 من ردّ المدعي العام).
لكن القاضي فرانسين رأى في قراره الصادر في 29 نيسان 2009 «أنه لا يمكن، في هذه المرحلة من التحقيق، أن يُعتبر الأشخاص الموقوفون مشتبهاً فيهم أو متهمين في إطار الإجراءات العالقة أمام المحكمة الخاصّة. وبالتالي، طبقاً للقواعد، لا يستوفي وضع هؤلاء الأشخاص تحت الشروط الأساسية التي تبرّر احتجازهم المؤقت أو الإفراج المشروط عنهم». (الفقرة 39) وبما أن «النسخة الفرنسية هي النسخة ذات الحجية» كما ورد في قرار فرانسين، جاء حرفياً في النصّ: «elles (les personnes) ne remplissent pas une des conditions sine qua non pour être placées en détention provisoire, voire même pour être libérées sous condition». بما أن السيّد والضباط الآخرين لا يخضعون لإطلاق السراح المشروط، وبما أن المحكمة لا تعتبرهم مشتبهاً فيهم أو متهمين فإن وضع بلمار شروطاً على تحصيل أحدهم حقوقه القانونية يعتبر مساساً بقرينة البراءة.
إن اعتبار بلمار أن القرار الذي صدر بحقّ السيد غير نهائي مستغرب، فإذا كانت لدى المدعي العام صلاحية قانونية بهذا الشأن بحسب قواعد الإجراءات والأدلّة، تقتصر على التوقيف لمدة شهر قابلة للتجديد مرّتين، أما في ما يخصّ الاتهام فالأمر يخضع لموافقة القاضي فرانسين، أما بخصوص البراءة أو عدمها فلا يعود ذلك لا لبلمار ولا لفرانسين بل لحكم المحكمة. وبما أنه لا اتهام ولا محاكمة حتى الآن فالسيد، كما غيره من الناس، أبرياء نهائياً.
يعبّر بلمار عن مفاجأته بقول السيد إنه لا صلاحية للمدعي العام بشأن طلبه. فهو على ما يبدو لم يفهم أن المقصود هو طلب تسليم مستندات اعترف المدعي العام بنفسه بأنها تخص قضية من خارج صلاحياته، وبالتالي فلا صلاحية للمدعي العام.
على أي حال، إن ردّ بلمار يوضّح «ان نظام روما لا ينطبق على المحكمة الخاصة بلبنان» (الفقرة 6). وهو أمر معروف، لكن من المفيد التذكير به لعلّه يسهم في قياس مدى دقّة قواعدها وعدالتها.
يبدو أن بلمار حسم أن دوافع سجن أشخاص تعسّفياً لا علاقة لها بالجريمة
يقول بلمار إن السيد حصّل طلبه بالوصول الى العدالة (access to justice) عبر تقدمه بطلبات خطية (enjoying access to justice through the submission of his written pleadings) (الفقرة 8 i) وفي ذلك ما يدعو الى التهكّم. فهل يعتبر بلمار أن الوصول الى العدالة يقتصر على المراسلات؟
أما بخصوص الصلاحية القانونية، فيقول بلمار إنه «ينبغي حسمها قبل تقديم أي قضية أمام قاضي الإجراءات التمهيدية. إن الصلاحية القانونية للمحكمة محدّدة في محاكمة إرهابيين. إن طلب السيد لا يدخل ضمن هذه الصلاحية القانونية». إن هذا الحسم يزيد من استغراب القارئ، اذ يبدو أن بلمار حسم بأن دوافع سجن أشخاص تعسّفياً خلال مرحلة التحقيق في جريمة مصنّفة إرهابية لا علاقة لها بتلك الجريمة ومنفّذيها. إذاً حقق المدعي العام في هذا الشأن رغم أنه لا يكفّ عن التكرار أنه من خارج صلاحياته.
أخيراً، يدعو بلمار القاضي فرانسين الى عدم عقد جلسة علنية لبحث هذا الشأن بحجة انتفاء الصلاحية القانونية، ويؤكد أن السيد عبّر عن نفسه وتمّ الردّ على ما ورد عنه، و«سيكرّر مواقفه viva voce (أي بالصوت الحي) أمام قاضي الإجراءات التمهيدية. وهذا ليس من مصلحة التوفير القضائي (judicial economy)». لبنان أسهم أخيراً بـ108 مليارات ليرة لتغطية نفقات المحكمة، فكيف يُحرم مواطن لبناني حقوقه بحجّة «التوفير القضائي»، بينما تصرف الملايين على رواتب بلمار وفريق عمله من دون وجود تقرير مالي يشرح كيفية صرف أموال اللبنانيين؟
________________________________________

الاستعانة بالمدفعيّة القضائيّة الثقيلة
استعان المدعي العام دانيال بلمار بثلاثة خبراء قانونيين دوليين للردّ على الكتاب الذي رفعه اللواء جميل السيد الى قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين. الثلاثة هم: الأميركي داريل مونديس والألماني إيكهارت ويتهوبف والكندية ماري صوفي بولان.
مونديس، متخرج من كلية الحقوق في جامعة كولومبيا، هو ضابط في البحرية الحربية الأميركية. خدم محامياً للمحكمة الدولية الخاصة بيوغوسلاقيا السابقة خلال محاكمة الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش. وشارك مونديس مقرّر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان السابق دايفيد تولبرت في وضع كتاب عن إجراءات محكمة يوغوسلافيا السابقة عام 2000.
أما ويتهوبف فعمل لمصلحة الادعاء العام للمحكمة الجنائية الدولية في قضية الزعيم لوبانغا من جمهورية الكونغو. وهو يتمتّع بخبرة واسعة، غير أن خلافاً وقع بينه وبين المدعي العام لويس مورينو أوكامبو لأسباب مجهولة. بولان محامية كندية عملت لمصلحة الادّعاء في كندا كانت على صلة ببلمار قبل انتقاله الى لاهاي.

عدد السبت ٢٦ حزيران ٢٠١٠
جريدة الاخبار

No comments:

Post a Comment