Saturday, June 26, 2010

كيف تكون صورة حزب اللّه في بكركي؟
جان عزيز
يعترف القريبون من بكركي بأنّ كلّ ما يُحكى ويُهمَس ويُنشر من ملفات كنسية شائكة وخلافية، هو أمر صحيح. لا بل إنّ هناك أكثر من كل ما كُشف حتى الآن. غير أنّ القريبين أنفسهم يسارعون إلى الجزم بأنْ لا علاقة لكل ذلك بالموقف الذي يتّخذه سيّد الصرح من حزب الله. هنا تبدو الأسباب والخلفيات مختلفة ولا علاقة لها بمحاولات تحويل الأنظار، بل بما يعمل المحيطون بالصرح على لفت النظر إليه، كما يشرح القريبون...
وفي الأسباب المكوّنة لموقف البطريرك الماروني من حزب الله، مستويان اثنان يمكن تصنيفهما بين العامّ والخاصّ: في العامّ أوّلاً، يؤكّد بعض عارفي البطريرك أنه يعتمد مبدأً ثابتاً في مقاربته للسياسة الداخلية، عنوانه حفظ التوازن بين مكوّنات اللعبة السياسية في لبنان، بحيث يعمل دائماً على المراقبة والموازنة، ليرصد ما يراه هو رجحاناً في كفّة، فيسارع إلى وضع ما يملك من ثقل في الكفّة الثانية، ليصحّح الخلل ويعيد التوازن المنشود.
هذا المبدأ هو ما يفسّر، بحسب عارفي البطريرك، لماذا أعلن سنة 2005 سلسلة مواقف ضد التحالف الرباعي وضد قانون انتخابات غازي كنعان، ولماذا ذهب في تصعيده حتى القول بحق المسيحيين في انتخاب 64 نائباً، وفي التحذير عند العكس، بأنه «أُعذر مَن أنذر»، وخصوصاً أنّ هذا المبدأ هو ما يفسّر لماذا قال يومها بالعماد عون زعيماً للمسيحيين، وهو استمر في تلك المواقف المرجّحة لكفّة خصوم 14 آذار من رفض إسقاط إميل لحود في الشارع، إلى رفض الانتخاب الرئاسي بالنصف زائداً واحداً، إلى رفض مقاطعة لحود في ولايته الممدّدة...
بعد تلك الحقبة، أحسّ البطريرك أنّ كل العوامل السياسية ـــــ داخلياً وإقليمياً ودولياً ـــــ بدأت تُضعف فريق 14 آذار وترجّح كفّة خصومه. عندها، وعندها فقط، راح يعمل على معايرة مواقفه، ليحفظ التوازن مرةً أخرى وليمنع اختلال الميزان لمصلحة مَن كان يؤيّده في مواقفه قبل أشهر أو أعوام.
غير أن الأهمّ، والأكثر مدعاةً إلى الفهم والتحرّك والمعالجة، في موقف البطريرك من حزب الله، هو ما يمكن تصنيفه بالخاصّ من الأسباب والدوافع. وفي هذا المجال، يجزم القريبون من الصرح بوجود مسألة مبدئية أولى، ألا وهي أنّ البطريرك عُرف طيلة سدّته البطريركية، كما طيلة ولايته الأسقفية، أنه ضد السلاح. فهو خاض سجالات عنيفة نتيجة رفضه مقولة «المقاومة المسيحية»، فكيف له أن يقبل مقاومة إسلامية؟ أمّا ناس تلك الجماعة، وأهدافهم، فهو كان ولا يزال حريصاً عليها وعليهم، وهو ما أكّده طويلاً، من مونترو إلى واشنطن، وفي مراحل دقيقة وصعبة، أكان بعد 11 أيلول، أم بعد اجتياح بغداد، أم حتى بعد الانسحاب السوري من لبنان...
غير أن هذه المبدئية في الموقف، بدأ يشوبها منذ أعوام قليلة الكثير من الانطباعات السلبية، وهو ما يمكن اعتباره نتيجة العمل الدؤوب واليومي لمجموعة كبيرة من القوى والشخصيات والأحزاب وربما الدول، في الفضاء المحيط بالصرح لضرب صورة حزب الله.
وفي هذا المجال، يؤكد العارفون أن هناك لوائح من «الأدلّة» و«الوقائع» لا تنتهي، وتصل إلى البطريرك يومياً. هل من أمثلة؟ بل الآلاف منها: مثل القول إنّ شبكة أعمال «الحزب» داخل لبنان باتت تقتطع أكثر من مليار دولار أميركي سنوياً، كلّها من جراء أنشطة غير مشروعة. ويروحون ينهالون عليه بالتسميات: قرصنة الهاتف، تجارة البالة المزوّرة، معدّات البناء المهرّبة، الأدوية غير المرخّصة، مافيات السيارات المسروقة... وغيرها الكثير. ثم يغدقون عليه ما يفترض أن يعتبره براهين دامغة: ها هو زياد بارود يستعيد سيارات مسروقة، لكن أين هم مَن سرقوها؟ هذا اسم مستودع ضخم في الضاحية، يبيع بلا فواتير ولا ضريبة قيمة مضافة، وحتى الجيش اللبناني يشتري منه... هذه بلدة الحدت في بعبدا، هل يجرؤ شرطي بلدي فيها على اجتياز البولفار؟ هذه لائحة بعقارات هائلة المساحة يجري العمل على تملّكها في مناطق استراتيجية محاذية لجبل لبنان...
هذا الكمّ من «الطرق» الفكري والسياسي يجري في الصرح، بطريقة مبرمجة ومنهجيّة، حتى يعلق شيء. وقد علق الكثير، وهذا ما يحتاج إلى حوار لا بل حوارات، وإلى توضيح، لا بل توضيحات، للفصل بين الحقائق والأضاليل، ولتصحيح الصورة، من الضروري أن تكون صحيحة.

عدد السبت ٢٦ حزيران ٢٠١٠
________________________________________
عنوان المصدر:
http://www.al-akhbar.com/ar/node/195396

كيف تكون صورة حزب اللّه في بكركي؟
logo

المصدر: جريدة الأخبار (
http://www.al-akhbar.com)

كيف تكون صورة حزب اللّه في بكركي؟

جان عزيز
يعترف القريبون من بكركي بأنّ كلّ ما يُحكى ويُهمَس ويُنشر من ملفات كنسية شائكة وخلافية، هو أمر صحيح. لا بل إنّ هناك أكثر من كل ما كُشف حتى الآن. غير أنّ
القريبين أنفسهم يسارعون إلى الجزم بأنْ لا علاقة لكل ذلك بالموقف الذي يتّخذه سيّد الصرح من حزب الله. هنا تبدو الأسباب والخلفيات مختلفة ولا علاقة لها بمحاولات
تحويل الأنظار، بل بما يعمل المحيطون بالصرح على لفت النظر إليه، كما يشرح القريبون...
وفي الأسباب المكوّنة لموقف البطريرك الماروني من حزب الله، مستويان اثنان يمكن تصنيفهما بين العامّ والخاصّ: في العامّ أوّلاً، يؤكّد بعض عارفي البطريرك أنه
يعتمد مبدأً ثابتاً في مقاربته للسياسة الداخلية، عنوانه حفظ التوازن بين مكوّنات اللعبة السياسية في لبنان، بحيث يعمل دائماً على المراقبة والموازنة، ليرصد
ما يراه هو رجحاناً في كفّة، فيسارع إلى وضع ما يملك من ثقل في الكفّة الثانية، ليصحّح الخلل ويعيد التوازن المنشود.
هذا المبدأ هو ما يفسّر، بحسب عارفي البطريرك، لماذا أعلن سنة 2005 سلسلة مواقف ضد التحالف الرباعي وضد قانون انتخابات غازي كنعان، ولماذا ذهب في تصعيده حتى
القول بحق المسيحيين في انتخاب 64 نائباً، وفي التحذير عند العكس، بأنه «أُعذر مَن أنذر»، وخصوصاً أنّ هذا المبدأ هو ما يفسّر لماذا قال يومها بالعماد عون زعيماً
للمسيحيين، وهو استمر في تلك المواقف المرجّحة لكفّة خصوم 14 آذار من رفض إسقاط إميل لحود في الشارع، إلى رفض الانتخاب الرئاسي بالنصف زائداً واحداً، إلى رفض
مقاطعة لحود في ولايته الممدّدة...
بعد تلك الحقبة، أحسّ البطريرك أنّ كل العوامل السياسية ـــــ داخلياً وإقليمياً ودولياً ـــــ بدأت تُضعف فريق 14 آذار وترجّح كفّة خصومه. عندها، وعندها فقط،
راح يعمل على معايرة مواقفه، ليحفظ التوازن مرةً أخرى وليمنع اختلال الميزان لمصلحة مَن كان يؤيّده في مواقفه قبل أشهر أو أعوام.
غير أن الأهمّ، والأكثر مدعاةً إلى الفهم والتحرّك والمعالجة، في موقف البطريرك من حزب الله، هو ما يمكن تصنيفه بالخاصّ من الأسباب والدوافع. وفي هذا المجال،
يجزم القريبون من الصرح بوجود مسألة مبدئية أولى، ألا وهي أنّ البطريرك عُرف طيلة سدّته البطريركية، كما طيلة ولايته الأسقفية، أنه ضد السلاح. فهو خاض سجالات
عنيفة نتيجة رفضه مقولة «المقاومة المسيحية»، فكيف له أن يقبل مقاومة إسلامية؟ أمّا ناس تلك الجماعة، وأهدافهم، فهو كان ولا يزال حريصاً عليها وعليهم، وهو ما
أكّده طويلاً، من مونترو إلى واشنطن، وفي مراحل دقيقة وصعبة، أكان بعد 11 أيلول، أم بعد اجتياح بغداد، أم حتى بعد الانسحاب السوري من لبنان...
غير أن هذه المبدئية في الموقف، بدأ يشوبها منذ أعوام قليلة الكثير من الانطباعات السلبية، وهو ما يمكن اعتباره نتيجة العمل الدؤوب واليومي لمجموعة كبيرة من
القوى والشخصيات والأحزاب وربما الدول، في الفضاء المحيط بالصرح لضرب صورة حزب الله.
وفي هذا المجال، يؤكد العارفون أن هناك لوائح من «الأدلّة» و«الوقائع» لا تنتهي، وتصل إلى البطريرك يومياً. هل من أمثلة؟ بل الآلاف منها: مثل القول إنّ شبكة
أعمال «الحزب» داخل لبنان باتت تقتطع أكثر من مليار دولار أميركي سنوياً، كلّها من جراء أنشطة غير مشروعة. ويروحون ينهالون عليه بالتسميات: قرصنة الهاتف، تجارة
البالة المزوّرة، معدّات البناء المهرّبة، الأدوية غير المرخّصة، مافيات السيارات المسروقة... وغيرها الكثير. ثم يغدقون عليه ما يفترض أن يعتبره براهين دامغة:
ها هو زياد بارود يستعيد سيارات مسروقة، لكن أين هم مَن سرقوها؟ هذا اسم مستودع ضخم في الضاحية، يبيع بلا فواتير ولا ضريبة قيمة مضافة، وحتى الجيش اللبناني
يشتري منه... هذه بلدة الحدت في بعبدا، هل يجرؤ شرطي بلدي فيها على اجتياز البولفار؟ هذه لائحة بعقارات هائلة المساحة يجري العمل على تملّكها في مناطق استراتيجية
محاذية لجبل لبنان...
هذا الكمّ من «الطرق» الفكري والسياسي يجري في الصرح، بطريقة مبرمجة ومنهجيّة، حتى يعلق شيء. وقد علق الكثير، وهذا ما يحتاج إلى حوار لا بل حوارات، وإلى توضيح،
لا بل توضيحات، للفصل بين الحقائق والأضاليل، ولتصحيح الصورة، من الضروري أن تكون صحيحة.

عدد السبت ٢٦ حزيران ٢٠١٠
جريدة الاخبار
--------------------------------------------------------------------------------

No comments:

Post a Comment