Monday, June 28, 2010

أبعد من الدراسات الجيولوجية التي تؤكد وجود النفط والغاز في المياه اللبنانية
أي أسلحة يمتلكها لبنان إذا تمسكت إسرائيل بملكية الحقول المكتشفة؟

علي دربج

تفوقت الحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ الاستقلال حتى يومنا هذا، لا سيما حكومات ما بعد الطائف، في اختصاص التفتيش عن موارد مالية تجبيها من جيوب المواطنين
البسطاء، فيما هم محرومون من أبسط حقوقهم كما من حق التنعم بمواردهم وثرواتهم الطبيعية.
تلكأت الحكومات اللبنانية في التعامل الجدي مع ملف النفط والغاز، فكان جل اهتمامها التفوق على إسرائيل في صنع اكبر صحن من التبولة والحمص والفلافل، بينما لم
تجد حتى الآن ما يستدعي منها اعلان الاستنفار الوطني لمنع الاعتداء على ذهبها الأسود الكامن في أعماق المياه اللبنانية، التي وضعت إسرائيل يدها عليه، لا بل
يمكن القول انه لولا مبادرة اسرائيل الى اعلان استدراج عروض لشركات دولية للتنقيب عن النفط والغاز في البحر، لما بادرت الحكومة والمجلس النيابي الى تلقف هذا
الملف التاريخي.
واذا كانت إسرائيل قد جنّدت خبراتها التكنولوجية والجيولوجية والقانونية، وحشدت طواقمها التقنية للمباشرة في وضع منصات عائمة لاستخراج الغاز، من عدد من الحقول
المتداخلة مع مياه لبنان الجنوبية، فان لبنان السياسي يصر على أن يبقى صغيرا، لا يتعدى سقف الطوائف والزواريب المذهبية والحرتقات السياسية.. والا فما معنى أن
قضية كهذه لا تستوجب سلسلة جلسات عمل حكومية مفتوحة ومواكبة رئاسية وبرلمانية واستنفار مراكز الأبحاث والخبرات اللبنانية على تواضعها، وأن تقول أيضا جامعة الدول
العربية «هذه خبراتي».
لا يبدو حتى الآن أن لبنان يعد العدة لملف نزاع قانوني وسياسي ودبلوماسي من الطراز الأول مع اسرائيل حتى يكون مالكا للحجج والوثائق القانونية الكفيلة بحماية
حقه في الثروات النفطية في مياهه الإقليمية أو المياه الاقتصادية.
هذا الاستحقاق على الرغم من أهميته، لم يصل بعد في نظر الحكومة اللبنانية إلى حدود المصالح العليا للدولة، بل أصبح مادة خلافية كأي ملف داخلي، مثل التعيينات
والبلديات و«السبع درجات»، بدليل حفلة التكاذب اليومية التي نشهدها بين نواب ووزراء وأبواق القوى السياسية الحاكمة حيث تصبح وظيفتهم الفعلية تمييع هذا الملف
كأن الكهرباء لها هوية طائفية معنية وكأن المياه لها هوية أخرى كما الكسارات والمرامل وغيرها حتى أن مسؤولا لبنانيا لم يتردد في القول أمام سائليه في جلسة خاصة
مغلقة «إذا صحت فرضية النفط في المياه اللبنانية الجنوبية، فالأفضل أن تستفيد منها إسرائيل».
في خضم هذه الوقائع، تنعقد اللجان النيابية المشتركة قبل ظهر اليوم برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري لمناقشة اقتراح قانون التنقيب عن النفط في لبنان، المقدم
من النائب علي حسن خليل، فيما نجح وزير الطاقة والموارد جبران باسيل في ايجاد مخرج اولي للتجاذب الذي أحاط بهذا الملف الحيوي الاستراتيجي تمثل في التوافق على
عقد جلسة اللجان اليوم لاجراء مناقشة أولية ينتقل بعدها الملف الى الحكومة حيث ستنعقد اللجنة الوزارية غدا ويصار الى تحديد سقف زمني لمهمتها، على أن يعود الملف
قريبا الى مجلس الوزراء ويرسله الى مجلس النواب لتبدأ ورشة مناقشته في الهيئة العامة.
قصة النفط في لبنان، كقصة إبريق الزيت، تعود إلى أيام الانتداب الفرنسي عندما أصدر المفوض السامي الفرنسي هنري دي جوفنيل العام 1926، تشريعا أجاز فيه التنقيب
عن المناجم النفط والمعادن واستثمارها واستخراجها.
لاحقا أجريت العديد من الدراسات لمعرفة وجود ثراوت معدنية وغازية في لبنان، أبرزها الدراسة التي قام بها الباحث الفرنسي لويس دوبرتيه في العام 1932، ثم دراسة
في العام 1955 للجيولوجي جورج رونوارد ونشرت في مجلة (الجمعية الأميركية للجيولوجيين)، وأشارت إلى توقع وجود نفط في لبنان.
بعدها بدأ الاهتمام بالتنقيب من قبل الشركات اللبنانية والأجنبية. ففي العام 1946 قامت شركة نفط العراق (IPC) بأعمال الحفر في منطقة تربل في الشمال، وفي العام
1953، تم حفر بئر اخرى في منطقة يحمر (البقاع الغربي)، وبين عامي 1960و1961 قامت شركة ألمانية بحفر بئر، لمصلحة الشركة ذاتها في منطقة عدلون (قضاء الزهراني
في الجنوب اللبناني). وفي العام 1963 عملت شركة ايطالية على حفر بئرين في سحمر وتل زنوب (البقاع)، كما في عبرين شرق البترون.
غير ان هذه المحاولات لم تصل الى المستوى التقني المطلوب عند المباشرة في الحفر، وهذا ما لفت إليه رئيس دائرة الجيولوجيا السابق في الجامعة الأميركية، الراحل
الدكتور زياد بيضون، في دراسة قدمها إلى مؤتمر البترول العربي في الجزائر العام 1972، أشار فيها الى أن سماكة المقطع الطبقي (أي الطبقة القشرية للأرض) في لبنان
تبلغ 9000 متر، منها 5800 متر تم اكتشافه والبقية لا تزال مجهولة، وبالتالي فإن أيا من أعمال الحفر التي قامت هذه الشركات سابقا لم يصل إلى منطقة غير معروفة.

وكان الخبير النفطي الراحل الدكتور غسان قانصو قد ذكّر في محاضرة له، بدعوة من العالم الفيزيائي في الجامعة الأميركية الدكتور (توماس غوديكيه)، منتجي النفط
في العالم، بوجوب البحث عن النفط في منطقة (الرف القاري) المغمور بمياه البحر الضحلة على السواحل اللبنانية وليس في المناطق الداخلية.
وتشير الدراسات والتقارير التي قدمت في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي من كل من بيضون وقانصو وغوديكيه، الى أن المكان الأفضل للتنقيب عن النفط في لبنان
يقع ما بين البترون وطرابلس في المياه الإقليمية اللبنانية.
غير أن هذه المعلومات لم تدفع الحكومات اللبنانية حينها الى الذهاب بعيدا في هذا الملف، متذرعة بارتفاع كلفة الاستخراج بشكل يفوق سعر السوق العالمية، فتم تمييع
هذا الملف الى أن حُرّك مجددا في العام 2002.
يستعرض الخبير النفطي علي حيدر الحائز دكتواره دولة في علم الجيولوجيا، المراحل التي مر بها التنقيب مع بداية الألفية الثالثة وصولا إلى يومنا هذا بالقول لـ«السفير»
انه في ذلك التاريخ تعاقدت الحكومة مع (شركة سبكتروم الانكليزية) التي قامت بإجراء مسح ثنائي الأبعاد غطى كامل الساحل اللبناني، وقد شملت خطوط المسح مسافة تقدر
بـ20 الف كلم متر شرقي البحر المتوسط.
وخط المسح وفقا لحيدر هو المكان أو الطريق الذي تسلكه الباخرة التي تقوم بعملية الاستكشاف للطبيعة الجوفية للبحر، ويقوم كل خط بإظهار مقطع محدد لطبيعة الطبقات
الموجودة تحت المياه، بعض هذه الخطوط كانت بمحاذاة الشاطئ والبعض الآخر كان عموديا عليه حيث وصل المسح الى خط الوسط ما بين قبرص ولبنان أي الى مسافة 160 كلم
في عمق البحر.
ويقول حيدر ان سماكة الطبقات الرسوبية في البحر المتوسط 10000 متر، وهذا بدوره يعطي املا كبير في إيجاد النفط والغاز، حيث أظهر المسح الثنائي وجود عدة مصائد
للنفط والغاز وقد حددت مواقعها.
ويتابع: لاحقا استكملت شركة «جي بي اس النرويجية» أعمال البحث من خلال قيامها بالمسح الثلاثي الأبعاد في هذا المواقع، ليتبين أن اكبر المصائد النفطية موجودة
في الشمال مقابل ساحل العبدة. ويرى حيدر أن الهدف من هذا المسح، هو تحديد حجم المصيدة والكمية التي تحويها من النفط والغاز.
ويكشف حيدر مسألة في غاية الأهمية، وهي أن الشركة النرويجية لم تقم بتحليل كافة الموجات الاهتزازية السريعة (P) المستخدمة بالمسح والآتية من جوف الأرض، بل اكتفت
فقط بتحليل بسيط من هذه الموجات.
ويضيف ان الدولة لم تفسر لغاية الآن (المقاطع الجوفية) التي بينتها المسوحات، باستثناء منشور واحد صادر عن شركة (سبتكروم) ويتضمن معلومات عن وجود 31 نوعا من
المصائد النفطية في المياه اللبنانية، غير أن هذا المنشور لم يحدد مواقع هذه المصائد بهدف بيع المعلومات لشركات التنقيب. فما فسره المنشور هو عدد قليل من المقاطع
الجوفية، فيما بقية المقاطع لم تفسر جيولوجيا بعد على الرغم من حصول الدولة على نسخة من هذه المعلومات.
وأكدت مصادر وزارية سابقة لـ«السفير»، أن الشركة قامت ببيع هذه المعلومات لسبع شركات أجنبية لم تعرف هويتها. ويمكن ربط هذا الاهتمام الدولي بالبحث عن النفط
في لبنان، باستغلال بعض الشركات الأميركية والانكليزية المتخصصة بالمسح في أعماق البحار، حادثة سقوط الطائرة الاثيوبية، في كانون الثاني الماضي، وقيامها بالتصويـر
في عمق المياه الإقليمية اللبنانية، بشكل طرح تساؤلات عن الهدف الحقيقي لها، فيما حدد مكان سقوط الطائرة بمحاذاة شاطئ الناعمة.
وفي ما يتعلق بادعاء إسرائيل بأحقيتها الحصرية بحقلي «الغاز» (تامار) و(لافيتان) المكتشفين مؤخرا في المياه المقابلة للشواطئ الفلسطينية، يستدل حيدر بالخريطة،
التي تظهر أن ثلث (لافيتان) موجود داخل المنطقة المتاخمة للمياه اللبنانية، والأمر نفسه ينطبق أيضا على حقل (تامار)... علما بأن خبراء النفط يشيرون الى أن الأمر
لا يتعلق بالحدود بالمعنى التقني بقدر ما يتعلق بمبدأ التشاطؤ الإقليمي.
هذا التداخل في حقول النفط والغاز، بين لبنان وإسرائيل ودول أخرى، وحق لبنان في الاستفادة من الثروة الغازية والنفطية المكتشفة، يشرحهما رئيس الجامعة اللبنانية
السابق الدكتور محمد المجذوب، من موقعه القانوني بالرجوع الى اتفاقية قانون البحار الصادرة عن الأمم المتحدة في العام 1982، والتي تنص على أن «البحر الإقليمي
للبنان هو 12 ميلا، أي 20 كيلومترا مربعا بدءا من الشاطئ، ويحق للدولة الساحلية أن تضيف اليها أيضا 12 ميلا أخرى، إذا وجد ضمن هذه المساحة والتي تسمى أيضا (المنطقة
المتاخمة أو الملاصقة) من البحر ثروات طبيعية (كالنفط والغاز).
واستنادا الى هذه الاتفاقية يرى المجذوب أنه من حق لبنان ممارسة بعض الصلاحيات فيها للحفاظ على أمنها والحفاظ على مصالحه الحيوية والاستفادة من الثروات الموجودة
فيها.
ويشير المجذوب الى أنه في الحالة القائمة الآن بين لبنان وإسرائيل حول الأحواض المشتركة للغاز، من الطبيعي أن تطالب إسرائيل بحصتها، من هنا فإن عملية الاستخراج
التي ستتولاها شركات عالمية، بسبب عدم اعتراف لبنان بإسرائيل، على هذه الشركات أن توقع اتفاقيات مع البلدين كلا على حدة.
وهنا يطرح السؤال التالي: هل يمكن أن يتم ذلك برضا الطرفين؟ أم أن إسرائيل ستدّعي السيادة والملكية التامتين على كل خزانات الغاز البحرية. ويجيب المجذوب بأن
الادعاء الإسرائيلي شبيه بادعائها ملكية جزء من نهر الليطاني بسبب تسرب المياه الجوفية الى الأراضي الفلسطينية. ويتابع انه في حال تمسكت إسرائيل بملكيتها الكاملة
لهذه الأحواض، وأصرت على الاستخراج الأحادي كما هي الحال الآن، فإنه يحق للبنان تطبيقا لنص الاتفاقية المذكورة اللجوء الى كافة الوسائل القانونية، أو غير القانونية،
ومنها (القوة العسكرية) للحفاظ على حقوقه في النفط والغاز في المياه المتاخمة.
جريدة السفير

No comments:

Post a Comment