Tuesday, June 22, 2010

يوم تاريخي للبطريرك في زحلة والسماء أمطرت وروداً
صفيـر دشّـــن كاتدرائيــة مـار مــارون وأقســام المطرانيـة:
بـدون الــوحــدة لا يقــوم وطــن ولا يُـبـنى مستـقـبـل شـعـــب

زحلة – "النهار":
بشوق غامر غلب كل المخاوف الامنية، لاقى اهالي زحلة وقضائها بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للطائفة المارونية الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير الذي أمضى يومه
بينهم امس، فكسرت محبتهم الطوق الامني الذي تشدد حوله على اثر الانفجار المشبوه في المنطقة الصناعية للمدينة عشية زيارته الراعوية، وطوق مستقبلوه موكبه في المحطات
المتعددة التي زادت على البرنامج المقرر، فبادلهم هو حرارة اللقاء وترجل في اكثر من مكان غير مقرر رسميا، مانحا بركته ومرددا: "اني اشكر لكم هذا الاستقبال الحافل.
واسأل الله ان يبارككم انتم وعائلاتكم وبلدتكم. لتبقى زحلة وجوارها مدينة السلام والمحبة والتضامن في ما بينكم"، مما ادى الى تأخر القداس في كاتدرائية مار مارون
في كسارة اكثر من ساعة عن موعده.
كالمطر كان نثر الورود والارز ينهال لدى مرور الموكب البطريركي، تتقدمه حوربة الخيالة والدبكة على ايقاع المزمار والطبلة، تنافس اصوات المفرقعات النارية، من
المريجات، الى قب الياس، جديتا، شتورة، تعلبايا، حي السيدة ومعلقة ومختلف احياء مدينة زحلة التي عبرها. للقائه نزل نواب زحلة والبقاع الغربي، محافظ البقاع،
رؤساء البلديات واتحادات البلديات. وفي زحلة طغى التنافس السياسي - الحزبي على الاستقبالات التي تحولت مهرجاناً حزبياً، بلغ ذروته في الاستقبال امام سرايا زحلة،
فكانت الرسائل السياسية والشعارات الفئوية تصدح من حناجر الشبان والشابات الملتحفين راياتهم الحزبية. وميدانيا طغى حضور "القوات اللبنانية"، فالكتائب والوطنيين
الاحرار، وكان "تيار المستقبل" حاضرا بين المستقبلين عند مفترق قب الياس عبر ممثلين له.
ومع ان "التيار الوطني الحر" غاب بصفته الحزبية عن الاستقبالات الشعبية فإنه حضر بشخص النائب السابق سليم عون ووفد منه في اللقاءات الرسمية أمام سرايا زحلة
وفي كاتدرائية مار مارون، ولسان حال البطريرك "لو كنا نرى جميع الامور على نور الله والانجيل المقدس، لما كانت هناك نزاعات بين الناس، وبخاصة بين المسيحيين
الذين يعرفون ان دينهم هو دين السماح والمحبة، على ما قال السيد المسيح:" اعطيكم وصية جديدة ان يحب بعضكم بعضا كما انا احببتكم"، وهذه الوصية ستبقى جديدة لان
الناس غالبا ما يتجاهلونها".
وفي زحلة، عاصمة البقاع المختلط طائفيا، للكلام نكهة اخرى عن الانصهار الوطني والعيش المشترك الذي ذكّر البطريرك صفير في اكثر من محطة بانه "مكتسب يستحق المحافظة
عليه، وهو الذي يكفل السلم الاهلي".

"جارك القريب"
وعند البوابة الشرقية للبنان على امتداه العربي رسالة بطريركية: "الاوطان، كالافراد والجامعات، تحتاج الى التعاون المتبادل في ما بينها على ما فيه خيرها وسلامها،
وهذا ما ندعو اليه، على غرار ما هو قائم بين كل الدول المتجاورة والمتعاونة، ولا سيما التي يقوم بينها جوار حسن، وقد صدق ما يقوله المثل المعروف: "جارك القريب
ولا اخوك البعيد".
امام سرايا زحلة، امطرت السماء ورودا على البطريرك صفير خلال عبوره فوق سجادة حمراء الى المنصة الرئيسة حيث وافاه اساقفة زحلة: اندره حداد، اسبيريدون خوري،
بولس سفر والمعتمد البطريركي للروم الارثوذكس في روسيا الأسقف نيفن صيقلي، الى وزير الثقافة سليم ورده ونواب زحلة والبقاع الغربي ، ووزراء ونواب سابقون، القاضي
الشرعي ابرهيم اللدن والشيخ عباس الجوهري، الى شخصيات قضائية واقتصادية وسياسية وامنية وبلدية واختيارية.
القى المحافظ انطوان سليمان كلمة رحب فيها بالزائر البطريركي "على ايقاع الاجراس وتكبير المآذن وابتهالات الخلوات"، لافتا الى ان "بقاعنا هو صورة حية عن لبناننا،
فيه تلتحم كل العائلات، كل الطوائف، كل المذاهب. لم تبلغها رياح الفتنة، فهنا لا نعرف التعايش بل العيش الواحد، هنا نبني جسور التواصل مع الاقربين، امناء على
بوابه العبور نحو الشرق. وما زيارتكم اليوم الا تأكيدا على دوركم ودور بكركي التاريخي وايمانها بحتمية تلاقي المسيحيين والمسلمين في وطنهم ورهانكم الثابت على
دور لبنان الرائد بين اقرانه والعالم".
الى كلمة رئيس بلدية زحلة - معلقة جوزف دياب المعلوف: "انه ليوم مبارك، تغمرنا غبطة كبرى بمقدم الرجل الكبير الى زحلة اكبر مدينة كاثوليكية في لبنان وفي الشرق
الاوسط. يزور غبطته زحلة على اثر الايام الصعبة التي مرت بها البلاد وزحلة بالتحديد، فكان ان انتصر الوطن بوفاق بنيه وشجاعتهم والتلاقي، وارتفعت زحلة على الجراح
بايمان وصلابة وصبر لتساهم في كتابة الايام الاحلى لوطننا الحبيب لبنان".
ثم قدم معلوف باسم المجلس البلدي وابناء زحلة مفتاح المدينة الى البطريرك صفير. كذلك قدم النائب نقولا فتوش الى البطريرك ايقونة للسيدة العذراء تعود الى القرن
13 كتب عليها "زحلة عاصمة الكثلكة تهلل فرحاً لزيارتكم التاريخية".
من جهته اعتبر البطريرك صفير في كلمته ان "تقديم مفتاح المدينة الينا في هذا اليوم تجسيد لعاطفتكم ونحن نقابلها بمثلها. وقد اخترنا منذ تولينا مسؤولياتنا ان
تكون بكركي مفتوحة للجميع، وسرّنا دائما ان نستقبل ممثليكم وسياسييكم ووفودكم بشوق الاب الى ابنائه".
وأضاف: "تأخرت هذه الزيارة خلافا لما كنا نريد، لان الظروف حالت دون اجرائها قبل اليوم، ولكن الوقت زادها الحاحا. وقد لاحظنا حرارة ترحيبكم، وسرّنا ان نحيّي
مستقبلينا في البلدات التي مررنا بها، ويسرنا الآن ان نكون واياكم في وسط المدينة وقد ابديتم في هذه المناسبة اهتماما قلّ نظيره، ورفعتم من اللافتات واقواس
النصر ومعالم الزينة ما ظلل الشارع الرئيسي وغيره من المحطات، وخصصتم هذه الساحة وما حولها بمعالم زينة متقنة التنفيذ تشهد على غيرتكم وسخائكم. وسيتسنى لنا
ان نقرأ لاحقا على الصور كل ما كتب، وهو يتجاوز ما يستحقه شخصنا الى ما يستحقه الوطن والكنيسة اللذين نخدمهما".
لقد عرفت زحلة بمدينة الشعراء والادباء، ولكنها اعطت ايضا شخصيات فذه على كل صعيد، فبرز منها سياسيون رافقوا الاستقلال وقيام الدولة حتى اواخر القرن الماضي
واوائل هذا القرن، وادوا دورا وطنيا بارزا. وزحلة، التي قدمت الشهداء من ابنائها عندما دعا الواجب، هي مدينة السلام وعروس البقاع على ما وصفت به، وهذه صفات
دائمة ورسالة متجددة. بل هي صفاتكم التي تعيشونها وتتجسد في هذا التلاقي المشكور بين اخواننا مطارنة المدينة الذين يجمعهم مجلس اسقفي واحد لخدمة الامور المشتركة
بقرار موحد. كما تتجسد بالانفتاح المعروف عن الزحلي على محيطه وحرصه على التكامل البنّاء بين المدينة ومحيطها. وقد حقق اهل البقاع نمط عيش مشتركا وانصهارا وطنيا
يشكل مكتسبا يستحق المحافظة عليه. وقد صمد في وجه التطرف الذي املته الحوادث التي مرت بنا صمودا يذكر به البقاعيون، وهو الذي يكفل لهم السلم الاهلي حاليا اكثر
من سواه.
والاوطان، كالافراد والجامعات، تحتاج الى التعاون المتبادل في ما بينها على ما فيه خيرها وسلامها، وهذا ما ندعو اليه، على غرار ما هو قائم بين كل الدول المتجاورة
والمتعاونة، ولا سيما التي يقوم بينها جوار حسن، وقد صدق ما يقوله المثل المعروف: جارك القريب ولا اخوك البعيد". والكنيسة الكاثوليكية ستعقد سينودس أساقفة في
الفاتيكان في تشرين الاول المقبل عن الحضور المسيحي في الشرق الاوسط. وهذا يفترض منا تنقية الذاكرة والانفتاح على المستقبل بمقاصد جديدة على ما سبق وأشار اليه
السينودس من أجل لبنان. ونحن ندعو أبناءنا الى مزيد من الوحدة في ما بينهم ومع كل فئات المواطنين، فبالوحدة نحمي الحاضر ونعد المستقبل، ونصون حضورنا ونجعله
مفيدا لنا ولغيرنا".

كسارة
ثم انطلق موكب البطريرك في اتجاه كاتدرائية مار مارون في كسارة، شاقا طريقه بصعوبة بين مستقبليه على طول الطريق، لتباشر رتبة تكريس الكاتدرائية والمذبح يليها
الاحتفال بالقداس الذي حضره الوزير فادي عبود ممثلا رئيس الجمهورية، النائب عبد اللطيف الزين ممثلا رئيس مجلس النواب، الوزير عدنان قصار ممثلا رئيس الحكومة،
السفير البابوي المونسنيور غبريالي كاتشا، ولفيف من الاساقفة الموارنة وأساقفة زحلة والبقاع الغربي، الوزيرة السابقة ليلى الصلح ممثلة الامير الوليد بن طلال،
السيدة مهى مكاري ممثلة نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، الوزير سليم ورده، النواب: نقولا فتوش، طوني ابو خاطر، جوزف معلوف، عاصم عراجي، ايلي ماروني، شانت
جنجنيان، عقاب صقر، امين وهبه، جمال الجراح، زياد القادري، روبير غانم، نعمه طعمه، النواب والوزراء السابقون العميد وليم مجلي ممثلا النائب السابق لرئيس مجلس
الوزراء عصام فارس، ايلي فرزلي، الياس سكاف، خليل الهراوي، محسن دلول، سامي الخطيب، محمود ابو حمدان، كميل معلوف، يوسف المعلوف، عائلة الرئيس الراحل الياس الهراوي،
وأرملته منى الهراوي الى ممثلين لكل من قائد الجيش، والمديرين العامين لقوى الامن الداخلي والامن العام وأمن الدولة وقائد الدرك وحشد من الشخصيات.
قبل الاحتفال بالقداس القى راعي ابرشية زحلة المارونية المطران منصور حبيقة كلمة رحب فيها بالبطريرك صفير: "في زحلة التي تفخر باستقبالكم اليوم كاحد كبار بطاركتنا
التاريخيين، الذي لا يجهل الحاضر فضله على الكنيسة والوطن، ولن ينساه الغد القريب ولا البعيد".
واستذكر المطران حبيقة "الرئيس الراحل الياس الهراوي الذي سعى الى بناء هذه الكاتدرائية بما تبرع وجاد به اصدقاؤه بعد توجهه اليهم، من خلال المطرانية دون سواها
، على ما اراد. فجاءت هذه التبرعات السخية كلها باسم المطرانية من شخصيات وطنية مرموقة من كل الطوائف. وهذا ما يجعلها اكبر قيمة واكثر تعبيرا. وقد اثبتنا اسماءهم
على مدخل الكاتدرائية وفي السجل الذهبي المحفوظ فيها للذكر الدائم"، لافتا الى ان "بناء الكاتدرائية وانجاز المطرانية يأتيان كحلقة من الانجازات التي تمت على
يد سلفي سيادة المطران جورج اسكندر في هذه الابرشية التي ما زالت في حاجة الى غير مؤسسة".
ثم تلا المونسنيور كاتشا رسالة من الفاتيكان موقعة من نائب أمين سر الدولة المسؤول عن الداخلية في الكنيسة وزير الداخلية المطران فرناندو فيلوني ، حملت تحيات
البابا بينيديكتوس السادس عشر الى المطران حبيقة والكهنة والرهبان والراهبات وكل ابناء ابرشية زحلة والبقاع الغربي المارونية، متحدا معهم من كل قلبه في فرحهم
وصلواتهم" وقال: "لتكن هذه الكاتدرائية الجديدة التي تحمل اسم القديس مارون، الذي تحتفل الطائفة المارونية بسنته اليوبيلية، مكان لقاء للمؤمنين مع المسيح الحي
بين شعبه، حيث يظهرون وحدتهم في الايمان بالاتحاد مع الاسقف، ليكونوا معا، بين مواطنيهم، رمز سلام ومصالحة".
ومنح البابا بركته للبطريرك صفير، والمطران حبيقة وكل الاساقفة الحاضرين وكل المحسنين الذين سمحت تبرعاتهم بتشييد الكاتدرائية، وكل ابناء ابرشية زحلة التي تشمل
كل من جاؤوا في يوم العيد هذا للصلاة في الكاتدرائية".
وبعد الانجيل القى البطريرك صفير عظة تناول فيها ايضا دور الرئيس الراحل الياس الهراوي في تشييد الكاتدرائية ودور المطران جورج اسكندر "في بناء المطرانية الجديدة
من لا شيء" والمطران حبيقة الذي واصل البناء من بعده.
وتوجه بالتحية الى "جميع ابناء هذه الابرشية ورعاياها وعائلاتها، وندعو لهم بالوحدة ورصّ الصفوف والمصالحة، اذا كان الوضع يستدعي المصالحة، وهذا كله يعزز الوجود
القائم في هذه المنطقة والتفاهم السائد بين ابنائها على اختلاف انتماءاتهم الدينية. وتعرفون المثل السائر: "في التضامن قوة وفي التشرذم الضعف". ولكل من ابناء
هذه الطوائف وجوده الفاعل، وسعيه الى الخير. وقد تجمع في هذه الرقعة من الارض اللبنانية عدد لا يستهان به من اللبنانيين على اختلاف نزعاتهم الدينية والطائفية
وقد اصابها ما اصاب سواها في فترة الاضطراب من تهجير قسري، ولكن العقل تمكن من التغلب على النزاعات الفردية، وسادت روح التسامح وقبول الآخر والعيش المشترك.
وهذا ما نهنئكم عليه، ونسأل الله ان تستمر هذه الروح السمحاء".
وفي نهاية القداس كانت كلمة لنائب رئيس بلدية زحلة – معلقة جورج الياس الهراوي باسم العائلة وبعد الشكر تحدث عما بذله والده الرئيس الراحل لتحقيق حلمه بقيام
كرسي المطرانية المارونية في البقاع ومن ثم تشييد "هذه المنارة الروحية التي ندشن اليوم"، بنضال منى الهراوي التي عملت على تحقيق حلم زوجها الذي "اغمض عينيه
قبل ان يتسنى له رؤيته يتحقق". واضاف: "هذا اللقاء هو اكثر من احتفال، انه نداء الضمير والقلب والعقل، نداء الانتقال من المطالبات الى تحقيق المنجزات، انه نداء
التكامل بين الدولة والمبادرة الحرة لكي نبني جميعا ومعا زحلة وكل لبنان. فانبل الاعمال هو عمل الجميع لخير الجميع".
وانتقل بعدها البطريرك صفير الى مقر المطرانية المارونية حيث بارك الاقسام الجديدة والتقى فيها مفتي زحلة والبقاع الغربي الشيخ خليل الميس في مقدم وفد من المشايخ.
وبعد الغداء الرسمي في مقر المطرانية، كانت المحطة الاخيرة في مقام سيدة زحلة والبقاع حيث القى راعي ابرشية زحلة للروم الكاثوليك المطران اندره حداد كلمة جاء
فيها:" ستترك هذه الزيارة في قلوبنا وعقولنا اثرا لا يمحى لمرور رجل عظيم، بطريرك قديس ناضل، كل لحظة، في سبيل الحفاظ على الوطن لبنان، الذي اعطي مجده سيدا
حرا مستقلا، وفي سبيل وحدة ابنائه المسيحيين اولا وغير المسيحيين، وحدة بدونها لا يقوم وطن ولا يبنى مستقبل لشعب".
ولما كانت الزيارة أخذت وقتاً أكثر مما كان مقرراً، عاد البطريرك الى بكركي في مروحية للجيش لارتباطه بمواعيد سابقة.
جريدة النهار

No comments:

Post a Comment