Saturday, July 31, 2010

حسابات من نسي أن «السيّد» هو من دعا «الرئيس»...
جان عزيز
ثمة إجماع على ضرورة إعطاء بعض الوقت لتظهير نتائج لقاءات بيروت يوم أمس، لكن الإشارات والدلائل عليها ليست بقليلة، وهي حتى هذه اللحظة لا توحي بالتفاؤل. فالانطباع العام أن المحكمة الدولية تحولت منذ فترة ملحوظة إلى الحرب البديلة لإسرائيل على حزب الله، أو التعويض لها عن الحرب العسكرية المستحيلة، ما يفسر هذا الدأب الإسرائيلي على «الاستثمار» في الموضوع. فضلاً عن هذه المفارقة في قدرة الإسرائيلي على معرفة أسرار التحقيق الدولي، وكشف خفاياه قبل سواه، والمواكبة الحية لما يفترض أن يكون من المعلومات الميتة...
أوساط قيادية في حزب الله تملك التفسير المنطقي لهذا الواقع: أن يكون الإسرائيليون على اتصال كامل وعضوي مع كامل تركيبة التحقيق الدولي، منذ بداياته وتأسيسه. لذلك، لا تستبعد الأوساط نفسها أن يعمد الإسرائيليون في الأيام المقبلة، وطوال الفترة الفاصلة عن موعد ما يسمى «القرار الاتهامي الدولي»، إلى رمي المزيد من «القنابل الدخانية» ومن المعلومات ــــــ العبوات حول التحقيق والقرار والمحكمة...
غير أن ما يبدو مفهوماً، وإن كان غير مقبول، من الجانب الإسرائيلي، يقع في خانتي اللامفهوم واللامقبول معاً، من الجانب اللبناني. فإذا كانت حسابات العدو معروفة في هذا المجال، فماذا هي في المقابل حسابات الشريك في الوطن والمواطنة والدولة والسلطة والحكم؟
يروي المطلعون على سبيل المثال، أن حصيلة لقاء رئيس الحكومة سعد الحريري والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله، الحاج حسين خليل، مساء الثلاثاء الماضي، لم تكن إيجابية على الإطلاق. ففي الوقائع، بدا سيد السرايا الكبيرة واقفاً عند كليشيهات جوامد، من نوع الإجماع على ضرورة قيام المحكمة الدولية، وصدقية عملها، وعدم التشكيك في ما لديها من أدلة، وانتظار نتائجها، والتنظير للفارق بين قضاء التحقيق وقضاء المحاكمة. ففي الأول، يكون الشك أو الظن لغير مصلحة المشتبه فيه. أما في الثاني، فيصيران لمصلحته في غياب اليقين القاطع...
لكن تحت هذا الكلام، وفي خلفياته البعيدة، أي حسابات تكمن، وخصوصاً في ظل موازين قوى فعلية على الأرض، يفترض أن تكون مغايرة للأداء السياسي الحالي للفريق الحريري؟
المعنيون يطرحون الحسابات الفرضية الآتية:
أولاً، أن يكون الرهان على استدراج حزب الله إلى الصراع العنفي والدموي الداخلي، استمراراً للحساب القديم الدائم، في أن تحويل سلاح المقاومة إلى سلاح ميليشيا، يعني القضاء عليه نهائياً. مهما كانت النتيجة العسكرية لهذا النزاع. فهو إذا ما دخل في حالة استنزاف خسر، وإذا ما فاز وحسم، على طريقة «حماس» في غزة، خسر أيضاً...
ثانياً، أن يكون استدراج نفسه، وسيلة من وسائل إضعاف التركيبة السياسية الحاضنة لحزب الله؛ إذ إن حشر «الحزب» في موقع «المتهم»، ودفعه إلى الدفاع عن نفسه بكل الوسائل المتاحة له، يؤديان وفق الحسابات نفسها، إلى إظهار صورة مختلفة له في الداخل اللبناني. وهي صورة يفترض أن تخلق أزمة علائقية بينه وبين البيئات اللبنانية الأخرى. فتضعف بالتالي حلفاءه وأصدقاءه، وتزيد من عزلته اللبنانية تمهيداً لضربه وضربهم.
ثالثاً، أن يكون المخطط نفسه استدراجاً حتى لسوريا، نحو الداخل اللبناني. وفق سيناريو التفجير المذهبي في بيروت، الذي لا يمكن دمشق أن تكون بمنأى عن شظاياه. عندها ثمة طرف دولي يكون جاهزاً لعرض «الصفقة الشاملة» على سوريا مرة جديدة: من بغداد وغزة، إلى بيروت. ولا ضير عند الطرف الدولي المعني، أن يكون الثمن «تلزيماً» جديداً للملف اللبناني إلى سوريا. على طريقة عام 1971، التي سمحت بالتمهيد لكامب دايفيد. وعلى طريقة عام 1990 التي أطلقت عملية مدريد. وخصوصاً بعدما ثبت أن هذا التلزيم قابل للتحويل في أي لحظة، إلى فخّ لسوريا، بقدر ما هو مشكلة للبلدين...
رابعاً، أن يكون الرهان لا يزال قائماً على وهم تفكيك حلقة وحدة أو أكثر، من الجسر المترابط بين طهران ودمشق وحارة حريك. وهو وهم يؤكد المعنيون أنهم لمسوا بعض خيوطه في محادثات الأيام الماضية، من نوع التشديد على المحكمة، والتشديد في الوقت نفسه على متانة العلاقة مع الرئيس الأسد شخصياً. «فيما يتناسى هؤلاء أن ما بين السيد والرئيس ليس بين أي كان ممن يعرفون الاثنين، ويتناسون أن السيد هو من دعا الرئيس الأسد لزيارة بيروت»، كما يقول المعنيون...
حسابات أو أوهام... وحده الوقت القريب يفصل بين الاثنين.

عدد السبت ٣١ تموز ٢٠١٠
الاخبار

No comments:

Post a Comment