Monday, July 26, 2010

سذاجة إغراء سوريا للتخلّي عن حزب اللّه: إعطاؤها ما لديها
من بين من سيتهمهم تقرير دانيال بلمار مسؤولون رفيعو المستوى في حزب الله (أرشيف)إصرار الجهات القابضة على المحكمة الدولية بأن القرار الاتهامي سيتضمن اتهاماً لحزب الله، وإصرار حزب الله على حماية المقاومة ورفض استخدام المحكمة كأداة للإضرار بها، يفتح البلد على احتمالات وسنياريوهات متطرفة
يحيى دبوق
يُعدّ الحديث عن المحكمة الدولية، كأداة لكشف الحقيقة وإحقاق الحق والعدالة، بمعزل عن سياقاتها وخلفيّة تأسيسها من قبل الجهات الداعمة والمحركة لها، نوعاً متقدماً من البلاهة السياسية. وسواء أدرك البعض أو لم يدرك، لا يمكن فك ارتباط المحكمة الدولية الناظرة في قتل الرئيس رفيق الحريري، عن مصالح أي من الأطراف التي ترعاها وتسوّق لها وتتحكم بقراراتها. فالاغتيال والمحكمة وأجواء ما قبل الاتهام، ومن ثم الاتهام وما سيعقبه، ليست إلا فرصاً يمكن أن تخدم أو لا تخدم مصالح هذه الأطراف، وما الحقيقة والعدالة والحق، سوى أدوات تسليك للفرصة نفسها.
بما يرتبط بملف المحكمة الدولية والقرار الاتهامي المنوي صدوره ضد المقاومة، هناك عدد من اللاعبين الأساسيين، وعدد آخر من اللاعبين الهامشيين، وهناك طرف مسيطر على المحكمة الدولية وآخر غير مسيطر، وبالطبع لن يتواضع أي طرف في تطلعاته وأهدافه ويجانب أن يستغل ما يسيطر عليه لتحقيق هذه الأهداف. والاعتقاد بخلاف ذلك يبقى مجافياً للمنطق ولطبيعة سلوك الدول وأساليبها المعتمدة في تحقيق مصالحها، فمن يظن أن الولايات المتحدة أو إسرائيل أو غيرهما من اللاعبين الأساسيين في الطرف الآخر، يريد إحقاق الحق لذاته بلا مصالح خاصة، أو أنه يريد العدالة لأن اغتيال الرئيس الحريري لا يتفق مع منطق العدالة الدولية التي ينادون بها، أو أنها تخالف أخلاقيات هذه الدول وهذه القوى وتطلعاتها، فإنه مخطئ خطأً كبيراً جداً.
من بين اللاعبين حول المحكمة الدولية، جهات تتموضع في لبنان وجهات أخرى خارجه، وضمن محورين متقابلين: الأول هو محور المقاومة، ويتألف من حزب الله وسوريا، إضافة الى قوى أخرى حليفة ومؤيدة للخيار المقاوم في لبنان والمنطقة؛ والثاني، هو محور معادٍ أو على خصومة مع الأول، ويتألف من لاعبين أساسيين: اسرائيل والولايات المتحدة وبالتبعية دول أوروبية كلاعب نصف هامشي، اضافة الى عدد من دول الاعتدال العربي، من دون إهمال لاعبين هامشيين في لبنان تختلف توصيفاتهم باختلاف نياتهم وأسلوب استخدامهم، بين متآمر ومعاد للمقاومة بالمطلق، وبين من يتّسم بالسذاجة والضِّعة في تقدير الأمور ومآلاتها، وبين من هو فاقد للأهليّة السياسيّة، وينقاد انقياد القطيع لرعاته.
الحديث عن قرارات اتهاميّة ستصدر عن المدعي العام للمحكمة الدولية، دانيال بلمار، يتضمن «حتمية» اتهام عناصر من حزب الله، ومن بينهم مسؤولون رفيعو المستوى في الحزب، على أن يتبع الاتهام توتراً بين القوى السياسية اللبنانية، (بحسب التأكيد الإسرائيلي)، لكن مع «تفضّل» من قبل رئيس الحكومة، سعد الحريري، بأن يفرّق بين المتهمين باعتبارهم عناصر غير منضبطين مسؤولين عن عملية الاغتيال، وبين قيادة حزب الله التي لا تتحمل المسؤولية. وحسب تأكيد الطرف الآخر، فإن «الحقيقة هي الحقيقة، ويجب التعامل معها، كما ترد».
في الطرف المقابل، أي حزب الله وحلفاؤه، رفض مطلق لمنطق الاتهام السياسي، ورفض مطلق لمنطق تسييس المحكمة وتحويلها أداة تستخدم للإضرار بالمقاومة، وجرى التعبير، بشكل واضح ومباشر، أنه لا يمكن الانجرار أو الاستسلام لقرار الاتهام، الذي يبدو أنه سيصدر تدريجاً ضد حزب الله، ابتداءً بعناصر غير منضبطين، كما يُحكى حالياً، على أن يصل لاحقاً الى العناصر المنضبطين، ومن ثم الى القيادة نفسها. وتأكيد حزب الله وحلفاؤه بات واضحاً ولا لبس فيه: لا يمكن السماح للمحكمة الدولية، كأداة، بأن تصل الى نتائج عجزت إسرائيل عن تحقيقها بالقوة العسكرية، مهما كانت المآلات، ومهما كانت التداعيات.
ويبدو أن هناك نوعاً من السذاجة السياسية الواضحة، تصل الى حدود البلاهة وتتجاوزها، إذ لدى البعض رهان على إمكان انقلاب سوريا على حزب الله، درءاً لتهديد المحكمة الدولية عنها. تقول الرواية، التي يجري تداولها من قبل الطرف الآخر كحقيقة مطلقة، أن عدم اتهام المحكمة الدولية لمسؤولين سوريين، مع ما يسبق ذلك من زيارات وتحسين للعلاقات مع دمشق، سواء من قبل أطراف لبنانية أو اطراف من دول الاعتدال العربي ممن كان يتهم سوريا حتى الأمس القريب ولا يدع وسيلة إضرار دون أن يستخدمها ضدها، سيكون كفيلاً بأن تتخلى دمشق عن المقاومة و«تنجو» بنفسها من مقصلة المحكمة الدولية، وبطبيعة الحال، على حساب حزب الله. هذه هي الرواية التي يجري تداولها لدى قوى 14 آذار... وفي الغرف المغلقة يتحدثون بالآتي: «المنطق يحتم قطع أجزاء من الجسد، إن كانت تمثّل خطراً على الحياة، وهذا ما سيقدم عليه النظام في سوريا، ضد حزب الله».
لكن الطرف الآخر لا يدرك أو لا يريد أن يدرك، أن أداة المحكمة نفسها لم تعد قادرة على إيذاء سوريا كما يشتهون، وبالتالي لا مضمون فعلياً لإغرائها بعدم اتهامها، والموقف السوري من تطورات المحكمة الدولية ومساراتها المرتقبة، ينحو منحى آخر ومغايراً تماماً عن رواية قوى 14 آذار والاعتدال العربي والجهات التي تقف من ورائها. فعدم إدراج سوريا في مضبطة اتهام المحكمة الدولية، لا يعود الى منّة أو تفضّل على السوريين، ولا يعود الى تسوية في الأصل هي غير شريك فيها، بل يعود الى صمود ومنعة دمشق أمام الضغوط والترهيب والوعيد طوال السنوات الماضية، إذ إنها تتلمس في هذه الفترة نتائج صمودها وحلفائها، طوال الفترات الماضية، أمام الهجمة الأميركية والإسرائيلية والغربية، وأمام ضغوط أطراف لبنانية، هذا إن كان بالإمكان اعتبار ضغوطها ضغوطاً.
من ناحية عملية، يبدو أن مخطط عام 2005 يستنسخ نفسه، مع تغيير في هوية المستهدفين وإبقاء أسلوب الاستهداف، ففي حينه جرى العمل على تحييد حزب الله وصب التهمة على سوريا أملاً باستفرادها، وحالياً يجري العمل على تحييد سوريا أملا باستفراد حزب الله. في حينه، عُرض على الحزب جزء من «الكعكة» اللبنانية، على أن ينقلب على دمشق، لكنه تناول الكعكة بقدرته الذاتية وتمسك رغماً عن الجميع بالعلاقة مع دمشق، والفارق بين الحالين أنه يُعرض على سوريا كإغراء للتخلي عن حزب الله، ما بات لديها بالفعل. المصلحة الأميركية في المنطقة، والتي تسبق كل مصالح الحلفاء في الداخل والمنطقة والخارج، لا تمكّن من اتهام سوريا أو التلميح إليها في القرار الاتهامي، ويمكن أن نتصوّر ما تدركه واشنطن جيداً، إن جرى اتهام سوريا، التي تملك ما يكفي من الإمكانات على تفعيل ضغط مقابل، في أكثر من ساحة، وفي أكثر من اتجاه، من شأنها أن تشوش على التوجهات والمصالح الأميركية في المنطقة.
هناك نوع من البلاهة، إذ لدى البعض رهان على انقلاب سوريا على حزب الله
إلى أين تتجه الأمور، في ظل الإصرار على تفعيل أداة المحكمة الدولية ضد حزب الله؟
من بين اللاعبين حول المحكمة الدولية، جهات تتموضع في لبنان وجهات أخرى خارجه
لكن إلى أين تتجه الأمور في ظل الإصرار الظاهر على تفعيل أداة المحكمة الدولية ضد حزب الله، في موازاة إصرار الحزب وحلفائه على المواجهة. هناك اتجاهان افتراضيان:
اتجاه متطرف بأن يصدر القرار الاتهامي ويتضمن اتهاماً لحزب الله، ومن ثم يعقبه توتر كبير بين اللبنانيين، تتبعه مواجهة واحتراب داخلي، يرى البعض أن غلبة طرف على طرف معروفة مسبقاً، بينما يرى آخرون أنها ستؤذي الجميع بلا استثناء، مع الفارق.
اتجاه غير متطرف، بأن يصدر القرار ويتهم حزب الله، تتبعه عمليات تحريض ضد المقاومة في الداخل وفي الخارج، لكن من دون تفاعل جماهيري ومن دون الوصول الى مواجهة أو الى احتراب داخلي، للتعذر، ومن ثم يوضع الاتهام في أدراج المخططين دون أن يموت، على أن يجري استخدامه لاحقاً، في ظل توافر ظروف أفضل ضد المقاومة، هذا إن كان قابلاً للاستخدام في المستقبل. رغم ذلك، يمكن أن لا يصدر القرار الاتهامي، وأن يُكتفى كما يحصل عادة ببيان يتحدث عن مجريات التحقيق وأنه «يحقق تقدماًَ ملحوظاً»، أي أن يتأجل القرار أو أن يصدر دون اتهام لحزب الله، تماماً كما حصل في العام الماضي، وبخاصة إذا تلمّس المخططون، بمعنى المخططين الفعليين لا الهامشيين، أن الأدوات التي تُمكّن من تسليك القرار ضد حزب الله، باتجاه الضغط المجدي عليه، لم تتوافر بعد، أو جرى تفويتها.
من العوامل المانعة لصدور القرار الاتهامي، أن يأتي غير مفاجئ وغير مربك لحزب الله ولحلفائه، وهو عامل أساسي قد تمكّن الحزب وحلفاؤه من تفويته على المخططين؛ إدراك من يقف فعلياً وراء القرار، بأن الموقف السوري رافض لخطة التحييد والاستفراد، وبالتالي لا يمكن فك الارتباط الاستراتيجي بين دمشق وحزب الله؛ تلمّس المخططين لثبات حلفاء الحزب على مواقفهم وعلى خياراتهم، ويبدو أن هذا العامل قد بات قائماً أيضاً؛ ردة فعل حزب الله، وإسقاطه منطق الاتهام التدريجي المنوي اتباعه ضده، واعتباره أن اتهام مؤيدين أو عناصر من الحزب، هو اتهام لحزب الله مباشرةً، أي عدم القدرة على سلوك المواجهة التدريجية وتوقع المخططين لانكفاء المقاومة عن المواجهة؛ وأخيراً، وهو الأساس، أن يوضح حزب الله أنه لن يبقى في قفص الاتهام لأن لديه أقفاصاً جاهزة لجميع أعدائه وخصومه، وبما يتناسب مع كل تحدٍّ أو كل ظرف وكل توجّه يسلكونه حياله، والمفترض أن الجميع بات يدرك ذلك.
تبقى الإشارة الى أن وجهة الأمور وإمكان انحرافها، لا يمكن تلمّسها من مواقف اللاعبين الهامشيين، لأنهم يتلقّون القرارات ولا يصنعونها، بل يجب رصد توجهات الجهات القابضة فعلياً، على قرارات المحكمة الدولية.

عدد الاثنين ٢٦ تموز ٢٠١٠
الاخبار

No comments:

Post a Comment