Saturday, July 24, 2010

صمت الحريري لا يعطيه البراءة من الفبركة
ابراهيم الأمين
الردّ الأوّل من جانب مساعدي رئيس الحكومة، من نواب وغيرهم، على رواية السيد حسن نصر الله لجانب من الحوار الذي دار بينهما بشأن المحكمة، يتجاوز مستوى السذاجة التي يتّسم بها عادةً عقل غالبية مريدي هذا الفريق. هؤلاء تطوّعوا من تلقاء أنفسهم أو بطلب من الحريري نفسه ليشرحوا لنا الأمر.
قبل ساعات من كلام نصر الله، خرج مِن حول الحريري مَن ينفي أصل الكلام، ويتهم وسائل الإعلام بأنها اختلقته من عندياتها. وبعدما قدّم نصر اللّه بنفسه الرواية نفسها، عاد هؤلاء وقالوا إن الحريري لم يكن يستند الى معلومات خاصة عن القرار الاتهامي المرتقب للمدعي العام في المحكمة الدولية، بل الى ما نشر في الصحف ووسائل الإعلام. وبدل أن يركّز هؤلاء على كلامهم، أو أن يكتب لهم أمناء السر في بيت «الوسخ التجاري» كلاماً موحّداً ودقيقاً، صار التخبيص يشمل كل شيء:
قال أحدهم إن الحريري استند الى وسائل إعلام مؤيّدة لقوى 8 آذار، وإن هذه الوسائل هي التي بادرت الى الحديث عن أن القرار الاتهامي سوف يتهم أفراداً من حزب الله. وقال آخر يبدو أكثر نباهة من الأول، إن الحريري استند الى معلومات سُرِّبت في وسائل إعلام غربية، مثل «دير شبيغل». وقال ثالث طُلب إليه على عجل توضيح الموقف: إن الحريري كان يتحدث بصيغة شرطية: إذا صحت التسريبات عن أن القرار الاتهامي فسوف يتهم أفراداً من حزب الله...
أما الأبواق غير الرسمية التي يموّلها تيار «المستقبل» وتنتشر هنا وهناك، ولو ببطء، بعدما أصابها عجز إضافي ناتج من قلة التمويل، وعن صرف ما يُسند إليها على طاولات القمار، فصارت تحتاج الى مدقّقين لغويّين قبل المعالجين النفسيين. فهي تتولّى قول ما يخجل الآخرون من تبنّيه، وهو أنّ محتوى القرار الاتهامي متداول على نطاق واسع. لا لشيء، بل فقط للقول إن الأمور تسير وفق هذا المنهج، ولكن مطلوب منّا الصمت رسمياً.
لكن الشريك الآخر في الجريمة، أي إسرائيل، يعود الى الخطأ نفسه، وهي تسارع الى الإعراب عن سرورها بما يجري الآن في لبنان، تماماً كما فعلت إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005. يومها لم يبق مسؤول أو إعلامي أو سياسي في اسرائيل إلا عبّر عن سروره العظيم بالأحداث التي سوف تؤدّي «حكماً» الى إنهاك حزب الله والمقاومة وسوريا، لكنّ ظنّهم خاب في أكثر من جولة. يومها، وكي لا «يخربطوا الطبخة»، سارعت وزيرة الخارجية الاميركية ـــــ نفسها ـــــ كوندوليزا رايس الى إبلاغ كل معنيّ في إسرائيل أن المطلوب منهم الصمت، وكمّ أفواه الصحافة «لأنكم تعطلون ما نقوم به في لبنان». ثم سارعت الرقابة الى منع نشر أي كلام، وهو أمر متوقع في وقت قريب.
جمعيّات فيلتمان تعمل على برامج سابقة فلا تنتبه إلى أنّ الأمن يتولّاه 14 آذار
لكن الحريري يعرف أنه لا يمكنه نفي ما قاله نصر الله، لأن الأخير سوف يطلّ ليشرح المزيد، ثم سوف يضطر إلى كشف وقائع حوارات أخرى حول الأمر، جرت معه أو أجراها الحريري مع آخرين في لبنان وخارجه. وبانتظار انقضاء فترة الصوم عن الكلام، فإن الحل كان عند مصطفى علوش الذي قال لقناة الجديد أمس، إنه ربما كان الحريري يملك معلومات لا يملكها بقية المسؤولين في فريق 14 آذار، علماً بأن علوش لم ينسَ أن ينهي حديثه بدعوة الضباط الأربعة وكل متضرر من مرحلة التحقيق السابقة إلى أن يتقدم الى القضاء لتحصيل حقوقه المعنوية والمادية، ما يشير الى أن الأخ نسي ربما أن فريقه السياسي أمر القضاء نفسه بأنه ليس ذا اختصاص في ملف الاعتقال التعسفي وملف شهود الزور. وربما كان من الأجدى بالطبيب الذي لم يتحمّل جمهورُه إعلانَه الهوية الدينية لوالدته، أن يستنجد برفيقه «السير» نبيل دو فريج الذي «بقّ البحصة» عندما قال إن الضباط وقعوا في حفرة حفروها لغيرهم، عندما أقرّوا قانوناً لأصول المحاكمات يفتح مهلة التوقيف من دون اتهام أو محاكمة، مع العلم بأن القانون بكل أخطائه كان يعطي السلطات الأمنية أو القضائية مهلة أيام لا سنوات لأخذ المزيد من الوقت في التحقيقات. ولم يكن القانون يحتوي على مواد تبيح استخدام أدلة مزوّرة لتمديد اعتقال الناس.
ونفي امتلاك الحريري وفريقه معلومات عما يعدّ له في ليل ونهار ضد المقاومة في لبنان، يشبه «انتفاضة الحرية» لجمعيات لبنانية تعيش على «تمويل جيفري فيلتمان»، وقد احتجّت على نشر «الأخبار» «نصيحة مسؤول أمني بعد نشر معلومات عن التحقيقات التي تتهم حزب الله بالتورط في جريمة اغتيال الحريري». هذه الجمعيات التي لا تزال تعمل وفق البرنامج نفسه الذي وُضع لها قبل سنوات، لا تريد أن تقتنع بأن هذا المسؤول الأمني ما هو إلا المسؤول الأمني الأبرز في فريق 14 آذار، وهو الذي قدّم هذه النصيحة الى صحافيين في «الأخبار»، بينهم كاتب هذه السطور.
يبدو واضحاً أن الحريري يدرس الآن الوضع من زاوية الحديث الذي دار بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد حول القرار الاتهامي. فقد سمع مراجعة للمرحلة الماضية اتسمت بقساوة تزيد أضعافاً مضاعفة عما أعلنه نصر الله. وهو كلام سيكون من المفيد نشر بعض وقائعه قريباً، حتى لا يستمر فريق الحريري بأجنحته المختلفة طائفياً ومذهبياً ومالياً وإعلامياً، عالقاً في وهم الرواية المستجدة عن أن سوريا سوف تترك «حزب الله» عند أول مفترق... أو هل من حاجة لإعادة نشر محضر اجتماع الأسد مع وزير الخارجية الأميركية الأسبق كولن باول، صاحب دفتر الشروط المفتوحة؟

عدد السبت ٢٤ تموز ٢٠١٠
الاخبار

No comments:

Post a Comment