Monday, July 26, 2010

عون: مواجهة القرار الاتهامي مواجهة للتوطين
عون لم يخف سروره حين كان يسمع هتاف مناصريه: «صرخة واحدة قوية... زحلة كلها عونيي» (الأخبار)حقّق ميشال عون ما أراده من زيارته لزحلة. فالرسائل وصلت إلى من يعنيهم الأمر: التيار الوطني الحر في وجدان زحلة ولا يمكن شطبه من المعادلة، وثانية الرسائل أنّ من يحقق في جريمة الحريري وغيره هو «القاتل»، والثالثة: لا لتوطين الفلسطينيين، وليذهبوا إلى أوستراليا وكندا
عفيف دياب
قال ميشال عون كلمته في زحلة ومشى. غادر المدينة بعد 36 ساعة، وبعدما قطعها من بابها حتى محرابها، اعتلى منابرها مخاطباً «المؤمنين» به وبأفكاره ونهجه، كأنه كان يقول للقاصي والداني إنه لم يعد لأحد القدرة على نزع شرعيّة وجودنا في المدينة والبقاع عامّةً. وصل عون بهدوء بعد طول غياب قسري وبإرادة ذاتية، وغادرها تاركاً «ثورته البرتقالية» تفعل فعلها، وتنتفض من جديد على كل من حاول شطبها من المعادلة المحليّة. لم يعد التيار «العوني» في زحلة والبقاع مجرد رقم أو صوت انتخابي لهذا أو ذاك. حقّق عون في ساعاته القليلة التي أمضاها في زحلة ما عجز عنه تياره على مدى سنوات خمس. تيار شعبي واسع وعريض «ظُلم» بتحالفات وحسابات محلية ألحقت به أفدح الخسائر، وأصابته بما يشبه «الشيخوخه» المبكرة، وحوّلته من تيار ثائر في مدينة «السلام» إلى تيار «ملتزم» بتفاصيل صغيرة لا يؤمن بها، أدخلته في جمود تنظيمي وسياسي، نجح رئيسه في نفض الغبار عنه، مطلقاً صافرة الانطلاق من جديد نحو نهضة تنظيمية وسياسية وشعبية. سيحتاج قادة التيار في زحلة والبقاع إلى وقت ليس بالقصير حتى يتسنّى لهم استيعاب ما أحدثه «جنرالهم»، من رفع لمعنويات جمهور كبير كان بعضه إلى وقت مضى معتصماً بالصمت، وفي المنازل كتعبير «أبيض» عن رفضه واقعاً سياسياً فُرض عليه، لم يكن يؤمن به منذ تحالفات انتخابات 2005 النيابية، وما تبعها من ذوبان في جبهة تحالفية محلية ألزمته بكثير من القضايا.
زيارة ميشال عون إلى زحلة، لم تقتصر على إحداث «هزّة» في تياره الحزبي، بل كانت الساعات القليلة التي أمضاها مجموعة من الهزّات التي بدأت تُحدث ارتدادات على الصعيدين المحلي والوطني. فعون كان يعرف مسبّقاً ما هو الخطاب الذي سيقوله، وهو لم يخرج عن «بيانه»، الذي أعدّه جيداً، إذ كان واحداً لمريديه، وفي لقاءاته مع مطارنة المدينة، وبعض قادتها الذين أُصيبوا بـ«نقزة» من زيارته، شكلاً ومضموناً، إذ بدا واضحاً شعورهم بأنّ «الجنرال» قد بدأ بسحب البساط من تحت أقدامهم. فعون لم يخفِ سروره ولا حتى بسمته حين كان يسمع هتاف مناصريه الذي رافقه في كل محطّاته: «صرخة واحدة قويه.. زحلة كلها عونيي».
الرسائل السياسية وغير السياسية للنائب ميشال عون من زحلة لم تكن مبهمة أو غير واضحة. فالرجل أذاع ما يشبه «أمر اليوم» لجولة جديدة ـــــ قديمة بدأت تعيشها البلاد بعد تصاعد «العنف» السياسي على خلفية القرار الظني، المرتقب لمحكمة اغتيال الرئيس الأسبق للحكومة رفيق الحريري، وما يُشاع عن اتهام حزب الله بالجريمة. فعون اتهم كل الذين حقّقوا في هذه الجريمة وغيرها من الجرائم التي تبعتها بأنهم هم «القتلة». وقال في خطاب يومه الأول: «نحن لا نستطيع أن نتجاهل أنّ صحف العالم تتحدث عن إدانة لحزب الله، وكلكم تعلمون كم تجنّى عليّ بعض المجتمع اللبناني لأنني نصحت وأعطيت نصيحة بعدم التسرّع في الاتهام حتى لا تسبّبوا مشاكل، وخاصّةً عندما تتّهمون زوراً، وأنا لم أجزم ببراءة أيّ دولة ولا أيّ فريق، وكنت أقول انتظروا التحقيق قبل أن تدينوا، وظهر لاحقاً أنّ كل الإدانات كانت باطلة، والجميع تراجع عنها، ولكن هم أنفسهم لم يتراجعوا بعد عن الهجوم علينا، فالغاية ليست التفتيش عن الحقيقة (...) ونحن مستعدون أن نقبل أيّ حقيقة تصدر عن التحقيق، ولكن أن تكون فعلاً حقيقة. كلنا مع المحكمة الدولية، لكن لماذا التحفيز على الفتنة، فبعض ضعفاء النفوس أو من معهم المال بدأوا يحضّرون المونة، ويسجّلون أولادهم في مدارس خارج البلاد. فالجرائم التي وقعت على الأرض اللبنانية اختفت لأنّ المحقق هو فاعل الجريمة».
ورأى في حواره مع شباب التيار في زحلة، في يومه الثاني، أنّ البعض «يفتش عن أحد يلبسونه الجريمة». وقال: «يوماً يتّهمون سوريا، ومرةً الضباط الأربعة، وفي يوم آخر حزب الله. للأسف كل الجرائم التي وقعت وتلت اغتيال الحريري وصلت كلها إلى الكمال، بحيث لم ينكشف أحد في جريمة واحدة نتيجة خطأ ارتكبه. فالجرائم لا تختفي إلا إذا كان القاتل هو الذي يحقّق، ونحن نضع علامة استفهام كبرى على المحكمة الدولية، ولماذا استثناء إسرائيل من الاتهام؟ ولماذا لم يفتح المسار الإسرائيلي ولو على سبيل التحقيق»؟ وأضاف عون «إنّ التحدي الكبير هو وجود قرائن، لا قرار اتّهامي مبنيّ على تهمة، ومن ثم نبحث عن شهود، وأنا أسأل لماذا خسرت المحكمة الدولية من صدقيّتها؟ وأقول لأنها تفتش عمّن تلبسه طربوش الجريمة». وتابع «كل القوى الدولية تريد أن تفرض علينا حلولاً تناسبها. واللبنانيّون لا يزعزعون سياسة التضامن في ما بينهم، بل المجتمع الدولي هو من يقوم بذلك. فالقرار الظني، كما يقال عن مضمونه، كأنه يقول لنا هيّئوا أسلحتكم لتتقاتلوا، والجميع يهدف إلى فكفكة الدولة من أجل التوطين».
الجرائم تختفي إذا كان القاتل هو الذي يحقّق... وعلامة استفهام على المحكمة
اتهام عون من يحقّق بالجرائم التي وقعت على الأرض اللبنانية بأنه هو المتهم بالقتل، لم يكن الكلام الوحيد الذي أطلقه من زحلة، بل إنّ «بيانه» حمل عنواناً ثانياً وكان أساسياً، وهو رفض توطين اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان. عنوان وجد فيه عون واجباً سياسياً ووطنياً أن يطرحه بطريقة موسّعة ومفصّلة مع جمهوره ومناصريه في مدينة زحلة، ويشرح لهم مكامن الخطر في هذا الملف، الذي يعمل على تنفيذه الغرب لمصلحة إسرائيل، حيث لم يخف ربطه ملف المحكمة الدولية وما سينتج عن قرارها الظني من قلاقل أو فتنة داخلية واقتتال طائفي ومذهبي، بهدف أكبر عند المجتمع الدولي وهو توطين الفلسطينيّين في لبنان، فمواجهة القرار الاتهامي، وفق قراءة عون وتيّاره، تعني مواجهة استباقية لخطر التوطين، وقال: «نحن مع الفلسطينيّين إذا كانوا مصرّين على حق العودة إلى وطنهم، لكنّ المفاوض الفلسطيني تخلّى عن هذا الحق». وأضاف خلال حواره مع الشباب «كل السياسة التي اتّبعناها مع الغرب كانت خطأ. فهدف الغرب هو حماية إسرائيل والنفط، ومصلحة أميركا تقتضي أن تضحّي بمصالحنا وبنا، ويجب أن نعلم ونعرف جيداً أنّ مصلحة أميركا هي غير مصلحتنا». وتابع عون «هناك مشكلة أساسية تمثّل خلفية لكل المشاكل التي نعانيها، وهي قضية فلسطين وقيام دولة إسرائيل، ولنحكِ بصراحة إنّ ما طرح من مشاريع لحقوق الفلسطينيّين في لبنان، من حقوق تملّك وما شابه، هو ما وافق عليه المفاوض الفلسطيني، الذي يعرف أنه لا يوجد حق عودة، ويحاول أن يمرّر العملية على «السكت»، وأن يدمج الفلسطيني في مكان إقامته». وقدّم نصيحة إلى الفلسطينيّين: «إذا قبلتم حلّ غير العودة، أي الاستيطان، فسندلّكم على دول الاستيطان، ويمكنكم أن تذهبوا إلى أوستراليا وأميركا وكندا وأفريقيا. هم أحرار أين سيذهبون، فنحن لا يمكننا أن نستوعبهم، وإسرائيل تعرف أننا نرفض هذا الأمر، وبالتالي، تبحث عن مشكلة عندنا فجاءت جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقبلها القرار 1559».
زيارة عون إلى زحلة لم تتجاهل تفاصيل علاقاته السياسية المحلية. فالزيارة لم تكسر الجليد الذي تراكم بينه وبين إلياس سكاف، وإن كان الأخير قد شارك في تدشين كنيسة مار الياس للروم الكاثوليك وصافح «الجنرال»، الذي لم يخفِ برودته تجاه «زعيم زحلة». ويقول متابعون للزيارة والعلاقة مع سكاف إنّ «جليداً جديداً سيضاف إلى القديم بين الطرفين. فسكاف الذي قاطع حفل أصدقاء عون، برّر غيابه بأنّ الجنرال لم يزره رغم الاتصال الهاتفي الذي جرى بينهما قبل الزيارة بيومين». يضيف مقرّبون من سكاف: «البيك وجّه دعوة إلى الجنرال مرحّباً بزيارته، حتى إنه تمنّى عليه أن يقيم في منزله بدلاً من النزول في فندق، ولكن للجنرال حسابات أخرى».

عدد الاثنين ٢٦ تموز ٢٠١٠
الاخبار

No comments:

Post a Comment