Wednesday, July 28, 2010

«ليس هناك بلد يحترمه «حزب الله» و«حماس» و«طالبان» سوى تركيا»!
دراسة أميركية: ماذا ستجني واشنطن إذا تحالفت مع طهران وأنقرة؟

علي دربج

لعقود طويلة كانت تشكل كل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية، ركيزة السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، في خدمة المصالح الأميركية لا سيما خلال
مرحلة «الحرب الباردة».
مع صعود إيران ولاحقا تركيا، كقوى إقليمية فاعلة، ومؤثرة على الساحة الشرق أوسطية، لامتلاكهما عدداً لا يستهان به من الأوراق الاستراتيجية الرابحة وخصوصاً إيران،
بقيت الرؤية الأميركية ثابتة على تحالفاتها التقليدية إلى أن بينت الأحداث والتطورات والصراعات والحروب التي مرت على المنطقة أن ليس بالإمكان تحقيق الاستقرار
والسلام من دونهما.
هذا الفشل، اذا صح التعبير، في الرؤية الاستراتيجية لواشنطن دفع بالعديد من المنظرين والأكاديمين الأميركيين إلى تقديم رؤى بديلة تدعو إلى الامتثال بالنموذج
التحالفي بين تركيا وواشنطن في العلاقة مع إيران.. ومن هؤلاء استاذ العلاقات الدولية في جامعة بوسطن والكاتب في صحيفة «غارديان» البريطانية سيتيفن كينزر.
قام كينزر بإعداد دراسة بعنوان «مثلث القوة المقبل: لماذا يجب أن تكون تركيا وإيران حليفتي الولايات المتحدة المستقبليتين في الشرق الأوسط».
ترجم «مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات» في بيروت الدراسة التي ركزت على الدور المستقبلي لكل من تركيا وإيران، انطلاقاً من موقعهما وعلاقاتهما المتشعبة مع
دول المنطقة ودورهما في رسم مستقبلها، إضافة إلى الفائدة التي قد تجنيها واشنطن من تحالف مستقبلي كهذا.
يعتبر الكاتب أن الشراكة بين هذا المثلث يمكن وحدها أن تسهم في تعزيز أمن المنطقة واستقرارها، مستعرضاً السياسات الأميركية الإقصائية والعشوائية تجاه إيران
السابقة التي أعطت نتائج عكسية، داعياً الى فتح حوار شامل ومباشر معها كونها تشكل مفتاح الاستقرار في المنطقة.
تشير الدراسة إلى أن شراكة مستقبلية تجمع بين إيران وتركيا والولايات المتحدة الأميركية، تبدو أمراً منطقياً لسببين، الأول: المصالح الاستراتيجية التي تجمع
الدول الثلاث، والثاني: القيم التي تجمع شعوبهم.
تقول الدراسة إن علاقة الولايات المتحدة الدائمة التطور قد تشكل نموذجاً يحتذى به لنوع العلاقة التي قد تجمعها مع إيران وتركيا مستقبلا، وأن هذه العلاقة الثلاثية
لا يمكن أن تنشأ بين عشية وضحاها، فمن أجل أن تكون إيران شريكاً لواشنطن يجب أن تتغير جذرياً، وكذلك تركيا وإن لم يكن بقدر إيران، والأمر نفسه ينطبق على الولايات
المتحدة.
وتتطرق الدراسة إلى الدور الهامشي لتركيا في مرحلة الحرب الباردة بالرغم من موقعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط وقربها من البلقان والعالم السلافي، وتحالفها
العسكري والسياسي مع الولايات المتحدة، الممتد لأكثر من نصف قرن، شكلت خلالها رأس الحربة في الخطوط الأمامية للمواجهة مع روسيا، بقي دورها ثانوياً ولم يرقَ
إلى طموحها كدولة مركزية وسط هذه المناطق.
وتذكر الدراسة الى أنه مع نهاية الحرب الباردة، قامت تركيا بإعادة صياغة رؤيتها ودورها تجاه العالم، انطلاقاً من موقعها الجغرافي، فعادت مرة أخرى كدولة مركزية
للكتلة القارية الأوراسية الضخمة، معتمدة على تراثها العثماني ومزجها بين الإسلام والديموقراطية وبين التقاليد والحداثة، فشكل لها ذلك مكونات لإمكانات استراتيجية
مستقبلية هائلة.
وتتابع الدراسة، استغلت تركيا هذه الإمكانات بطريقة عادت عليها بالفائدة والنفع، ليس لوحدها بل أيضاً على الولايات المتحدة والغرب، فهي كانت رعت المحادثات السرية
بين سوريا وإسرائيل بناء على طلب الأخيرة، وأقنعت السنة بالمشاركة في الانتخابات العراقية، بعد إعلانهم المقاطعة.
لا تتدخل تركيا إلا عندما يطلب منها ذلك، وتحافظ على علاقات جيدة مع طيف واسع من الحكومات وتلعب دوراً لا يمكن لأحد غيرها أن يلعبه. حتى أن دورها تغلغل إلى
عمق السياسيات الداخلية للدول التي تعاني من انقسامات داخلية مريرة كلبنان والعراق وباكستان وأفغانستان، فبات كل طرف من الأطراف المتخاصمين في هذه البلدان،
لا يبدون حماستهم سوى لوساطة المسؤولين الأتراك.
وفقا للدراسة ليس هناك بلد كتركيا مرحب بدبلوماسييها في كل من طهران وواشنطن، وموسكو وتبليسي، ودمشق والقاهرة. وليس هناك بلد يحترمه حزب الله وحماس وطالبان،
وفي نفس الوقت يقيم علاقات دبلوماسية مع الحكومات الإسرائيلية واللبنانية والأفغانية سوى تركيا.
وتشيد الدراسة بالرؤية الاستراتيجية لوزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو والتي يسميها العمق الاستراتيجي، فطموحه كدبلوماسي لا ينحصر فقط برؤيته القائمة
على مبدأ (صفر مشاكل مع الجيران) بل تطورت إلى (صفر مشاكل بين الجيران).
أما فيما يتعلق بإيران، فقد قارنت الدراسة بين التجربتين الألمانية والأميركية، وإن لم تتطابقا، فألمانيا قد هزمت سابقاً، في حين أن إيران ما زالت سليمة وواثقة
من نفسها، لكن الكاتب يرى أن الإشكالية هي نفسها وذلك من خلال طرحه عدة تساؤلات مفادها: هل من الأفضل فرض عقوبات على إيران ومعاقبة الدولة المسببة للمشاكل،
أم إغراؤها بالحياة الطبيعية.
تجيب الدراسة عن هذه التساؤلات، بالإشارة إلى أن بعض أصحاب النفوذ الأميركيين ما زالوا محاصرين بغضبهم الناجم عن أزمة الرهائن، كما أن نجاح إيران خلال السنوات
الثلاثين الماضية في الوقوف حجر عثرة لأميركا والتسبب لها بالعديد من المشاكل أينما ووقتما كان ذلك ممكنا، دفع بهؤلاء إلى محاولة معاقبة إيران على مدى عقود.
فبالنسبة لهم التفاوض والمصالح حتى بناء الشراكة مع إيران يعد استسلاماً.
وتلفت الانتباه الى أن مأساة القطيعة الطويلة بين الولايات المتحدة وإيران، أَضرت بمصالح الولايات المتحدة نفسها.
تركز الدراسة على نقطة أساسية، وهي انه ليس بالإمكان تحقيق أي من الأهداف الأميركية في الشرق الأوسط، كإرساء الهدوء في العراق، وتحقيق الاستقرار في لبنان، وإنهاء
حالة الجمود التي تسيطر على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وإضعاف الأصولية الإسلامية، وسحق «القاعدة» والتقليل من الأخطار والحروب القادمة من دون تعاون إيران.

تتابع الدراسة إن صعود إيران كقوة إقليمية يعود إلى الإجراءات الارتجالية التي اتخذتها أميركا، فالعقوبات المراد منها إعاقة إيران، دفعتها إلى القيام بتطوير
شبكة من العلاقات الاقتصادية مع الدول الأكثر براغماتية أي روسيا والصين.
وتستشهد الدراسة بالمحلل السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية السي أي ايه، «بروس ريدل» من خلال عمله الاستشاري في الشرق الأوسط وجنوب آسيا لثلاثة رؤساء أميركيين،
بقوله: «طوال ثلاثين سنة حاولت الولايات المتحدة التعامل مع إيران وإيديولوجيتها الثورية من دون أن يكون هناك فهم كاف للدوافع التي تلهم الإيرانيين. فهدف عزل
إيران أعطى نتائج عكسية، فأدى إلى عزل الأميركيين عن المعلومات التي يحتاجونها للتعاطي مع إيران بشكل فعال».
ويقول نيكولاس بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندليسا رايس، «كنت في مقدمة من تعاطيت في الملف الإيراني ما بين 2005 و2008، ولم التق مسؤولاً
إيرانياً. فالولايات المتحدة أعمتها انفعالاتها، غرقت في الجهل بملء إرادتها. وبدت وزيرة الخارجية شبه فخورة بذلك».
وتذكر الدراسة، أن مجلس تحرير مجلة «وول ستريت جرونال» وجه سؤالا إلى رايس، عن وجود أفق لعلاقة متغيرة مع إيران، فاعترفت بالقول: في الحقيقة لا يوجد أشخاص داخل
نظامنا يعرفون إيران من الداخل». بالرغم من عدم حصول تقارب بين الدولتين، إلا انه وللمرة الأولى توجد دلائل على أن واشنطن تدرس المزايا التي قد تنشأ عن فهم
جديد للعلاقة مع طهران.
وتتابع الدراسة، أن الإمكانات وأوراق القوة التي تمتلكها إيران كبيرة، فمقدرتها على ضمان سلام دائم في العراق اكبر من مقدرة أي دولة بما فيها أميركا، كما أن
ارتباطها بالملف الأفغاني العائد لعدة قرون، يمكّنها من تقديم المساعدة في استقرار هذا البلد.
وبحسب الدراسة، فإن ايران الآمنة المستقرة لن تكون بحاجة إلى كبش فداء، وبالتالي سوف تتوقف عن تهديد إسرائيل من جهة، وستساهم بترويض حزب الله وحماس من جهة ثانية،
وهو ما قد يساهم في تعزيز امن إسرائيل، ويساعد في استقرار الأوضاع في لبنان، ويحسن بشكل جذري آفاق السلام بين إسرائيل والعرب.
إضافة إلى ذلك، فإن المصالحة الإيرانية الأميركية ستؤدي إلى تحسين علاقات واشنطن مع العالم الإسلامي، وتقلل من الاندفاع الإيراني تجاه روسيا لدعوتها الى التدخل
في الشرق الأوسط.
أما عن الخطوات التي يجب على الولايات المتحدة اتخاذها لتأمين هذه المصالح، فهي تبدأ واستناداً للدراسة، باعتراف واشنطن، بإيران كقوة إقليمية لها مصالح أمنية
مشروعة. فقد رفض الرؤساء الأميركيون المتعاقبون هذه المساومة لهذا السبب بالذات، وتجاهلوا أنها ليست بحاجة إلى الترقية، فهي قوة إقليمية قائمة بالفعل، وتمنوا
ألا يكون الأمر صحيحاً، غير أن خداع النفس لا يشكل أساساً سليماً للسياسة الخارجية.
وترى الدراسة أن خطر البرنامج النووي الإيراني على الأمن العالمي والإقليمي لا يشكل مبرراً لمواصلة عزل إيران، بل سبباً للقيام بالعكس، أي محاورة طهران والتواصل
للحؤول دون أن تصبح قوة نووية، فالعقوبات والتهديدات لن تحقق ذلك ولا القوة العسكرية، غير أن أعظم المخاطر يجعل من الامتناع عن المحاولة أشبه بالحماقة. فالمفاوضات
الشاملة غير المشروطة هي الأمل الوحيد لانفراج دبلوماسي بين البلدين، وإيران لديها دوافعها للقيام بذلك، نظراً للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها.

إعداد علي دربج
السفير

No comments:

Post a Comment