Thursday, August 26, 2010

39 ألف شاب وشابة يريدون الاحتماء بالوظيفة العامة بفعل انحسار سوق العمل
هذه هي حقيقـة أرقـام «دورة الـدرك»... وتفسـيراتها الاجتماعيـة

كلير شكر

كانت النيران «الصديقة» التي صوّبها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط باتجاه دورة الدرك، كفيلة باستقطاب الأنظار باتجاه خطوة وزارة الداخلية لتطويع
شبان وشابات في صفوف قوى الأمن الداخلي، وخفاياها... وحقيقة الأرقام المتداولة حولها.

قبل «القصف الجنبلاطي»، كانت التحضيرات للدورة تتمّ بهدوء تام، ولو رافقتها «حملات منظّمة» لتعبئة الشباب وخاصة المسيحيين ودفعهم باتجاه تقديم الطلبات، وهي
نجحت في استقطاب أعداد كبيرة ممن هربوا من شبح البطالة طمعاً في وظيفة آمنة، ولكن لماذا «استهداف» الدورة؟ كيف نجحت في «جذب» الشاب المسيحي بعد انكفائه لسنوات
طويلة عن مؤسسات الدولة وخاصة العسكرية والأمنية منها؟ وما هو سرّ هذه «الهجمة» وتفسيرها؟

إذا ما عدنا إلى «ألف باء» دورة الدرك، يتبيّن أن فكرتها ولدت جرّاء الحاجة لتثبيت 10637 مجنّدا ورتيبا متعاقدين مع قوى الأمن الداخلي، نتيجة انتهاء مدّة تعاقدهم،
حيث أجاز القانون رقم 665 الصادر في 4 شباط 2005، تمديد خدمة هؤلاء لفترة لا تتجاوز الخمس سنوات، مع العلم أن مدّة التعاقد انتهت في 19 أيار 2010.

ويظهر، بحسب جداول هؤلاء، أن 76% منهم ينتمون إلى الطوائف الإسلامية، و33% ينتمون إلى الطوائف المسيحية، ما يعني خللاً في ميزان المناصفة المسيحية - الإسلامية،
في حال تمّ تثبيتهم، ما اضطر السلطة السياسية، ممثلة في مجلس الوزراء، للموافقة على طلب وزارة الداخلية فتح باب التطويع لصالح قوى الأمن الداخلي، تكريساً للتوازن.
ولذا وافق المجلس على تطويع 4000 عنصر إضافي من الذكور والإناث، «على أن يراعى في مجموع المثبتين والمتطوعين الجدد مقتضيات الوفاق الوطني».

ولما كانت الكفّة «طابشة» لصالح الطوائف الإسلامية في صفوف المتعاقدين منذ خمس سنوات حتى الآن، تمّ التوافق داخل مجلس الوزراء على أن يكون 3000 متطوع من الطوائف
المسيحية، مقابل 1000 من الطوائف الإسلامية، ولا يبدو أن ثمة توجهاً لإعادة النظر بهذا التوزيع، أو رفع منسوبه، على خلاف ما أشيع خلال الأيام الأخيرة.

لم يخطر ببال القيمين على الدورة، أن يجذب «الإعلان» أعداداً كبيرة من الشباب اللبناني، وقد صدم الكثيرون بالطلبات التي تكدسّت أمام المديرية العامة لقوى الأمن
الداخلي، إن على المستوى المسيحي، حيث سجّلت أرقام قياسية، لم يسبق أن لحظتها وظيفة الدركي، أو على المستوى الإسلامي، حيث تهافت الشباب على تقديم الطلبات، في
ظاهرة اجتماعية بدت انعكاساً للوضع الاجتماعي - الاقتصادي المترّدي.

كانت الهجمة المسيحية مبررة بالنسبة لبعض المتابعين، لا سيما وأن ثمة جهوداً استثنائية قامت بها «لابورا» بالتعاون مع الكنائس المسيحية والأحزاب، من أجل حضّ
الشباب المسيحي على التقدم إلى هذه الوظيفة.

أما «لابورا» فهي جمعية لبنانية غير حكومية لا تبتغي الربح تأسست في 2 نيسان 2008، مهمتها «الحدّ من هجرة اللبنانيين المسيحيين والإسهام في إيجاد حلول ملائمة
لمشكلة البطالة، وإعادة نوعية وحجم الوجود المسيحي في مؤسسات الدولة وتفعيل الدور المسيحي العلمي والقيمي في هذه المؤسسات»، ويرأسها الأب انطوان خضره.

وتعمل «لابورا» في «خدمة المجتمع المسيحي بكلّ طوائفه» من خلال ثلاثة محاور متكاملة وهي: التوجيه المهني من خلال العمل على استكشاف الوظائف المعروضة في القطاعين
العام والخاص، تدريب المتقدمين للوظائف بما يتناسب مع متطلبّات المباريات لمساعدتهم على النجاح، والعمل على تأمين وظائف في القطاعين العام والخاص.

وقد كثّفت «لابورا» حركتها بالتنسيق مع الأبرشيات، وممثلين للأحزاب المسيحية، لاستقطاب الشباب وإعادتهم إلى حضن الدولة، بعد الإعلان عن حاجة قوى الأمن الداخلي
لمتطوعين. وقد نجحت في مهمتها حيث تسلمت دوائر قوى الأمن الداخلي أكثر من سبعة آلاف طلب لشبان وشابات مسيحيين، فيما تبيّن أن أكثر من 32 ألف شاب من الطوائف
الإسلامية أودعوا طلباتهم المراكز المختصة، وقد بلغ العدد الإجمالي للمتقدّمين، 38969 شابا وشابة من جميع مناطق لبنان.

تلك الأرقام كانت كافية لتصدم الكثيرين، ولتثير الريبة في ذهن البعض، منهم جنبلاط الذي تخوف من تسلل ميليشوي إلى صفوف قوى الأمن الداخلي، لاسيما بين المتطوعين
المسيحيين، مطالباً بإلغاء الدورة، علماً بأن المعلومات تشير إلى أن رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وصلته بعض الأرقام المغلوطة عن «تركيبة» المتقدّمين، وهي
التي جعلته يتخذ موقفا سلبيا من خطوة وزارة الداخلية.

ولكن بين طيّات الملف الذي أعدته «لابورا» لدورة الدرك، تظهر «مساهمة» جزئية، للأحزاب المسيحية، التي شاركت في الحملة، من خلال إيفاد 388 شخصاً، بحسب «لابورا»،
ليسوا بالضرورة محازبين، وهم لا يشكلون أكثر من 5% من العدد الإجمالي من المتقدمين المسيحيين، ما يبعد «تهمة» التسييس أو «المحازبة» عن مقدّمي الطلبات، الموزعين
على الشكل الآتي:

ـ «التيار الوطني الحر» 159 طلباً،

ـ «القوات» 100 طلب،

ـ «تيار المردة» 82 طلباً،

ـ الكتائب 32 طلباً والنائب نديم الجميل 15 طلباً.

تخمة الطلبات تعني حسب القراءة الاجتماعية - الاقتصادية، أننا أمام ظاهرة تستحق التدقيق في حيثياتها وأسبابها. إذ أن لجوء نحو 39 ألف شاب وشابة، من مختلف الطوائف،
إلى أحضان وظائف الدرك، انما يعبّر عن انحسار سوق العمل في القطاع الخاص، ما يدفع بالشاب اللبناني إلى الاحتماء بالوظيفة العامة، ومنها في صفوف قوى الأمن الداخلي
التي تعتبر بالنسبة للكثيرين ممن تقدّموا بطلباتهم (نسبة كبيرة منهم من مناطق الأطراف)، ملجأ آمناً نظراً، للضمانات الصحيّة والتعليمية التي تقدّمها، علماً
بأن سلّم الرواتب في الوظائف المطلوبة يبدأ من 835 ألف ليرة لبنانية.

في تقدير الباحث الاجتماعي - الاقتصادي الدكتور أحمد بعلبكي أن ما كشفه فتح باب التطويع في قوى الأمن الداخلي، يفترض الوقوف عند مدلولاته الاجتماعية، لأنه يعكس
ارتفاع نسبة البطالة بين صفوف الشباب بشكل مريب يفترض أن تبادر معه السلطات الرسمية الى درس أسبابه. ولفت النظر إلى أنه إذا كان معدّل البطالة يقدّر بين 10
و12 % في صفوف العاملين (من عمر 15 سنة إلى 65 سنة)، فهذا يعني أن هذه النسبة تخطّت الثلاثة أضعاف في صفوف الشباب، وفقاً لما يمكن قراءته من أرقام المتطوعين.


ويشرح بعلبكي قائلاً، إن الشباب فئتان، تلك التي تحصّل تعليمها الجامعي في الجامعات الخاصة وقد تستكمله في الخارج، والجزء الأكبر منها يفضّل فرص العمل خارج
البلاد، أما الفئة الثانية فهي المتوسطة وما دون، والتي تحصّل تعليماً متوسطاً أو ثانوياً، وهي التي تتكّل على العمل في القطاعات الإنتاجية صناعية أو زراعية
في الداخل اللبناني.

وهذه الأرقام ، بحسب بعلبكي، تبين أن نتائج سياسات فتح الأسواق اللبنانية على منتجات أجنبية أقل كلفة، كانت كارثية، لأنها أخرجت القطاعات اللبنانية من دائرة
المنافسة، وبالتالي قلّصت فرص العمل، ورفعت نسب البطالة، ما دفع بالشاب اللبناني إلى البحث عن فرص جديدة في القطاع العام، أضف إلى الأزمات المالية المتلاحقة
التي اصابت بعض دول الخليج، والتي كانت سبباً إضافياً لانحسار فرص العمل.

ويتبيّن من «العيّنة المسيحية» من المتطوعين أن أكثر من 80% منهم، هم من الذين أنهوا دراستهم المدرسية، فيما الأقلية منهم أكملت السنة الجامعية الأولى، أو السنة
الثانية. كما يتبيّن أن الشريحة الأكبر هي من أبناء مناطق الأطراف، حيث سعت «لابورا» لتكثيف حملاتها في هذه المناطق، كون الوظيفة العامة ستساهم في تثبيت أبناء
الأطراف في قراهم، للحؤول دون نزوحهم نحو المدن، أو الهجرة. وهو واحد من أهداف «لابورا» الجوهرية في الإبقاء على الوجود المسيحي في أرضه.

وإذا كانت الشابات هن «الدخيلات» على هذه الوظيفة، (9990 طلباً لشابات)، فإن اقتحامهن هذا المجال، له اعتباراته الاجتماعية - الاقتصادية، كما يرى الباحث الاجتماعي
أحمد بعلبكي، والتي وضعت الشابة في مصاف الشاب لناحية طلب الوظيفة العامة، والتي أجبرتها على العمل في دول الخليج، وفي صفوف قوى الأمن الداخلي، وهو ما يعني
ثابتة وحيدة، هي ارتفاع نسب البطالة.

... في مطلع الأسبوع، حسم بيان قوى الأمن الداخلي اللغط حول إمكان إلغاء الدورة، علماً بأن المتابعين لهذا الملف يؤكدون أن السلطة التنفيذية «مرغمة» في السير
بها، كونها خيارها الوحيد، على اعتبار أن تثبيت المتعاقدين مشروط بفتح باب التطويع، ولذا لا مجال للهروب من هذا القرار، لتعزيز عديد قوى الأمن الداخلي البالغ
راهناً 22318 بين مثبّتين ومتعاقدين.

وستنتقل «لابورا» من مرحلة «تحميس» الشباب، إلى مرحلة «الإعداد» حيث ستنظّم دورات تدريبية مكثفة لهؤلاء، تشتمل موادها على الرياضيات، اللغة العربية والرياضة
البدنية...

ولمن يريد المزيد أن يتابع ايضا نسبة المتقدمين الى الأمن العام.. وفيها أيضا يمكن التوقف عند الأبعاد الاجتماعية لظاهرة تقدم أكثر من ستة آلاف لحمل رتبة مأمور
أو مفتش في الأمن العام ، بينما المطلوب فقط حوالي الـ 250 !
السفير

No comments:

Post a Comment