Tuesday, August 24, 2010

استراتيجيا القوّات: المادّة 6 مقابل المادّة 13
قدّم سمير جعجع رؤيته المرحليّة للاستراتيجيا الدفاعية. خلف السطور التي قرأها جعجع على المتحاورين، ثمة سعي إلى إعادة تكريس معادلة جديدة: احترام حق المقاومة مقابل التزام قرارات المحكمة الدولية
نادر فوز
قدّم رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، سمير جعجع، لزملائه في جلسة الحوار الجمعة الماضي، رؤيته للاستراتيجيا الدفاعية المرحلية، وفتح باب النقاش والردّ وتسجيل المواقف. ثم خرج عاتباً على بعض ما سمعه في قاعة الشيخ حليم تقي الدين في قصر بيت الدين.
تحدّث سمير جعجع عن تطوير الوجود العسكري في الجنوب وتعزيز وحدات الجيش وأفواجه على الحدود وتعديل منطقه الدفاعي ليتّخذ شكل القتال اللامركزي. والأهم هو طلب «الحكيم» من حزب الله أن يضع مجموعاته وأسلحته بإمرة الجيش، وتوفير الموازنة اللازمة «لعملية الانتشار العملاني للجيش، علماً بأنها ليست مستحيلة ويمكن البدء في صرفها فوراً وتباعاً».
إلا أنّ ما قدّمه جعجع في تلك الجلسة لم يقنع أحداً. القواتيّون والأكثريّون والحلفاء والخصوم لم يجدوا في ورقة «الحكيم» مادّة دسمة قادرة على حلّ أزمة سلاح المقاومة. وربما من يلازم جعجع في مكتبه وبيته لم يقتنع أيضاً بهذا الطرح.
فالإيمان والاقتناع بأن ما تضمّنته الأوراق المُعَنونة باسم «خطة دفاعية مرحلية»، يمثل حلاً موضوعياً لسلاح المقاومة ودوره، يخفيان وراءهما سذاجةً أو خبثاً. فعبارات جعجع القليلة وأفكاره المبسّطة التي تضمنتها الخطة القواتية، موجودة منذ أكثر من أربعة أعوام، ولم يكلّف أي فريق من محور 14 آذار نفسَه عناء الحديث عن تفاصيلها، لعلمه بأن الطرح ساقط قبل ولادته. إلا أنّ قائد القوات اللبنانية وجد في أحداث العديسة ظرفاً نموذجياً لإعادة تظهير هذه الأفكار.
رغم ذلك، لا يرى الجمهور القواتي في هذه الخطة المرحلية ترجمة للأفكار التي تشرّبها منذ عقود عن السلاح غير الشرعي. وفي الثوابت القواتية تأكيد لحصرية السلاح في يد الدولة وتوريث حزب الله للجيش مهمة الدفاع عن الأراضي والسيادة اللبنانيّتين. عدم الرضى هذا لا يقتصر على جمهور القوات، بل ينسحب على بعض القياديين الذين يستغربون عدم إطلاعهم على أجواء هذه الخطة المرحلية قبل عرضها وبدء خوض حملات الدفاع عنها. وبعد أكثر من يومين على عرض جعجع خطته، لم يُعلَم قياديو القوات اللبنانية بعد بموعد لمناقشة هذه الأوراق. ويكشف أحد أكثر المقربين من معراب أنّ هذه القراءة المرحلية شارك في إعدادها فريق قواتي مصغّر، ولم يطّلع على تفاصيلها مسؤولو القوات وكتلتها النيابية، إذ اكتفى «الحكيم» بالإشارة إلى خطوطها العريضة أمام من يجب وضعهم في أجوائها، دون أن تناقشها القيادة القواتية.
ينتظر القوّاتيون تفسير رئيس الهيئة التنفيذية للخطة المرحلية، وخصوصاً أنهم اعتادوا رؤية قائدهم في الموقع الراديكالي والواضح والمباشر. وخرجت بعض التبريرات عن القيادة القواتية لتركّز على مفصلين أساسيين: أولاً، إنّ الدعوة إلى نزع سلاح حزب الله في هذه المرحلة من شأنها تفجير الأوضاع وهدم كل ما بُني في العامين الماضيين من تهدئة ونقاش إيجابي. ثانياً، إن التخلّي عن المطالبة بنزع السلاح الحزبي يعني سقوط مشروع الدولة الذي ترفع لواءه القوات وحلفاؤها، إضافة إلى السقوط السياسي الذي سينتج من غضّ النظر الأكثريّ عن سلاح حزب الله. إذ يرى القواتيون أن «الحكيم» مشى بين هذين المفصلين وخرج بهذه الخطة التي لم تعلن التراجع عن ثوابت معراب. ويضيفون أن جعجع اتّخذ هذا الخيار لتفادي المحظور، وإن كانت مواجهة فكرة سلاح حزب الله لا تغيب عن عقول القواتيّين.
ويدافع الفريق المحيط بمعراب عن خيار «الحكيم»، إذ يرى أنّ في هذه القراءة «جرأة تتمثّل بالموافقة على استمرار وجود حزب الله وسلاحه ومؤسساته الأمنية في الوقت الحالي». ولا يخفي المعرابيون أنّ هذه الخطة تمهّد لموضوع الغوص في نزع سلاح الحزب، إذ يعتقدون أن استمرار التداول في هذا الملف «سينقل حزب الله من موقع التعنّت والتمسّك بسلاحه إلى موقع الحوار والتفكير، لحين وصول الوقت المناسب لتطوير نظرة الحزب إلى الدولة والسلاح وشركائه».
إلا أنّ من يراقب مواقف المعرابيين، يجد أنّ في هذه الخطة تعارضاً مع الموقف القواتي من هيئة الحوار التي ـــــ رغم المواقف القواتية العلنية الداعية إلى تكريس الهيئة الحوارية واستمرارها ـــــ يرون أنها مضيعة للوقت وعاجزة عن تحقيق أي تقدّم في ما يخص السلاح «غير الشرعي».
إلا أنّ العالمين بمنطق «الحكيم» وأساليبه في اللعب السياسي، لا يترددون في القول إنّ المراد القواتي من هذا الطرح هو إعادة إحياء السجال في موضوع سلاح حزب الله في ظرف تجد فيه قيادة الحزب نفسها في قمة الاستهداف والأزمات. والعبارات التي استخدمها جعجع في هذه الخطة تشير إلى أنه كان ينوي دغدغة قسم من زملائه المتحاورين، وذلك عبر تلميحه إلى وجوب استخدام الجيش لأسلوب حزب الله في المقاومة: اللباس المدني والانتشار الكامل في قرى الجنوب والتمويه الكلي.
الموافقة على استمرار وجود سلاح حزب الله في الوقت الحالي
شارك في إعداد الورقة فريق مصغّر ولم يطّلع عليها مسؤولو القوات
يضاف إلى ذلك أنّ «الحكيم» ذو خبرة عسكرية وأمنية واسعتين، ويعرف تماماً أنّ الأفكار التي تحدث عنها في خطته المرحلية غير مجدية، إذ لا يمكن أن يعتمد جيش نظامي أسلوب حرب العصابات ولامركزية القرار العسكري، فيما تموضع الجيش في الخنادق وخلف الدشم يكشه.
ويشير عدد من المطلعين على أجواء المجالس القواتية، إلى أنّ معراب تسعى إلى إعادة إظهار المعادلة الثلاثية بوجه المحكمة الدولية. وبالتالي سيكون هدف القوات التركيز على أن احترام الجميع للمادة السادسة من البيان الوزاري، التي تشير إلى تضامن الجيش والشعب والمقاومة، يجب أن يقابله احترام المادة الثالثة عشرة من البيان، التي تنصّ على التزام الحكومة التعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان لتبيان الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
واللافت أن نواب القوات رفعوا سقف مواقفهم من حزب الله، في محاولة لتكريس هذه المعادلة الجديدة. والأبرز بين هذه المواقف، ردّ النائب أنطوان زهرا على حديث للوزير عدنان السيّد حسين رأى فيه الأخير أنّ حادثة العديسة مثّلت مناسبة لإظهار أهمّية التنسيق بين الجيش والمقاومة. فاستغرب زهرا أن «يدعو أحد الوزراء إلى تقاسم القرار الاستراتيجي بين المؤسسة الشرعية وحزب من الأحزاب»، سائلاً: «كيف يمكن وزيراً في الموقع الذي نعرفه أن يطرح طروحات كهذه على الرغم من معرفته الأكيدة أن الحكومة اللبنانية تملك القرار الوطني وأنها المسؤولة عن إمرة الجيش اللبناني، ومرجعيتها تقول بألا يكون أحد شريكاً لها في كلّ القرارات الوطنية المصيرية؟».

عدد الاثنين ٢٣ آب ٢٠١٠
الاخبار

No comments:

Post a Comment