Thursday, August 26, 2010

أياً تكن تفسيرات حادثة برج أبي حيدر في بيروت، فإن النتائج المترتبة عليها تشير إلى إصابة «حزب الله» بضرر بالغ كأن «اللغز الدامي» أربك حركته، فبدا خائراً
وخائباً من سقوطه في فخ اشتباك «فردي» سرعان ما استدرجه إلى اشتباك سياسي ـ أمني، ضجّت به بيروت ومعها البلد، ووضعه في موقع لا يستطيع الخروج منه من دون كدمات
مؤلمة، عدا عن الخسارة الدموية التي أحرجت «هيبته» العسكرية التي كانت سبباً في انتهاء عملية 7 أيار بـ«المبضع» وبساعات ثلاث، بينما امتد اشتباك «أبي حيدر»
لأكثر من خمس ساعات.

لكن الحزب «المصاب» إصابة كبيرة سياسيا، وقف مشدوهاً أمام مشهد عجز عن فهمه واستدراكه وتخفيف ضرره على أكثر من مستوى، وهو الذي ما زال يبذل جهوداً مضنية للخروج
من تداعيات 7 أيار، من دون إغفال واقعة خسارة الحزب أحد كوادره الذي خاض مواجهات في الجنوب طيلة ثلاثة وثلاثين يوما إبان «حرب تموز»، فضلا عن تضرّر «هيبة» الحزب
العسكرية من دون أن يستطيع تعويضها، مع ما يعنيه ذلك نظريا من تشجيع لقوى أخرى على خوض مواجهات معه.

نعم خسر «حزب الله» سياسياً في توقيت مدروس يكمل مشروع حصاره، وذلك في اللحظة التي كان يتحدث فيها أمينه العام السيد حسن نصر الله عن صعوبة اختراق الحزب وبنية
المقاومة، كذلك خسر الحزب حجة استعمال السلاح في بيروت، بعد أن كان مبرر 7 أيار هو «استعمال السلاح لحماية السلاح»، وهو بدا مرتبكاً في التعامل مع هذه المواجهة
المفروضة عليه... وتقديم تفسير مقنع لانزلاقه الذي جعل صورته تبدو كصورة أي حزب حمل السلاح في بيروت، منذ أربعة عقود من الزمن حتى الآن...

سقط «حزب الله» في الفخ... واذا كان لم يجد تفسيرا لإقدام «الأحباش» على إطلاق النار عليه، فانه وقع أسير عجزه عن ضبط شارعه الذي استخدمه قبل السابع من أيار،
بعد أن شحنه سياسيا، وبطريقة غير مباشرة مذهبيا، فإذا بمجموعات الحزب تنضبط بصورة حديدية، فيما تنزل مجموعات أخرى من اللون المذهبي نفسه، تحت لافتة «معركة الحزب»
ولا تجد من «يمون» عليها في الشارع، وهو أمر يضع مصير هذه المجموعات وطريقة ضبطها محور نقاش جدي اذا كان مطلوبا ألا يتكرر ما حصل.

وإذا صحت فرضية أن حوادث عدة بين الجانبين، سبقت حادثة الثلاثاء، فلماذا لم تجر معالجتها بصورة حقيقية بدلا من التكاذب الذي كان آخر فصوله تلبية الحزب دعوة
«المشاريع» للإفطار في المكان نفسه، قبل ثلاثة أيام، وماذا عن حوادث أخرى مع قوى أخرى، وماذا لو حصل حادث فردي بين «أمل» و«المستقبل» أو بين الحزب و«المستقبل»
الخ...

لقد بذل الحزب جهدا كبيرا لتعويم المعارضة السنية وفي كل مرة، كان يأتي حدث يكون كفيلا بعودة الأمور إلى الوراء.

من الواضح أن مواجهة برج أبي حيدر فتحت ثغرة استطاع خصوم الطرفين في السياسة النفاذ منها لمنحها أبــعاداً سياســية داخلية وخارجية... وصولا إلى طرحهم مجموعة
أسئلة لا يملك الإجابة عليها لا «حزب الله» ولا جمعية «الأحباش»:

ـ هل ما جرى رسالة سياسية سورية للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي يعتزم زيارة لبنان في شهر أيلول المقبل، بأن دمشق ممر إلزامي للعبور إلى بيروت.

ـ هل أن الخلافات «التكتيكية» بين سوريا وإيران في العراق، خصوصاً بشأن تشكيل الحكومة العراقية الجديدة ورئاستها وتوازناتها، بدأت تترجم نفسها في لبنان في إطار
الصراع السوري الإيراني على «تقاسم» الورقة العراقية؟

يستشهد أصحاب هذين السؤالين بتجدد الرسائل «المقنبلة» عبر صندوق البريد القديم بشقيه: باب التبانة وجبل محسن في طرابلس، بالتزامن مع أحداث برج أبي حيدر، وباعتباره
تزامناً غير بريء ولا مصادفة... علما أن «صندوق البريد الشمالي» يطرح أسئلة سورية سعودية أكثر منها إيرانية سورية.

هل أن أحداث برج أبي حيدر هدفها إعادة الاعتبار لجمعية المشاريع في الشارع السني البيروتي، على قاعدة أنها «صمدت» في مواجهة «حزب الله» بينما لم ينجح «المستقبل»
في مقارعة الحزب و«حماية» بيروت؟

ـ هل أن ثمة اختراقا أمنيا لـ«المشاريع» أمكن من خلاله استدراج «حزب الله» وتوريط الجمعية في مواجهة لا تريدها ولا تفيدها، بينما تؤذي حزب الله كثيرا؟

ـ هل توسع المواجهة منذ الدقائق الأولى وتمددها يؤكد وجود استعدادات مسبقة لها، لتوظيفها في خدمة هدف سياسي يبدو خارج حسابات حزب الله وجمعية المشاريع؟

في المحصّلة، كشفت أحداث برج أبي حيدر أن الساحة اللبنانية جاهزة للإشتعال ولا تحتاج سوى إلى عود كبريت، وأن الانضباط السياسي والأمني تحت سقف ومفاعيل القمة
الثلاثية في بيروت ما زال هشّاً وغير قادر على مواجهة أي خرق أمني فردي، بل إن هذا السقف بات مهدداً بالسقوط الذي يمكن أن يهوي على رؤوس جميع الأطراف ومن بينهم
خصوصاً أولئك الذي «هلّلوا» على مدى الساعات الماضية لتلك المواجهة على قاعدة «اللهم ارمي كيدهم بنحرهم»... لأن «الفخّار إذا كسّر بعضه» ستؤذي شظاياه كل من
حاول أن ينأى بنفسه عن أحداث برج أبي حيدر التي خرجت من شكلها «الفردي» إلى ساحة مليئة بالاحتقان الذي قد ينفجر في أية لحظة.
السفير

No comments:

Post a Comment