Tuesday, August 24, 2010

طريق شهود الزور تمرّ (في) أو توصل (إلى) قريطم؟
ابراهيم الأمين
غريبة حالة التوتر التي تسود أوساط فريق رئيس الحكومة سعد الحريري. وهو التوتر الذي يسود أصلاً مجموعات أخرى من الفريق السياسي نفسه منذ مدة، ويُعبّر عنها بجمل وكلمات كبيرة جداً، مثلما فعل إلياس المر مع زميلنا حسن علّيق، ومثلما ردّ الحريري على زميلنا ثائر غندور بأن عمّد الرئيس فؤاد السنيورة أشرف الناس ورسم حوله خطاً أحمرَ لعله يحميه من سهام المقرّبين قبل الأبعدين.
التفسيرات الخبيثة لهذا التوتر يمكنها أن تأخذنا إلى مكان بعيد عن الحقيقة، لكونها تقف عند «خبريات» ساندي الأعمدة في قريطم وبيت «الوسخ التجاري»، ممّن يعرفون الكثير، لكنهم يلوكون الأمر على طريقتهم. إلا أن المنطقي هو العودة إلى مسار الأمور في بلادنا ومنطقتنا خلال العامين الماضيين، كي نفهم سبب التحولات الكبيرة التي تقود إلى نتائج تشرح لنا سبب توتر من استمدّ قوته من الخارج، ومن أهمل عناصر الداخل ولم يأبه لمصالح ناسه وأهل داره، فتركهم يهيمون على وجوههم لا يعرفون ما الذي يحصل وما عليهم القيام به وهم يسيرون خلف هذه المرجعية.
أمس مثلاً، أطلّ نائب شاب من عائلة محترمة ولها إرثها من العمل السياسي في البقاع، هو زياد القادري، ليشرح للجمهور كيف أنه لا وجود لما يسمّى شهود الزور. تحدث عن زهير محمد الصدّيق، وقال إن الأخير ليس شاهداً، بل مدّعىً عليه. حتى الآن الكلام صحيح. لكنّ الشاب الذي لم تنضج تجربته بعد، سارع إلى تقديم تفاصيل منها أن النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا استمع إلى إفادة الصدّيق وسمع منه إقراراً بأنه كان شريكاً في الجريمة، وبناءً عليه ادّعى عليه.
ليس معروفاً من أين استقى النائب الشاب معلوماته، علماً بأنه كان من الناشطين سياسياً خلال السنوات الماضية، ويفترض ـــــ أو هكذا تقول بديهيات العمل السياسي ـــــ أنه كان يتابع تفصيلياً ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبالتالي، كان عليه أن يعرف أن ميرزا ادّعى على الصدّيق يوم كان الرجل خارج لبنان، وهو أصلاً الشاهد الذي لم يسمح لأحد بمقابلته، لا في لبنان ولا خارجه. لكن يبدو أن من لديه مشكلة في ملف شهود الزور، أو كان متورطاً في اللعبة نفسها، لا يهمه فبركة أخبار من هذا النوع، وعلى رأي المثل: من شرب البحر لن يغصّ بالساقية.
من زوّد القادري معلومات خاطئة هو نفسه من فبرك «خبريات» سابقة، لكن من شرب البحر لن يغصّ بالساقية
الأمر الآخر، هو الاستنفار غير العادي لكتبة الرئيس الحريري المنتشرين في مواقع إعلامية عدة، أو شبه إعلامية، والذين يعملون ليل نهار ودون كلل على رفض كل أنواع الأسئلة بشأن ملف شهود الزور وبشأن احتمال أن يكون لإسرائيل علاقة بالجريمة. وهو الاستنفار المترافق مع عصبية تعبر اجتماعات الفريق المعني. فبينما يريد الحريري من أنصاره أو الناطقين باسمه الصمت حماية للمحكمة كما أوصاهم، فإنهم يريدون منه تزويدهم تعليمات تتيح لهم مدّ الأنصار بإجابات عن الأسئلة الكبرى قبل الردّ على الآخرين. ولأن الحريري لم يقدر على التجاهل طويلاً، وموائد رمضان تفتح شهية الكلام، كان عليه العودة إلى العبارات نفسها، التي تختصر في مقولة: مسيرة العدالة قائمة ولن يعوقها شيء، علماً بأنه سبق له أن تورّط بإطلاق عبارة بذيئة خلال أحد الاجتماعات قائلاً إن «الكلاب تنبح و...» لو لم يتدارك الأمر أحد النواب النبهاء من حوله، فطلب عدم استخدام ما قال.
مشكلة الحريري هنا أنه لا يجيد شرح حقيقة الدوافع التي تجعله متوتراً. فهو لا يقوى على كشف ما طلبه منه الملك السعودي ونجله نتيجة المشاورات السعودية ـــــ السورية. وهو لا يجيد التصريح بأن الغرب، من الولايات المتحدة الأميركية إلى فرنسا، وعواصم عربية بينها الأردن ومصر وطبعاً السعودية، تكتفي حتى الآن بدعم كلامي، وهي تقول له كلاماً سبق أن سمعه قبل 7 أيار الشهير. ولم يعد بمقدوره الرهان على هؤلاء كي يتقدّم خطوة إلى الأمام، عدا عن أن لجوءه من جديد إلى التوتير المذهبي والسياسي لن يفيده بشيء، بل سيجعله يخسر الحكومة وموقعه، ويخسر ما يعمل على بنائه مع سوريا، وسيكشف له أن قاعدته الشعبية تراجعت أكثر مما هو يحسَب، عدا عن أنه سيطيح كل ما بقي من تحالفات مع جهات وسطية.
ولأن ملف شهود الزور غير قابل للطمس، فإن الحريري مصاب بإحراج مفهوم. فالملف لا يتعلق بإفادات أُهملت، ولا بوقائع سُرّبت عن خطأ وتبيّن سريعاً أن لا أساس لها، بل لأن الحريري يعرف أن التحقيق في هذا الملف سيظهر إلى العلن رسمياً أسماء كثيرين ممن هم الآن في محيطه، ممن أدّوا الدور الأساس في فبركة شهود الزور هؤلاء، وسيُساق هؤلاء إلى المحكمة القضائية أو الأخلاقية، وسيُهمل كل ما أعدّوه لاحقاً، بما في ذلك أساس الاتهام الموجّه إلى عناصر من المقاومة بأنهم شاركوا في الجريمة، عدا عن أن الكشف الفعلي عن ملابسات شهود الزور على أنواعهم، المعروفة منها والمكتومة حتى اللحظة، سيكشف أيضاً عن تورّط جهات عربية ودولية، رسمية وسياسية وأمنية، في هذه الجريمة، الأمر الذي لا يتحمّله أحد.
بهذا المعنى يمكن فهم سبب توتّر الحريري وجماعته، لكن الذهاب نحو إطلاق مواقف ونعوت وصفات على الأصدقاء والخصوم لا يفيد، إلا إذا كان الأطباء قد نصحوه بقليل من الصراخ، لعله ينفّس عن غضب مكتوم.

عدد الثلاثاء ٢٤ آب ٢٠١٠
الاخبار

No comments:

Post a Comment