Saturday, August 21, 2010

عون في حراجل: «إبن أصل جايي يردّ زياراتنا»قهوة التانت وديعة بفناجين عونيّة (مروان بو حيدر)سيترجّل العماد ميشال عون غداً من سيارته قبالة مزارين لسيدة الوردية «التي تحمي حراجل». وسيخترق الحشد ليقف وسط نصب شهداء البلدة التذكاري، فيكون «شربل عقيقي، أول شهيد للكتائب اللبنانية في كسروان عن يمينه و«شهيد الوطنيين الأحرار يعقوب يوسف خليل» عن يساره
غسان سعود
تستقبل «تانت» وديعة الضيوف، تستوضحهم عن سبب الزيارة وتخرج مسرعة إلى الشرفة، «يا ليليان» تنادي: «تعي وجيبي معك بريق عصير». تستبق السؤال بالتأكيد أنها يوم الأحد المقبل ستتأخر عن عمادة ابن أقربائها، لكن لا همّ، «الجنرال بيمون». تضحك وديعة من قلبها، تضحك وتردد ما كتب على اللافتة قبالة منزلها «ضحكتلك ورود الدار وقالتلك أهلا وسهلا». يطل منزلها على بساتين التفاح التي تسيّج بلدة حراجل التي سيزورها العماد ميشال عون غداً. تروي أنها جبيلية في الأساس، أهلها كانوا كتلاويين، لكنها منذ عام 1989 عونيّة: «لم نصدق أن شخصاً مثل عون سيظهر، عشقنا ن ظافته وفهمه والجهد الذي بذله لتخليصنا من الميليشيات». تستغرب وديعة وجود القوات في بلدتها بعد «ويلاتهم» أيام الحرب حين كانت حراجل جزءاً من دويلتهم. ثم تلتفت صوب زوجها، «عريسي» كما تسميه رغم تجاوزهما الستين، وتشهِّده مع ضحكة: «لو لم يكن ابن أصل كان سيأتي ليرد زياراتنا له»؟ تصل ليليان حاملة إبريقاً برتقالياً لتضيّف الحاضرين. وهنا أيضاً لا حاجة إلى السؤال: «ليك عيني، نحن عونيّي لأن الجنرال آدمي، يلعب فوق الطاولة». تشرح ليليان أن مجموعة النساء العونيات الحراجليات ينظّمن صبحيّة كلّ بضعة أسابيع، إضافة إلى السهرات و«فيك تقول، بكل عرس إلنا قرص». تكشف ليليان عن سر الحماسة النسائية للعماد عون: «كل امرأة تحلم بمواصفات الجنرال من حيث النزاهة، الجرأة، الصدق والحزم». تنضم ماري إلى المجموعة، وتدلي بدلوها بشأن الفرق، حراجلياً، بين العونيين والقوات: «نشعر أننا أوادم، منضبطون ولا نتهوّر. هم ينشغلون في السهرات مثلاً بالاستفزاز والتلويح بالدلتا... ونحن نرقص». تجزم ماري أن كل من يخالف القانون في حراجل يكون قواتياً، قبل أن تروي إحداهن: «قبل بضعة أسابيع جاءنا عريس، سأله زوجي عن انتمائه السياسي قبل سؤاله عن مهنته. وحين عرفه عونيّاً بارك زواجه من ابنتنا». هكذا إذاً في حراجل، «المهر هو الانتساب إلى التيار الوطني الحر»! تعود «تانت» وديعة، لتضيّف القهوة بفناجين عليها شعار التيار الوطني الحر. وعلى الدرج، مودّعة، تضيف وصيّة تريد إيصالها إلى الجنرال: «فليغيّر هؤلاء النواب، نحن التزمنا المقاطعة دورات 1992 و1996 و2000 وانتخبنا لائحة الجنرال عامي 2005 و2009، لكنّ أداء النواب كارثيّ وهم لا يلتفتون إلى معاناتنا». وإذ تخشى وديعة أن تُفهم خطأً، تضيف: «لو رشّح عيداناً يابسة فسننتخبها، لكن نتمنى أن يفكّر بتغيير من ثبت عدم كفاءته».
«يقولون إنّ نوّاب عون لم يفعلوا شيئاً، لكن ماذا فعلوا هم؟»
في الطريق، يشرف «الأستاذ جلبير»، أو منسق التيار في البلدة جلبير سلامة، على ترتيبات الاستقبال. أعلام (يروى في حراجل أن قواتياً نزع علم التيار عن سطح جاره العوني مرات عدة، فما كان من الأخير إلا أن وصل قاعدة العلم بسلك كهربائي، فما كاد القواتي يضع يده على العلم لينزعه حتى تكهرب)، ولافتات عدّة (كُتب على إحداها «خلّي عينك على العماد يا سيدة الوردية»، وهو الشعار الذي رفعه أبناء البلدة حين توجهوا من حراجل إلى «بيت الشعب» في بعبدا أول مرة عام 1989). يروي سلامة أن أول قداس بمناسبة ذكرى 13 تشرين الأول 1990 أقيم في حراجل عام 1995، وتعرض يومها الشباب لقمع القوى الأمنية. ويعدد مجموعة كبيرة من النشاطات العونية التي احتضنتها البلدة قبل تأكيده أن البلدة دخلت الحرب كتائبية 50% – شمعونية 50%، وخرجت منها عونية 80%. لكن لأسباب مصلحية، اضطر البعض إلى اللجوء عند من عيّنوا أو انتخبوا نواباً. وعبثاً يحاول سلامة أن يغمز «تيتا رمزى» التي وقفت بأعوامها السبعين تستمع إلى الحديث، حتى لا تعلّق. فهي حين سمعت بالنواب السابقين استنفرت: «يقولون نواب عون لم يفعلوا شيئاً، صحيح. لكن ماذا فعلوا هم»؟، بثقة تسأل «تيتا رمزى». وبثقة أكبر تقول «هؤلاء الذين قالوا عنّا صيصان، لن يدخلوا يوماً المجلس النيابي». بدوره، يشرح صاحب فرن يلقَّب بكيسنجر لوجود شبه بينه وبين هنري كيسنجر، أنه عمل طبّاخاً في كازينو لبنان أربعين عاماً ولم ينتسب إلى حزب يوماً، لكنه يحب عون لأنه ابن المؤسسة العسكرية، وطني وينتزع الحقوق لأصحابها بجرأة. يدافع الفرّان الحراجلي عن نواب المنطقة. فبرأيه، نواب المناطق الأخرى ليسوا أفضل منهم. إضافة إلى أن الجنرال سيزور البلدة حاملاً هديتين: محول كهربائي كبير للبلدة وقسطل مياه يروي عبر سد شبروح ظمأ حراجل وبساتينها.
من كيسنجر، ننتقل إلى «عمّو أديب» الذي يجلس قبالة العين في ساحة البلدة، يرتدي شروالاً ويعتمر قبعة توقفت المصانع عن استنساخها منذ أكثر من ثلاثين عاماً. عبثاً يحاول شباب البلدة أن «يطعجوا» العم أديب في المكاسرة. فأعصابه، رغم تجاوزه سنّ الثامنة والثمانين، «لا تزال حديد». يرفض أديب الاعتراف بأن بلدته كانت في يوم من الأيام كتائبية. يقول إن من انتسب إلى الكتائب أو القوات فعل ذلك للدفاع عن أرضه. وبلهجة جردية يتابع: «دخلوا خوفاً لا اقتناعاً. وحين زال الخطر عادوا إلى أصلهم، مع الجيش وتحديداً مع ميشال عون».
غالبية المقيمين في البلدة، بحسب أحد قاصدي العين للارتواء، هم عونيون. لكن ذلك لا يعني أن البلدة كلها عونيّة. فبحسب ميزان القوى، هناك اليوم 50% عونيون و50% يؤيدون القوات اللبنانية والكتائب والوطنيين الأحرار والنواب السابقين فريد هيكل الخازن ومنصور البون وفارس بويز. يؤكد الرجل أنه عوني، لكن ابنه قواتي وما من مشاكل بينهما. فبحسبه، «انقسام المسيحيين بين مؤيد لعون المتحالف مع الشيعة، ومؤيد لجعجع المتحالف مع السنّة، كله خير للمسيحيين وبركة». وهم، يتحدث عن المسيحيين دائماً، أمّنوا بهذا الأمر استمراريتهم في هذا الوطن للأعوام المئة المقبلة. المهم، يتابع الرجل، أن «لا يحصل بنا كما حصل بهم في 7 أيار». ماذا حصل يومها؟ يقول مبتسماً: «كسروا بعضهم (والمقصود طبعاً أبناء الطائفتين الشيعية والسنية».
وفي الساحة أيضاً، يجتمع ثلاثة شبان حول بضع مناقيش، يقول أحدهم الذي يبدو من ملابسه أنه يعمل دهاناً، إنه يحب العماد عون، لكنه في الانتخابات الأخيرة انتخبه إلى جانب أربعة من اللائحة التي تنافسه «لأننا لا نرمي الحجارة في بئر نشرب منه، فقد جربنا نواب عون وتأكدنا أنهم لن يبالوا بموتنا على أبواب المستشفيات».
الختام عند أبو الياس. كان «معمّر الحفافي» منذ أكثر من خمسين عاماً، كتائبياً. لكنّ تجاوزات الكتائبيّين في الحرب أبعدته عن الله والوطن والعائلة. يروي أبو الياس أنه اشترى بذلة خاصة ليرتديها في استقبال العماد عون، سيسلّم عليه ويطلب منه الاهتمام أكثر بالمنطقة. فهو خلال نصف قرن، أعاد رسم تضاريس البساتين في حراجل، وهو يعرف جيداً كيف تبنى حيطان الدعم و«الأكيد أن العماد عون لم يبدأ البناء بعد».
________________________________________

التيّار بخير... طمئنونا عنكم!
تؤكد زيارة العماد ميشال عون إلى حراجل، بحسب القياديّ في التيار الوطني الحر رولان خوري، موازنة عون بين زعامته الوطنية التي يعبّر عنها عبر رؤيته الاستراتيجية، وبين تمثيله النيابيّ لكسروان الذي يعبّر عنه الجنرال منذ انتخابه للمرة الثانية عبر التعاطي المباشر مع الكسروانيين. وبحسب خوري، فإنّ الزيارات مدروسة وتشمل لقاءات مع أهم الفاعليات في كسروان، كاشفاً عن تلبية الجنرال عدة دعوات عشاء كسروانية بعيداً عن الإعلام، مشيداً بالدعم المعنوي للناشطين الذي توفره زيارة الجنرال لهؤلاء في منازلهم وتناوله الطعام إلى موائدهم. ويطمئن خوري القلقين على وضع التيار؛ فبحسبه كان التيار عام 2009، مشتّتاً بعض الشيء على الصعيد الداخلي، يملك رئيسَيْ بلدية فقط، يواجه تسونامي مالياً وخصماً موحّداً. أما اليوم، فالتيار موحّد داخلياً، ممثَّل في معظم المجالس البلدية، ويحظى بتأييد علني من ثلث رؤساء المجالس البلدية الكسروانيين. وهو يراقب انحسار الدعم المالي لخصومه، ويعلم أن الخصوم سيخوضون الانتخابات المقبلة بلائحتين على الأقل.

عدد السبت ٢١ آب ٢٠١٠
الاخبار

No comments:

Post a Comment