Saturday, August 21, 2010

مفاوضات مباشرة تحت تهديد الاستيطان والمعارضة الإقليمية
وافقت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية على الدعوة التي وجهتها الادارة الأميركية الى مفاوضات مباشرة تبدأ بلقاء ثلاثي يجمع الرئيسين الاميركي باراك اوباما والفلسطيني محمود عباس الى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن مطلع شهر ايلول المقبل.
الموافقة الفلسطينية جاءت استناداً الى حاجة حقيقية لمفاوضات سبيلاً لإنهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية، مع غياب سبل وخيارات عملية آنية، والى ضغوط دولية خصوصاً أميركية يحتاج اليها الرئيس الاميركي باراك اوباما لمعركته الانتخابية النصفية. ووفر بيان اللجنة الرباعية الدولية الذي ينص صراحة على اجراء مفاوضات مباشرة في شأن كل قضايا الوضع النهائي فوراً وبما يكفل إنجازها في غضون عام واحد، سلماً، للفلسطينيين، اذ يبحثون عن مرجعية لهذه الوجبة الجديدة من المفاوضات المجربة، من دون اغفال عمومية عبارات البيان الاممي منعاً لاحراج الحكومة اليمينية الاسرائيلية وقطع الطريق على رفضها، اذ اكدت اللجنة الرباعية في بيانها الأخير "التزامها بياناتها السابقة، بما يشمل دعوتها الطرفين الى التصرف على اساس القانون الدولي، ولاسيما إلتزام خطة خريطة الطريق، وكذلك تأكيد اللجنة الرباعية وقف اسرائيل الشامل جميع الانشطة الاستيطانية، اضافة الى تأكيد اللجنة الرباعية عدم اعتراف المجتمع الدولي بضم اسرائيل الى القدس الشرقية". وهذه البيانات السابقة تحدثت عن دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل.
ولم تسقط اللجنة التنفيذية للمنظمة في بيان قبولها الدعوة الاميركية التحذير من "ان امتناع اسرائيل عن الوقف التام لكل الانشطة الاستيطانية في الارض الفلسطينية المحتلة بأكملها يهدد استمرار المفاوضات المباشرة". وذهب رئيس دائرة المفاوضات في المنظمة صائب عريقات الى الحديث صراحة عن انسحاب فلسطيني محتمل من المفاوضات اذا لم توقف اسرائيل الاستيطان.
مع ذلك ثمة مشكلات عميقة تواجه المفاوضات المباشرة لجهة غياب اليقين لدى الفلسطينيين والعرب بأن اسرائيل جدية في قبول الدعوة الى مفاوضات تهدف الى انهاء الاحتلال واقامة دولة، وما يحتاج اليه ذلك من وقف كل النشاطات الاحادية التي اشار اليها بيان الرباعية، خصوصا وقف الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها شرق القدس، اقله خلال فترة المفاوضات. ولئلا لا تتلاعب اسرائيل بمصير المفاوضات من خلال فرض شروطها على الارض، وتمنع الفلسطينيين من فرض شروط تعد اليوم متطلبات لا اكثر لاستمرار المفاوضات نحو هدفها المعلن: التوصل الى اتفاق لانهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل فتعيشان في أمن وسلام.
غياب اليقين في شأن جدية اسرائيل وحكومتها اليمينية له اساس قوي في الواقع وهو ادى سابقاً، كما اليوم، الى رفض شعبي فلسطيني وعربي واسلامي لاي مفاوضات معها، كما ادى الى تراجع شعبية المفاوضات وشعبية اي جهة فلسطينية تجريها، من دون ان يتقدم اي خيار آخر لأي جهة فلسطينية او عربية عوض المفاوضات. كأن يكون خيار المواجهة مع اسرائيل هو الاقوى على الأرض، اذ ان الجهات العربية والاسلامية الرافضة للمفاوضات الفلسطينية مع اسرائيل، بما في ذلك جهات فلسطينية، ليس لديها خيار عسكري واقعي، بصرف النظر عن رغباتها واعلاناتها ايضاً. وهي تريد تأخير اي تسوية في المسار الفلسطيني لتعرف مضمون اي ترتيبات وتوجهات اقليمية في شأن أي نظام جديد للأمن الاقليمي. وهي تخشى كذلك ان تكون اسرائيل جدية في المفاوضات اكثر من خشيتها ان تكون المفاوضات مجرد لعبة علاقات عامة اميركية و/ او اسرائيلية. ويعتقد فلسطينيون كثر اليوم ان خيار رافضي المفاوضات المباشرة مع اسرائيل بكل ما يحيطه من شكوك وتحديات ليس اكثر من لعبة تنافسية حيال السلطة والنفوذ في الاراضي الفلسطينية. من دون الاجحاف بحقيقة ان قسماً لا بأس به من الحركة الوطنية الفلسطينية (فصائل معارضة غير اسلامية ومستقلون) يرفض المفاوضات مع اسرائيل انطلاقا من تقديرات سياسية قد تصيب وقد لا تصيب، فيما ترفض هذه المفاوضات حركتا المقاومة الاسلامية "حماس" والجهاد الاسلامي ارتباطاً وتجسيداً للتحالف الاقليمي بين حركة "الاخوان المسلمين" وفروعها في الدول العربية والاسلامية من جهة، ودول محور الممانعة الاقليمي.
وبات معروفاً ماذا يمانع هذا المحور وماذا لا يمانع. واذا كان رفض المفاوضات له اساس من قوة ورسوخ الممارسات الاسرائيلية الاحدية في الاراضي الفلسطينية فان عدم تقدم خيار المواجهة مع اسرائيل من اطراف هذا الحلف على معادلة الأمر الواقع او القبول باملاءات اسرائيلية والسكوت عن ضربات عسكرية وجهتها اسرائيل له خلال السنوات الأخيرة، صار محل سؤال.
من جهة ثانية، يعاني الفلسطينيون من غياب الوحدة على اي خيار سياسي ( مفاوضات وخلافها)، وكذلك من ضعف ادوات تحقيق استراتيجة التسوية المتعثرة او استراتيجية مقاومة ايجابية (اذ انهم يمارسون مقاومة سلبية من طريق التمكين الاقتصادي والتمسك بالارض والمقاومة المدنية). واذا ما تقدمت المفاوضات نحو اهدافها فثمة احتمال واقعي لتتحرك مجموعات من افرقاء معارضي التسوية لاحباط هذه المفاوضات من طريق أعمال عسكرية. ولا يستبعد ان تقوم المجموعات ذاتها بتحركات وأعمال عسكرية "محسوبة" للتشويش على المفاوضات واضعاف رموزها والمشاركين فيها. والقول باعمال "محسوبة" لان الاحتفاظ بالسلطة في قطاع غزة صار مكسباً من غير المسموح التفريط به امام اي اعمال قد ترتد خسارة على اصحاب هذه الرؤية. لأن غزة هي اليوم الورقة الاقوى عملياً لاصحاب خيار الممانعة في اي معادلة سياسية جديدة.
اخيراً تذهب منظمة التحرير الى المفاوضات ولديها شكوك في أن المفاوضات المباشرة قد تكون مكمناً على غرار كمب ديفيد الثانية، اذ لم يعرض على الفلسطينيين فيها اكثر من 65 في المئة من مساحة الضفة الغربية لدولة لم يتوافر اعتراف فيها قبل الانتفاضة الثانية، واعتبرته اسرائيل والفريق الاميركي المفاوض عرضاً سخياً وحمّلوا الفلسطينيين المسؤولية عن احباط المفاوضات، واتهموهم بالارهاب عندما رفضوه بانتفاضة شعبية تحولت شبه عسكرية، لكنها ادت الى تدمير اجهزة السلطة الفلسطينية والى اعتراف دولي بحق الفلسطينيين في دولة.
اليوم لا احد يستبعد تكرار سيناريو كمب ديفيد من دون استعدادات لمواجهة، بينما يفكر اليمين الاسرائيلي الحاكم بدولة فلسطينية في غزة ودولة اسرائيلية تستطيع منح الفلسطينيين في الضفة مواطنة، بينما تتقاطع هذه الاستراتيجية بعمق مع الرؤى اليسارية الفلسطينية وغياب اليقين في امكان اقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع والقدس. وحيدة بين الفلسطينيين تعمل منظمة التحرير الفلسطينية على حل الدولتين، حتى لو افتقدت ادوات تحقيقه اليوم. فهل تنقذها وعود اوباما؟ السؤال لن يجد اجابة شافية له قبل بدء المفاوضات ورؤية مساراتها، وشروط مواصلتها. واول اختبار لذلك وقف الاستيطان.
رام الله - من محمد هواش
النهار

No comments:

Post a Comment