Thursday, November 25, 2010

أردوغان والحريري: خطابـان متباعدان

لن تمر زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لعكار أمس بهدوء؛ إذ يُنتظر، نظراً لمضامين الخطاب الذي ألقاه، وقوع ارتدادات محلية وإقليمية. فيما أظهرت محاولة رئيس الحكومة سعد الحريري وتيار المستقبل جعل زيارة أردوغان نوعاً من «التوازن» مع زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للجنوب، أنها تحتاج إلى إعادة قراءة، ومقاربة مختلفة
عبد الكافي الصمد
خلاصتان رئيسيتان يمكن استنتاجهما من الزيارة التاريخية التي قام بها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أمس لعكار، برفقة رئيس الحكومة سعد الحريري، ومثّلتا العمود الفقري لشرح أبعاد الحدث التركي الذي حضر بقوة على المشهد اللبناني بكل تفاصيله وتشعباته.
الخلاصة الأولى أن أردوغان أرسل خلال كلمته التي ألقاها في مهرجان شعبي كبير أقيم لاستقباله من بلدة الكواشرة، حيث تعيش أقلية ذات جذور تركية، أكثر من رسالة سياسية تجاه لبنان وإسرائيل ودول المنطقة والعالم، لم يحد فيها عن مواقفه السياسية المبدئية والمعروفة، وأعطت إشارات عدة إلى أن تركيا باتت لاعباً رئيسياً لا يمكن تجاوزه في المنطقة.
أما الخلاصة الثانية، فهي أن الحريري «استغل» المناسبة، محاولاً أن يستعيد شعبياً ما يخسره في السياسة، وفي تعويض تراجعه والنكسات التي تعرض لها تياره في أكثر من محطة أخيراً.
إلا أن محاولته لم تكن على قدر الآمال التي علقت عليها، نظراً للفارق «الهائل» بين مضمون خطابه «السطحي» ومضمون خطاب أردوغان «العميق» في الكواشرة، وغرقه في تفاصيل محلية ضيقة، فضلاً عن تداعيات استئثاره وحده بزيارة أرودغان، وتعمّده تغييب الفاعليات الشماليّة الأخرى، في تطور من شأنه أن يرتد عليه سلباً في المرحلة المقبلة، وخصوصاً أن ملامح هذه التداعيات قد بدأت بالظهور.
هاتان الخلاصتان حضرتا بقوة قبل وصول أردوغان إلى الكواشرة، إذ إن تيار المستقبل استنفر قدراته لتوفير أكبر حشد شعبي للقول إنه ما زال الحاضر الأقوى والأوحد على الساحة السنيّة، في رسالة إلى الداخل والخارج معاً. ولهذه الغاية وصل إلى عكار الأمين العام للتيار، أحمد الحريري، قبل 48 ساعة من الموعد، إضافة إلى الاستعانة بمناصري التيار من خارج عكار، وخصوصاً من طرابلس والمنية، حيث شوهدت باصات وفانات تقلّ مواطنين إلى الكواشرة، بعد حصولهم على مبالغ مالية مدفوعة سلفاً.
«الأتراك» والجماعة الإسلامية
كان واضحاً أن حضور جمهور الأقلية التركية في عكار ـــــ فضلاً عن أن بعضها أتى من بيروت والبقاع لاستقبال أردوغان ـــــ وكذلك حضور مناصري الجماعة الإسلامية، قد حقق نجاح المهرجان شعبياً، بعدما تبيّن أن وجود الجمهورين عوّض تراجع جمهور المستقبل.
فتركمان عكار خرجوا عن بكرة أبيهم للترحيب بضيفهم، وفرضوا على تيار المستقبل أن يلقي ممثل عنهم كلمة في المهرجان بعدما استُبعد سابقاً، وذلك إثر تهديدهم بمقاطعة المهرجان.
أما الجماعة الإسلامية، فإن تلاقيها مع أردوغان ذي الخلفية الإسلامية وموقفه من إسرائيل وقضايا المنطقة، جعل أنصارها يحضرون بكثافة في المهرجان، لدرجة أن راياتهم طغت على رايات المستقبل، فضلاً عن أنّ جمهور «الجماعة» وجمهور الأقلية التركية كانا متفاعلين مع خطاب أردوغان، هتافاً وتصفيقاً، على عكس جمهور المستقبل الذي غادر قسم منه المكان بعد انتهاء الحريري من كلمته، وقبل أن يلقي أردوغان خطابه.
إشكالات أمنية وانزعاج طرابلسي
وسط هذه الأجواء، بدا مهرجان الكواشرة أشبه بمكان عمّته الفوضى وسوء التنظيم، إذ غاب عناصر الانضباط والإشراف، ما جعل الأمور تفلت أكثر من مرة، وأدى إلى وقوع إشكالات أمنية كادت تطيح المهرجان لولا تدخل بعض الفاعليات، فيما سُجّل حضور ضعيف لعناصر قوى الأمن الداخلي لضبط الأمور.
فقرابة الحادية عشرة والنصف وقع إشكال بين الجمهور لم تعرف أسبابه، تطايرت خلاله الكراسي البلاستيكية في الهواء، وأدى إلى وقوع جرحى، فضلاً عن وقوع إشكالين لاحقين بين عناصر أمنيين بلباس مدني، بحجة أنهم لم يعرف بعضهم بعضاً، فيما أدى تدافع الجمهور وتجاوزه السور الحديدي باتجاه المنصة الرئيسية إلى حصول تضارب بينه وبين القوى الأمنية، ما جعل الحابل يختلط بالنابل، في وقت أبدى فيه مشرفون أمنيون تخوفهم من أن تفلت الأمور من أيديهم إذا تأخر المهرجان أكثر، وخصوصاً أن التأخير امتد أكثر من 3 ساعات.
إلى ذلك، انسحب وفد يمثل الفصائل واللجان الفلسطينية من المهرجان، احتجاجاً على عدم وضع مقاعد لهم في الصفوف الأمامية مع كبار الضيوف، وقد عبّر أمين سرّ الفصائل، أركان بدر، لـ«الأخبار» عن أن «التعاطي معنا بهذا الأسلوب لا يدل على إعطاء القضية الفلسطينية المكانة التي تستحق».
في هذا الوقت، بينما كان الأوتوستراد الرئيسي من البدّاوي والمنية، وصولاً إلى الكواشرة يمتلئ باللافتات والصور ترحيباً بأردوغان، باللغتين العربية والتركية، واعتباره «حفيد السلطان عبد الحميد»، و«ابن الخلافة العثمانية»، و«رفعت رأسنا يا حفيد العثمانيين»، كانت الصور واللافتات التي ترفع في طرابلس لهذه الغاية معدودة، ما رأى فيه البعض تعبيراً عن استياء كبير في المدينة لاستبعادها عن زيارة كانت تنتظرها من أردوغان.
هذا الاستبعاد الذي يُحمّل طرابلسيون الحريري مسؤوليته، ويتهمونه بأنه يقف وراءه لأسباب سياسية معروفة، دفع جمعية اللجان الأهلية، وهي جمعية مقربة من الر ئيس نجيب ميقاتي، إلى رفع لافتات في المدينة حملت عبارات: «طرابلس هي بوابة لبنان الشمالي»، و«استبعاد زيارة أردوغان لطرابلس مصادرة لقرارها».
تهديد ضمني
بعد انتظار دام أكثر من ستّ ساعات، لم يغادر خلالها الجمهور مكان الاحتفال، بل كان الحشد يزداد مع مرور الوقت، حطت قرابة الرابعة والربع من بعد عصر أمس طوافة الرئيسين الحريري وأردوغان في الكواشرة، ترافقها ستّ طوافات أخرى تابعة للجيش اللبناني، بعد الاستعاضة عن زيارة البلدة، وبلدة عيدمون المجاورة لافتتاح ثانوية بنتها الحكومة التركية فيها على نفقتها، من طريق البر بسبب ضيق الوقت.
على وقع الهتافات والتصفيق والأناشيد والتلويح بالأعلام، أطل الحريري وأردوغان على الجمهور، قبل أن يلقي نائب رئيس بلدية الكواشرة، مصطفى خضر، كلمة رحب فيها بـ«القائد الكبير أردوغان بين أهله».
أما الحريري، فألقى كلمة مختصرة، خلت من أي موقف سياسي، واقتصرت على اعتبار زيارة أردوغان «تاريخية»؛ لأنه «أول رئيس غير لبناني يطأ هذه الأرض»، ولأنه لن ينسى عكار، وسيكون وفياً لأهلها مثل والده.
أما أردوغان، فألقى خطاباً كان يُتَرجَم فوراً إلى العربية، وقد قوطع أكثر من مرة بالهتافات والتصفيق، وهو خطاب ينتظر أن يمثّل محطة مفصلية في التعاطي التركي مع الملف اللبناني مستقبلاً، وذلك عندما ذكر أنه «لما كانت بيروت محاصرة في عام 1982، شعرنا بأننا نحن المحاصرون، وآلمتنا الدماء التي سالت في صبرا وشاتيلا»، و«سقوط تسعة قتلى في عرض البحر المتوسط في سفينة مرمرة»، و«ثقوا بأننا سنستمر في رفع أصواتنا عالياً في وجه الطغيان مهما تقوّل القائلون»، و«سنبقى نرفع أصواتنا لإعادة الحرية إلى القدس وغزة، وسنستمر في دعم بيروت».
أردوغان الذي أشار إلى تطور العلاقات التركية مع لبنان والدول العربية، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وتحقيق التواصل بين شعوب المنطقة بعد إلغاء التأشيرات، خاطب إسرائيل بلهجة لم تخل من تهديد ضمني، عندما أكد أنه «عندما يستتب الأمن والسلام في المنطقة ستستريح هي أيضاً بهذا السلام، وفي حال نشوب الحرب فإن الخاسر لن يكون فقط أهل هذه المنطقة، بل سيخسر مواطنو إسرائيل أيضاً».

عدد الخميس ٢٥ تشرين الثاني ٢٠١٠
الاخبار

No comments:

Post a Comment