Wednesday, November 24, 2010

مجدل عنجر إلى الواجهة: اغتيال عريف من استخبارات الجيش

شهيد جديد من استخبارات الجيش اللبناني استُهدف بكمين على بعد أمتار من أنظار القوى الأمنية والعسكرية في المصنع، والتي تُعدّ «المربع الأمني» للقوى الأمنية والعسكرية، وفرّ المشتبه فيهم فور تأكدهم أن مقصودهم فارق الحياة
أسامة القادري
مرة جديدة تتصدر بلدة مجدل عنجر البقاعية مقدمات نشرات الأخبار. بعد مرور أقل من شهر على مقتل الرائد عبدو جاسر ومرافقه المعاون زياد الميس داخل البلدة جراء كمين نصبه ثلاثة أشخاص ما زالوا فارين، حصلت عملية مماثلة باغتيال عريف في استخبارات الجيش في محلة المصنع، وفي وضح النهار.
قبل ساعة من موعد انطلاق مسيرة شبان وشابات من بلدة «المجدل» باتجاه المصنع لإقامة حواجز محبة عند الطريق الدولية والرئيسة ومداخل البلدة، لتوزيع الورود بمناسبة عيد الاستقلال، فجأة انقلب المشهد، أفاقت البلدة على خبر مقتل العريف في استخبارات الجيش اللبناني يوسف قاسم يوسف عند نقطة المصنع، ليصعق الأهالي بعد إشاعة خبر مفاده أن مجموعة من شبان البلدة هم من قاموا بعملية «اغتيال» يوسف، ليرافق هذه الشائعة مداهمات، ودوريات مؤللة من المدرعات، وحواجز ثابتة عند جميع مداخل البلدة ومخارجها، إضافة الى تحويم طوافات مروحية فوقها.
في التفاصيل، أثناء توجه يوسف، عند السابعة وخمس وأربعين دقيقة صباح الاثنين، بسيارته فولفو زرقاء اللون، إلى مركز عمله في محلة المصنع، وقبل أن يعبر حاجز الأمن العام اللبناني، بنحو 15 متراً، وتحديداً قبالة مركزي الأمن الداخلي والجيش اللبناني، المطلَّين على ساحة الجريمة مباشرة، والواقعين عند الجهة الشمالية باتجاه دمشق، توقف العريف لدى سماعه صوتاً يناديه، فإذ بسيارة من نوع مرسيدس 300 بيضاء من دون لوحات، زجاجها حاجب للرؤية، داخلها ثلاثة أشخاص ترجل منهم اثنان، وعلى الفور أمطرا السيارة بالرصاص، عبر زجاجها الخلفي. لم يغادر الأشخاص الثلاثة مسرح الجريمة الا بعدما تأكدوا أن «مقصودهم» فارق الحياة، ثم انطلقوا بالسيارة على الطريق الدولية متوارين عن الانظار. على الأثر، حضرت وحدات من الجيش اللبناني وضربت طوقاً أمنياً مشدداً حول مسرح الجريمة، منعت فيه اقتراب الصحافيين والتقاط الصور، كما احتجزت سيارات و«فانات» كانت في مكان الحادثة عن طريق الصدفة، أخلي سبيلها بعد استكمال التحقيقات. حضرت أيضاً عناصر من الشرطة العسكرية والجنائية، ورفعت البصمات والأدلة، وعاينت مظاريف الطلقات. وفي هذه الأثناء كانت طوافات الجيش اللبناني تحوم في سماء المنطقة، تفتش عن السيارة المشتبه في استعمالها في تنفيذ الجريمة، إضافة الى الحواجز التي سرعان ما نصبت عند جميع مداخل بلدة مجدل عنجر، والمداهمات التي طاولت عدداً كبيراً من المنازل في البلدة، خصوصاً منازل الذين أوقفوا ثمّ أخلي سبيلهم بعد حادثة قتل الرائد ومرافقه الشهر الفائت، ليوقفوا مرة ثانية.
مسؤول أمني أشار لـ«الأخبار»، إلى أن التحقيقات الأولية ترجّح أن سيارة الـ«مرسيدس» مسروقة منذ عشرة أيام، ولفت إلى أن الكمين استُخدمت فيه سيارتان، واحدة مرسيدس وأخرى نيسان بلوبرد لونها أبيض، ومن دون لوحات أيضاً، زجاجها داكن، ما يرجح أن يكون عدد المشتركين في الجريمة ستة أفراد.
اعتصم بعض الأهالي بعد الدفن استنكاراً لحادثة قتل العريف يوسف
لم ينف المسؤول أن هذه الجريمة تعدّ تحدّياً للجيش والقوى الأمنية في المنطقة، لا سيما أن العملية حصلت في منطقة حدودية هي نقطة عسكرية وأمنية تعج برجال الأمن والاستخبارات والاستقصاء صباحاً ومساءً. ولم ينف المسؤول كذلك، أن التحقيقات في الحادثة ترتكز في جزء منها على التهديدات التي سبقت عملية استهداف يوسف، أما المشتبه فيهم في هذا الإطار فهم من بلدة مجدل عنجر، ويقول المسؤول الأمني إن التهديدات مرتبطة بطبيعة عمله في محيط المصنع، إذ إن يوسف كان قد تعرض لكمين سابق على يد مجموعة من شبان في المجدل، بعد أحداث 7 ايار وما تلاها من مداهمات واعتقالات في البلدة، أثناءها استطاع الابتعاد عن السيارة والاختباء في أحد المحال التجارية، فأقدم شبان على حرق سيارته. ولفت المسؤول إلى أن يوسف تلقّى أيضاً تهديدات بعد حادثة استشهاد الرائد ورفيقه.
يضيف المسؤول الأمني أن التهديدات أطلقها «شخصان من أبناء «المجدل»، قبل الحادثة بيومين»، أحدهما سلّم نفسه فيما فرّ الآخر الى جهة مجهولة. وقد تواصلت عمليات المداهمة وشملت عدداً كبيراً من المنازل، وأوقف نحو 35 شخصاً، كان معظمهم قد أوقف وأخلي سبيله في حادثة الشهر الفائت.
هذه الحادثة قلبت المشهد في بلدة مجدل عنجر، «رأساً على عقب» بخروج الأهالي عن صمتهم، حتى ذهب البعض إلى أن المقصود هو استهداف البلدة، ومحاصرتها من الشمال، من أهالي بلدة برالياس نتيجة قتل المعاون زياد الميس، ومن الجهة الجنوبية من أهالي الصويره نتيجة قتل يوسف يوسف، ومن الجيش نتيجة قتل الرائد عبدو جاسر.
يستهجن بعض الأهالي الطريقة التي تنفذ فيها مداهمات عناصر الجيش بالقول: «متل ما في عناصر تسيء للجيش من طريقة تعاطيها مع النساء والشيوخ في البلدة»، هناك مجموعة من الشبان «المغرر بهم»، أيضاً يسيؤون إلى سمعة البلدة، لافتين إلى أن وراء هذه الأفعال أيادي خارجية «خبيثة»، تريد الفتنة في لبنان من خلال مجدل عنجر.
يطرح الأهالي السؤال التالي: لماذا أفرج عن عشرات الأشخاص الذين أوقفوا، ليعاد اعتقالهم بعد الحادثة الأخيرة، وهم لم يشفوا بعد من آثار التعذيب، أللهم إلّا إذا كان هناك قطبة مخفية في الأمر؟
عُقد اجتماع موسع في مركز البلدية، لم يخرج عنه أي بيان ما دام الجيش لم يتهم أباً من أبنائها مباشرة، رغم تأكيد استنكارهم وشجبهم لهذه الجريمة، مشيرين إلى طابور خامس يريد الاصطياد في الماء العكر.
ويروي أشخاص في بلدتي مجدل عنجر والصويره رواية كثيراً ما سمعت من الشهيد، أنه هو من اشترك في عملية استدراج «أمير تنظيم فتح الإسلام» عبد الرحمن عوض، وأنه كان مولجاً من فرع المصنع بأن يؤدي دور المهرب (نضال عاصي)، الذي اتفق معه عوض، عبر الهاتف، على أن ينتظره في ساحة شتورا لينقله الى منطقة وادي عنجر، تمهيداً لإدخاله الى الاراضي السورية، بعدما أفصح له المهرب الذي يشغّله يوسف لمصلحة الاستخبارات، عن كلمة السر المتفق عليها، بينه وبين عوض، الذي ما إن صعد ورفيقه الى السيارة، بعد التأكد من هوية المهرب، من كلمة السر التي بينهما، حتى انهمرت الرشقات الرشاشة على السيارة التي كانت بانتظار عوض ورفيقه، وقتلا داخلها، بعدها توالت التهديدات الموجّهة إلى العريف، لتختلط مع تهديدات شبان من مجدل عنجر، لأسباب فردية.
________________________________________

حزن واعتصام في الصويره
لم يكن المشهد في بلدة الصويره أفضل حالاً مما هو عليه في مجدل عنجر، فقد أقام الجيش حاجزاً مدعماً بمدرعات وأليات عسكرية عند مدخل البلدة الرئيسي، لمنع أي عمل انتقامي ثأري ينفّذه ذوو الشهيد وأهالي البلدة، ضد أبناء مجدل عنجر، بعد تبلغ قيادة الجيش في المنطقة أنهم لن يستقبلوا جثة ابنهم الا بعد أخذ الثأر والقصاص من الفاعلين. ما استدعى من القيادة العسكرية في المنطقة، عقد جلسات مطولة مع أشقائه للتفاوض معهم على قبولهم تسلم الجثة، ليكون الجواب أن تشيِّعه المؤسسة العسكرية بعيداً عن البلدة.
هذا ما استدعى من الجيش أن إقامة مراسم التشييع، وبدلاً من أن تكون في مسقط رأسه، كانت في مستشفى البقاع في تعنايل، حيث قدمت ثلة من الجيش تحية السلاح، وحمل على أكف رفاقه العسكريين الى سيارة اسعاف لتنطلق به الى مسقط رأسه، ويوارى في الثرى عند الثالثة عصراً بعد تدخل علماء الدين، وإقناع ذويه بأن الشرع الإسلامي يحرّم تأخير دفن الميت.

عدد الاربعاء ٢٤ تشرين الثاني ٢٠١٠
الاخبار

No comments:

Post a Comment