Tuesday, December 28, 2010

أقدميّات الأمن متعثّرة
زار ريفي بارود لمصالحته بقرار من الحريري (أرشيف)

باتت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي نسخة رديئة عن الحكومة. كل قرار فيها يستند إلى حسابات سياسية ومذهبية تدخل في أدق التفاصيل وأصغرها. وعلى هذا المنوال،
يُنسج اليوم مرسوما ترقيات الضباط ومنح بعضهم مكافآت

حسن عليق

تُدهشك المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بجديدها كل يوم. لا شيء فيها يسير كما يجب عليه أن يكون. ربما هي المديرية الأكثر شبهاً بالحكومة، لناحية أن كل قرار
فيها، مهما كان تافهاً، يحتاج إلى تدخل إلهي لإصداره.
محطتها الأخيرة كانت ترقيات الضباط، ومشروع منح أكثر من 40 ضابطاً فيها قدماً استثنائياً للترقية.
الترقيات شأن روتيني يتكرر كل عام. لكنه في الأمن الداخلي مناسبة لإظهار العجز المتعمّق يوماً بعد آخر. هذا العام، صدرت جداول الترقية عن المدير العام اللواء
أشرف ريفي، لا عن مجلس القيادة المعطّل منذ أشهر بسبب تقاعد أكثر من ثلث أعضائه، وعدم تعيين بدلاء لهم، وأدى ذلك إلى انتقال صلاحياته كاملة إلى المدير العام.
وزير الداخلية زياد بارود، المتشكّك في قانونية إحالة جداول الترقية عليه، بعث ما ورده إلى هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، للتحقق من قانونيته. فبارود
يخشى أن يتعرض مرسوم الترقيات بعد صدوره للطعن من أحد المتضررين، وخاصة أن الترقيات لا تشمل في العادة جميع الضباط. لكن حجة بارود لا تقنع عدداً كبيراً من هؤلاء
الذين يخشون تأخّر الاستشارة، وتالياً تأخير صدور المرسوم إلى ما بعد 31 كانون الأول 2010، ما يعني تأخّرها إلى اليوم الأخير من العام المقبل.
وبانتظار حسم هذه القضية، يؤكد بارود أنه لن يعرقل ترقية الضباط، فيما تؤكد مصادر معنية بالملف أن مرسوم الترقيات سيصدر في وقته، إلا إذا بقي أحد الموقّعين
عليه (الوزير المختص، ووزير المال، ورئيسا الحكومة والجمهورية) خارج البلاد. والغائب عن الأراضي اللبنانية حالياً هو رئيس الحكومة سعد الحريري الذي أكدت مصادر
مقربة منه أنه سيعود بين ساعة وأخرى من نيويورك.
الترقيات التي تثير ضجة داخل المديرية ستمرّ إذاً. لكن ما ليس مؤكداً صدوره هو مرسوم القدم الاستثنائي. ففي هذا المشروع، اقترح اللواء أشرف ريفي منح قدم استثنائي
لأكثر من 40 ضابطاً، أبرزهم العميد روبير جبور، قائد وحدة القوى السيارة، والعقيد وسام الحسن، رئيس فرع المعلومات. واقترح لكل منهما قدماً استثنائياً مدته عام
واحد، فيما رُشّح الضباط الآخرون لنيل قدم استثنائي تراوح مدته بين 3 أشهر و6 أشهر.
الأسباب التي تحول دون ولادة سهلة لمرسوم الترقيات متعددة. وزير الداخلية زياد بارود استفزّه الاقتراح الصادر في الوقت الذي كان يتعرض فيه لحملة سياسية عنيفة
على خلفية إصداره عقوبة بحق المدير العام. فبارود يكرر في مجالسه أنه يريد توضيح العلاقة بينه وبين المديرية الخاضعة لوصايته، لا أن تُترك الأمور على حالها،
ويُكتفى بطلب توقيعه على بعض المراسيم والقرارات، كأنه ليس صاحب القرار بل منفّذه. أضف إلى ذلك، أن ثمة بحثاً في أصل المشروع. فبارود يريد التدقيق في الإنجازات
«الخارقة» المنسوبة إلى الأسماء المقترحة مكافأتها.
ومن ناحية أخرى، فإن تضمين مشروع المكافأة أسماء أكثر من 40 ضابطاً، أثار العديد من الردود السياسية المستنكرة لهذا الأمر، إذ يمكن أي مراقب لأوضاع المديرية
أن يلاحظ أن العدد مبالغ به جداً. فلو افترضنا أن منح الأقدميات حصل بسبب إنجاز بعض الضباط لأعمال «خارقة للعادة» (بحسب ما ينص عليه القانون)، يصبح لزاماً على
المديرية أن تحصر الأمر في شقين: مكافحة التجسس الإسرائيلي، ومكافحة الإرهاب. والمطّلعون على أوضاع المديرية يؤكدون أن من كانوا خلف تحقيق هذه الإنجازات لا
يزيد عددهم على 16 ضابطاً (عملوا في مجالات التحليل التقني وجمع المعلومات وتحليلها والرصد والتحقيق) إضافة إلى رئيس القطعة التي ينتمون إليها. يُضاف إلى هؤلاء
أحد الضباط الذي أصيب أثناء عملية الدهم في شارع المئتين إصابة قاتلة، لكنه نجا منها. وبالتالي، فإن المعايير التي تتحدّث عن أعمال «خارقة للعادة» لم تُحترم
أثناء اقتراح أسماء المرشحين لنيل الأقدمية.
وبحسب المتابعين للقضية، أضيفت أسماء العديد من الضباط، من دون أن يكونوا قد حققوا أي إنجاز خارج إطار واجباتهم اليومية. وهذه الإضافات كانت السبب الرئيسي في
تأليب الكثير من الضباط، وتالياً السياسيين، وخاصة من فريق المعارضة السابقة، ضد المشروع.
وأدت الاتصالات التي أجريت مع وزير الداخلية إلى إضافة عثرة جديدة أمام مشروع الأقدميات. ويقول مصدر بارز في المعارضة السابقة إنه «لو التُزم بالمعايير الجدية
لانتقاء الضباط، لما كان أحد قد رفع الصوت في وجه المشروع. أما «تكبير الحجر» من دون أسباب موجبة، فلن نوافق عليه».
وبناءً على ذلك، فإن الضباط الجديين الذين عرّضوا حياتهم للخطر طوال السنوات الماضية، وأولئك الذين بذلوا جهوداً مضنية خلال عملهم في ملف مكافحة التجسس الإسرائيلي
(بغض النظر عما يُقال عن الاستثمار السياسي لعملهم)، يبقون من دون أي مكافأة تُذكر، لا لشيء، إلا لأن مجلس قيادة مديريتهم معطّل، وتشكيلات الضباط لم تُنجَز
منذ خمس سنوات، والمدير العام «لا يحكي» مع وزيره، ويحتاجان إلى أصدقاء مشتركين للتواصل في يومياتهما. وآخر «الأصدقاء المشتركين» كان رئيس الحكومة سعد الحريري
الذي أوعز، بعد لقائه الوزير بارود، إلى اللواء ريفي والعقيد وسام الحسن بأن يزورا وزير الداخلية في منزله لمصالحته (جرى ذلك قبل ثلاثة أيام). ولأن العدد الأكبر
من الضباط واضحو الولاءات السياسية ويجاهرون بها، وبعض القطعات تعمل علناً لمصلحة جهات سياسية، والفساد نخر عود المديرية، ورغم ذلك، فإن المؤسسة التي يزيد عمرها
على 140 عاماً، لا ذكر فيها لقرار إجبار ضابط على الانقطاع عن الخدمة (طرد مؤقت أو نهائي) بتهمة الفساد.

العدد ١٣٠١ الثلاثاء ٢٨ كانون الأول ٢٠١٠سياسة
الاخبار

No comments:

Post a Comment