Tuesday, October 4, 2011

جرائم المستوطنين تمتد إلى أراضي 48: إحـراق مسـجـد فلسـطينـي في الجليـل

فلسطينيون من أراضي الـ48 يتفقدون مسجد بلدة طوبا الزنغرية البدوية في الجليل الأعلى بعد إحراقه من قبل مستوطنين أمس (أ ف ب)
انتقلت موجة اعتداءات المستوطنين اليهود التي تستهدف المساجد في الأراضي الفلسطينية، من الضفة الغربية إلى داخل الخط الأخضر، حيث أقدمت مجموعة منهم، ليل أمس
الأول، على إحراق مسجد في الجليل الأعلى، في هجوم أثار مواجهات بين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية.
وقال المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية ميكي روزنفيلد ان عددا من المشتبه فيهم دخلوا المسجد في بلدة طوبا الزنغرية البدوية في الجليل الأعلى وأضرموا النار فيه.
وكتب المهاجمون على الجدران الخارجية عبارات «دفع الثمن» و«انتقام» وكذلك «بالمر»، في اشارة الى المستوطن الإسرائيلي اشر بالمر الذي قتل مع ابنه البالغ من العمر
18 شهرا في 23 أيلول الماضي، عندما فقد السيطرة على سيارته بعد ان رشقها فلسطينيون بالحجارة.
وينتهج المستوطنون اليهود سياسة مهاجمة الفلسطينيين واملاكهم ومساجدهم في الضفة الغربية المحتلة، غير ان الهجوم في طوبا هو الثاني من نوعه داخل اراضي الـ48
بعد هجوم نفذ العام الماضي في بلدة ابطن العربية في الجليل.
وقال مؤذن المسجد عثمان المصري ان «المسجد احترق بالكامل ولم يسلم من الحريق سوى سماعة المئذنة»، مؤكدا ان «النيران اجهزت على كل شيء فيه من مصاحف وكتب دينية
وسجاد وكل محتوياته».
وروى المصري ما حصل في المسجد قائلاً: «استيقظنا حوالى الساعة 1,30 وقد اشتعلت النيران في المسجد في بيت الله وهب سكان القرية لاطفائها بمياه المسجد» الى ان
جاءت سيارات الاطفاء.
واثار الهجوم مشاعر غضب في البلدة حيث قام مئات السكان بإحراق إطارات وحاولوا قطع طريق في المنطقة. وقال روزنفلد ان محتجين في بلدة طوبا الزنغرية رشقوا بالحجارة
الشرطيين، الذين ردوا بقنابل مسيلة للدموع لتفريقهم، موضحا ان ممثلين عن الشرطة يجرون اتصالات مع اعيان البلدة «سعيا لتهدئة الاوضاع».
وأضاف أن قائد شرطة المنطقة الشمالية روني عطيه شكل فريقا خاصا للتحقيق في الحادث وتم تعزيز الاجراءات الامنية في المنطقة لمنع وقوع اي حوادث.
وفي هذا الإطار، قال المصري ان «اهل البلد حزنوا وغضبوا وعبروا عن ألمهم في تظاهرة سلمية».
بدوره، اكد محمد الهيب، مفتش التربية والتعليم في طوبا الزنغرية والوسط البدوي، إن «اجواء البلد حزينة ويعم الاستياء العام فيها لحرق بيت الله ولا تزال اثار
الحريق في محيط المسجد». واكد ان «اهل البلد خرجوا في مسيرة منددين بالحريق ومطالبين بالقبض على الجناة ومعاقبتهم وحملوا لافتات منددة بالحريق وحمل البعض المصاحف
وهتفوا لعزة الله عز جلاله وعزة الاسلام». واضاف ان المحتجين «عبروا عن غضبهم وألمهم وحزنهم بشكل سلمي وتصرفوا بشكل حضاري على حرق بيت من بيوت الله».
وتقع قرية طوبا الزنغرية في الجليل الاعلى بين سهل الحولة وطبريا وتطل على الجولان. وهي القرية العربية الوحيدة بين قرى يهودية مثل روش بيناه (الجاعونة) ومدينة
صفد ويسكنها نحو ستة آلاف بدوي.
واكد الهيب ان رؤساء مجالس محلية عربا ويهودا وصلوا الى القرية منذ ساعات الصباح للتضامن مع اهالي قرية طوبا الزنغرية، مشيرا الى وفود رسمية «على رأسها رئيس
الدولة العبرية شيمون بيريز وحاخامات ورؤساء طوائف اسلامية ومسيحية ودرزية وبهائية واحمدية حضروا للتضامن معنا».
وأدانت مؤسسة الاقصى للوقف والتراث التابعة للحركة الاسلامية داخل الخط الأخضر، ولجنة المتابعة العربية العليا داخل اسرائيل الهجوم على المسجد. وقالت مؤسسة
الاقصى في بيان ان «احراق مسجد طوبا الزنغرية جريمة نكراء»، مؤكدة ان «المؤسسة الاسرائيلية الرسمية هي التي تتحمل مسؤوليتها».
من جهتها رأت لجنة المتابعة العربية العليا داخل اسرائيل ان الهجوم «يعكس نهج المؤسسة الاسرائيلية التي تغذي العنصرية في الشارع الاسرائيلي وتقوم هي نفسها بشرعنتها
وتطبيقها وحث الناس عليها».
واعتبر الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز إن ما حدث «يوم عصيب للمجتمع الإسرائيلي بالكامل وليس فقط للجانب العربي».
اما رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو فقد عبر عن «غضبه» من الهجوم معتبرا أن «الصور تصدم ولا تليق بدولة اسرائيل» والهجوم «عمل مخالف لقيم دولة اسرائيل
التي تعلق اهمية كبرى على حريات الدين والمعتقد».
وقال وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك في بيان انه «عمل وحشي يسيء الى دولة اسرائيل». واضاف ان «المجرمين الذين قاموا بذلك يسعون الى زعزعة الاستقرار في
العلاقات بين اليهود والعرب وإلحاق ضرر شديد بسمعة اسرائيل في العالم».
وذكرت صحيفة هاآرتس الاسرائيلية أن الشرطة الاسرائيلية بدأت بنشر تعزيزات عسكرية بالقرب من الأماكن الإسلامية المقدسة على خلفية الهجوم.
وفي المواقف الفلسطينية، اعتبرت حركة فتح أن «هذا العمل إرهابي، ويؤشر على نشوء دويلة المستوطنين العنصرية داخل دولة إسرائيل»، محملة حكومة إسرائيل المسؤولية
عن جرائم المستوطنين الذين باتوا يشكلون خطرا حقيقيا على الاستقرار والأمن في المنطقة .
واستنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ يوسف جمعة سلامة هذه الجريمة، لافتاً إلى أنها تأتي ضمن سياسة التضييق على فلسطينيي الداخل من أجل إجبارهم على الرحيل وترك
ممتلكاتهم.
بدوره، أدان التجمع الوطني المسيحي في الأراضي المقدسة هذه الجريمة، معتبراً أنها «لا تخرج عن سياق مطالب حكومة نتنياهو بالاعتراف بيهودية إسرائيل».
كما استنكرت حركة حماس هذه الجريمة، معتبرة أنها «تدل على حالة العنصرية المتصاعدة والخطيرة داخل إسرائيل والتي تهدد الوجود الفلسطيني».
(أ ف ب، رويترز، د ب أ، أ ش أ)

Monday, October 3, 2011

الأزهر يزهر في الربيع العربي


الأزهر يزهر في الربيع العربي محاولاً استعادة مكانته
خطاب مختلف... تجديد داخلي... وسعي الى دور في السياسة


شيخ الأزهر أحمد الطيب خلال مؤتمر صحافي مع بابا الأقباط والكرازة المرقسية الأنبا شنودة الثالث في كانون الثاني 2011
يخرج الأزهر الشريف من ظل الرئيس المصري السابق حسني مبارك، محاولا استعادة مكانته، التي أضرت بها عقود من الرضوخ لزعماء أقوياء. ومن داخل جدرانه العالية المزخرفة، قضى شيوخ الأزهر اكثر من الف عام يدرسون النصوص الدينية ويفسرون معانيها للمسلمين، ما جعل من الأزهر سلطة لا تنافسها سلطة في العالم الإسلامي.

كان الأزهر فقد بعضاً من بريقه، حين أخضعه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لسلطة الدولة العام 1961. وبعد مرور 40 عاما، كان شيوخ الأزهر يحملون على دعم النظام الأمني الصارم تعزيزا لحكم مبارك الذي دام نحو ثلاثة عقود.
ونتيجة لارتباط سمعته بسمعة زعيم لا يحظى بشعبية، خفّ بريق الأزهر، في حين بدأ خطباء متشددون على درجة أقل من التعليم الديني ينشرون تفسيراتهم للإسلام عن طريق الإنترنت والقنوات الفضائية التلفزيونية. والعام 2007، بلغ الأمر أن أفتى شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي- الذي تولى المنصب لأكثر من عشرة اعوام انتهت بوفاته العام الماضي- بأن الصحافيين الذين ينشرون شائعات عن صحة مبارك يجب أن يجلدوا 80 جلدة.
وفي محاولة لاستعادة سمعة هذه المؤسسة العريقة، يسعى أزهريون بارزون الى تجديدها بوصفها مدافعة عن الديموقراطية وإصلاح الدولة، وربما أيضا عن الدولة المدنية. ويقول رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة "إن كثيرين يشعرون بالحاجة الملحة الى هذه المؤسسة في المستقبل، للمحافظة على الإسلام المعتدل في مواجهة الموجات الأخرى التي تقودها هيئات اكثر تشددا واقل جدارة بالثقة".
رياح التغيير بدت تهب على أروقة الأزهر الحجرية قبل اشهر من الثورة التي أطاحت الرئيس مبارك في شباط 2011. العام 2010، أشرف رئيس وزرائه احمد نظيف على تعيين الدكتور أحمد الطيب خلفا لطنطاوي. ويوصف الطيب بأنه اكثر ميلا للاستقلال.
وحين خرج الملايين الى الشوارع لمطالبة مبارك بالتنحي في كانون الثاني الماضي، لم تصدر الفتوى المتوقعة من الأزهر لمطالبة المصريين بالاتحاد وراء رئيسهم، بل اكتفى الأزهر بإصدار بيان يحض على ضبط النفس. وقد انضم كثر من علماء الأزهر الى المحتجين خلال الثورة، ولم يتعرضوا لانتقادات من رؤسائهم. وبعد رحيل مبارك، جمع الأزهر المثقفين للتعاون في شأن رؤية الى مستقبل مصر السياسي. وأصدر وثيقة من 11 نقطة في حزيران الماضي تقترح احترام حرية الرأي والعقيدة وحقوق الانسان في دولة مدنية يحميها الدستور والقانون.
ويشير محمد رفاعة الطهطاوي، وهو المتحدث السابق باسم الأزهر شارك في صياغة المسودة الأولى للوثيقة السياسية، الى "ان الأزهر يريد أن يتطور، بما يعكس التغييرات التي يراها آتية". ويفيد "انه استقال من منصبه في شباط الماضي لينضم الى الثورة. لكن زملاءه السابقين رحبوا بعودته الى الأزهر، كأنه لم يغب عنهم اطلاقا".
ويقول "انه لم يكن هناك رفض من شيخ الأزهر او اي مسؤول آخر، بل بالعكس شجعه الجميع". وعبر عن اعتقاده "أن الجميع كانوا يدركون أن لا مفر من التغيير، وأن لا أحد يستطيع منعه".
لا تزال لما يصدره الأزهر قوة معنوية، حتى بين المسيحيين الذين يمثلون نحو 10 في المئة من سكان مصر البالغ عددهم 81 مليون نسمة. وفي دولة تعاني أزمة في التعليم الحكومي، تقدم جامعة الأزهر بعضا من أفضل البرامج الدراسية في العلوم الحديثة واللغات والدراسات التجارية والهندسة والزراعة. كذلك يدير الأزهر معاهد في انحاء مصر، ويرسل خبراء للتدريس في أنحاء الشرق الاوسط وخارجه. ومن بين خريجي الجامعة، بعض من أبرز العلماء والساسة في العالم الإسلامي.
وقاره لا يزال حاضرا، لكن استعادته سلطته على الشؤون الدينية باتت اكثر اهمية من اي وقت مضى، بعدما ضعف الجهاز الأمني وظهرت تيارات، مثل السلفيين، تعارض إخضاع القيادات الدينية لسلطة علمانية.
وقد بدأت قيادات الأزهر في التواصل مع ساسة يتنافسون لتشكيل حكومة جديدة منتخبة، بينهم اعضاء في جماعات إسلامية، مثل الاخوان المسلمين التي كانت محظورة رسميا في عهد مبارك، ويرجح أن تمارس دورا حاسما على الساحة السياسية. وقد التقى شيخ الأزهر احمد الطيب مرشد جماعة الاخوان محمد بديع في ايار الماضي. وقال الطيب "إن الجماعة كانت دائما قريبة من الأزهر، لكن الظروف السابقة لم تسمح بعقد هذه الاجتماعات". وفي تقرير نشرته صحيفة "الأهرام"، يقول الطيب "إن الاجتماع بحث في اهمية الوصول الى خطاب إسلامي معتدل وموحد".
الشهر الماضي، توسط الأزهر بين ساسة ليبراليين وإسلاميين عارضوا محاولتهم وضع مبادىء لدستور جديد، وهي خطوة يعتبرها إسلاميون خدعة للحيلولة دون إقامة دولة إسلامية. لكن علمانيين يتشككون في سعي الأزهر الى لعب دور على الساحة السياسية. ويتساءل جمال عيد، وهو محلل متخصص بحقوق الانسان ورئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان، عما سيحدث "إذا دب خلاف مع الأزهر بخصوص شيء ما". ويرى "أنه سيكون من الصعب مجادلة مؤسسة دينية". بالنسبة اليه، "لا يمكن الدعوة إلى إقامة دولة مدنية والسماح في الوقت نفسه للمنظمات الدينية بالمشاركة في السياسة".
الأزهر يسعى اليوم إلى التخلص من سيطرة الحكومة، قائلا "إنه يجب أن ينتخب شيخه مجددا، والا يختاره رئيس الدولة". ويرى المحلل السياسي نافعة "ان الأزهر أدرك استحالة ان يستمر في العمل بالطريقة نفسها التي كان يعمل بها في عهد مبارك. وبات يعلم أن عليه تطهير الفساد الداخلي". ويلاحظ "رغبة قوية لدى الأزهر في العودة الى زعامة العالم الإسلامي السني".
رويترز










Saturday, October 1, 2011

> أنور العولقي: المجاهد الإلكتروني

أنور العولقي: المجاهد الإلكتروني
برع العولقي في الجمع في رسائله بين المعرفة بالتقاليد الدينية والإحاطة بمقتضيات الإعلام الجديد فاستحقّ لقب «بن لادن الإنترنت» (أ ف ب)

ها هي الولايات المتحدة تنجح خلال اقل من خمسة اشهر باصطياد ثلاثة من كبار رؤوس تنظيم القاعدة، فبعد اسامة بن لادن والياس كشميري افلحت امس في قتل الشيخ انور
العولقي، الذي اتجهت الانظار اليه في ايار الماضي كخليفة محتمل لبن لادن بالنظر الى خبراته التنظيمية العالية من خلال الشبكة العنكبوتية، التي أهّلته ليحتل
موقعاً اساسياً على لائحة المطلوبين الرئيسيين من بين زعماء التنظيم

بشير البكر

كثّفت الولايات المتحدة حربها على تنظيم القاعدة في اليمن منذ نهاية سنة 2009، وحولت قسطاً اساسياً من جهدها القتالي والاستخباري من باكستان والصومال الى اليمن
لعدة اسباب. الأول هو أن التنظيم، بإيعاز من بن لادن، وحّد فرعيه في اليمن والسعودية مطلع سنة 2009 تحت اسم «القاعدة في جزيرة العرب»، وأخذ يعمل على تأهيل اليمن
ليصبح مركزاً رئيسياً لمقاتليه العائدين من باكستان وأفغانستان والعراق والسعودية، بالاستفادة من تراخي القبضة الامنية للدولة اليمنية التي راحت تعاني الأزمات
الداخلية منذ أن بدأت مسيرة الحراك الجنوبي الاستقلالي سنة 2007.

والسبب الثاني هو أن التنظيم الجديد اخذ يعد العدة لفتح جبهة جديدة ضد المصالح الغربية انطلاقاً من اليمن، وشرع في تخطيط وتنفيذ جملة من العمليات النوعية بالاعتماد
على متطوعين اجانب، مثل المحاولة الفاشلة لتفجير طائرة امستردام ديترويت الاميركية في نهاية سنة 2009، التي قام بها النيجيري عمر الفاروق. والسبب الثالث هو
ان بن لادن نفسه كان قد بدأ الإعداد لنقل مقر اقامته من باكستان الى اليمن، وشرع فعلياً في العمل على تحقيق الحلم الذي راوده منذ نهاية الجهاد الافغاني في العودة
بالقاعدة من الشتات، فاليمن بلاد اجداده، وهي «ارض المدد»، بالاضافة الى ان فرصة تفكك الدولة اليمنية تعد ثمينة لجهة تأمين ملجأ آمن في ظل تكثيف الحرب الاميركية
على انصاره في باكستان والعراق والصومال.
هناك سبب اضافي كان يدفع بن لادن للعودة الى اليمن، وهو اعتماده على مجموعة من القادة اليمنيين الفاعلين في التنظيم، ومن بين هؤلاء مرافقه السابق ناصر الوحيشي،
الذي زكّاه اميراً لـ«القاعدة في جزيرة العرب»، والامام انور العولقي، وقاسم الريمي القائد العسكري، الذي برز بعد اول عملية رسمية للقاعدة في تشرين الأول 2000
ضد المدمرة الاميركية «يو اس اس كول» التي راح ضحيتها 17بحاراً اميركياً وجُرح 39 آخرون.
ورغم ان العولقي من الرموز والقادة الفاعلين في القاعدة، ومع ان اسمه شاع في العامين الاخيرين بوصفه مجاهداً بارعاً على الشبكة الالكترونية، لم تكن الاوساط
ترشحه لدور كبير، ولم يكن يوحي داخل اليمن بأنه يشكل مصدر خطر كبير على المصالح الغربية. وبقي تحديد درجة خطورته امراً ملتبساً حتى تجاوز الرئيس الأميركي باراك
أوباما الدستور في نهاية السنة الماضية وأصدر أمراً بقتله. وجرت عدة محاولات لاغتياله في جنوب اليمن، وتحديداً في منطقة شبوة، التي يتوارى فيها منذ أن تركزت
عليه الأنظار في نهاية سنة 2009.
يحمل أنور العولقي الجنسية الأميركية بسبب ولادته سنة 1972 في الولايات المتحدة من أب، هو وزير سابق للزراعة في اليمن، يدعى ناصر العولقي، نظراً لأنه ينحدر
من قبيلة «العوالق»، كبرى قبائل محافظة شبوة في جنوب اليمن، وأشدها بأساً. وتعلم العولقي أصول الدين في عدن، ليصبح لاحقاً إماماً بارزاً في العديد من المساجد
الأميركية، ويرتبط بمساجد «سان دييغو» في ولاية كاليفورنيا، وفي «فولز تشوتش» في ولاية فرجينيا، ليعود فجأة إلى اليمن في 2002، بعدما صار محاضراً بارزاً بفضل
الكثير من الدروس والخطب التحريضية التي انتشرت قبل 11 سبتمبر، ليس باللغة العربية فقط، بل بالإنكليزية أيضاً. وذاع صيته بعيداً حتى صارت بعض مواعظه ومشاركاته
الفقهية منشورة ومتوافرة على «يوتيوب»، إلى الصرعات الجديدة في عالم الموسيقى و«الراب» مثل «سنووب دوغ» و«الزومبيز»، وهي في غالبها تتحدث عن معاني القرآن ودروسه،
حيث برع خصوصاً في الجمع في رسائله، بين المعرفة بالتقاليد الدينية والإحاطة بمقتضيات الإعلام الجديد. ولهذا استحقّ لقب «بن لادن الإنترنت».
ورغم نفيه أي صلة بالتنظيم، تشير اهتمامات العولقي الفكرية إلى صلة ما بـ«القاعدة»، ذلك أنه شرح كتاب الشيخ السعودي يوسف العييري (ثوابت على درب الجهاد) بالإنكليزية،
وهذا هو الأمير السابق لـ«تنظيم القاعدة» في السعودية، الذي قتل على أيدي قوات الأمن السعودية في 2003. وقد ألقى العولقي محاضرات عن الكتاب في الولايات المتحدة.
ذاع صيته وكبرت حلقته من الشبان اليمنيين في الولايات المتحدة، بدءاً من عام 2000، حيث بات إماماً في أحد مساجد واشنطن. وتقول المعلومات إن من بين الذين واظبوا
على حضور دروسه اثنين من منفذي هجمات 11 سبتمبر (خالد المحضار، ونواف الحازمي)، اختطفا طائرة «أميركان إيرلاينز»، التي اصطدمت ببرج البنتاغون.
بقي العولقي في الظل حتى أجرى معه في 16 تشرين الثاني 2009 صحافي يمني حديثاً لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، بعد المجزرة التي قام بها الرائد الأميركي من
أصل فلسطيني نضال حسن في الخامس من تشرين الثاني 2009، في قاعدة «فورت هود» الأميركية في تكساس.
وصف العولقي نضال حسن في حديثه للصحيفة الأميركية بـ«البطل»، وكاد ينسب إلى نفسه تخطيط العملية، عندما اعترف بأن حسن كان يتردد إليه في مسجده في فرجينيا، وأنه
تراسل معه السنة الماضية (2008) عبر البريد الإلكتروني، وقال إنه كان يثق به، و«أصبح مسلماً ورعاً ما بين 2001 و2002». وذكر في حديثه إلى الصحيفة، الذي مر من
دون أن يلفت الانتباه إليه كثيراً، أن نضال حسن مسلم جدي ومطّلع على الشريعة، وكثيراً ما كان يستند إلى «ما ورد في الشريعة من أجل أدلة تجيز محاربة ما تقوم
به أميركا». وكشف أنه تلقى رسالة من نضال حسن في 17 كانون الأول عام 2008، ورد فيها: «أتحدث معك في مواضيع لا أتطرق إليها أبداً مع أي شخص آخر».
برر العولقي الهجوم الذي قام به حسن على زملائه من العسكريين، الذين صرع منهم 13، بأنه، حسب رأيه، شكل من أشكال الجهاد، لأن أميركا هي التي جاءت تقاتل في بلاد
الإسلام. وقال، في الحديث، إن «قتال الجيش الأميركي واجب إسلامي، وإن السبيل الوحيدة أمام المسلم لتبرير الخدمة في الجيش الأميركي في نظر الإسلام، هي العزم
على المشي على خطى نضال حسن».
فتح هذا الحديث الأعين الأميركية على العولقي، لكن المتابعة الرسمية لنشاطه جاءت بعد محاولة تفجير طائرة الركاب الأميركية بين أمستردام وديترويت في ليلة عيد
الميلاد سنة 2009. واعترف منفذ العملية، الشاب النيجيري عمر الفاروق، بأنه تتلمذ على يدي العولقي، وأنه قام بالمحاولة بإيعاز منه، وحاولت الاستخبارات الأميركية
اغتيال العولقي في الليلة نفسها، بقصف اجتماع في شبوة، لكنها أخطأته. ومنذ ذلك الحين يعد هدفاً أميركياً ثميناً، وخصصت جائزة مالية مقدارها مليون دولار. وكان
من المتوقع أن الرقم سيتضاعف عدة مرات لأنه سيصبح العدو الأول للولايات المتحدة في حال أعلنه التنظيم خليفة لبن لادن في ايار الماضي، لكن الاختيار وقع على انور
الظواهري.
عدم تسمية العولقي خليفة لبن لادن لم تخفف من اهميته في نظر وحسابات الاجهزة الاميركية التي حاولت اغتياله عدة مرات في الاشهر الخمسة الاخيرة، بعدما صعّد التنظيم
من عملياته في جنوب اليمن، وفي كل مرة كانت الاستخبارات الاميركية تنصب كميناً للعولقي كان يفلت منه بفضل تحركه في محيط قبلي آمن في محافظة شبوة الجنوبية، وبمجرد
خروجه منه بات مكشوفاً، وتم رصده واغتياله امس بصاروخ من الجو على طريق عودته من الجوف على الحدود مع السعودية.

الوحيشي والريمي

ناصر عبد الكريم عبد الله الوحيشي الملقب بـ«أبو بصير» أمير «تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب» الحالي، هو السكرتير السابق لبن لادن، والنجاح الأبرز لهذا القيادي
انعكس في قدرته على توحيد تنظيم القاعدة في اليمن والسعودية في كانون الأول 2009، تحت إمارته باسم جديد هو «قاعدة الجهاد في جزيرة العرب»، ونيابة كل من السعودي
سعيد الشهري وصديقه اليمني قاسم الريمي. أما قاسم يحيى مهدي الريمي، فهو من أبرز المطلوبين للأجهزة الأمنية في اليمن والسعودية. لذا، جرت عدة محاولات لاغتياله
خلال السنوات الأخيرة، وأعلنت السلطات اليمنية مقتله أكثر من مرة، وكان آخرها في آذار من السنة الماضية. وهناك من يعدّه العقل المدبر الأكثر خطورة من الوحيشي
والشهري. وللدلالة على خطره، وضعته الأجهزة الأميركية على قائمة المطلوبين.
> تصفية تنظيم «القاعدة» باغتيال قادته

تصفية تنظيم «القاعدة» باغتيال قادته
صور لبن لادن معروضة للبيع في كويتا ـ باكستان (ناصر أحمد ـ رويترز)

السياسة الأنجع لمحاربة تنظيم «القاعدة» بالنسبة إلى الإدارة الأميركية قامت على الاغتيالات وتصفية كوادر تنظيم «القاعدة» أولاً، ثم قادة الصف الثاني، قبل أن
تنتقل إلى تصفية رؤوسه. وتولّى هذه المهمة برنامج خاص تابع لوكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» بالتعاون مع شركات حرب خاصة، أبرزها «بلاك ووتر». هذا البرنامج
الذي أطلقته الوكالة في عام 2004، تركّز أكثر في المناطق القبلية الباكستانية قبل أن يتوسّع ليشمل الجنات الآمنة للتنظيم في آسيا وأفريقيا، وتتولاها بغالبيتها
طائرات الاستطلاع.

وبحسب مسار برنامج «سي آي إيه» منذ 2004، يظهر أنّ عام 2011 هو عام «قطع رؤوس» التنظيم، اذ نجحت عمليات وكالة الاستخبارات في قتل القياديين الكبار للتنظيم، وأوّلهم
أسامة بن لادن الذي تميزت عملية اغتياله عن باقي العمليات بأن تولّاها فريق نخبة من الوحدة الخاصة «سيلز» في الأول من أيار الماضي. والقيادي الثاني كان عبد
الرحمن عطية، قبل أن تقتل أمس أنور العولقي في اليمن. مسلسل اغتيالات القادة افتُتح مع قتل نك محمد، الزعيم الطالباني المقرّب من أسامة بن لادن والملا عمر،
في 2004، ولحق به القائد الميداني أبو حمزة ربيعة المتهم بمحاولة اغتيال الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف. وكان اغتيال أبو مصعب الزرقاوي، زعيم «قاعدة الجهاد
في بلاد الرافدين»، بغارة أميركية ضربة في الصميم للتنظيم خلال الحرب في العراق. وخلال عامي 2008 و2009، جرى تكثيف برنامج «سي آي إيه» على نحو مُريب، فتمكّنت
طائرات الاستطلاع من قتل أكثر من 34 من قادة «طالبان» و«القاعدة»، أبرزهم زعيم «طالبان» باكستان بيت الله محسود (في 5 آب 2009).
وقبل ذلك اغتيل قائد عسكر الظل في «القاعدة»، أبو السعيد الليبي، وزميله زهيب الذهب، وقائد الشبكة الداخلية للتنظيم صالح الصومالي، والمدرب عبد الله حماس الفلسطيني،
والمطلوب في تفجيري السفارتين الأميركيتين في تنزانيا وكينيا في 1998، أسامة الكيني. وفي 2008 سقط عبد الله عزام السعودي الذي كان صلة وصل بين «طالبان» و«القاعدة»،
ورئيس فرع الاستخبارات في «القاعدة» أبو جهاد المصري، وخبير المتفجرات أبو حمزة، وأبو حارث السوري.
وفي شباط 2010، قُتل شقيق أمير الحرب سراج الدين حقاني، محمد، وقائد الظل العسكري في «القاعدة» شيخ منصور. وفي كانون الثاني، اغتيل عبد البسيط عثمان الذي قدّمت
واشنطن مليون دولار مقابل رأسه، وسيّد صناعة القنابل منصور الشامي، والطالباني حاجي عمر خان. وفي العام نفسه قُتل زعيم «دولة العراق الإسلامية» أبو عمر البغدادي
إضافة إلى القيادي أبو أيوب المصري.
(الأخبار)
> وقائع من عمليات تهريب السلاح إلى سوريا

وقائع من عمليات تهريب السلاح إلى سوريا
نقولا أبورجيلي

لم يكن سهلاً إقناع مروان (اسم مستعار ) بإفراغ ما في جعبته عن عمليات تهريب الأسلحة من لبنان إلى الداخل السوري عبر الممرات والمنافذ الجبليّة بين البلدين.
فبعد محاولات عدة للقائه، وقع الاختيار على منطقة زراعيّة تبعد عشرات الأمتار عن طريق عام رياق ــــ بعلبك. هناك، تحت ظلال خيمة مصنوعة من أكياس الخيش، كشف
تاجر السلاح لـ«الأخبار» عن بعض الأسماء والجهات التي تنشط في هذا المجال. البوح بما قرر الرجل كشفه، سبقه شرط عدم ذكر الأسماء بالكامل.
العرض الأول الذي تلقّاه مروان لتأمين كميات من الأسلحة والمساعدة على تهريبها إلى سوريا كان قبل نحو شهرين، خلال لقاء جمعه مع شخص سوري، عرّف عن نفسه بلقب
«أبو رسول»، في منزل يقع في أطراف إحدى بلدات شرق زحلة يملكه شخص يدعى ع. خ.، وفي حضور الأخير. يوضح مروان أن «أبو رسول»عرض عليه مبلغ 400 ألف دولار لتأمين
أكبر كميّة من الأسلحة المختلفة مع ذخائرها، على أن يجري التسلّم والتسليم في منطقة يحددها صاحب العرض الذي «ما لبث أن ظهرت على وجهه علامات التوتر فور علمه
بالطائفة التي أنتمي إليها». انتهى اللقاء الذي دام أقل من ربع ساعة بالاتفاق على تحديد موعد لاحق عبر الهاتف. لكن التواصل انقطع، «وعلمت بالتواتر أن اتفاقاً
جرى بينه وبين شخص لبناني من آل س. يسكن في بلدة بقاعيّة تقع شرقي شتوره، أبدى خلاله الأخير استعداده لتأمين المطلوب. إلا أن تاجر السلاح اللبناني، بعدما قبض
دفعة على الحساب، توارى عن الأنظار مهدّداً أبو رسول بفضح أمره إذا طالبه بالمبلغ مجدداً». عرض آخر مماثل تلقّاه مروان قبل أقل من شهرين، من شخصين سوريين أحدهما
من آل غنيم والآخر من آل غزالي، وعداه بمبالغ كبيرة لقاء تأمين أسلحة من أنواع مختلفة، على أن تحصل الصفقة في منطقة قريبة من وادي عنجر. وبحسب مروان «توقفت
عملية التفاوض بعد مقتل أحد الشخصين برصاص قوات حرس الحدود السوريّة على تخوم وادي عنجر في سلسلة جبال لبنان الشرقيّة، وهروب الآخر أثناء تهريبهما كميّة من
الأسلحة». يرفض مروان الدخول في التفاصيل عن مصدر الأسلحة، مكتفياً بالقول إن الطلب «تضاعف أخيراً، خصوصاً على بنادق الكلاشنيكوف والمسدسات الأميركية من نوع
كلوك، التي يراوح سعر الواحد منها بين 2500 و3000 دولار»، مشيراً إلى أن ارتفاع الطلب انعكس ارتفاعاً في أسعار ذخائر الأسلحة الفرديّة بمختلف أنواعها.
مروان يؤكد أن جهات لبنانيّة مناوئة للنظام السوري كلّفت عدداً من «زملاء الكار» بالتواصل مع تجار أسلحة في البقاع الشمالي ينتمي معظمهم إلى بيئة غير معادية
للنظام السوري، بهدف تأمين الأسلحة لقاء مبالغ خياليّة تدفع على مرحلتين، الأولى عند تأمين الكميات، والثانيّة بعد وصولها إلى الداخل السوري. يستطرد مروان مبتسماً:
«لن تصدّق أن ضباطاً سوريين حضروا إلى بلدة في البقاع الشمالي، وطلبوا من بعض كبار تجار الأسلحة التعاون مع أي جهة ترغب في شراء الأسلحة لنقلها إلى سوريا، على
أن يزوّدوا هؤلاء الضباط بأدق التفاصيل عن طالبي الأسلحة، والأماكن المتفق عليها لتسليم الكميات المهرّبة»، مؤكداً أن هذا ما حصل بالفعل.
> يوم تناول شمعون الحلوى عند حائط المبكى

يوم تناول شمعون الحلوى عند حائط المبكى
التزام بيغين لشمعون كلف حياة مئات الإسرائيليين وحول ساحة فرعية في الصراع إلى حدود نشطة (أرشيف)

«زلّة لسان» وقع فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيغين، رداً على سؤال من الرئيس اللبناني الأسبق كميل شمعون، أدت إلى التحول في سياسة إسرائيل حيال حلفائها
في لبنان، من الدعم غير المباشر إلى التدخل العسكري المباشر

محمد بدير

كشفت صحيفة «هآرتس»، أمس، فصولاً خفية من العلاقات الإسرائيلية مع مسؤولين سياسيين لبنانيين قبل الحرب الأهلية وأثناءها. وتحت عنوان «العودة إلى لبنان... التحدي
الأكبر أمام غانتس»، شرح محلل الشؤون الاستراتيجية في الصحيفة، أمير أورن، كيف تبلور التحالف السياسي بين تل أبيب وقادة لبنانيين، الذي أدى في ما بعد إلى تدخل
عسكري إسرائيلي مباشر لمصلحتهم، بعدما كان مقتصراً قبل ذلك على الدعم التسليحي والاستشاري بنحو غير مباشر. ويروي الكاتب كيفية خذلان «حزب الكتائب، برئاسة بشير
الجميّل في حينه لإسرائيل في أثناء اجتياحها لبنان من خلال عدم مشاركته في القتال كما كان متفقاً عليه»، وطلبه من تل أبيب تخصيص ثلاث فرق لتكون سنداً عسكرياً
لحكم الجميّل بعد انتخابه رئيساً للجمهورية.
وكتب أورن أن الرئيس اللبناني الأسبق، كميل شمعون، «الذي أدخل مظليين أميركيين صيف 1958 إلى بيروت، واعتمد سراً أيضاً على إمدادات السلاح الإسرائيلي، كان بعد
عقدين هو نفسه من أغوى (رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه، مناحيم) بيغين لتغيير سياسته الحذرة الخاصة بدعم المسيحيين في لبنان بالسلاح والتدريبات والاستشارات،
ولكن ليس من خلال التدخل العسكري المباشر». ورأى أورن أن بيغين، «تجاهل شكوى إسحاق رابين وشمعون بيريس وحتى وزرائه، موشيه ديان وعيزير فايتسمان، لمصلحة معادلة:
المسلمون والفلسطينيون أشرار؛ المسيحيون أخيار». أضاف الكاتب: «إن الالتزام الذي قدمه بيغين لشمعون عن طيب خاطر كلفنا حياة المئات من الإسرائيليين في السنوات
التي تلت تلك الفترة، وأدى إلى تحويل ساحة فرعية في الصراع العربي الإسرائيلي إلى حدود إسرائيلية نشطة ضد مثلث: إيران ــــ سوريا ــــ حزب الله».
وفي تفصيل التحول الذي أقدم عليه بيغين، يروي أورن أن شمعون سأل رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال لقاء جمعه به في القدس المحتلة عام 1978 عما سيحدث «إذا هاجمنا
سلاح الجو السوري»، فرد عليه بيغين «مغيّراً سياسة إسرائيل بزلة لسان: إذا هاجمكم سلاح الجو السوري فسنساعدكم». هكذا، ينقل الكاتب عن أحد المشاركين في اللقاء،
«خرج شمعون، بعد أن أصبح الالتزام في جيبه إلى حفلة أقيمت على شرفه في منزل السيدة روزنبلوم، إحدى قريبات مسؤول في الموساد كان مسؤولاً عن إدارة العلاقات مع
القادة المسيحيين في لبنان. وبعد ذلك، قام شمعون بجولة ليلية في المدينة القديمة، وتناول الحلوى عند حائط المبكى».
ولم تلبث إسرائيل أن وجدت نفسها أمام استحقاق الوفاء بالوعد الذي قطعه بيغين، «ففي عام 1981، حين وسّع الموارنة ساحة الاحتكاك مع السوريين في جبل صنين، سببوا
من خلال ذلك إرسال مروحيات سورية للعمل ضدهم، ما دفع إسرائيل إلى إسقاطها في نوعٍ من تحصيل الكمبيالة التي وقّعها بيغين، الأمر الذي أدى إلى تعميق التغلغل السوري
في لبنان من خلال بطاريات صواريخ أرض جو». في تلك الأثناء، «لم يعد شمعون في قلب الحدث»، بل «عائلة الجميّل، التي فازت في الصراع الداخلي وكانت تُعدّ عدواً
لعائلة شمعون». وعندها «خسر النمور، ونزع كتائب الجميّل جلدهم المرقط. أما بيغين الذي تاق إلى قصف البطاريات السورية، فخضع لضرورات حالة الطقس، وللضغوط الأميركية
ولحسابات العملية المخطط لتنفيذها ضد المفاعل النووي العراق، وانتظر عاماً آخر».
ويشير الكاتب، في السياق، إلى وجود خطتي حرب إسرائيليتين على الجبهة اللبنانية كانتا معروفتين: «الصنوبر الصغير» و«الصنوبر الكبير». والفرق بين الخطتين كان
يتمحور حول المسافة التي يفترض بالجيش الإسرائيلي أن يصلها في العمق اللبناني انطلاقاً من الحدود، وكلتاهما اعتمدت على خطوط أفقية هي عبارة عن مجاري أنهار مختلفة
ينبغي للجيش الإسرائيلي أن يتموضع عندها. وأعدت الخطة الصغرى لـ«سيناريو مستحيل، يتضمن استسلام الفلسطينيين وقطع الارتباط من جانب السوريين، إلا أنها تحولت،
بطريقة واقعية ومتوقعة، إلى كبرى».
ويكشف الكاتب أيضاً عن وجود مخططات عملياتية أخرى تمحور أحدها حول تنفيذ عملية التفاف عميقة وإنزال قوة عسكرية شمال بيروت. «إلا أن هذه الخطط بقيت في الأدراج
حتى لا تمثّل دلالة أمام العالم ومعارضي الحرب في الداخل الإسرائيلي للهدف الحقيقي من وراء اجتياح لبنان: إقامة نظام لبناني جديد، لكن مع القليل من الإرادة
الطيبة والغريزة السيئة من جانب المرشح الإسرائيلي للرئاسة، بشير الجميّل. وكذلك إقامة نظام إقليمي جديد، لأن الفلسطينيين سيُشردون من لبنان ويأتون إلى الأردن
وينقلبون على المملكة الهاشمية ويشيدون دولة لأنفسهم ويسلمون بالسيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية».
«إلا أن المفتاح لكل هذا الهذيان»، بحسب أورن، كان «اللمعة ــــ الفكرة الخيالية بأن الجميّل وقواته سيقاتلون، ولن يرتكبوا مجازر فقط». يتابع الكاتب: «بيد أن
ذلك (القتال) لم يحصل في أيام الحرب الأولى، كما كان مخططاً، ولم يكن ليحصل بعد انتخاب بشير الجميّل للرئاسة؛ إذ التقى بيغين في منشأة رفائيل في الشمال وعلّمه
حقائق الحياة في لبنان: هو يريد أن يكون رئيساً لكل اللبنانيين، لا لمؤيدي إسرائيل ومعارضي سوريا فقط، وأنه يحتاج إلى سند عسكري إسرائيلي دائم، مقداره ثلاث
فرق تقريباً. أي أن جزءاً معتبراً من القوة النظامية للجيش الإسرائيلي، بما في ذلك الجزء الذي كان من الممكن أخيراً تقليصه بفضل اتفاق السلام مع مصر وإخلاء
سيناء، سيكون قوة مهمة لاحتلال لبنان، وتالياً فريسة لكل الطوائف والميليشيات وبؤرة احتكاك دائمة مع القوات السورية المجاورة».
ويرى الكاتب أن شارون ورفول فشلا غير مرة في درس «اعرف عدوك»، ومراتٍ عدة في درس «اعرف نفسك». ولم يعرفا أيضاً الجهة الثالثة، التي هي الكتائب في هذه الحالة.
وفيما كان بيغين مذهولاً من هذا التطور، على حد وصف الكاتب، جاءه السفير الأميركي بخبر لا يقل قساوةً، هو «خطة ريغان» التي أوضحت أنه ما من إدارة أو رئيس أميركيين
سيتنازلان عن مطلب الانسحاب من المناطق والتقدم السياسي في الساحة الفلسطينية. لكن تسارع الأحداث غطى على هذه الخطة؛ إذ «بعد أسبوعين من ذلك قتل بشير الجميّل،
وأُرسل الجيش الإسرائيلي إلى غرب بيروت فيما ارتكبت الكتائب المجازر بحق الفلسطينيين».

الحرب قبل 2014

قدّر جنرال في الجيش الإسرائيلي أن فرصة اندلاع مواجهة جديدة مع حزب الله، قبل نهاية ولاية رئيس الأركان الحالي، بني غانتس، في شهر شباط عام 2014، «هي فرصة مرتفعة
جداً». ونقلت صحيفة هآرتس عن الجنرال قوله الأسبوع الماضي إن احتمالات حصول الحرب خلال ولاية غانتس «مرتفعة جدا». وبحسب الصحيفة، شدد الضابط الرفيع المستوى
على أنه «يحظر الوقوع في الأوهام؛ إذ سيجري اقتحام القوات البرية لبنان منذ اللحظة الأولى لاندلاع المواجهة، وبالنتيجة سيسقط المئات من القتلى والجرحى في صفوف
الجيش الإسرائيلي»، لكنه أشار إلى أن «أحد التطلعات في الأركان العامة، رغم عدم ضمان ذلك، هو قتل (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله، فدماؤه مباحة».
مع ذلك، أكد أن «التوجه لدى الجيش هو أن لا يسبب اندلاع حرب، نتيجة لاستغلال فرصة استخبارية تنفيذية لقتله، في فترة الهدوء».

Friday, September 30, 2011

إسرائيل و«دولة فلسطين»: 3 مخاوف رئيسيّة
جنود الاحتلال في قرية الرام بالضفة الغربية أمس (أحمد غربلي ـ أ ف ب)

ربما في الفترات التي سبقت الحروب الكبرى لإسرائيل فقط، يمكن المرء أن يعثر على سوابق تاريخية احتشد فيها هذا القدر من الاستنفار السياسي والدبلوماسي والأمني
والإعلامي الذي تشهده الدولة العبرية هذه الأيام. «التسونامي السياسي»، المتشكّل من سعي السلطة الفلسطينية إلى نيل الاعتراف الدولي بدولةٍ مستقلةٍ عبر مؤسسات
الأمم المتحدة، وصل إلى شواطئ تل أبيب

محمد بدير

لم تفلح الحكومة الإسرائيلية، برغم صافرات الإنذار السياسية التي ملأ طنينها الأجواء الإسرائيلية على امتداد الأشهر الماضية، في إيجاد الصيغ الوقائية الملائمة
لمواجهة الأمواج العاتية المتوقعة. أمواجٌ بات واضحاً أن حجم الأضرار الذي تخشى تل أبيب أن تُخلّفها كبيرٌ إلى الحد الذي يدفع لجنة الخارجية والأمن في الكنيست
إلى حجب تقرير خاص أعدّته عن هذا الموضوع. وليس أدل على التهديد الذي تستشعره إسرائيل من وراء الاعتراف الأممي بدولة فلسطينية من إقرار وزير خارجيتها المشهور
باستخفافه بالعرب وتحقيره لكل ما يفعلونه بذلك.

في تصريحٍ له قبل أيام، قال أفيغدور ليبرمان إن «إعلاناً فلسطينياً أحادي الجانب من شأنه أن يحدث تداعياتٍ خطيرة بعيدة المدى».
قد يكون الأرجح أن ما قصده زعيم «إسرائيل بيتنا» تحذيرٌ مبطنٌ من ردود الفعل التي قد تقدم عليها إسرائيل في حال مضيّ السلطة الفلسطينية في خططها الرامية إلى
استحصال على الإقرار الأممي بدولة مستقلة، (وهو أعلن بالمناسبة عن إجراءات اقترحها ضمن هذا السياق، من بينها ضم المستوطنات وإلغاء اتفاقيات أوسلو وحجز الأموال
التي تجبيها إسرائيل لمصلحة السلطة)، إلا أن ذلك لا يُلغي الجانب الخبري في تصريحه ـــــ سواء عناه أو لا ـــــ وهو المتعلق بخطورة الآثار السلبية التي تترقبها
تل أبيب على خلفية إضفاء صفة الدولة رسمياً على الكيان الفلسطيني الناشئ في المناطق المحتلة عام 67. في كل الأحوال، فإن حدّة الإجراءات المقترحة كرد فعل إسرائيلي
تشير ضمناً الى تقدير ليبرمان لمدى خطورة التداعيات الكامنة في الفعل الفلسطيني.
خلال الفترة الماضية، حفلت الحلبة السياسية الإسرائيلية بسجالاتٍ مكثفة حول المعاني السياسية التي ينطوي عليها حصول السلطة الفلسطينية على مكانة الدولة في المنظمة
الدولية. جاء ذلك ضمن سياق حالة الاستنفار التي تعيشها إسرائيل منذ إعلان الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، نيته التوجه إلى الأمم المتحدة لطلب هذه المكانة. تحدثت
تقارير صحافية عن حراكٍ نشط شهدته شبكة العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية لتوضيح هذه المعاني لدى أكبر عدد ممكن من دول العالم لتجنيد موقفها الرافض للخطوة الفلسطينية،
واستفاضت تقارير أخرى في تغطية الاستعدادات التي يجريها الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى تحسباً لانعكاسات ميدانية قد تنجم عنها. بين هذا وذاك، برزت الخشية الواضحة
من التداعيات القانونية والقضائية التي ترى المحافل الحقوقية والسياسية في إسرائيل أنها ستترتب على إعلان الدولة الفلسطينية. في العموم، يمكن تلخيص المخاوف
التي تعتري إسرائيل من الدولة الفلسطينية في ما يأتي:

انتفاضة ثالثة؟

الخطر الأول الذي ترى إسرائيل أنه يتهددها في خطوة إعلان الدولة يتمثل في الخشية من انطلاق ديناميكية شعبية فلسطينية مواكِبة للحدث يمكن أن تتطور ـــــ حالَ
تصاعدها ـــــ إلى خروجها عن السيطرة وسلوكها مسار صيرورةٍ تستنسخ فيها الحراك الشعبي العربي القائم، أو تتجه نحو انتفاضة جديدة ثالثة تكون أكثر عنفاً ـــــ
بما لا يُقاس ـــــ من النسختين السابقتين ربطاً بحالة العسكرة التي مر بها المجتمع الفلسطيني بفصائله المختلفة. وتواجه إسرائيل على هذا الصعيد معضلة متعددة
الأوجه: فعدم مواجهة الحركة الشعبية الفلسطينية قد يؤدي إلى إكسابها مزيداً من الزخم والجرأة، وقد يدفعها إلى تحدي الخطوط الحمر الإسرائيلية، مثل التوجه نحو
المستوطنات أو محاولة هدم الجدار الفاصل على الحدود الغربية للضفة. وفي حال مواجهتها ميدانياً، فإن الإصابات المحتملة التي سوف تنجم عن ذلك ستُعطي الشارع دفعاً
إضافياً، وخصوصاً في ظل الحساسية الشعبية المرتفعة بفعل «الربيع العربي». والإشكالية المهمة المستجدة التي سوف تعترض سبل المواجهة الإسرائيلية للحراك الفلسطيني
تكمن في أنه سيتخذ صفة «حرب التحرير الوطني الفلسطيني»، وستكون هذه الصفة مستندة إلى مسوغات الشرعية الدولية، وتالياً لن يكون نعتها بصفة الإرهاب بالسهولة التي
اعتادت عليها إسرائيل سابقاً.
وفي كل الأحوال، أخشى ما تخشاه إسرائيل هو دخول «أطراف ثالثة» على خط المواجهة، سواء كان ذلك من قبل الفصائل الفلسطينية التي لا تزال ترى في المقاومة الطريق
الأجدى نحو التحرير، أو من جانب المستوطنين الذين يمارسون منذ فترة سياسة «شارة الثمن» ضد الفلسطينيين في مناطق الضفة الغربية ويسهمون من خلال ذلك في تأجيج
الوضع الشعبي الفلسطيني، أو من جهاتٍ خارجية يمكن أن تستغل الوضع المستجد لتلتفّ على أزمتها الداخلية من خلال تحريك الجبهة مع إسرائيل «سلمياً» عبر مسيرات شعبية
باتجاه الحدود تحت شعار «حق العودة»، تماماً كما حصل في ذكرى النكبة قبل أشهر. كل ذلك، ولم يتم التطرق بعد إلى احتمال أن تقود التطورات في مرحلة ما إلى وقف
التعاون الأمني من جانب الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية مع نظيرتها الإسرائيلية، الأمر الذي ترى فيه إسرائيل خطراً داهماً على أمنها الداخلي، وخصوصاً
إذا ما تم ذلك على خلفية تكريس المصالحة التي بدأت قبل أشهر بين حركتي فتح وحماس، ما يعني وقف حكومة رام الله لعمليات «الإحباط» والاعتقالات التي تنفذها بحق
أنشطة الحركة الإسلامية وكوادرها.
ويمكن تقدير درجة الخطورة التي تعزوها إسرائيل للتهديد الشعبي المتأتي عن إعلان الدولة الفلسطينية من خلال متابعة الاستعدادات الميدانية التي تعكف عليها تشكيلاتها
العسكرية والأمنية منذ أشهر، وهي استعدادات تكاد تقترب من الجهوزية الحربية الكاملة بما تتضمنه من تدريب وتجهيز وخطط لاستدعاء الاحتياط وإعادة نشر القوات ورفع
مستوى التأهب داخل صفوف الشرطة والجيش والأجهزة الاستخبارية.

عزلة دولية وجمود العملية السياسية

المحظور الثاني الذي تخشاه إسرائيل هو أن يدفع رفع مكانة منظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة إلى دولة نحو استغلال الأخيرة لواقعها السياسي الجديد ضمن
سياق مناكفة الدولة العبرية في المحافل الدولية، وصولاً إلى زيادة ما تقول تل أبيب إنها عزلة سياسية تزداد حلقاتها ضيقاً حولها. فالدولة الفلسطينية الناشئة
ـــــ سواء كانت تتمتع بصفة العضوية أو الرقابة ـــــ سيتاح لها الانضمام إلى المواثيق والمنظمات الدولية المختلفة لتمارس فيها إن أرادت ندّية سياسية تستند
إلى مستمسكات أخلاقية وقانونية ضد الحضور الإسرائيلي فيها، فضلاً عن إمكان تفعيل المكانة المستجدة لتعزيز المقاطعة الأهلية القائمة في دولٍ غربية ضد إسرائيل،
منتجاتٍ وشخصياتٍ سياسية وأكاديمية. بيد أن الأهم والأكثر خطورة من ذلك هو أن إقرار الدولة الفلسطينية ضمن حدود عام 67 سيغير تماماً الإطار القانوني للعلاقات
بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ويلغي جزءاً من مرجعيات العملية السياسية. فعلى سبيل المثال، ستتحول المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل في الضفة الغربية، بما
فيها القدس، من أراضٍ متنازع عليها إلى أراض محتلة وفقاً للقانون الدولي. ومن شأن ذلك أن يدفع الفلسطينيين إلى تجاوز مسار المفاوضات على قاعدة أن ما منحتهم
إياه الشرعية الدولية من حقوق سيادية على صعيد المسائل الجوهرية تحديداً (الحدود، العاصمة، عدم شرعية المستوطنات) لم يعد مادة للمساومة على طاولة التفاوض. وقد
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي صريحاً في تعبيره عن هذه النقطة حين رأى أن «إعلان الدولة الفلسطينية سيجعل المفاوضات تعلّق لستين عاماً».

فقدان امتيازات «سيادية»

امتداداً للنقطة السابقة، تخشى إسرائيل من إمكان أن يسعى الفلسطينيون إلى ممارسة أنشطةٍ عملية تُكرس مبدأ سيادتها على أراضيها ومجالها الجوي والبحري. فحق الدولة
الفلسطينية المزمعة في التوقيع على الاتفاقيات سيفتح لها باب الانضمام إلى أطرٍ ومنظمات دولية متخصصة، مثل اتفاقية قانون البحار ومنظمة الطيران المدني الدولي
(IATA)، فضلاً عن المحكمة الجنائية الدولية. يستتبع ذلك إسقاطات قانونية وإجرائية على أكثر من صعيد، كأن يُصبح الفلسطينيون أصحاب السلطة على المياه الإقليمية
قبالة سواحل غزة، مع ما يعنيه ذلك من إمكان تحدي الحصار أمام محكمة الهيئات القانونية الدولية وحق المطالبة بالغاز الطبيعي الواقع ضمن المنطقة الاقتصادية الفلسطينية
الخالصة. ومن هذه الإسقاطات أيضاً رفض منظمة IATA السماح للطائرات المدنية الإسرائيلية بالتحليق فوق الضفة الغربية وغزة بوصفها أجواء سيادية فلسطينية، ما يعني
اضطرار شركات الطيران الإسرائيلية والأجنبية إلى تخطيط مسارات تحليق جديدة تربك الحركة الجوية القادمة إلى إسرائيل والمنطلقة منها.

شبح لاهاي القضائي

يبقى أن الأمر الأكثر إثارة للقلق الإسرائيلي هو الحق الذي ستتيحه عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، حتى كدولة مراقبة، بمقاضاة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية
في لاهاي بتهمٍ متعددة، تبدأ بجريمة المشروع الاستيطاني التي تُعدّ بحسب نظام المحكمة جريمة حرب (نقل سكان من وإلى أراضٍ محتلة)، ولا تنتهي بارتكابات الجيش
الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية خلال العمليات العسكرية الكبرى كـ«السور الواقي » عام 2002 والحرب الأخيرة على قطاع غزة قبل عامين.

ليبرمان لإجراءات عقابيّة ضد الفلسطينيّين

يروّج وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان (الصورة)، لضرورة أن تكون مواجهة المسعى الفلسطيني في الأمم المتحدة والحؤول دون إعلان الدولة الفلسطينية، مبنية
على استخدام إسرائيل «صندوق أدوات» مهمته معاقبة السلطة الفلسطينية إن هي أصرّت على طرح قيام الدولة من جانب واحد. ومن بين «الأدوات» التي يتضمنها هذا الصندوق:
إلغاء اتفاقيات أوسلو والترتيبات الأمنية والعلاقات الاقتصادية بين الجانبين، ضم الكتل الاستيطانية اليهودية في الضفة الغربية الى إسرائيل، تجميد أموال الجمارك
والضرائب المجباة لمصلحة السلطة من قبل إسرائيل، إلغاء بطاقات العبور (VIP) لكبار مسؤولي السلطة التي تمكّنهم من السفر الى الخارج أو الدخول الى إسرائيل، وتشجيع
اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة على تحفيز أصدقاء إسرائيل في الكونغرس لاتخاذ قرار بوقف المساعدات السنوية الأميركية للسلطة، التي تصل الى نصف مليار دولار
سنوياً.

مقالات أخرى لمحمد بدير:
list of 5 items
• إسرائيل والربيع العربي: السلام يُصنع مع... المستبدين
[1]
• ينابيع تسليح حزب اللّه لم تجفّ والحرب المقبلة محورها تل أبيب
[2]
• واشنطن لتل أبيب: مساعدة لبنان عسكرياً رهن موافقتكم
[3]
• هكذا أرادت إسرائيل أن تكون القوّة الدوليّة في لبنان
[4]
• إسرائيل تهدّد الفلسطينيين بخطوات أُحادية
[5]
list end
http://www.al-akh
> إسلاميو طرابلس للراعي: مخاوفك في غير محلها

إسلاميو طرابلس للراعي: مخاوفك في غير محلها

أثارت مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي من الأحداث في سوريا زوبعة لم تخمد بعد. أكثر من استفزتهم مواقفه هم الإسلاميون الذين رأوا أن الخوف من حكم السُّنة
في سوريا غير مبرر. واللافت أن الانقسام العام في البلاد، يسري أيضاً على الإسلاميين

عبد الكافي الصمد

لم تهدأ ردود الفعل على مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، ولا يُنتظر لها أن تهدأ قبل فترة؛ لأنها مثّلت مقاربة جديدة من رأس الكنيسة المارونية لقضايا محلية
وإقليمية شائكة، لم يعتدها كثيرون طوال فترة سلفه البطريرك نصر الله صفير.
وسواءٌ توافق المتابعون أو اختلفوا على تأييد الكلام الجديد للراعي أو معارضته، فإنه سبّب إعادة نظر أكثر من طرف سياسي بعلاقته مع بكركي، ما يُعطي إشارة إلى
أن مرحلة جديدة من التعامل قد بدأت بين البطريركية المارونية واللاعبين السياسيين على الساحتين المسيحية والإسلامية معاً.
كلام الراعي على سلاح المقاومة كان أول غيث «الانقلابات» في مواقف بكركي من الملفات الداخلية، بعد ثبات عليها استمر نحو 3 عقود ونصف أيام صفير، قبل أن يتبعه
الراعي بموقف من التطورات في سوريا.
الساحة الإسلامية السنية بدت معنية أكثر من غيرها بموقف الراعي، لأسباب، منها أن مخاوف الراعي فُسرت بأنها تعود إلى قلقه من تنامي الأصوليات الإسلامية السنية
في المنطقة. ووجدت هذه الساحة نفسها على هذا الأساس مطالبة بالردّ والتوضيح، وخاصة أن جهات إسلامية لبنانية تربطها صلات وثيقة بما تشهده المنطقة من تحركات.
وبناءً على ذلك، لم يتوانَ بعضها عن الرد.
الجماعة الإسلامية مثلاً، وجدت نفسها منذ البداية مؤيدة لحراك الشارع السوري، وتحديداً الذي يقوده تنظيم الإخوان المسلمين، الذي رأى الراعي أن وصوله إلى السلطة
في سوريا سيجعل المسيحيين «يدفعون ثمن هذا التغيير قتلاً وتهجيراً كما جرى في العراق»، فردّت الجماعة في بيان لها أنه «ما كنّا نتوقع هذا الموقف من غبطته».
ورأت الجماعة أن الراعي «توصّل بالاستنتاج إلى أن أي تغيير يقدم عليه الشعب السوري سينعكس سوءاً على العلاقة في لبنان بين المكوّنات اللبنانية»، مذكرة إيّاه
بأن «مكوّنات الشعب العراقي كافة دفعت ضريبة الاحتلال قتلاً وتهجيراً»، وأن «إثارة النعرات الطائفية وغير الطائفية في هذه الظروف لا يعود بالمنفعة على أيّ من
مكوّنات المنطقة، فضلاً عن أنه يفتح الباب لسجالات متبادلة تعود بالضرر على الجميع».
رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية عزام الأيوبي أوضح لـ«الأخبار» أن موقف الراعي «هو تحليل يتضمن مغالطات كبيرة، وهو موقف يمثله ولا يمثل كل المسيحيين،
الذين أبدى بعضهم مواقف متعارضة معه». وأكد الأيوبي وجود «اتصالات مع مقربين من الراعي لاستيضاحهم حقيقة موقفه، وقد يكون هناك لقاءٌ معه لهذه الغاية». لكنه
لفت إلى «مشكلة المقام في لبنان، الذي يستصعب صدور تصحيح أو تراجع منه عن موقف ما».
الأيوبي لم ينكر وجود «خطاب إسلامي فيه غلو وتطرف، لكن تعميم الراعي موقفه ليس مبرراً؛ فنحن نحاول جعل هذا الخطاب معتدلاً، لإيماننا بالعيش المشترك مع كل الطوائف،
ولأننا نتأذى من خطاب التطرف كما يتأذى الآخرون».
الأمين العام لحركة التوحيد الإسلامي الشيخ بلال شعبان الذي أيّد موقف الراعي من سلاح المقاومة، كانت له وجهة نظر مختلفة. فهو برّر مخاوف الراعي، «لكن ليس من
الإسلاميين، بل من صنّاع الفتن». ولفت إلى «أننا نخاف مثله على المسيحيين والمسلمين، الأكثريات والأقليات، لأن ما يجري في المنطقة هو صناعة فتن».
شعبان الذي عدّ المسيحيين «جزءاً من أمتنا، له ما لنا وعليه ما علينا»، رأى أن «ما حصل للمسيحيين في الشرق لم يكن سببه الإسلام»، وسأل: «لماذا لم يحصل للمسيحيين
في العراق طوال القرون الماضية ما حصل معهم بعد الاحتلال الأميركي؟».
في موازاة ذلك، برز لدى السلفيين موقفان مختلفان أيضاً. فرئيس جمعية الهداية والعدل والإحسان الدكتور حسن الشهال، رأى أن موقف الراعي «كان سيئاً، وغير متوقع
منه؛ لأنه اتهام ضمني للمسلمين بالاعتداء على الآخرين. وتاريخ المسلمين ليس كذلك. كذلك فإن مخاوفه ليست جدّية، بل تلبس ثوب السياسة».
الشهال الذي رأى أن «خوف الراعي من حكم تعددي في سوريا يدعو للعجب»، رأى أنه كان على الراعي أن «يقف من أحداث سوريا على الحياد»، وأن «يحافظ على ثوابت بكركي
القائمة على الحوار والتعددية والإصلاح».
في المقابل، رأى رئيس جمعية الأخوة للإنماء والتربية، الشيخ صفوان الزعبي، أن موقف الراعي «أحدث لغطاً على السّاحة السُّنية نتيجة تخوفه من حكم السُّنة في سوريا.
وإذا كان يقصد أن يحكم سوريا التطرّف السُّني، فنحن نوافقه الرأي. أما إذا كان المقصود السُّنة كطائفة، لا أي طائفة أخرى، فالأمر يحتاج إلى توضيح منه؛ لأن للمسألة
تأويلها».
الزعبي الذي رأى أن الراعي «يحاول في حركته ومواقفه إعادة التوازن إلى ثوابت بكركي التي أخلّ بها البطريرك صفير»، لفت إلى أن خطاب الراعي «يجب أن يُقرأ من خلفية
تخوفه من انفلات الوضع في المنطقة ولبنان. وهو خوف يفترض أن يكون عند الجميع؛ لأن الانفلات ليس لمصلحة أحد، وقد نغرق في بحر من الدماء، وقد يحصل انقلاب سياسي
على الأرض لن يصبّ في مصلحة أحد».
وإذ وافق الزعبي مقاربة الراعي مواقفه من «سلاح المقاومة والتوطين والتركيز على أن يكون التغيير نحو الأفضل لا الأسوأ»، أبدى ترحيبه بزيارة الراعي لطرابلس في
إطار زيارته مختلف المناطق اللبنانية، لكن «دعوته إلى زيارتها يُفترض أن يوجّهها إليه قيادات المدينة السياسية والدينية».
> البطريرك في الجنوب «لكـل اللبنانيّين» وميقاتي يفكّ العزلة

البطريرك في الجنوب «لكـل اللبنانيّين» وميقاتي يفكّ العزلة

وحده البطريرك الماروني في جولاته يصنع الحدث السياسي. في الجنوب، أقيم له خلال اليومين الماضيين استقبال غير مسبوق، شعبياً وسياسياً. أما السياسيون، فبين مشغول
بالتعليق على كلام البطريرك، ومسافر إلى نيويورك، وعائد منها

منذ أن زار الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، منطقة الجنوب العام الماضي، لم يستقبل الجنوبيون أحداً بالحفاوة التي استقبلوا بها البطريرك الماروني بشارة الراعي.
على طول طرق الجنوب، خرج الناس ليحيّوا بطريركاً خاطب وجدانهم. حدّثهم عن الإمام موسى الصدر والمقاومة. حيّا صمودهم ومقاومتهم، مختصراً الكلام بالقول: لولاكم
لما كنا هنا. من صور (آمال خليل) بدأت زيارة الراعي، أول من أمس. سوء الأحوال الجوية لم يبدد الحشد الذي تداخل بين السكان المسيحيين في «حارتهم» وجيرانهم من
حارة المسلمين والعشرات من الفاعليات الرسمية. وصل الراعي في الموعد المحدد. وما إن ترجل من سيارته حتى تلقفته عشرات الأيدي والأحضان. وتحت شرفة مقر كاريتاس
لبنان، وقف ليحيّي الحشود، قبل أن يقدم له رئيس البلدية حسن دبوق مفتاح المدينة.

ثم زار كنائس المدينة، المارونية منها والكاثوليكية والأرثوذكسية، وكانت لافتة مرافقة مطران حلب للموارنة أنيس أبي عاد للبطريرك في جولته بكل محطاتها. من صور
إلى قانا، حيّا الراعي «أرض الجنوب المقدسة التي فيها الحب والشهادة والاستشهاد، وشهداء قانا وكل الذين سقطوا على مذبح الوطن. لولاهم جميعاً لما جئنا الى هنا
ولما كان لبنان». ومن خارج البرنامج الرسمي، عرّج على مؤسسات الإمام موسى الصدر، قبل أن يتابع جولته نحو الحدود.
ومن صور إلى علما الشعب، البلدة التي لم يبق فيها من أبنائها سوى أقل من مئتي شخص، حيث حيّا البطريرك «صمود الأهالي وتضحياتهم وآلامهم في الظروف التي مسّت بكرامتهم»،
واصفاً علما بـ«سياج الوطن». وزار مقر قيادة القوات الدولية والتقى رئيسها الجنرال ألبرتو أسارتا. والمحطة الأخيرة في اليوم الجنوبي الأول كانت في بلدة العدوسية.
أما في اليوم الثاني، فزار الراعي مناطق النبطية ومرجعيون وحاصبيا، وأقيم له مهرجان حاشد في الخيام. وفي جميع محطاته، استقبله نواب حزب الله وحركة أمل ووزراؤهما
وجمهورهما. بدوره، ألقى خطباً حيّا فيها أهل الجنوب وصمودهم ومقاومتهم، مؤكداً ضرورة تمسك لبنان بالقرارات الدولية. وليلاً، وصل إلى بنت جبيل (داني الأمين)،
حيث أقيم له استقبال جماهيري، وألقى خطاباً قال فيه إنه «في هذه الزيارة الى الجنوب تبيّن لي بأنني لم أكن بطريركاً للموارنة، بل لجميع اللبنانيين». ثم انتقل
إلى بلدة دبل، التي أقيم له فيها احتفال تكريمي وقدّاس، قبل أن يتوجّه الى بلدة عين إبل، ليلقي كلمة ويضع الحجر الأساس للبيت الأبرشي، ويبيت ليلته هناك. وصباح
اليوم، ينتقل الراعي إلى بلدة رميش التي يُحضَّر له فيها استقبال حاشد، على أن يختتم زيارته الجنوبية باستقبال يقيمه على شرفه رئيس مجلس النواب نبيه بري في
المصيلح.

ميقاتي سيلتقي كلينتون

وبعيداً عن الجنوب، كشف رئيس مجلس الوزراء، نجيب ميقاتي، في لقاء مع الإعلاميين المرافقين له في زيارته لنيويورك أنه سيعقد ابتداءً من اليوم سلسلة لقاءات مع
وزراء خارجية الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين، إضافة الى لقاءات مع رؤساء وفود عربية وأجنبية والسفراء العرب المعتمدين في الأمم المتحدة. كذلك سيلتقي
ميقاتي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للبحث في القرارات الدولية المتعلقة بلبنان وطلب فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة. وبهذه اللقاءات، يكون
ميقاتي قد فكّ ما يشبه الانقطاع عن دول القرار الذي واجهه منذ قيام حكومته.
ورداً على سؤال، قال ميقاتي إنه «سيركز البحث مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون على عدد من المواضيع، منها دعم الجيش وتعزيز القوى الأمنية والعسكرية
اللبنانية».
وعن المحكمة الدولية، لفت الى أن «مصلحة لبنان هي في احترام القرارات الدولية وعدم الانتقائية في تطبيقها، لكن في الوقت ذاته النظر الى مصلحة لبنان كأولوية».
وقال إن «لبنان سيقدم إلى الأمم المتحدة الخرائط اللازمة بشأن المنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة وسيطلب حماية هذه المنطقة».
> الطابق الثاني عاد إلى كنف الدولة

الطابق الثاني عاد إلى كنف الدولة

بدون مفاتيح ما زالت مع محتجزها منذ أشهر، تمكّن وزير الاتصالات من تحرير الطابق الثاني من مبنى العدلية، واسترداد الشبكة الخلوية الثالثة ناقصة بعض القطع المنزوعة
بطريقة لصوصية، وأجهزة كومبيوتر تحمل سر ما حصل
هل تذكرون الطابق الثاني في مبنى وزارة الاتصالات في محلة العدلية،
وحادثته الشهيرة في 26 أيار الماضي
[1]، حين بثت التلفزيونات على الهواء مباشرة، منظراً غريباً عجيباً يُظهر وزيراً وعدداً من كبار الموظفين وسط غابة من سلاح عناصر أمنيين من جهازين رسميين، وصوت
ضابط كبير يصرخ: أرجوكم، كل السلاح باتجاه الأرض أحسن ما منموت كلنا... ما يشير إلى وجود أمر بإطلاق النار، وإلى أن رصاصة واحدة كانت كافية لإحداث مجزرة؟
هذا الطابق عاد أمس إلى كنف وزارة الاتصالات، بعدما تمكنت «الشرعية» من اقتحام إمارة عبد المنعم يوسف حتى من دون المفاتيح التي أودعها «في عبّه» في ذلك اليوم
من 20 أيار، حيث ذهب في إجازة وترك إمارته في عهدة فرع المعلومات، متسبباً باعتكاف وزير، والتعدي على صلاحيات آخر وعدم تنفيذ كلمة رئيس الجمهورية، وإقحام أجهزة
تفتيش ومؤسسة عسكرية وأجهزة أمنية، للتغطية على من وماذا؟
ببيان مقتضب وضع وزير الاتصالات نقولا صحناوي، كلمة النهاية لحكاية «تمرد» مستمر منذ أكثر من 4 أشهر، بإعلانه أن الوزارة استردت أمس الطابق الثاني في مبناها،
وأنه تفقد واللجنة الفنية هذا الطابق وجال في أرجائه واطلع على محتوياته، وقال: «هذا يوم سعيد لكل من لا يزال يتمسك بمنطق الدولة ويؤمن بصلابة مؤسساتها. اليوم
استردت وزارة الاتصالات ما هو ملك وأصل من أصولها، بعد الخروج المدوي على شرعية الدولة، خاض البعض في خلاله معارك لكسر هيبتها، لكن منطق دولة القانون والمؤسسات
هو الأقوى، كما تبين من خلال ما حققناه اليوم (أمس)، الأمر الذي يتيح للجنة الفنية في الوزارة الكشف على المعدات العائدة الى الشبكة الخلوية الثالثة، وهي للتذكير
هبة مقدمة من الحكومة الصينية الى وزارة الاتصالات، تمهيداً لوضع التقرير الفني والتقني بشأن وجهة استعمالها منذ تشغيلها». وختم مباركاً «للبنانيين إعادة الاعتبار
الى منطق الدولة».
لكن ماذا وجدت اللجنة في الداخل؟ أعضاؤها رفضوا إعطاء أي معلومات قبل إنجاز الأعمال التقنية والفنية اللازمة لإعداد تقرير بذلك، إلا أن بعضهم سجل الانطباعات
الأولية التالية: بعض القطع مفقودة ومنزوعة من الأجهزة عبر قطع الأسلاك بطريقة تدل على أن مفككيها كانوا في عجلة من أمرهم. فقدان أجهزة كومبيوتر متصلة بتجهيزات
الشبكة الصينية، مع ما تحويه هذه الكومبيوترات من داتا قيّمة تدل على ماهية عمل الشبكة في الفترة السابق. وضع أجهزة التكييف على درجة حرارة أعلى مما يتطلبه
الحفاظ على التجهيزات والداتا.
إضافةً إلى ذلك، أفاد عاملون في مبنى الاتصالات أن فرع المعلومات عمد إلى تركيب أجهزة على سطح مبنى مقابل، عندما عاينها أعضاء اللجنة من سطح مقابل تبين لهم
أن هناك محطة موجهة نحو مبنى الاتصالات، ما يثير شبهة بوجود صلة بين تجهيزات السطح والمبنى نفسه؟
وهكذا زاد ما أظهره الدخول إلى الطابق الثاني، غموض اللغز الذي بدأ مع وضع اليد على شبكة الخلوي الثالثة، وإعلان طابق في مبنى وزارة «جمهوريةً» مستقلةً عن سلطة
الوزير والدولة، حتى لو أدى الأمر إلى نزاع مسلح بين أبناء المؤسسة الواحدة، وإلى عصيان أوامر رئيس الجمهورية والوزير المعني، واستخدام الفبركات والتحايل وادعاء
ما لم يحصل.
وللتذكير فإن لحكاية «التمرد» بطلين، يرتبطان بكاتب واحد هو تيار سياسي، لا بمرجعية كل منهما الوظيفية. الأول هو المدير العام للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات،
ورئيس هيئة أوجيرو ومديرها العام، عبد المنعم يوسف، الذي طلب إجازة لمدة أسبوعين لقضائها خارج لبنان، تبدأ في 20 أيار الماضي، وقبل ذهابه وضع مفاتيح الطابق
الثاني في جيبه، واستقدم عناصر من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي لحراسة هذا الطابق. والثاني هو المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، الذي
رفض طلباً من رئيس الجمهورية وقراراً لوزير الداخلية، بإخلاء المبنى من عناصر الفرع، بحجة أنه تلقى طلباً لحراسة المبنى من... يوسف. الأمر الذي أدى إلى إعلان
وزير الداخلية اعتكافه عن تصريف الأعمال.
ورغم ما كادت مواقف يوسف وريفي، أن تؤدي إليه يوم 26 أيار الماضي، حين منع عناصر فرع المعلومات وزير الاتصالات آنذاك شربل نحاس واللجنة الفنية من دخول الطابق
الثاني، ما أدى إلى استنفار متبادل مع عناصر جهاز أمن السفارات والمباني الحكومية، الأمر الذي دفع نحاس إلى التراجع حقناً للدماء، ورغم الارتكابات التي أظهرتها
متابعة الموضوع، حيث تبين أن يوسف طلب تأمين عناصر من فرع المعلومات لحراسة الطابق، بعد يوم من تمركز هؤلاء العناصر في المبنى، أي إن طلبه جاء في وقت كان فيه
مجازاً، إضافةً إلى ادعائه في الطلب أنه استشار هيئة التفتيش المركزي، الأمر الذي نفته الهيئة بعد استفسار من نحاس، رغم كل ذلك فإن فرع المعلومات لم يُخل المبنى،
بل أخلى منه بحسب ما نقلته بعض المحطات التلفزيونية حقائب لم يُعرف ما تحتويه، إلى أن أدّت الاتصالات بعد 8 أيام من منع نحاس من دخول الطابق، إلى حلول الجيش
مكان فرع المعلومات في حراسة الطابق، إلى حين تأليف الحكومة الجديدة.
وبالفعل، ما كاد صحناوي يتسلم مهمّاته كوزير للاتصالات في الحكومة الجديدة، حتى أوعز إلى اللجنة المكلفة بتسلم التجهيزات، بتنفيذ مهمتها، لكن الجيش لم يسمح
لها بالدخول بذريعة أنه لم يتلق أوامر جديدة. ففضل صحناوي معالجة الموضوع بهدوء، وأرسل منذ حوالى شهر كتابين إلى وزيري الدفاع والداخلية، يطلب من الأول إخلاء
الجيش للمبنى، ومن الثاني تكليف جهاز أمن السفارات والمباني الحكومية استعادة مهمّاته في حراسة المبنى. الأمر الذي تحقق نهاية الأسبوع الماضي، ما سمح للوزير
واللجنة الفنية، بدخول الطابق الثاني صباح أمس، بعد فتح الأبواب عبر شركة متخصصة، لكون المفاتيح لا تزال مع يوسف!
في مجال آخر، أعلن رئيس الجمهورية ميشال سليمان في حديث تلفزيوني من نيويورك، سلسلة مواقف من التطورات، لافتا إلى أن الحكومة بدأت بتحقيق نجاحات «لكنها تحتاج
إلى وقت، وهي ليست منسجمة تماماً، لكن عندما يسود منطق العقل يجري الانسجام». وأكد التزام لبنان قرار المحكمة الدولية «مهما كانت الظروف»، مشيراً إلى أن «التزام
القرارات الدولية ليس انتقائياً». وقال إن الموقف بشأن سوريا «ينسجم مع عدم التدخل في شؤون الدول. فهل رفض روسيا لقرارات ضد سوريا فرض عليها؟».

http://www.al-akhba
t end
> المسيحيون بين خيارات الراعـي و«جرأة» جعجع

المسيحيون بين خيارات الراعـي و«جرأة» جعجع
اقترح جعجع الجمعة أن تنتخب كل طائفة نوابها وشدد السبت على «عدم الانزلاق إلى قمقم التقوقع الأقلّوي» (أرشيف ــ هيثم الموسوي)

ضحك كثيرون حين كتبت «الأخبار»، عشية انتخاب بطريرك جديد في 4 آذار 2011: جعجع في مواجهة البابا. قال هؤلاء إن الصحيفة بـ«مانشيت» كهذا تُكبّر جعجع. لكن الحقيقة
تظهر يوماً تلو الآخر، من اجتماع الموارنة الأخير في بكركي إلى احتفال القوات السبت: المسيحيون مدعوون إلى الاختيار بين خيارات الفاتيكان وبطريركيتهم، وخيارات
سمير جعجع وسامي الجميّل

غسان سعود

تأكّد يومي الجمعة والسبت الماضيين ثبات رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، سمير جعجع، في القوات اللبنانية، حيث كانت يوم انتسب إليها مع مطلع الحرب
الأهلية. لا تغيير. كل التحالفات والاعترافات بالأخطاء كانت لحظات عابرة. ثبت في هاتين المناسبتين تناقض خطاب جعجع ومشروعه مع كل المعاني التي تحملها كلمتا
شركة ومحبة.

يوم الجمعة قالها جعجع صراحة: «فلينتخب المسيحيون نوابهم والمسلمون نوابهم». لماذا نضحك على أنفسنا والآخرين؟ هم مسلمون ونحن مسيحيون. فلينتخب كل منّا في هذا
البلد مسؤوليه، وليُدر شؤون طائفته كما يشاء. فلتسقط الشركة والمحبة في موضوع الانتخابات، إذ تبيّن أن انتخاب كل طائفة لنوابها أسهل من إقناع مناصر تيار المستقبل
بانتخاب قوّاتي، أو إقناع رئيس تيار المستقبل بترك شريكه المسيحي يختار المرشحين المسيحيين على لائحته. فلتذهب شراكة القوات اللبنانية وتيار المستقبل كما شراكة
التيار الوطني الحر وحزب الله إلى الجحيم. لا شراكة في تحالفات على مستوى الوطن، ولا شراكة في الطائفة الواحدة حيث يفترض أن تخاض المعارك الطاحنة. هتف جعجع
مع إيلي الفرزلي إذاً: حرية سيادة استقلال... لمذاهبنا. ذهل بعض المطارنة الذين كانوا حاضرين. تهامسوا مردّدين: «يقول الحق، صراحة. هكذا يتحقق التمثيل الحقيقي
والعادل للمسيحيين». حتى السفير السابق عبد الله بو حبيب الذي لم يجمعه في السابق ودّ مع جعجع، خرج مردّداً: «كان الحكيم محقّاً هذه المرة. تصرّف كزعيم مسيحيّ
حقيقيّ يعطي الأولوية لمصلحة طائفته على حساب كل التفاصيل الأخرى». أثبت جعجع لنفسه، وبعض الآخرين، أن مصلحة المسيحيين تتقدم عنده على كل المصالح الأخرى، بما
فيها مصلحة البلد والعيش المشترك وكل العبارات الطنّانة الأخرى.
في اليوم التالي، أكمل قائد القوات المهمة. ذهب مباشرة إلى «حيث لا يجرؤ الآخرون». كل مشكلة الفاتيكان منذ أربعين عاماً، منذ أخرج بشير الجميّل الكرسي الرسوليّ
عن طوره ودفعه إلى إعلان الموقف تلو الموقف المندّد بخيارات القوات اللبنانية السياسية، أن «المسيحيين في هذا الشرق»، كما يقول جعجع حرفياً، «هم بالفعل دائماً
حيث لا ولم ولن يجرؤ الآخرون». يذهبون إلى حيث لا يجرؤ الآخرون، ثم يأتون إلى الفاتيكان باكين وشاكين: لم نعد نستطيع أن نوصل بأصواتنا ثلث النواب المخصصين لطائفتنا.
يذهبون إلى حيث لم ولن يجرؤ الآخرون، ثم تُشغَل فضائياتهم بتصوير الأمهات يندبن فوق قبور أبنائهن وحقائب سفرهم. ما الذي يجبرهم على ذلك؟ جعجع. لماذا؟ لأن جعجع،
كما يقول، «لا يخاف أحداً، ولن يخاف من أحد، ولا يريد ضمانات من أحد».
قد يكون طبيعياً أن يهبّ كل مسيحيّ يستمع إلى جعجع عن كرسيه مصفّقاً، سعيداً بزعيم الطائفة القويّ. لكن الرجل المتكلم قد جُرّب، وخياراته «حيث لا ولم ولن يجرؤ
الآخرون» جُرّبت أيضاً. ونتيجة ذلك على المسيحيين كانت، باختصار شديد، كارثية. «حيث لا ولم ولن يجرؤ الآخرون» أثمرت التهجير الأول من الشمال، والثاني من شرق
صيدا، والثالث من الشوف وعاليه، والرابع من مؤسسات الدولة. «حيث لا ولم ولن يجرؤ الآخرون» كانت انتحاراً. «حيث لا ولم ولن يجرؤ الآخرون» كانت السبب في إطلاق
البطريرك السابع والسبعين للطائفة المارونية شعار الشركة والمحبة عنواناً.
في مجالسه الخاصة، برّر البطريرك بشارة الراعي مواقفه في باريس وأثناء استقباله السفيرة الأميركية في بكركي برغبته في الحصول «على ضمانات جدية من الدول العظمى
بشأن حماية الوجود المسيحي في الشرق، مهما كانت التغييرات المرسومة للمنطقة، كما يريد ضمانات من القوى الإسلامية المطالبة بديموقراطية لا ترى منها إلا حكم الأكثرية».
يوم السبت، ردّ جعجع على البطريرك مباشرة بالقول: «نحن هنا، لا نريد ضمانات من أحد». اعلم أيها الراعي: «لن نساير، لن نتلوّن، لن نستجدي أمناً ولا أماناً».
اسمع أيها الراعي: «نحن لا نخاف أحداً، ونعرف كيف نتدبر أمرنا». افهم أيها الراعي «إما أن نعيش قيمنا ومبادئنا واقتناعاتنا، أو على الدنيا السلام». احذر أيها
الراعي «لن نقبل بتزوير تاريخنا وهويّتنا». على المسيحيين، في نظر جعجع، أن يكونوا رأس الحربة في كل قتال يخوضه الحق (بحسب تصنيف جعجع طبعاً) في مواجهة الباطل.
هذه هي المهمة التي انتدبهم جعجع للقيام بها. وهذه المهمة ــــ الرسالة تتناقض مع رسالة الفاتيكان «الشراكة والمحبة» التي يرى الكرسي الرسوليّ أنها خير وسيلة
لتثبيت المسيحيين في أرضهم.
بين الجمعة والسبت، يظهر جعجع تناقضاً هائلاً. ففي اللقاء الماروني تحدث بإسهاب عن وجوب التنبّه من النسبية في ظل التطوّر الديموغرافي، معتبراً أن عدد المسيحيين
يجعل من فدرالية المقاعد النيابية، أو انتخاب كل طائفة لنوابها، وسيلة وحيدة لفوز المسيحيين بأصواتهم بالمقاعد النيابية المخصصة لهم. يظهر خلال ذلك الاجتماع
معرفته العميقة بخطر التحوّل الديموغرافي الذي شهده البلد، وبوجوب «إعلان المسيحيين حالة طوارئ» لإعادة عقارب الشراكة إلى الوراء. حتى البطريرك الذي يعلم أن
الشراكة والمحبة لا تكونان عبر انتخاب كل طائفة لنوابها، يظهر تفاعلاً إيجابياً مع مداخلات جعجع المبنية على فهم أوّليّ لوضع المسيحيين الانتخابي. ثم، وبعد
يوم واحد، يرى جعجع أن «الوجود المسيحي في لبنان والشرق ليس وجوداً عددياً ومادياً»، وليس مبرراً بالتالي هذا القلق الفاتيكاني والبطريركي من تناقص أعداد المسيحيين
في الشرق. جعجع مرتاح. لمن يقول جعجع «إنّ حقّنا في الوجود والتفاعل الحيّ حقٌ مكتسبٌ، وليس منّةً من أحدٍ»؟ الراعي يعرف ذلك، يحاول إقناع الغير به. جعجع نفسه
كان يبحث في كيفية إقناع الآخرين به قبل يوم واحد. يبحث الراعي عن أمان لمجموعته الدينية بين جنّة الذميّة و«جهنّم» الحرية التي يعتبرها جعجع «أفضل منزل». يبلغ
تناقض جعجع الذروة: يقترح يوم الجمعة أن تنتخب كل طائفة نوابها، ويقول يوم السبت «يحتّم علينا دورنا الطليعيّ عدم الانزلاق إلى قمقم التقوقع الأقلّوي».
«رفيقاتي، رفاقي»، يتابع جعجع: «خوف (الراعي) من التطرّف مبرّرٌ ومشروعٌ، لكنّ هذا الخوف لا يبيح (للراعي) المحظورات»، ولا يفترض «انقلاباً جذرياً على كلّ القيم
الإنسانيّة والمسيحيّة». يتّهم قائد القوات بطريرك الموارنة، إذاً، من دون أن يسمّيه، بالانقلاب على كل القيم الإنسانية والمسيحية، على خلفية كلامه الباريسيّ.
ويطمئنه إلى أنه إذا ظهر تطرّف في مكان ما (لاحقاً)، لن يكون موقف جعجع منه أقل حدّة، ومواجهته له أقل شراسة، فـ«لنا في هذا المجال صولاتٌ وجولات».
يفترض الراعي أن المسيحيين تعبوا من هذه الصولات والجولات وعليهم البحث بالتالي عن ضمانات تجنّبهم مثيلاتها. أما جعجع فمطمئن من كثافة الحاضرين قبالته في ملعب
فؤاد شهاب إلى جهوزية هؤلاء لصولات وجولات. في السابق كان جعجع يخاطب اللبنانيين، أما الآن فترد العبارة حرفياً في خطابه كالآتي: «رفيقاتي رفاقي، أيّها المسيحيون».
شراكة ومحبة! أيها المسيحيون: «لن نعيش ذمّيين، هذا موقف حياةٍ أو موتٍ بالنسبة لنا». ومرة أخرى: «لا تخافوا، إذا كان الله معكم فمن عليكم؟».
لاحقاً يقتبس جعجع الكثير من خطابات النائب سامي الجميّل بشأن سلاح حزب الله، لينتهي إلى تذكير الراعي بأن بطاركة الموارنة هم الذين «افتتحوا مسيرتنا في النضال
والمقاومة منذ 14 قرناً، وعلّمونا أنّ الموت بحريّة وكرامةٍ في كنف جبالنا الصعبة خيرٌ لنا ألف مرّة من العيش أذلّاء صاغرين في ذمّة طاغيةٍ من هنا أو ديكتاتورٍ
من هناك». قم سيدنا، إذاً، كفاك ذلاً وصغراً.
بعيداً عن جمهور القوات اللبنانية الذي سيصفّق لقائده بغض النظر عن مضمون خطابه، كثيرون صفّقوا مبتهجين بجعجع الكرامة والشعب العنيد، لكنّ هناك كثيرين شدّوا
على سبحاتهم، مردّدين: «الله ينجينا».

يسأل بدل أن يجيب

يفترض سمير جعجع وجوب عدم أخذ العبر السلبية من الماضي. «انظروا إلى الماضي بإيجابية، تجدوها». يرى أنصار القوات في نقاشاتهم أن خيارات القوات في الحرب كانت
مناسبة مئة في المئة. فلولا «الفيلد» والسلاح الإسرائيلي والاندفاع للدفاع عن النفس لما بقي مسيحي واحد في هذه البلاد. يجاريهم في هذه الأقاويل جزء كبير من
العونيين، فيما يستمع إليهم الآخرون من مردة وغيرهم صامتين. يبني جعجع استراتيجيته على ذلك. يصفّق كثيرون له في ملعب فؤاد شهاب وبعيداً عنه. فيذهب أبعد وأبعد
في رهانه على عدم وجود ذاكرة جماعية تحدّد المسؤوليات وتأخذ العبر، إلى حدّ التساؤل علانية وأمام الآلاف حرفياً: «من هاجم المسيحيين في لبنان (في الصفرا ونهر
الموت مثلاً)؟ من قتلهم (في إهدن وبعبدا ومذكرات ريجينا صنيفر مثلاً)؟ من دمّر كنائسنا (دير كرم سدة ومطرانية زحلة مثلاً)؟ من فجّر كنيسة سيدة النجاة (من؟)؟
من قصف الأشرفية، وزحلة، وعين الرمّانة وعيون السيمان (من؟)؟ من اعتقل وأخفى واغتال رجالنا من رهبانٍ (مونسنيور خريش، رهبان دير مار يعقوب ــــ كرم سدة مثلاً)،
وعلمانيين (القواتيين الياس الزايك وسمير زينون والياس خوري الذي قتل بالطريقة نفسها التي قتل بها الوزير السابق بيار الجميّل، ويوسف الشب فرنجية مثلاً)، وعسكريين
(ضباط الجيش اللبناني في عمشيت والعميد خليل كنعان مثلاً) وسياسيين (إيلي الفرزلي وميشال المر وأمين الجميّل مثلاً)؟ قولوا لنا بربّكم، من أمعن في المسيحيين
(أو من سبّب للمسيحيين) قمعاً وتنكيلاً وسجناً ونفياً واضطهاداً وتهميشاً وأقصاهم عن أي دورٍ فعليّ ، وساهم في هجرتهم؟». بعد كل ذلك يعود جعجع ليقول: «لا نخاف
أحداً، لن نخاف من أحدٍ، نعرف كيف نتدبّر أمرنا». مشكلة جعجع مع البطريرك بشارة الراعي والكرسي الرسولي وكل من ينادي بالشراكة والمحبة أنهم سيبقون «دائماً أبداً
أمناء لأنفسنا ولتاريخنا».
> بكركي لكونيللي: لكم هواجسكم ولنا هواجسنا

بكركي لكونيللي: لكم هواجسكم ولنا هواجسنا
حضرت كونيللي إلى بكركي مزوّدة أحكاماً مسبقة حيال مواقف البطريرك في باريس (هيثم الموسوي)

يستعد البطريرك الماروني لزيارة واشنطن وولايات أميركية أخرى السبت، ويصحبها ما بقي من تداعيات زيارته الأخيرة باريس ومواقفه فيها. استبقت واشنطن الزيارة بالسعي
إلى توجيهها في منحى مختلف، فأبلغ البطريرك إلى السفيرة الأميركية الثوابت والهواجس نفسها

نقولا ناصيف

تعكس رعاية بكركي، اليوم، القداس السنوي الذي تحييه القوات اللبنانية في ذكرى شهدائها صورة مختلفة عمّا يريد الاحتفال تصويره إياها. الرعاية من البطريرك مار
بشارة بطرس الراعي، والقداس من سلفه البطريرك مار نصر الله بطرس صفير الذي سيكتفي بترؤسه من دون إلقاء عظة أو كلمة في المناسبة. بل سيتولى أحد الكهنة تلاوة
رقيم بطريركي باسم الراعي وصفير معاً بمضمون يتسم بالعمومية، من أجل أن لا يُفسح في المجال أمام أي إيحاء بوجود بطريركين في بكركي لخيارين متناقضين، وتبديد
الانطباع، تالياً، بأن ترؤس صفير القداس سينعش اعتقاداً تتمسّك به القوات اللبنانية، هو أن تكون بكركي على صورة هذا التنظيم، أو على صورة قوى 14 آذار. إلا أن
الأمر ليس كذلك.
منذ نتائج زيارته باريس، تشعّب الجدل في الخيارات الجديدة التي يعبّر عنها الراعي. تحمّس لها البعض، ونفر منها البعض الآخر. إلا أن البطريرك ثبّت مواقفه تلك
وأكد الإصرار عليها، ورسم حدوداً جديدة لطريقة تعاطيه مع الأفرقاء اللبنانيين، وأخصّهم الموارنة. لا يتجاهل أحداً منهم أو يهمله، ويثابر على الحوار معه، ولكنه
لا يرتب أولويات بكركي ومواقفها تبعاً لما يرضي هذا الفريق أو ذاك.
حدّد، في المرحلة الجديدة مع انتخاب بطريرك جديد، ثوابت جديدة لبكركي تجبه التحدّي الذي يضعه الراعي في رأس أولوياته، وهو مواجهة الخطر الذي ينذر الوجود المسيحي
في المنطقة ويهدّده ويستهدف جذوره فيها. تحدّث عن هذه الثوابت أمام الرئيس نيكولا ساركوزي والمسؤولين الفرنسيين في باريس، وأعاد تأكيدها لدى عودته إلى بيروت،
ثم قالها للسفيرة الأميركية مورا كونيللي لدى استقباله إياها في 19 أيلول، والسفير الفرنسي دوني بييتون في 21 أيلول. وستكون الثوابت نفسها في صلب الجولة التي
سيقوم بها البطريرك، في أول تشرين الأول المقبل، على الولايات الأميركية، وفي صلب محادثاته المقرّرة مع المسؤولين الأميركيين.
كان هذا الموضوع في قلب محادثات الراعي مع كونيللي في ضوء المعطيات الآتية:
1 ـــــ حضرت كونيللي إلى بكركي مزوّدة أحكاماً مسبقة حيال مواقف البطريرك في باريس، متبنّية وجهة النظر التي تحفظت عن تلك المواقف، وأخصّها من أفرقاء مسيحيين
في قوى 14 آذار، وراحت تعرب عن قلق بلادها ممّا بلغها من كلام البطريرك. بعد اجتماعها بالراعي خرجت بانطباع مغاير متفهّم لما سمعته، وخصوصاً من بكركي التي قالت
للسفيرة: لكم هواجسكم ولنا هواجسنا.
2 ـــــ رغم أن واشنطن كانت قد أبلغت إلى بكركي 3 تشرين الأول المقبل موعداً لاستقبال الرئيس الأميركي باراك أوباما البطريرك الماروني في البيت الأبيض، أتت
السفيرة كي تحمل إلى الراعي علامة استفهام حول هذا الموعد، انطلاقاً من تعليمات في هذا الشأن زوّدتها إياها الخارجية الأميركية، بما يشير إلى تحفّظ أولي حيال
هذا التاريخ. لم تقل إن الموعد ألغي، إلا أنها لم تثبّته، وأبقت الأمر معلقاً ريثما تحصل من البطريرك على ما سمّته إيضاحات ترسلها إلى إدارتها، كانت في الواقع
تأكيد البطريرك كل ما كان قد قاله.
كان ردّ فعله لكونيللي على التشكيك في اجتماعه بالرئيس الأميركي، أنه سيزور الولايات المتحدة لتفقد الجالية اللبنانية وأبناء كنيسته، سواء اتفق على الاجتماع
بأوباما أو لا. إلا أن أياً من المواعيد الرسمية الأخرى التي تشمل اجتماعات ولقاءات مع مجلسي النواب والشيوخ لم يطرأ عليه تعديل، ولا تزال مثبتة في برنامج زيارة
البطريرك واشنطن. وهو سيلتقي أيضاً في نيويورك الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.
3 ـــــ ترغب واشنطن، في ضوء ما بلغ إلى الصرح البطريركي من قنوات سوى السفيرة، في سماع موقف من الراعي ينتقد حزب الله بعنف ويندّد بسلاحه.
كان ردّ الفعل أن لا يتوقع أحد هناك سماع موقف كهذا من البطريرك، يتوخّى ظاهراً حملة سياسية دعائية على حزب الله، وضمناً توفير سبب إضافي لأزمات داخلية ووطنية
في لبنان. فضلاً عن أن معالجة مشكلة سلاح الحزب متكاملة وغير مجتزأة، تتناول السلاح ودوافعه ومبرّراته.
وشأن ما قاله في باريس عندما عبّر عن هواجس مزدوجة المنحى، سواء بالنسبة إلى حزب الله أو إلى سوريا، تأخذ في الحسبان المسؤولية الوطنية في لبنان ومسؤولية المجتمع
الدولي لإيجاد الحلول، يحمل إلى الجولة الأميركية القلق نفسه والهواجس نفسها التي تترجمه.
ما أبلغه الراعي إلى كونيللي سبق اجتماعه الأخير بالسفير الفرنسي الأربعاء الماضي. كان البطريرك قد امتعض من موقفين متناقضين لبييتون اتخذهما على أثر عودته
من باريس: أولهما تحدّثه عن نتائج إيجابية وزيارة تاريخية، وثانيهما الذي لم يفصل سوى ساعات عن سابقه عن استياء فرنسي ممّا سمّاه تصريحات البطريرك وموقفه من
سوريا، متبنّياً ردود الفعل السلبية عليه. وعندما تبلغ الراعي قبل أكثر من أسبوع طلب السفير الاجتماع به لاستيضاحه ما قاله في العاصمة الفرنسية، تعمّد تأخير
استقباله يومين على الأقل ترجمة لذلك الاستياء من تصرّفه، قبل أن يستقبله ويصارحه بانزعاجه.
سرعان ما وزّع السفير بياناً عن هذا الاجتماع تراجع فيه عن الإشارات السلبية التي كان قد ضمّنها في موقفه الثاني، كي يسهب في الكلام مجدّداً عن العلاقات التاريخية
بين فرنسا والكنيسة المارونية واستمرار تقليد لا مساس به، ولا يرى مبرّراً للضجة التي رافقت مواقف البطريرك. مع ذلك، لم يتردّد بييتون في بيانه في تأكيد موقف
حكومته من سوريا، وهو رفض القمع وأعمال العنف الجارية فيها وانعكاساتها الخطرة على الأقليات، كي يؤكد الخلاف مع بكركي حيال هذه المسألة.
> تحرير الشبكة الخلوية الثالثة: القراصـنة غاضبون

تحرير الشبكة الخلوية الثالثة: القراصـنة غاضبون
عناصر المعلومات يطوقون مبنى الاتصالات في ايار الماضي (أرشيف ــ مروان طحطح)

هناك حكايات لا تُروى إلا من آخر فصولها. هذا ينطبق على حكاية الشبكة الخلوية الثالثة التي كادت الأحداث المتصلة بها أن تطيح نهائياً ما بقي من ظلال للدولة في
لبنان... في هذه الحكاية، انتصر «الأبطال على الحرامية»، تماماً كما في أفلام «الأكشن» الهوليوودية

محمد زبيب

الحكاية الحقيقية للشبكة الخلوية الثالثة لن ترضي الجميع حتماً، خصوصاً أن رحلة التنقيب عنها تفضح أكاذيب كثيرة، وأعمال تزوير موصوف، وممارسات فيها أنواع متعددة
من القرصنة والسطو على الملك العام والتحايل على القوانين والأنظمة، وتجاوز حدود السلطة، والخلط بين العام والخاص... فضلاً عن الغش والخداع والتضليل الإعلامي
واستحضار الانقسام المذهبي لتبرير كل ذلك، بل والدفاع عنه.
من هنا تبدأ الحكاية. من الطابق الثاني في مبنى وزارة الاتصالات في منطقة العدلية، حيث جرى تركيب (وتخزين) معدّات وتجهيزات تقنية ومنصّة ذكية تسمح بإنشاء وتشغيل
شبكة خلوية متكاملة تستوعب 50 ألف مشترك، وتغطّي مساحات واسعة من الأراضي اللبنانية (والسورية). لم يكن أحد من المسؤولين في وزارة الاتصالات (والحكومة عموماً)
يعلم تماماً ماذا يحصل في هذا الطابق وعلى هذه الشبكة. كان الأمر بمثابة سرّ عميق! الشبهات كانت كثيرة وكبيرة، فالشبكة مشغّلة فعلياً، ويمكن أياً كان أن يلتقط
إشارتها على هاتفه الخلوي، والتقارير الفنية كانت تشير إلى وجود علامات جدّية على استخدامها لأغراض مختلفة، إلا أن الاستفسارات الموجّهة إلى رئيس هيئة «أوجيرو»
ومديرها العام عبد المنعم يوسف (الذي يشغل في الوقت نفسه مركزاً إدارياً ثالثاً على رأس مديرية الاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات التي تتولى مهمات تكليف
هيئة «أوجيرو» الرقابة على أعمالها!)، كانت لا تلقى الأجوبة الواضحة والمحددة. فغالباً ما كان ينفي تشغيل الشبكة شفهياً، ويمتنع عن تقديم أي إيضاحات خطّية كافية
وشافية، مدّعياً «استقلالية» مزعومة للهيئة، ومنتحلاً صفة المالك للشبكة عبر شركة وهمية لا أثر قانونياً لها تدعى «شركة أوجيرو تيليكوم»، متجاوزاً بذلك قانون
إنشاء هيئة «أوجيرو» الذي يحدد نطاقها بتسلّم منشآت وتجهيزات التلغراف حصراً بعد إنهاء امتياز «راديو أوريان» في عام 1972.
ووسط الجدل، برزت اتهامات لفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي بأنه يستخدم هذه الشبكة الخلوية لأغراض تخصّه. وقد يكون استخدمها لإنشاء شبكة داخلية مقفلة أو
لتنفيذ مهمات محددة. إلا أن المصادر الرسمية في وزارة الاتصالات ترفض التعليق على هذه المعلومات، وترفض تبنّيها ما لم تكن هناك أدلّة دامغة وثابتة، نظراً إلى
خطورة مثل هذه الاتهامات. ولكن كل المعنيين في الوزارة نفسها يبتسمون عندما تُطرح عليهم أسئلة من هذا النوع. يقولون باستطراد، تاركين للسائل مهمّة التحليل والاستقراء:
الشبكة موجودة فعلياً، وهي مشغّلة خارج الأطر الشرعية، وتحكمها إجراءات شديدة السرّية والتكتّم. والسؤال برز عندما أصرّ فرع المعلومات على منع المسؤولين الرسميين
عن هذه الشبكة من الكشف عليها، كذلك فإن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي رفض تنفيذ أوامر رئيسه المباشر، وزير الداخلية والبلديات السابق زياد
بارود، ما دفع الأخير إلى الاعتكاف، كذلك رفض تنفيذ أوامر القائد الأعلى للقوات المسلّحة ــــ رئيس الجمهورية ميشال سليمان. هذا التصرف جعل الشكوك تصاغ على
شكل سؤال: لماذا كل ذلك إذا لم يكن هناك ما يجب التستّر عليه؟ لا يعقل أن يوضع البلد أمام حالة هستيرية لمجرد أن عبد المنعم يوسف يرفض تنفيذ تعليمات رئيسه ــــ
وزير الاتصالات، ويصرّ على تمليك الشبكة إلى هيئة «أوجيرو» التي هي في الواقع الحقيقي مجرد مقاول في الباطن يعمل لمصلحة وزارة الاتصالات نفسها، فالمقاول لا
يمتلك شيئاً، وليس له أي قدر من الحرّية والاستقلالية.
بقيت بوابات هذا الطابق وغرفه الداخلية مقفلة طيلة الأشهر الأربعة الماضية، يحرسها جنود من الجيش اللبناني، هؤلاء الذين أوعزت إليهم قيادتهم تنفيذ مهمّة ليست
من اختصاصهم أصلاً. فالجيش وجد نفسه مضطراً إلى الحلول محل السلطة السياسية العاجزة، و«إنهاء حال التمرّد التي قام بها فرع المعلومات»، وتفادي صدام دموي كاد
أن يقع فعلياً، إلا أن ذلك لم يحصل إلا بعد 7 أيام من احتلال فرع المعلومات للمبنى الحكومي، اعتباراً من الثالثة من بعد ظهر الجمعة في 20 أيار الماضي حتى مساء
الجمعة في 27 أيار نفسه. هذه الفترة كانت كافية لإخفاء ومسح الكثير من المعلومات والأدلة على «الجريمة»، وهناك معلومات تتداول أن عناصر فرع المعلومات يدخلون
إلى المبنى ويخرجون محمّلين بحقائب كثيرة، تقول مصادر مطّلعة إنها تحوي تجهيزات فُكّكت بإشراف خبراء وفنيين جنّدهم الفرع، وهو ما أكدته معاينة أوّلية أجرتها
منذ أيام قليلة اللجنة الفنية المؤلفة في وزارة الاتصالات للكشف على الشبكة ومحاولة معرفة الأهداف التي كان تُحقّق عبرها، علماً بأن وزارة الاتصالات طلبت من
شركة «هواوي» المصنّعة لهذه الشبكة تكليف خبراء منها لإعداد تقرير فنّي دقيق يسهم في توفير الأجوبة المطلوبة.
في الشهر الماضي، بعد أن أمسك بملفاته جيّداً ودرسها من النواحي الدستورية والقانونية والإدارية، اتخذ وزير الاتصالات نقولا صحناوي قراره بتحرير الطابق «الأسود»
من مبنى وزارته في منطقة العدلية، خطّط لذلك ملياً، وأعدّ للعملية بإتقان شديد: طلب من الجيش، بواسطة وزير الدفاع، إخلاء المبنى بسبب انتفاء الحاجة، وطلب من
وزارة الداخلية إعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي عبر تكليف جهاز أمن السفارات والمباني الحكومية بتولّي مهمات حراسة المبنى كسائر مباني الوزارات والإدارات الحكومية
الأخرى، وطلب من أجهزة الوزارة اتخاذ كل التدابير اللازمة لاستعادة سلطة الدولة التي تجسّدها الوزارة في «كل ما خُصّ بها».
حدّد الساعة الصفر عند التاسعة من قبل ظهر الجمعة في الثالث والعشرين من أيلول الجاري. فتح باب وزارته بمواكبة قوى الأمن الداخلي ــــ جهاز أمن السفارات والمباني
الحكومية ــــ وأفسح في المجال أمام مديريات الوزارة للقيام بوظائفها ومهماتها، بما في ذلك اللجنة الفنية التي عجزت عن تنفيذ مهمّتها طيلة الأشهر الماضية بسبب
هذا الوضع الشاذ.
أنجز المهمّة التي أناطها به الدستور في المادة 66 منه التي تقول: «إدارة مصالح الدولة وتطبيق الأنظمة والقوانين المتعلّقة بالأمور العائدة إلى إدارته وما خص
به». وأعلن من داخل المبنى أن الدولة استرجعت بعضاً من هيبتها التي هدرها قراصنة متمرّدون يريدون المحافظة على إقطاعيات بنوها في غفلة عن الناس عبر التزوير
والبلطجة.
جاءت ردود فعل القراصنة باهتة وعاجزة. فلا رئيس مجلس إدارة شركة «ميس» ومديرها العام غازي يوسف نجح في استثارة الغرائز، إذ كيف يمكن أن ينجح في ذلك من هناك
طعون جدّية في نيابته، لكونه يشغل وظيفة في شركة مملوكة من الدولة، وهو لا يأبه بذلك ويصرّ على مخالفة القانون الذي يمنعه من الجمع بين النيابة والوظيفة المذكورة؟
ولا النائب مروان حمادة نجح في ذلك لكونه هو الذي تخلى عن مسؤولياته الدستورية عندما تولّى حقيبة وزارة الاتصالات، وشارك في تجيير الشبكة الخلوية الثالثة لجهة
لا تمتلكها خلافاً للقانون... فيما عبد المنعم يوسف فشل في توريط المدّعي العام القاضي سعيد ميرزا في قضية اختلقها عبر تقديم إخبار غير مستند إلى أي مسوّغ قانوني
ثابت، ما عدا قرارات لمجلس الوزراء مشكوك في صحتها. فالقاضي ميرزا لم يجد طريقة لتبرير وضع اليد على قضية «الطابق الأسود»، إذ كيف يمكن أن يفعل ذلك الآن في
مواجهة وزارة الاتصالات التي تعود ملكية المبنى والتجهيزات إليها، فيما لم يحرّك ساكناً عندما تمرّد موظّفون في «أوجيرو» وقوى الأمن الداخلي وارتكبوا جرائم
يعاقب عليها القانون باحتلال مبنى حكومي وتهديد وزير الاتصالات السابق وموظّفين عامّين بالسلاح؟! رفض القاضي ميرزا التورّط في قضية خاسرة، على عكس ما حاول تلفزيون
أخبار المستقبل إشاعته لفترة قصيرة عن وضع يد المدّعي العام على «قضية دخول وزير الاتصالات إلى وزارته».
نجح صحناوي في مهمته، لكنّ القراصنة من دون متابعة. وقد يأتي اليوم الذي يكون في مقدور القضاء اللبناني سوقهم إلى المحاكمة.
j
> دليل الاتصالات... لا دليل

دليل الاتصالات... لا دليل
يحيى دبوق

القرار الاتهامي الصادر عن المدّعي العام للمحكمة الخاصة بلبنان، دانيال بلمار، بحق أربعة أشخاص «مناصرين لحزب الله»، كما يرد في الفقرة 59 من القرار نفسه، يستند،
كما بات معروفاً، إلى الدليل الظرفي، المستند بدوره، وبنحو شبه كامل، إلى تحليل «داتا» الاتصالات الخلوية في لبنان. وإذا كان النقاش قد تمحور أخيراً، وعن حق،
حول قيمة الأدلة الظرفية، وإمكان اعتمادها والبناء عليها كدليل إثبات أو نفي من ناحية قضائية في سياق الاتهام والإدانة، إلا أنه يجب، مسبقاً وقبل ذلك، النقاش
في أصل وجود هذه الأدلة وقيامها من ناحية فعلية، قبل وصفها بأنها أدلة ظرفية أو أدلة قاطعة، أي قبل أي سجال بشأن فاعليتها وقوة إثباتها. إذا تبيّن، أو إذا أثيرت
الشكوك المعتبرة والممكنة واقعاً في أن عمليات ربط وتحليل داتا الاتصالات تشوبها شائبة، أو أن أصل الداتا مشكوك في صحته ودقته، أو أن بإمكان طرف ما أن يتلاعب
بها، فلا إمكان بالتالي، لانتفاء المطلب، اعتبار «الأدلة» المستندة إليها، أدلة أساساً، وبالتالي لا حاجة إلى وصفها بظرفية أو قاطعة، فسلب الثقة بالدلالة عن
الأدلة، ينفيها، ويحوّلها إلى نتائج مشكوك فيها، على أقل تقدير.
في الماضي غير البعيد، أقرّ المسؤول السابق عن العمليات التنفيذية في الموساد الإسرائيلي، غاد شمرون، (القناة العاشرة الإسرائيلية 16/12/2010)، في سياق تعليقه
على اكتشاف أجهزة تنصّت إسرائيلية في جبال صنين، بأن «تجسّس إسرائيل على لبنان ليس جديداً، خصوصاً أن لديها قدرات تنفيذية مهمة جداً وقدراتها غير محدودة»، مؤكداً
أنه «في عالم الاستخبارات، لا يوجد ما هو غير ممكن».
في الماضي البعيد نسبياً، والبعد هنا ذو دلالات تتعلق بقدرة التجسّس الإسرائيلية الفعلية، نشرت صحيفة «هآرتس» تقريراً أشارت فيه إلى أن علماء إسرائيليين في
كلية «التخنيون» في جامعة حيفا اكتشفوا طريقة لاختراق شبكات الهواتف الخلوية العاملة بنظام GSM، الأمر الذي يُمكّن من التنصّت على المكالمات الهاتفية، وإرسال
الرسائل والمكالمات وتلقّيها، من دون أن يدري أصحابها الحقيقيون بما يجري، وفي الوقت نفسه إيهام شبكات الهاتف الخلوي ومراكز التحكم فيها بأن الاتصال طبيعي ولا
شائبة فيه.
خبر «هآرتس» (المنشور بتاريخ 03/09/2003)، أخرج في حينه نقاشات تقنية في مناعة نظام الـGSM وضعف أنظمة حمايته إلى العلن، وأسّس لندوات ومؤتمرات حول العالم،
شهدت بدورها على ضعف الحماية وإمكانات الخرق، وأيضاً على المستوى الذي وصلت إليه الاستخبارات والأجهزة الأمنية، وما تملكه من تقنيات خرق وتنصّت في هذا المجال.
إلا أن متابع الشأن الإسرائيلي توقف بدوره عند حقيقة واضحة في دولة كإسرائيل، هي أن الرقيب العسكري في تل أبيب ما كان ليمكّن وسائل الإعلام من أن تنشر «كشفاً»
خبرياً كهذا، متولّداً في إسرائيل نفسها، لو لم تكن قدرات الاستخبارات فيها قد قطعت أشواطاً بعيدة جداً في مجالات الخرق والتنصّت، أكثر بكثير مما أُعلن.
من عام 2003 إلى عام 2005، العام الذي شهد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في لبنان، وصولاً إلى عام 2011، شهد «قطاع التنصّت» وخرق الشبكات انتقالاً نوعياً في إسرائيل
والعالم، وتمدّدت مجالات استخدامه وإمكانياته، ولم تعد مقتصرة، وحكراً فقط، على الاستخبارات و«تجارب» العلماء في المراكز البحثية، بل انتقلت عملياً إلى السوق
المدني، كأداة في صراع الشركات التجارية، بل أكثر من ذلك إلى استخدام الهواة ومحبّي الإثارة.
أخيراً، عرضت القناة الأولى الإسرائيلية، قبل أيام، تقريراً عن «قطاع التنصّت» وقدراته، وما بات متاحاً للعامة والهواة فضلاً عن الاستخبارات. يشير التقرير بوضوح
إلى أن في إمكان أي هاوٍ أن يخترق الشبكات ويتسلّط على الخطوط ويتحدث منها ويتلاعب بها. السؤال هو: إذا كان الهواة قادرين على ذلك، فكيف باستخبارات إسرائيل
التي يشهد الجميع على علوّ كعبها في قطاع الاتصالات والتشفير وحماية الشبكات... وغيرها.
إذاً، لدى إسرائيل، وبلا شك، القدرة التقنية الفعلية على التلاعب بداتا الاتصالات في لبنان. لا يمكن أحداً أن ينفي ذلك. في الوقت نفسه، لدى إسرائيل مصلحة في
التلاعب بالداتا، وتوجيه الاتهام إلتى أعدائها، وأيضاً لا يمكن أحداً أن ينفي ذلك. الردّ، وقد يكون هناك ردّ، بأن إسرائيل لم تقدم على ذلك، ردّ غير ذي صلة بأصل
المطلب ولا يضرّ بالنتيجة، إذ من ناحية قانونية، يكفي أن تكون لدى إسرائيل القدرة التقنية على التلاعب بالداتا، كي تنتفي عن الدليل الظرفي دلالته، وبنحو آكد،
أن تنتفي قوة إثباته، إن كان بإمكان المحكمة أن تأخذ به أساساً. فهذه هي طبيعة الأدلة الظرفية.
بالطبع قد لا ينفع ذلك مع البعض ممن يرى الأرقام والدلائل وجهات نظر. الأخبار الواردة من إسرائيل، وقدرات إسرائيل، وطبيعة الأدلة الظرفية، لا تستأهل لديهم إعادة
دراسة «الاقتناعات»، ما دامت مبنية على حقد وانسياق أعمى للتعصّب، ولا يجديها شيء إطلاقاً.
ذات صباح في الجنوب ...
Published on الأخبار (http://www.al-akhbar.com)
الصفحة الرئيسية
> ذات صباح في الجنوب ...

ذات صباح في الجنوب ...
جان عزيز

قد تبدو مستحيلة مهمة الراعي في الجنوب منذ محطتها الأولى، قد يتسلل بعض اليأس الى قلوب من يرافقه، وخصوصاً من يذهب الى صور وفي مخيلته مدينة تلك الكنعانية في
الإنجيل، أو الأرض التي اعتادت مريم تجوالها في أسطورة «المنطرة». وقد يظهر الإحباط على الوجوه باكراً، إذا ما دخل «الأسقف» المدينة من صوب البحر. من واجهة
الموج والملح والنخيل الواطئ بثماره هذه الأيام. هناك عند أول «الحارة» تقف مدرسة العائلة المقدسة، لتستقبله على جدارها كتابات ترحيبية من نوع «محمد» و«علي»
و«أمل» وخواطر أخرى. وإذا ما اعتنق الراعي مسكونيته وقرر الانطلاق من عند «الأشقاء» الروم الملكيين الكاثوليك، فسيكون عليه الانعطاف من أمام الترحيب العشوائي
المتروك منذ زمن على جدار قريب: «حارة الإمام القائد موسى الصدر ترحب بكم». وسيُسر الراعي بذكر الإمام. فمثله هو يكرز في الدروب، داعياً الى وحدة ومحبة وشركة
وحقيقة عارية، بلا «زينة». مثله يكتب وثيقة «نهائية الكيان»، ويصارع من يفترض أن يكون له «أماً حنوناً»، ويحتمل من يحسبون له أبناء عقوقين.
بعد المنعطف قد يدخل الراعي كاتدرائية القديس توما، تلك المبنية فوق الأثر الصليبي الصامد. ومثل توما، قد يرفع إصبعه لتعداد المخلَّصين من ويلات الحروب والاحتلالات
وشهوة العاصمة والغرب وترف حياة لم يعرفها الناصري...أقل من ثلاثمئة عائلة هم كل الصامدين. سيستقبلونه بفرح، لكن من دون أمل. بل برجاء، ذاك الشعور الإنجيلي
الذي يصاحب الإنسان في مساره بين انقطاع الأمل الأرضي وانتظار العناية الربانية. وقد يسألهم عن الأحوال وأسباب البقاء والرحيل. وستختلط الإجابات وتتعدد وتتباين.
يكفيه بين سؤال وآخر أن يتطلع الى مذبح مار توما. أين الإيقونوسطاس التاريخي البيزنطي العريق؟ أين «مذبح» الأيقونات الرائعة، خامسة الأناجيل؟ ليجيبه بعض المستقبلين
بخفر وحياء، أن أسقفاً منذ مدة كان قد قرر بيع الكنيسة برمتها. وأنه قد باعها فعلاً، ووضعت يدها عليها مديرية الآثار وبدأ التفكيك...قبل أن يأتي أسقف آخر من
أولئك الذين ورثوا كيان «المدافع عن المدينة»، فيسترد الكنيسة، ويستعيد الأيقونات ولو على الجدران العارية، ويعود إصبع توما شاهداً على القيامة قبالة شاطئ حيرام
وأوروب وإليسار والتاريخ... البيع إذاً، هو البيع أصل كل داء وعلة ووباء. نبيع أرضنا أولاً. بعدها نبيع البيت. بعدها الكنيسة. بعدها الوطن... ومن ثم نمكث في
غابة الإسمنت البيروتية ومقابر أحزمة بؤسنا والضواحي، نحلم بحقيبة سفر ونمضي العمر نبكي «مُلكاً لم نحافظ عليه...».
وإذا سار الراعي في أزقة «الحارة» صوب مرفأ الصيادين، سيحس بقدميه تلامسان التاريخ، وقد يخفف الوطء فوق سِفره المرصوف، حتى يطل على كاتدرائية سيدة البحار، تلك
المخبأة كالدرّ بين أول البيوت وآخر البشر. الوضع هنا ليس بأفضل. لا بل أقل من الملكيين من صمد. لا يزالون يلاعبون الموج والشباك. كأن كل واحد منهم بطرس، مع
أنهم لم يُنكروا، ولم يصبحوا صيادي بشر. ولا يزال سمك صور يعرف وجوههم والقسمات والأيدي الشديدة على الصواري والأشرعة ووخز الزمان. سيتبادلون النظرات التائهة
مع الراعي: ماذا تقدر أن تفعل لنا؟ ماذا نقدر أن نحقق لكنيستنا، نحن من صرنا «حارة نصارى» تتآكلها الأيام مثل واحات المحيط؟؟
وقد تُذرف أكثر من دمعة صامتة أو مكابرة أو هاربة بين العيون، حين يشد الموكب البطريركي رحاله صوب الرحلة الطويلة. لا تزال أمامه علما بأجراسها الفرحة، وقانا
بمنحوتاتها ومفارقة الجليل الذي ليس في الجليل. على باب المغارة «المقدسة»، قد يجدر بصحب الراعي أن يحيدوا نظره عن القاطع المقابل، كي لا يشهد بعينه زحف الاعتداءات
الجارف للأملاك العامة والخاصة واندثار مفهوم الدولة وثقافتها، قبل أن يصل الى رميش، «عاصمة» الصامدين في «القطاع الشرقي». هناك سيكون بأمس الحاجة الى «سلاح»
الدولة ليقنع الناس بالانتصار على غرائز البقاء والحياة كيفما كان. ولن يحار بحثاً في رميش. تكفيه ذكرى فرانسوا، ذاك البطل الذي سقط كبيراً بعدما أنجز التاريخ
حفراً بيد وقلب وجرأة، ليتمتع به من بعده من يعوزهم كل ما كان يفيض في فرانسوا...
لتظل محطة الراعي الأكثر دقة وصعوبة، في القطاع الشرقي، في القليعة وبعض الجوار. هناك تنتظره عيون يسكنها القلق، ويعتاش من مائها الانتظار منذ عقد ونيف. هناك
عائلات لم تختم جراحها، ولم تعلن حدادها. تحيا في دوامة أن تكون متهَمة ومتهِمة. لم تشارك في الانتصارات، ولم تلغها الهزائم. لم تعبر الى الوطن، ولم تغادره.
تقف عند الحد الفاصل بين إيمان وكفر. هناك تتجسد أكثر استحالة مهمة الراعي في الجنوب. لكنه يذهب. كمن لا مستحيل عنده. هو من يحول الخبز والخمر كل صباح، فكيف
يُسأل عن مستحيل ذات صباح في الجنوب...
> غازي العريضي: «السيد أنا» وزير بلا خطة

غازي العريضي: «السيد أنا» وزير بلا خطة
العريضي: هم مبتدئون بالسياسة ولا يمكنهم اللعب معي (أرشيف ــ مروان طحطح)

بين الجملة والجملة، ترد كلمة «أنا» مئات المرّات في حديث ساعتين. «أنا مدرسة سياسية»، «أنا نظافة الكف»، «أنا أدافع عن كرامة لبنان»... يبرَّر للرجل «أناه»،
بأنّه يعمل يداً يمنى لوليد جنبلاط، فضلاً عن أن «الحرّيف السياسي» حوَّل وزارته إلى سوبر وزارة

غدي فرنسيس

خرجت «خطة النقل» إلى الضوء للمرة الأولى الأسبوع الماضي بعد ثلاث سنوات في عتمة الأدراج الحكومية. بحسب وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي، فإن الرئيس
فؤاد السنيورة كان قد جمّد الخطة لأنه راعي الخصخصة، وليس من مصلحته تحسين النقل العام، ويسجّل للرئيس نجيب ميقاتي إيقاظها من سباتها. حين أتى موعد بحثها في
الجلسة، استحضر العريضي مدير مصلحة النقل عبد الحفيظ القيسي ليشرحها. ما كاد القيسي ينهي عرضه، حتى بدأت «الحركشات العونية». جبران باسيل الملوّع بالكهرباء
جُنّ جنونه. فلا جدول زمنياً ولا موازنة للمشاريع. عملياً: لا خطة للنقل في الأوراق المطروحة. ثمة اقتراحات هي بمثابة حلول سطحية لأزمة السير. مرّت «الخطة»
بعد بلبلة بموافقة مشروطة بتقديم... خطة!

مشكلة العونيين مع ورقة العريضي أنها تقارب مشكلة النقل من دون البحث في أصل الخلل. إذا كانت الكهرباء تعني كل مواطن، وتستحق التجاذب في الإعلام، فإن خطة نقل
شاملة من شأنها تغيير شكل البلد اجتماعياً واقتصادياً، يجب أن تحدث مهرجاناً حكومياً. لكن ميقاتي أوقف المهرجان قبل حصوله. العريضي، هنا، يصبح منفتحاً على اقتراحات
بعض الوزراء الذين يسخر منهم: «مرّت الخطة، وسآخذ بالاقتراحات».
في لبنان ثلاثة مطارات، سكة حديد، موانئ على البحر، وبلد بموقع استراتيجي. لكن ورقة العريضي اقتصرت على فتح مواقف سيارات على باب العاصمة، أو فرض رسوم على السيارات
الداخلة إليها تفادياً للزحمة.
من صالونه المزين بالتماثيل والآثار الرومانية، يختصر الوزير مشاكل النقل بمشكلة السير: «سيارات قديمة، عدد السيارات من أعلى النسب، الطرقات، الكثافة السكانية».
يلفت، من دون سؤال، إلى أن سر نجاحه الدائم هو أنه «يشخّص الحالة صح، ليشخّص الحل صح». لكن تشخيصه لحالة النقل اختصر المشكلة بأزمة سير في العاصمة لا أزمة بلد
مبتور الأوصال. وبذلك، تضمنت الورقة ـــــ الخطة قرارات لا تغيّر شيئاً. أولها صرف 50 مليار ليرة لشراء 165 قافلة للنقل العام. «بعدها، بإمكاننا أن نستحدث نظام
فرض رسوم دخول على أبواب المدن. فاللبنانيون يحبون السيارات الخصوصية، لكن حين تؤلمهم في جيوبهم، يتعوّدون على النقل العام». لا جدول زمنياً للخطة، لذا، لا
موعد لانتظارها. ورغم أن الوزير قدم الوعود على الورق، فإنه لم يبالغ ولا وعد بالمستحيل، كاستحداث قطار يصل المناطق بالعاصمة مثلاً. يرفع حاجبيه، «لا سكة حديد
ولا قطار في المدى المنظور». ورغم وجود ست دراسات عن سكة الحديد في أدراج الوزارة، يطلب العريضي المزيد من المال لدراسة جديدة ستستغرق سنوات وملايين. ستبقى
الطرقات أول مستهلك لوقت اللبنانيين.
لا حلول لأزمات المطار، يضع وزير النقل حداً لأحلام وزير السياحة فادي عبود: ليس هناك إمكان لخفض الأسعار، ولن نأتي بشركة تنافس شركة الوطن. والسياحة يضربها
الوضع الأمني لا الأسعار. كرامة شركة طيران الشرق الأوسط هي كرامة لبنان. ويعقب: «أنا وزير وصاية، ومن يرد أن يبحث في أسعار الرحلات وصفقاتها أو يبدِ ملاحظاته،
فأنا أرعى له اجتماعاً مع مدير الشركة محمد الحوت، وليتفق معه. إذا اتفقتم، فأنا أوافق».
حين تذمّر عبود من الأسعار، اتفق العريضي مع نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر على أن يعرض ملاحظاته على الحوت. ذهب وقابله ثم غيّر رأيه، وقال إن «الأسعار معقولة».
ويضيف: «كل من ينتقد المطار والحوت وشركة طيرانه، هكذا من دون الاطّلاع على الأوراق والأرقام، يضيّع الوقت سدى. حتى الوزير عبود تراجع وقال إن الأسعار معقولة
بعد أن علم بالتفاصيل».
وفي الحديث عن الحوت وصفقاته، يصبح الدفاع عن شركة الطيران واجباً وطنياً، وتصبح صفقات المطارات والدول الأجنبية وتجاذباتها جزءاً من الدفاع عن كرامة لبنان.
يروي العريضي: «أنا ربّيت الأتراك والإنكليز؛ فحين طلب الأتراك 16 رحلة، طلبت في المقابل واحدة لشركة طيران الشرق الأوسط، وحين رفضوا رفضت. واستمرت الاتصالات،
الرئاسات الثلاث، الوزراء، توسّط الجميع ولم أعدل عن رأيي. في النهاية، حصل ما أردته، وأخذت MEA ما طلبته. أما الشركة الإنكليزية BMI، فلم أوافق لها على طلباتها،
وقصدتني السفيرة البريطانية مرّتين لنمرر الموضوع ورفضت».
هكذا، فإن العريضي ساعة يفاوض العالم باسم الشركة، وساعة يقول: «أنا وزير وصاية، نسّقوا مع المدير».
عندما طرحت الخطة، اقترح عبود تفعيل الموانئ البحرية للرحلات اليومية ومطاري رياق وحامات للرحلات الداخلية السياحية. العريضي يأخذ بالأفكار، ويؤجل القرارات
ثم يرد على عبود «مطار رياق مغلق لأسباب أمنية، أما مطار حامات، فترقّب زيارتي له بعد أسبوعين».
تحت صراع الوزراء في السياسة على حاجات السائقين والركّاب، لا تزال سيارات الأجرة تنتظر الوعد الذي قضى بإعطائها بدل 12 صفيحة ونصف من البنزين. وقبل أن يصرف
البدل، يمنّن السائقين: «أنا دافعت عنهم، وهم ليسوا أولاد الطائفة ولا أولاد الحزب».
الوزير عبود ينتظر الرحلات الجوية الداخلية للنقل والسياحة بين مطارات لبنان، ولا يزال يغيظ العريضي بقصة «تاكسي المطار». فبعد أن اجتمع الوزيران مع السائقين
في مكتب العريضي، لم يتوصّل أحد إلى حل، ولا تزال عملية استغلال الركّاب تحصل على باب المطار. ألا يستطيع عناصر الدرك تنظيم التاكسي؟ يجيب العريضي: «كلّهم متواطئون
مع بعضهم. عصابات بين السائقين والدرك».
هكذا، مرة أخرى، يناقض الوزير نفسه، فيتحول السائقون الذين يدافع عنهم في سياق سابق إلى عصابات لا يمكن التحكّم بها.
يودّع العريضي زواره على باب المصعد حيث التماثيل. هناك أيضاً يذكّر بنجاحه ودهائه السياسي، متعالياً على طبقة سياسية يراها «مبتدئة». ثم يقول: «لا يمكنهم أن
يلعبوا معي. أنا لا أتراجع، وكل شيء يحصل كما أريد في النهاية».

تعرفنا على الاستاذ غازي إعلاميا ناجحا. لكننا لم نجده كذلك كوزير للنقل. إذ كان أداؤه فاشلا خلال حادثة الطائرة الاثيوبية. وكان كذلك خلال مناقشة خطة الكهرباء. وهو الأن يتابع خطواته غير المدروسة عبر خطة النقلالموعودة.
> معركة المياه بدأت... بعد الكهرباء

معركة المياه بدأت... بعد الكهرباء
لا يوجد بديل عن إنشاء السدود مع النمو السكاني والزراعي والصناعي (الأخبار)

بعد أن شُغل اللبنانيون خلال الأسابيع الماضية بحرب ضروس بشأن خطة الكهرباءالتي أعدّها وزير الطاقة جبران باسيل، وبعد انتهاء هذا الصراع بالحمم الباردة، جاء
دور خطة المياه. فيوم أمس، وخلال توقيع كل من وزارة الطاقة والمياه ووزارة الزراعة اتفاقاً مائياً مشتركاً للري الزراعي، أُعلن بدء معركة المياه... إلى أن تصبح
واقعاً

رشا أبو زكي

مبدئياً، يمكن القول إن معركة الكهرباء انتهت. إلا أن ملامح معركة المياه لا تزال تترقّب فرصة خلوّ الساحة الكهربائية، لتصبح في الميدان. يهمس عدد من المعنيين
بالملف بأن خطة المياه ستكون أكثر اشتعالاً، وخصوصاً أنها تكلّف حوالى 7،66 مليارات دولار مجزّأة على مراحل لمدة 9 سنوات. وقد أشار وزير الطاقة والمياه إلى
أن 1.6 مليار دولار من هذا المبلغ متوافرة من خلال مشاريع قائمة أو أموال محجوزة بانتظار استثمارها، لتبقى 6.1 مليارات دولار ستتموّل من الموازنات العامّة والاقتراض
والقطاع الخاص. شعارات المعركة المائية ستكون وفق الحقائق الآتية: 48% من مياه لبنان تُهدر، 50% من شبكات التوزيع يتجاوز عمرها 25 عاماً، 6% فقط من الري يحصل
عبر الطرق الحديثة، 8% فقط من المياه المبتذلة تُعالج، نسبة الشواغر في مؤسسات المياه 67%. والحلول هي خطة باسيل المائية التي أعلنها في نهاية عام 2010، وجرى
تحديثها في نيسان الماضي... وقد أصبحت المعركة قريبة جداً. هذا ما لمّح إليه وزير الطاقة والمياه جبران باسيل، وما وافقه عليه وزير الزراعة حسين الحاج حسن.


انطلاق الشرارة الأولى

يوم أمس، كان موضوع ريّ الأراضي الزراعية مناسبة لإطلاق الشرارة الأولى للصراع المائي المقبل. فقد أشار باسيل، خلال توقيعه مع وزير الزراعة حسين الحاج حسن مشروعاً
لإدارة المياه في وزارة الطاقة والمياه مموّلاً من الحكومة الإيطالية ومنظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو) يتمحور حول الري الزراعي، إلى بدء العمل على خطة
المياه. «أمس قلنا إننا قد أنهينا الكهرباء، وسنبدأ اليوم بالمياه» يقول باسيل. يتابع «البداية انطلقت بالخطة التي أعدّتها وزارة الطاقة مع وزارة الزراعة وبمشاركة
الفاو لمشاريع المياه»، إذ إن 70 في المئة من المياه ضمن المعايير العالمية تستخدم للري، ويستخدم لبنان 60 في المئة من الطلب لغايات الري. لذلك فإن الحاجة الأساسية
تذهب إلى الزراعة.
الاستراتيجية، بحسب باسيل، تتضمن في السنوات الخمس الأولى مبلغاً من المال يصل إلى حدود 370 مليون دولار لإعادة تأهيل الشبكات القديمة وإيصال المياه إلى حوالى
15 ألف هكتار إضافية من الأراضي الزراعية، ما يؤكد أهمية مشاريع الري لتنمية قطاع إنتاجي كالزراعة التي يجب أن يكون لها حيّز أساسي في المشاريع المائية.
يرى باسيل «أننا نظلم يومياً قطاع الزراعة بمنع هذه المادة الأساسية، التي هي المياه، من الوصول إلى المزارعين وإلى الأراضي التي تحتاج إلى الري»، مشيراً إلى
ضرورة السير بالمشاريع الموضوعة، وكذلك إعادة استخدام المياه المكررة من الصرف الصحي، «حيث لدينا في لبنان الكثير من محطات الصرف الصحي المنجزة، ولم يؤخذ أساساً
في الاعتبار تحديد أماكنها بنحو يجعلها تخدم الاستخدام الزراعي».

أهمية مشروع المياه

ويدعم باسيل من خلال خطته ضرورة إنشاء السدود عبر مراحل الخطة المائية التي تهدف إلى تلبية حاجات المواطنين حتى عام 2035 في كل المناطق والمحافظات. فبحسب الخطة،
النقص في المياه عام 2010 كان 426 مليون متر مكعب سنوياً. وحتى في ظل القيام بعدد من الإجراءات التحسينية كالشبكات والخزانات والتوعية، فلن تكفي في ظل الطلب
المتزايد على المياه في عام 2015، وهو يزداد تباعاً ليصل النقص في عام 2035 إلى 718 مليون متر مكعب سنوياً. وبالتالي لا بديل من إنشاء السدود مع ازدياد الطلب
نتيجة النمو السكاني والعمراني والسياحي والزراعي والصناعي، والحاجة ستزداد في ظل مشكلة تناقص المياه المتعاظمة سنوياً، وتطرح قيام مشاريع التغذية الاصطناعية
للمياه الجوفية التي تؤمن حداً أقصى 200 مليون متر مكعب سنوياً. ومع إعادة استعمال المياه المعالجة من الصرف الصحي، نحصل على 101 مليون متر مكعب سنوياً فقط،
فيما السدود الإضافية الموجودة نظرياً في الدراسات تؤمن نحو 680 مليون متر مكعب كحجم تخزيني ثابت و900 مليون متر مكعب كحجم تخزيني متحرك يوصل إلى 900 مليون
متر مكعب تقريباً. وبالتالي، فإن مجموع هذه الأرقام يعطي 980 مليون متر مكعب إضافية في حال تنفيذ المشاريع. أما النتيجة الحتمية من دون إنشاء السدود والبحيرات
الجبلية في كل المناطق اللبنانية، فهي بحسب باسيل عدم توفير المياه للبنانيين للري أو الاستعمال السكني أو الصناعي أو السياحة.

وزير الزراعة: في أقرب فرصة؟

نتيجة هذه المحصّلات، أشار وزير الزراعة حسين الحاج حسن إلى أنه «بعد إنجاز خطة الكهرباء أمس في مجلس النواب، التي نهنّئ بها الشعب اللبناني والحكومة والمجلس
النيابي ووزير الطاقة، نتمنى أن نهنّئ أيضاً في أقرب فرصة بمشاريع السدود والمياه التي نعوّل عليها كثيراً في موضوع الزراعة».
ويتحدث الحاج حسن عن أهمية خطة المياه، لافتاً إلى أن لبنان متأخر كثيراً عن اللحاق بركب حاجاته من المياه، والمسؤولية ليست مسؤولية الوزير، بل هي مسؤولية من
منع التمويل سنين طويلة عن هذه الوزارة منذ عام 1998، وبالتالي لم يكن بالإمكان إقامة سدود لتخزين المياه، حيث تذهب مياه الأنهر اللبنانية هدراً، إما إلى البحر
وإما تُحدث سيولاً تضرب الزراعة والممتلكات». ويأمل الحاج حسن أن تشهد الأسابيع والشهور المقبلة نهضة كبيرة في مجال المياه بعد إنجاز الكهرباء، «وهذا ما سوف
نعمل معاً عليه مع الوزير ليصبح أمراً واقعاً». فالمياه، وفق الحاج حسن، سلعة استراتيجية وأهمية وطنية واقتصادية وزراعية وبيئية واجتماعية، فيما يشير ممثل منظمة
الفاو في لبنان، علي مومن، إلى أهمية انطلاق مشروع يتعلق بالمياه (متحدّثاً عن المشروع المموّل من الفاو) وما له من أهمية في الزراعة.
> ميقاتي: عدم تمويل المحكـمة يخدم إسرائيل

ميقاتي: عدم تمويل المحكـمة يخدم إسرائيل
أكد ميقاتي أن العماد جان قهوجي سيزور واشنطن قريباً لبحث تسليح الجيش (إيمانويل دوناند ــ أ ف ب)

يوم نيويوركي آخر لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي يخرق
فيه الطوق الذي قيل إنه مفروض حول حكومته منذ تأليفها. والبارز أمس لم يكن لقاءات ميقاتي أو ترؤسه لمجلس الأمن الدولي وحسب، بل الموقف الذي أطلقه بصفته رئيساً
للمجلس، لناحية تأكيده التزام لبنان تمويل المحكمة الدولية

من نيويورك وعائشة بكار، أطلت السياسة برأسها أمس. في الأولى، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يرأس مجلس الأمن الدولي. وفي الثانية، عقد «رؤساء» الطوائف اللبنانية
اجتماعاً برزت فيه نجومية البطريرك الماروني بشارة الراعي، بعدما أدى «خطأ تقني» إلى بث جزء من كلمته التي كان من المفترض أن تُقال بعيداً عن وسائل الإعلام.
ولعل أبرز ما صدر عن ميقاتي في نيويورك هو جزمه بأن لبنان ملتزم تمويل المحكمة الدولية، من دون إيضاحه كيفية إصدار قرار التمويل الخلافي. فصحيح أن ميقاتي سبق
أن أعلن الموقف ذاته في لبنان، إلا أن كلامه أمس يكتسب أهمية إضافية؛ لكونه صادراً عن رئيس مجلس الأمن الدولي. وقد أكد رئيس الحكومة خلال إلقائه كلمة لبنان
المترئس لمجلس الأمن أن الحكومة اللبنانية «ملتزمة دوماً احترام قرارات الشرعية الدولية، بما فيها تلك المتعلقة بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وفقاً لما أكدته
البيانات الوزارية للحكومات اللبنانية المتعاقبة». وفي حديثه إلى الصحافيين بعد اجتماع بالأمين العام للأمم المتحدة، لفت ميقاتي إلى أنه إذا لم يدفع لبنان ما
يترتب عليه من ميزانية المحكمة، «فإن المتضرر الأول هو لبنان»، سائلاً: «هل هناك أحد في لبنان ضد المصلحة اللبنانية؟»، قبل أن يضع عنواناً جديداً لمعركة التمويل
ويربطه بالعداء لإسرائيل. فبرأي ميقاتي، إن «المستفيد الأول من عدم تمويل المحكمة هو إسرائيل؛ لأننا نكون قد أعطيناها ما لم تستطع أخذه بالحرب، وهي تنتظر الفرصة
لكي تتخذ إجراءات ضد لبنان». وعما إذا كان قد حُمِّل أي رسائل أميركية إلى سوريا، أجاب ميقاتي: «ليس دوري نقل رسائل من أحد لأحد. أنا رئيس وزراء لبنان ومسؤول
عن الشؤون اللبنانية وأقوم بواجباتي بكل ما للكلمة من معنى»، مطمئناً إلى أن «المصارف اللبنانية بخير ولا يوجد أي شيء دولي يتعلق بالمصارف اللبنانية». وقال
إنه أبلغ الأمم المتحدة بكل إحداثيات المنطقة الاقتصادية الخالصة. أما بالنسبة إلى ما قيل عن حصار مفروض عليه وعلى حكومته، فقال رئيس الحكومة إنه «لا أحد يمكنه
أن يحاصر لبنان، لما يمثله من همزة وصل بين الشرق والغرب». وفي السياق ذاته، قال الأمين العام للامم المتحدة، بان كي مون، إن الأمم المتحدة يهمها أن «توفّر
الحكومة اللبنانية التمويل اللازم للمحكمة الدولية، فضلاً عن الاهتمام بأوضاع المخيمات الفلسطينية وإعادة إعمار مخيم نهر البارد».
وفي كلمته في جلسة مجلس الأمن المخصصة للتشاور في طلب التصويت لفلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، أكد ميقاتي أحقية أن تكون لفلسطين دولة، لافتاً
إلى أن «فلسطين دولة محتلة، وعليه يكون لزاماً علينا أن نساند جهودها في إنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال وعودة (اللاجئين) إلى أرضهم». وأتى رئيس مجلس الأمن
على ذكر الأحداث الجارية في سوريا، من باب «التأكيد مجدداً حرصه على وحدة أراضيها وشعبها، وأمن جميع أبنائها وسلامتهم».
وغير بعيد عن نيويورك، تسلم وزير المال محمد الصفدي، رئاسة مجلس المحافظين في البنك والصندوق الدوليين في واشنطن، مؤكداً أنه أوضح للسلطات الأميركية، في اجتماعاته
مع مساعد وزير الخزانة الأميركية تشارلز كولينز، «أن ما يُروَّج له عن أن الحكومة اللبنانية هي حكومة خاضعة لـ«حزب الله» هو خطأ يراد منه الضرر للبنان». وأكد
وزير المال أن كولينز «لم يبد أي موقف سلبي بشأن لبنان». وفي الشان السوري، قال الصفدي «إن اعتبار لبنان رئة لسوريا يضر بلبنان، لأنه عندما يفرض المجتمع الدولي
عقوبات على سوريا، فذلك يعني المجتمع الدولي وسوريا، ولا يجب أن يدفع لبنان الثمن بغض النظر».
وبعد أشهر من القطيعة السعودية مع الصفدي، التقى وزير المال أمس نظيره السعودي إبراهيم عبد العزيز العساف الذي أكد، بحسب بيان لمكتب الصفدي، «استمرار دعم المملكة
العربية السعودية للبنان وحرصها على استقراره وازدهار اقتصاده».

قمة روحية في دار الفتوى

وفي دار الفتوى، كان البطريرك الماروني بشارة الراعي نجم «القمة الروحية» من خلال كلامه الذي قاله داخل اجتماع رجال الدين، والذي نقلته من طريق الخطأ إذاعة القرآن
الكريم التابعة لدار الفتوى، قبل أن تقطع بث ما يدور في الخلوة. وشرح الراعي في كلمته المواقف التي أطلقها من باريس، قائلاً إنه طلب من الرئيس الفرنسي نيكولا
ساركوزي «العمل على توطيد العلاقة بين ميقاتي والحريري من أجل الوحدة داخل الطائفة السنية». أضاف البطريرك أنه قال لساركوزي إن «حل مشكلة سلاح حزب الله ليس
فقط في أيدي اللبنانيين، بل فرنسا والأسرة الدولية تحملان مسؤولية ساسية ودوراً، فحزب الله يبرر سلاحه باحتلال إسرائيل لأرض لبنانية ويبرر سلاحه بعدم قدرة الجيش
على المقاومة وعلى حماية لبنان من الاعتداءات الإسرائيلية وسواها، فطالبتُ فرنسا والدول المعنية بتسليح الجيش، وإذا ساعدت على تقويته وتسليحه بما يلزم، نستطيع
أن نقول لحزب الله لا حاجة بعد الآن إلى أن تحتفظ بسلاحك».
أضاف الراعي: «يجب ألّا تقود الأحداث الجارية في سوريا إلى حرب أهلية تصبح بين السنّة والعلويين وتحصد ضحايا بريئة ومنها مسيحيون، وبما أن في لبنان المرتبط
عضوياً بسوريا سنّة وعلويين، يخشى أن تمتد الحرب الأهلية إلى ربوعه». وأبدى تخوفه من أن «يكون الانتقال من نظام ديكتاتوري إلى نظام أكثر ديكتاتورية؛ إذ يخشى
أن تتسلم زمام السلطة مجموعة أصولية لكونها ممولة من دول، وألّا يضطر العلويون إذا تحولت الأحداث إلى حرب أهلية إلى إعلان دولتهم».
ولاحقاً، خرج البيان الختامي للقمة بسبعة بنود تُركّز على الوحدة الوطنيّة وتؤكد «أن وجود المسيحيين في الشرق هو وجود تاريخي أصيل ودورهم أساسي وضروري في أوطانهم».
وجاء في البيان أن الحراك الجاري في البلدان العربيّة «المطالب بالحرية والكرامة والعدالة والديموقراطية، يتيح فرصاً يقتضي الاستفادة منها لحماية هذا الحراك
ومنعه من الانزلاق إلى ما قد يتجه به اتجاهات تنحرف به عن غاياته الأصيلة أو تكون سبباً في إثارة الهواجس والمخاوف.(...) مع تأكيد رفض كل أنواع التدخلات الأجنبية
في الشؤون الداخلية ورفض كل أنواع الظلم والعنف والاستبداد».
على صعيد آخر، رد النائب ميشال عون أمس على اتهام رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع لخصومه بالدعوة إلى تحالف الأقليات، قائلاً: «من أين اخترع جعجع قصة الأقليات؟»،
مؤكداً أن «الأقليات في سوريا بخطر، وهذا الأمر أقرّ به الأميركيون الذين هم من سبّب المشاكل».
وفي الشؤون المعيشية، لفت عون إلى أن «رئيس لجنة يعرقل قانوناً متعلقاً بقانون المحروقات ويسمح باستخدام الغاز للسيارات»، متوجهاً إلى السائقين بالقول: «المساعدة
التي قُدمت لكم هي شحاذة». أضاف أن هناك مشروعاً للتغطية الصحية الكاملة للشعب اللبناني سيؤدي إلى «تغيير الأسلوب بكامله لينتهي الشعب من الشحاذة».
من جهتها، رأت كتلة المستقبل بعد اجتماعها الدوري أمس أن «إقدام وزير الاتصالات نقولا صحناوي على دخول الطبقة الثانية من مبنى الاتصالات في العدلية من طريق
الكسر والخلع يمثّل اعتداءً على المؤسسات وعلى منطق القانون، والواجب يقضي مساءلته ومحاسبته لدى السلطات المختصة»، مستنكرة ما ورد على لسان «أحد مسؤولي حزب
الله في عرمتى عن أن سلاح الحزب يحمي العيش المشترك والمؤسسات»، واضعة التصريح المذكور في إطار «المآزق التي يسببها فائض القوة لحزب الله».

http://www.al-akhbar.com/
www.al-akhbar.com[1]
«نقل» العيش المشترك
Published on الأخبار (http://www.al-akhbar.com)
الصفحة الرئيسية
> «نقل» العيش المشترك

«نقل» العيش المشترك
كلفة الازدحام المروري تبلغ 800 مليون دولار سنوياً غير أنّ الخسارة تفوق هذا الرقم بأشواط (شريف كريم ـــ رويترز)

خطّة العريضي لا تحقّق للبنان الصغير ما يحتاجه
سنوات من تغييب دور الدولة عن أدق تفاصيل حياة المواطن اللبناني، أرست أعرافاً وممارسات خائبة؛ تُرصد تحديداً على صعيد النقل العام. في هذا القطاع، ما يجب أن
يُبحث حالياً ليس خطّة تتطرّق بصورة عرضية إلى النقل المشترك، بل إعادة هيكلة المبادئ العامّة التي تحكم التفكير السياسي الإجمالي باتجاه تحقيق مفهوم النقل
من أجل العيش المشترك

حسن شقراني

يمضي الوزير غازي العريضي بالترويج لخطة النقل التي يطرحها؛ ففي لقاء لجنة الحوار المنبثقة من اتحادات ونقابات قطاع النقل البري أمس، أكّد وزير الأشغال العام
والنقل «تفعيل خطة النقل المشترك، وذلك عبر البدء بشراء الباصات الجديدة».
هناك منافع لا بأس بها لخطّة كهذه، ولكن النقاش المفتوح الذي يتحدّث عنه وزير الأشغال العامّة والنقل بشأن هذه الخطّة، لأنّها بطبيعة الحال «غير منزلة» على
حدّ تعبيره، يجب أن يكون عند مستوى آخر كلياً.
هناك دواع كثيرة لهذه الدعوة، أهمّها: إذا كنت تريد هيكلة النقل العام المشترك، فلماذا لا تفعل ذلك على نحو مناسب، بحيث يكون القطاع متماهياً مع كل القطاعات
الأخرى ويولّد المنافع الاقتصادية في كلّ اتجاه بعدما سيطرت الأساليب المشوّهة لإدارة هذا المرفق العام الحيوي؟
صحيح أنّ التقديرات المحافظة تضع الخسارة المباشرة من جرّاء ازدحام السير في لبنان عند نسبة 2% من الناتج المحلّي الإجمالي. وطبقاً لحجم الاقتصاد حالياً، تبلغ
الكلفة 800 مليون دولار سنوياً... غير أنّ الخسارة تفوق هذا الرقم بأشواط، وفقاً لوزير العمل، شربل نحاس، الذي يطرح مقاربة جذرية أكثر شموليّة لتحقيق هيكلة
القطاع حالياً، وتربط تلك الهيكلة بإعادة صياغة المبادئ التي تحكم فكر السياسيّين.
فالقطاع، كما يعترف معدّو الخطة، وكما يؤكّد نحّاس في حديثه لـ«الأخبار»، مرتبط على نحو وثيق بكل القطاعات الأخرى، نظراً إلى تأثيره على النشاط والحركة. الخطّة
تقول إنّ الحكومة تُدرك «مدى أهمية الدور الذي يؤديه قطاع النقل البري في تنشيط التنمية والنمو الاقتصادي وتفعيلهما» عموماً. وعلى وجه التحديد، تظهر الأهمية
في دور «قطاع النقل العام للركاب على صعيد «تحسين مستوى معيشة اللبنانيّين».
لكن الخطّة ليست الوثيقة المناسبة من حيث الشمولية ولا من حيث النوعية لتحقيق ذلك. ما يحتاجه لبنان حالياً لتطوير قطاع وعكس مفاعيل تأثيره على الاقتصاد ككلّ
هو وثيقة سياسية مبدئية، تنطلق من الإقرار بأن ما ساد في البلاد في السابق هو تشوّه: من السماح بالبناء على جوانب الطرقات السريعة عبر منح رخص غير مفهومة وصولاً
إلى إهمال المناطق الريفيّة.
يُقدّم شربل نحاس ملاحظاته انطلاقاً من خبرته في عمل أداه على محاور مختلفة في محاور النقل العام والتخطيط المدني. فهو شارك في صياغة المخطّط العام لتنظيم الأراضي
اللبنانية، وكانت له مشاركة أوّلية في صياغة مخطّطات إعادة الإعمار. تلك العملية التي كانت مختلّة في صميمها. «خذ مثلاً إلغاء إنشاء محطّة أساسيّة لمترو الأنفاق
(Subway) في منطقة وسط بيروت» يقول شربل نحاس. «ألغيت تلك المحطّة كي لا يختلط رواد النقل العام الذين سيستخدمونها بالطبقة التي خُصص كرمى لها وسط البلد»؛ أي
بمعنى آخر، إبقاء الفصل الطبقي.
الحقيقة هي أنّ سياسة النقل في أي بلد تُعدّ أداةً أساسيّة لتحقيق الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والعدالة والكفاءة في توزّع الفرص؛ غير أنّها في الوقت نفسه
يُمكن أن تتحوّل إلى أداة للتهميش والإفقار وتعزيز الفروق الطبقيّة كما يظهر حالياً.
فليس من المنطق بمكان أن يكون هناك اختلاف في أسعار السلع والخدمات، من الأراضي وصولاً إلى سندويش الفلافل، بنسبة 100% بين مدينتين تبعد إحداهما عن الأخرى مسافة
لا تزيد على 80 كيلومتراً. غير أنّ الوضع موجود في لبنان: بيروت وطرابلس
مثلاً!
وصل لبنان إلى وضع كهذا، بحسب نحاس، بسبب «تشتت السوق الداخلي»، فإن كان تأثير تشوّه قطاع النقل العام على الاقتصاد «مأساوياً»، أدّت عدم كفاءة وسائل النقل
في «لبنان الصغير» إلى تقسيم سوق العمل أو تشتّتها، واستتبع هذا الوضع تداعيات اجتماعية خطيرة.
بمعنى آخر، تتمثّل أسس هيكلة قطاع النقل في لبنان في تقويم الآثار الإجمالية للقطاع على حياة الناس والمفاصل الاقتصادية المختلفة. لذا، إنّ المقاربة يجب أن
تكون أكثر شمولية من المطروح حالياً، يجزم شربل نحاس.
ينطلق وزير العمل من قاعدة ذهبية: أن يكون النقل العام مربحاً ليس مسألة ضرورية؛ فنجاح القطاع من حيث تأثيره على الحركة الاقتصادية بمجملها يُمكن أن يتحقّق،
وفي الوقت نفسه تكون هيكليته ممولةً من الخزينة، أي من الأموال العامّة. «فالمردود العام الذي يولّده على صعيد خلق فرص العمل وتوحيد السوق وجدوى الوقت، وبطبيعة
الحال كلفة النقل، هو هائلة وأكبر بكثير من تقويم الخسارة المالية المباشرة التي يُمكن أن تُسجّل في حسابات المؤسّسة المعنيّة بإدارة النقل العام، عامّة كانت
أو خاصّة».
إذاً، لا يستبعد شربل نحاس إمكان إدارة القطاع الخاص للقطاع، واعتماد مبدأ الشراكة، «ما دام هناك حسن استخدام للموارد».
إدارة تلك الموارد يجب أن تنطلق من رؤية صعبة التحقّق، ربّما، غير أنّ البحث في آلية الإصلاح ضروري الآن أكثر من أي وقت، عوضاً عن تعميق التشوّهات؛ فإهمال تأثير
قطاع النقل أدّى إلى ارتفاعات صاخبة في أسعار العقارات، حيث اقتنع المواطنون مع غياب دور الدولة وسلطتها وتطبيق قوانينها بأنّه يُمكن البناء أينما كان دون احترام
تصنيف للأراضي، ومضت السياسة العامّة على مسار معوجّ تُمنح في إطاره رخص البناء من دون وعي لآثارها، نبتت فيه المجمعات التجارية ومحطّات البنزين والمحال التجّارية
كالفطر أينما كان. وهكذا يُمكن تفسير كيف أنّ الطريق السريع الذي ينطلق من بيروت جنوباً يصل إلى صيدا ويُحوّل إلى داخل المدينة!
والصعوبة تنشأ أيضاً من واقع أنّ المستفيدين من نمط كهذا، بعلاقاتهم الانتفاعية والسياسية، سيقاومون أي حالة تصحيحيّة؛ تلك المقاومة يجب أن تُدار بسياسة حكومية
رشيدة، مع التشديد دوماً على أنّ هيكلة قطاع النقل ليست بشراء الباصات كما يفترض غازي العريضي، بل بالبحث جدياً في كيفيّة إعادة صياغة خريطة النقل في لبنان
بمنظور شفاف اقتصادي اجتماعي.

25 في المئة

فائدة سندات الخزينة التي موّلت شراء الباصات عام 1996، حسبما يستذكر شربل نحاس، فيما كان هناك قرض ميسّر بفائدة 7.5% لهذه الغاية!

1.3 راكب

معدّل الركاب لكلّ سيارة وفقاً للتقديرات الحالية؛ وأحد أسباب هذا الرقم المخيف اقتصادياً وبيئياً هو غياب نظام نقل عام فعال وحيوي

الزمن الجميل

شوّهت السياسات غير الرشيدة قطاع النقل كلياً بعد الحرب. فقبل عام 1975 كان لبنان يتمتع بترامواي في مدينتين كبيرتين، وكانت هناك سكة حديد. كذلك إن خطوط النقل
كانت محددة بدقة جغرافياً وزمنياً. انهارت الأمور تقنياً وسياسياً، لدرجة أنّ شراء الباصات في منتصف التسعينيّات، تمّ مواربة عبر سندات خزينة، يُعلّق شربل نحاس.