Wednesday, January 19, 2011

شبح 7 أيّار: إنّها ساعات الفجر في بيروت

ذعر الأهالي وارتبكت الإدارات في مدارس بيروت أمس (محمود الطويل ــ رويترز)
أمس، لم يوفّر شبح الخوف من الحرب أحداً. في الشارع، بات واضحاً أنه السيد، وأن الحرب، إن وقعت، ما دام يتحدث عنها الجميع، لن تكون حادثاً عرضياً
أحمد محسن
فجأة، علم الجميع بأن هناك تجمعات من مئات الشبان، بدأت تتوزع منذ ما قبل السادسة صباح أمس، على بضع مناطق: في البسطة، رأس النبع، وبشارة الخوري، ومستديرتي الطيونة وشاتيلا، وبئر حسن. تواترت الأخبار بسرعة. هرعت الكاميرات إلى المكان، ومعها، بدأ تدفق الشائعات مرافقاً انسحاب المتجمعين في السابعة تماماً. رويداً رويداً، بدأت الصورة الميدانية تتضح تدريجاً. على أرض الواقع، قد يكون الحدث مبالغاً فيه إلى حد ما، مقارنةً بالتحليلات العفوية التي تحدثت «عن انطلاق 7 أيّار جديد». فعلى ذمة «شهود عيان» صودف وجودهم في أماكن التجمعات، كان ما جرى أمس مجرد «مناورة». لم يكن المحتشدون مسلّحين إطلاقاً. وأفاد الشهود بأنّ المتجمهرين لم يظهروا أي عمل عدائي. لاحظ أحدهم أن «معتصماً» كان يحمل عصا خشبية طويلة، سرعان ما نزعها منه أحد الأشخاص الموجودين في المكان، طالباً منه «التزام الهدوء والاستمتاع بالطقس الجميل». أما عن هوية هؤلاء الشبّان، فرجّح الشهود أن يكون المتجمعون «من حزب الله». كان سهلاً على العابرين توقع انتمائهم، بسبب المعاطف العسكرية السوداء الموحدة التي ارتدوها وملاحظة أجهزة الاتصال اللاسلكية في حوزة بعضهم. فأن يرتدي مئتا شاب معاطف متشابهة، وأن يحاصروا الشارع في السادسة صباحاً بلمح البصر، وينسحبوا منتظمين منه في السابعة بالطريقة عينها، ليس فعلاً عفوياً. للوهلة الأولى، أشار بعض الموجودين في رأس النبع، إلى أن التجمهر المعارض أعاد صورة السابع من أيّار إلى ذاكرة كثيرين من المارة. لذلك، سارع هؤلاء للعودة إلى المنازل، خوفاً من أي فلتان أمني مفترض. وعلى نقيض منهم، لفت شهود آخرون، في رأس النبع، إلى أن التجمع كان سلمياً ولم يستمر أكثر من ساعة، حتى إنهم اعتقدوا أن إشكالاً فردياً نشب فجأة، وساعد انتشار الجيش اللبناني الكثيف في بيروت على تثبيت هذه النظرية. وفي الإطار ذاته، أكدت مصادر ميدانية أن توقيت التجمع كان مقصوداً تجنباً لالتحاق عدد كبير من المناصرين بالتجمع، كي لا يتخذ مسار الحشد شكلاً عنيفاً. وبالفعل، «نجحت» الحشود في مهمتها! دبّ الذعر في البسطة، رأس النبع، والمناطق الأخرى، وصولاً إلى الضاحية الجنوبية لبيروت.
لكن عملياً، لم يستمر الضجيج طويلاً في الضاحية. ظلّت الشوارع، أمس، مرتاحة من هول التجمّعات. ظاهرياً، بدت الأمور عادية، مع تراجع ملحوظ في حركة السير: ترقب حذر. وفي هذه الأجواء، سرت شائعات في أوساط المواطنين عن «أن الحزب يتحرك لإسقاط القرار الظني». علم الجميع بالتجمعات سريعاً. بين المزاح والجد، أطلق كثيرون العنان لمخيلاتهم. بعضهم، تحمس لقطع طريق المطار. أكثر من ذلك، سرى اعتقاد في صفوفهم، بأن قطعها «تحصيل حاصل». لم تدم الشائعات طويلاً، واستمرت الحياة طبيعية في المنطقة (طريق المطار) من دون حدوث أي إشكالات تذكر، ما عدا سحب بعض المتجمهرين هناك، في الصباح الباكر. لكن، للمرة الأولى، ربما منذ حرب تموز، سجل ذعر طفيف في أوساط المواطنين، وخصوصاً أولئك الذين يعمل أقاربهم في الشطر الغربي للعاصمة. هكذا، انتشرت دعوات محدودة من هؤلاء، للعودة «هلق» إلى الضاحية، وعدم الخروج منها، ريثما تتبين حقائق الأمور. الضاحية آمنة.
وبينما كانت نشرات الأخبار على القنوات المحليّة حائرة في تقدير أهمية ما يحصل، موفدة أكثر من مراسل إلى بعض «نقاط الحدث»، انقسم المواطنون في الضاحية بين مؤيد للتحرك ومعارض له. عبّر كثيرون عن سخطهم من «حشد الناس على خطوط التماس»، مشيرين إلى أن الدفاع عن المقاومة «لا يكون بارتداء المعاطف العسكرية وشرب القهوة على الطريق في جو تهويلي»، بينما ووجه هؤلاء من فئة أكثر اتساعاً، رحبت بأي عمل «لإسقاط المحكمة الدولية المعادية للمقاومة». هكذا، تابعت الفئة الكبرى من المواطنين التطورات، كما بدا ظاهراً للعيان، بشغف غير مسبوق. والشغف ليس عبثياً في حالتهم. فكما بات معروفاً، التطورات السياسية الأخيرة، أوحت إلى المواطنين بحدوث «شيء ما»، لا يعرفونه، بعد استقالة وزراء المعارضة السابقة من الحكومة السابقة. ببساطة اعتقدوا أمس أنه بدأ بالحصول. في الضاحية، الغالبية العظمى متمسكة بدعم قيادتي حزب الله وحركة أمل في خياراتهما. لا بل إن بعض المتحمسين أبدوا رغبتهم «في المشاركة في أي عمل أو تظاهرة ضد المحكمة الدولية». كأنهم ينتظرون دوراً مباشراً في الأزمة، متأهبين لركوب مقاعدهم في القطار المؤدي إلى الانفجار.
وإلى ذلك، عادت سيارات الأجرة الخصوصية في الضاحية الجنوبية للعمل «على الخط» بكثافة، إذ توقع أصحابها اهتزازاً أمنياً، مفترضين أن تغض القوى الأمنية النظر عن عملهم، تحسباً «لما هو أعظم». واستغل هؤلاء غياب القوى الأمنية التقليدي عن ضبط مخالفاتهم في الضاحية، إضافة إلى تراجع عدد كبير من سائقي الأجرة الأصليين عن العمل، بسبب الخوف من انفجار أمني مفترض، وخصوصاً أن معظمهم يعمل على خطوط معينة خشية أن تتحول إلى خطوط تماس. هكذا، لم يجد المواطنون غير حافلات النقل المشترك، لأنها تعمل على خطوط سير واضحة، في ضوء حذر سيارات الأجرة التي ربما اضطرت إلى «الزوربة». هكذا، تحولت تلك الحافلات إلى صالون لتبادل الشائعات.
وأمس، كان يوم الشائعات بامتياز، فقد هرع الناس، في بيروت وضواحيها، لسماع الأخبار أينما وجدت: في التلفاز، في الطرقات، وفي وسائل النقل المشترك. احتسبوا جيداً؛ فقد تعلموا من دروس سابقة أن الانهيارات الأمنية هنا تحدث فجأة، كالموت. هكذا، ثبتت عودة التلامذة من المدارس معادلة الانتظار الطويل. وفي الحافلات تحديداً، كان لسان حال الجميع لحظة الوصول إلى أطراف العاصمة: «في شي عم بيصير، في شي بدو يصير». الجميع يتحدث عن تطور، وعن حدوث «شيء ما». المفارقة المؤلمة، أن أهل الحافلات يتحدثون عن الحرب أكثر من غيرهم. ربما كانوا يبالغون في تقدير المشهد العام. لكن، قد يكون ذلك نابعاً من خشيتهم أن تكون حافلتهم التي استقلوها اليوم (أمس) كالمعتاد، مجرد «بوسطة عين رمانة» أخرى.
العدد ١٣١٨ الاربعاء ١٩ كانون الثاني ٢٠١١
الاخبار

No comments:

Post a Comment