Friday, January 21, 2011

رجال قهوجي صاحون... في جبل لبنان

قائد الجيش العماد جان قهوجي (أرشيف)
لن تمرّ محاولة إقصاء الرئيس سعد الحريري عن رئاسة الحكومة مرور الكرام في مناطق نفوذ تيار المستقبل. يحاول رجال جان قهوجي النأي ببعض الأقضية عن مظاهر التوتر
غسان سعود
لم يكد وزراء المعارضة يعلنون استقالتهم يوم الأربعاء الماضي (12 كانون الثاني) حتى كانت بعض السيارات العسكرية التابعة للجيش اللبناني تنطلق من إحدى الثكن الكسروانية لتجوب بشبه استنفار بعض البلدات التي تجاور الثكنة. كان ذلك السطر الأول في رسالة تناوب رجال جان قهوجي على كتابة أسطرها في الأيام القليلة الماضية، عنوانها إمساكهم بأمن المناطق التي لم يدخلها السابع من أيار. ومع تصاعد التوتر، واستيقاظ أبناء بعبدا والمتن وكسروان وجبيل على تجمع هنا، ونومهم على مداهمة هناك، تحولت الثكن حيث يقيم هؤلاء الضباط إلى محجّة لأهالي القرى المحيطة بهم
، الساعين خلف من يطمئنهم إلى أمن بلداتهم واستقرارها، مع العلم بأن حركة هؤلاء الضباط تدفع بالبعض إلى الإلحاح في طلب موعد من قائدهم لسماع وجهة نظره وإسماعه تطمينات، عساه يتوسط لديهم من أجل تخفيف الضغط قليلاً.
يتجنب الضباط تحديد المعني برسالتهم وبتحركاتهم الميدانية ورصدهم لكل حركة مثيرة للشبهات الأمنية في بلدات بعبدا والمتن وكسروان وجبيل، مشددين على التزامهم بقرار قيادتهم المحذّر من أيّ مسّ بالأمن. يموّه واحد منهم موكبه وينتقل من سيارة إلى أخرى في منطقة نهر الموت، مكمّلاً طريقه صوب ثكنته، حيث ينتظره العشرات. يسلّم عليه هؤلاء بحرارة، ويبدأون الاستفسار عمّا يسمعونه من شائعات. يطلب من أحد العسكريين إدخال القهوة والشاي ويبدأ كلامه بالتأكيد أن مؤسسته واستخباراتها تفتح عيونها جيداً على مختلف الجهات، لا فوق فريق سياسي واحد، مشيراً إلى عدم ملاحظة الجيش واستخباراته أي استعدادات توحي برغبة أحد الأفرقاء في جرّ هذه المناطق إلى التوتر الميداني. لكن أحد زملائه يورد مجموعة معطيات، يفترض أن قادة الأفواج المنتشرة في جبل لبنان، تأخذها بعين الاعتبار:
أولها، مواظبة أحد الأفرقاء السياسيين المسيحيين على التصعيد، ما يشير إلى رغبة هذه المجموعة السياسية في إبقاء جمهورها على مستوى عال من التعبئة، فضلاً عن تكرار قائد هذه المجموعة التأكيد أن القوى السياسية المسيحية معنيّة بالصراع القائم اليوم لأن الخلاف ليس شيعياً ـــ سنياً، وإنما هو خلاف على دور الدولة وطبيعتها. وقد أبدعت وسائل الإعلام القريبة من هذه المرجعية السياسية في اختراع أخبار ملفّقة، تثير توترات مذهبية، في الأيام القليلة الماضية: بعد الادّعاء أنّ مناصرين لحزب الله دخلوا إلى بلدة الحدث وبدأوا الاعتداء على السكان والممتلكات، ادّعت وسائل الإعلام نفسها أن أنصار حزب الله الذين تجمّعوا قرب الطيونة كسروا تمثالاً للسيدة العذراء، فضلاً عن بثّ مجموعة شائعات على مدار الساعة، مرة عن احتمال انقطاع البنزين، ومرة عن حرق إطارات في مناطق مسيحية متاخمة لمناطق شيعيّة كبلدة الجديدة في المتن مثلاً.
ثانيها، تكثيف الفريق السياسي نفسه عقد الاجتماعات الحزبية في مكاتب الحزب التي يؤكد أحد ضباط الاستخبارات أن انتقاءها في معظم البلدات يجري بعناية تظهر التزام مستأجر المكتب بمجموعة معايير سرية ينتقى المكتب على أساسها. وبعدما استبعد قبل بضعة أسابيع الأعضاء المشكوك بولائهم أو الذين تشكّ قيادة الحزب بإمكان اختراقهم، جرى تقسيم من بقي إلى مجموعات تغادر إحداها مكتب الحزب لتحلّ أخرى، في ظل الانتقال ببعض الاجتماعات الحزبية إلى شقق سكنية بعيدة عن أنظار استخبارات الجيش. ويؤكد مصدر عسكري أن هذه المكاتب، رغم موقعها الاستراتيجي في العمل التعبوي، لا تصلح للعمل الأمني المباشر، ومديرية الاستخبارات شبه واثقة بأن لا سلاح فيها.
ثالثها، التزام مجموعات من هذا الحزب السهر في ساحات الأحياء وعلى مقربة من مكاتب حزبهم، بحجّة التصدي لأيّ محاولات تمسّ بأمن السكان، على غرار ما قامت به معظم الأحزاب المسيحية في مرحلة التفجيرات التي تنقلت من جونية إلى المتن، فالأشرفية. ويشرح أحد المسؤولين في استخبارات الجيش أن قيادة هذا الحزب أبلغت فرع المعلومات ضرورة اطمئنانه الكامل إلى أمنه بين أهله في الأشرفية.
رابعها، تكرار بعض مؤيدي هذا الحزب افتعال أو الانخراط في إشكالات حاولوا، ولا سيما في بلدتي الحدث وبعبدا، إلباسها رداءً طائفياً «مسيحياً ـــ شيعياً». ففي بعبدا، قبل بضعة أيام، تعرّض مؤيدو هذا الحزب لشخص، باعتباره مؤيداً لحزب الله، قبل أن يتبيّن أنه من الطائفة السنية ومؤيد لتيار المستقبل. وفي الحدث، كثرت المشاكل في البنايات «المختلطة طائفياً»، في آخرها استيقظ سكان البناية ليكتشفوا أن جيرانهم رسموا علم إسرائيل فوق مدخل بنايتهم.
ويشرح أحد الضباط، الذي يوافق زملاءه في عدم تسمية الفريق السياسي الذي يتحدثون عنه قطعاً لمحاولاته المتكررة الظهور بمظهر المضطهد من الجيش، أن هناك سيناريوهين يفترض بأبناء هذه المناطق أن يتنبهوا لهما؛ أولهما، اعتقاد أحد الأفرقاء السياسيين أن إضافة توتر مسيحي ـــ شيعي على التوتر السني ـــ الشيعي أمر يفيد بعزل حزب الله وإضعاف العماد ميشال عون شعبياً. ويشير أصحاب هذه النظرية إلى أن التوترات المسيحية ـــ الشيعية الصغيرة، التي حصلت في 7 أيار الماضي في بعض المناطق كالحازمية مثلاً أسهمت بتقليب بعض الرأي العام ضد عون، ولا سيما وسط الذين لم يسألوا عن حقيقة ما حصل يومها، مع العلم بأن التيار الوطني الحر وخلافاً لما كانت عليه الأمور في 23 كانون و7 أيار لا يجد نفسه معنياً ميدانياً بما يمكن أن يحصل من حوله، والتجمع الشعبي الوحيد المنتظر من العونيين في القريب العاجل هو مطلع الشهر المقبل لزيارة قبر القدّيس مار مارون في منطقة براد في محافظة حلب السورية، مع أخذ القوى الأمنية المعنيّة بعين الاعتبار أيضاً أن مواقف العماد ميشال عون الرافضة بحزم لعودة الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة المقبلة، وبرغم توضيحه أمس أنه لا يستهدف بموقفه هذا الطائفة السنية، يمكن أن تثير ردود فعل مذهبية ترى في الموقف العوني استفزازاً يستوجب الرد.
ثانيها، رفض الفريق السياسي نفسه المنطق القائل بالاحتكام إلى المؤسسات، وبالتالي تسليم كل مكتسبات ثورة الأرز إلى المعارضة السابقة لمجرد أنها باتت أكثرية نيابية. واعتقاد بعض مؤيدي هذا الفريق أنهم قادرون على تعديل موازين القوى وتوازن الرعب الشيعي ـــ السني من خلال تحركات في الشارع تعيد تعبئة الرأي العام، ولا سيما المسيحي منه لحماية الحرية والسيادة والاستقلال ورفض التدخلات الخارجية وعودة رموز المرحلة السورية. وفي معرض كلامه، يشير أحد الضباط إلى خشية جدية لديه من تحركات في الشارع تبدأ في مكان وشعار، وتنتهي في مكان وشعار آخرين.
في النتيجة، يكتشف أهالي المناطق التي كانت تعتبر أنها ستنأى بنفسها عن التوتر وتتفرج من بعيد على «المشكلة السنية ـــ الشيعية»، أنها لا تعيش في جزيرة معزولة وأن شظايا التوتر ستطال الجميع حيثما كان الانفجار. والتفافهم اليوم حول ضباط الجيش ليس إلا محاولة للحدّ من خسائرهم.
________________________________________
مداهمة الحبتور حصلت... لم تحصل
بعد القصص التي لفّقتها قوى 14 آذار بشأن اقتحام أنصار حزب الله بلدة الحدث وقطعهم الطريق في بلدة الجديدة، وتكسيرهم تماثيل القديسين المسيحيين، بدأ الفريق الآخر بنسج رواياته الخاصة، وأهمها وجود مئات السعوديين والمصريين والأردنيين، ممن تغصّ بهم الفنادق منذ أسابيع بعد وفودهم إلى لبنان. وهم يلزمون غرفهم، لا يخرجون منها إلا نادراً. ومع استكمال تخيّل اللبنانيين لمشهد السياح الجدد ودورهم في «الحرب الأهلية» الآتية، أتت «المعلومات» الإضافية عن مداهمة الجيش فندق الحبتور لإلقاء القبض على العشرات ممن يلازمون غرفهم في الفندق منذ نحو عشرين يوماً، الأمر الذي سارعت قيادة التوجيه إلى نفيه «جملة وتفصيلاً»، مهيبة بوسائل الإعلام «توخّي الدقة والحذر حفاظاً على الصدقيّة الإعلامية، ومنعاً لإثارة البلبلة لدى المواطنين في ظل الظروف الدقيقة التي يمر بها الوطن»، قبل أن تبادر إدارة فندقي «الحبتور ـــ جراند» و«المتروبوليتان بالاس» إلى التوضيح أن الفندقين يستضيفان مؤتمراً تنظّمه شركة دواء دولية، يستمر أربعة أيام، يشارك فيه نحو 300 مشارك، جميعهم من الجنسية المصرية. وموعد المؤتمر محدد منذ أواخر الشهر الماضي. وهو ما أكده لـ«الأخبار» أحد المراجع الأمنيّة المعنية، مشيراً إلى أن إحاطة الجيش بالفندق طبيعية، وغالباً ما تحصل عندما تطلب إدارة الفندق أو منظّمو المؤتمر حماية أمنية. بينما أصرّ مصدر في التيار الوطني الحر على الخبر الذي كانت قناة الـ«أو تي في» أول من تحدثت عنه، مشيراً إلى أن «المرافقة الأمنية للمؤتمر لا تستوجب دخول العسكريين إلى الفندق والتحقيق مع بعض نزلائه».
العدد ١٣٢٠ الجمعة ٢١ كانون الثاني ٢٠١١
الاخبار

No comments:

Post a Comment