Friday, January 21, 2011

المبسّط في السياسة للمتبدئين
فداء عيتاني
إذاً وصل رئيس حكومة تصريف الأعمال إلى نتيجة مختصرها «هزمت ولن أستسلم». يقابله الرئيس الذي سيكلّف الاثنين المقبل عمر كرامي، الذي وافق على تحمّل المسؤولية، بعدما أبلغ رسميّاً بتعهد وليد جنبلاط تقديم أصوات كتلته كاملة له (رغم الشكوك بقدرته على تنفيذ التعهد كاملاً). طبعاً، كرامي سيقدّم مجموعة شعارات برّاقة ولامعة في أقرب فرصة تتاح له، لتبرير موافقته على تولّي السلطة بعدما قاد البلاد في حكومتين سابقتين إلى كارثتين وطنيّتين، هما إضرابات أيار عام 1992 التي أتت برفيق الحريري لإدارة بلاد مدمّرة (لا يمكن تبرئة الحريري نفسه من المساهمة في ضرب سعر صرف الليرة التي أطاحت كرامي)، والثانية هي مقتل رفيق الحريري.
لكن، قبل أن نصل إلى الحكومة المقبلة، وتسمية كرامي والحريري أمام رئيس الجمهورية، لربما من المفيد تحديد نقاط تقنية في السياسة المحليّة:
1ــ لا يمكن حسم معركة بين طوائف في لبنان من دون قمع وعنف. قد تحسم زعامة داخل الطائفة من دون عنف، لكن بين المذاهب المختلفة فإن أي محاولة سيطرة ستنتج عنفاً، وتنتهي مؤقتاً بقمع طائفة بانتظار تبدّل في المعطى الإقليمي لإعادة إنتاج ميزان قوى آخر.
2ــ إن نظام الحكم الطائفي في لبنان متوازن ولكن غير ثابت، وبالتالي، شأنه شأن العصا الواقفة على مسطّح، بإمكان أي عامل خارجي أن يجعلها تنقلب، وتداول السلطة بين الطوائف لم يكن مرة سلمياً في لبنان.
3ــ إن وفاء الزعيم بالتزاماته للطوائف الأخرى هو أمر مقدّس، وأيّ تلاعب يعيد العائلات الروحية إلى صفتها المقاتلة والقاتلة.
4ــ موازين القوى اللبنانية تحتكم إلى حجم الطوائف وثرواتها، ودورها في الاقتصاد وتحويل العملات والامتلاك العقاري وقدرات الوقف الديني، وتحتكم أساساً إلى قدرات أبنائها على التسلح، فلم يكن لطائفة محدودة عددياً كالدروز، أن تأخذ دوراً محوريّاً لو لم تكن طائفة مقاتلة منذ الولادة.
5ــ إن تنفيذ السياسات والمصالح الخارجية ليس جريمة ترتكبها أية طائفة في لبنان، بل هو جزء من قدراتها ومن وزنها في الصراعات الداخلية على السلطة، لكن الخاسر هو من يتحوّل إلى خائن، والمنتصر هو من يتحوّل إلى وطنيّ.
6ــ إن الزعامة داخل الطائفة تغفر لأي قائد قيامه بأعمال عنف دموية، لتوحيد كلمة الطائفة، لكن القيام بأعمال عنف ضد طوائف أخرى يمكن أن يكون محرجاً فقط في حال الخسارة.
7ــ سياسة التحالفات الداخلية لكل طائفة هي تعبير عن توزيع مناسب للمكاسب المتأتية من الحكم، وهي، بغضّ النظر عمن يدير الدفّة، ممهورة بنهب المال العام واستخدام قدرات الدولة لمصلحة مجموعات محدّدة تحكم ولو مؤقتاً، ويصبح التغافل ومسامحة الفريق الخاسر جزءاً من بروتوكول، أو احترام متبادل تتبادله الطوائف، حيث سيحين دور طائفة أخرى في الحكم لاحقاً وستعمد إلى نهب مقدّرات البلاد بالنحو اللائق.
8ــ حين يطرح طرفان وجهتي نظر متعارضتين كلياً، ويصرّ طرف على عدم سماع الآخر، تنتهي السياسة. وبما أن نهاية السياسة تعني استخدام أدوات العنف، فمن البديهي أن تتدخّل مليشيات الطوائف، وأن يبذل العنف في الشوارع في سبيل تغيير موازين القوى وحسم خيار السلطة في البلاد.
9ــ غياب ثبات في النظام اللبناني يجعل من عملية الانقلابات الطائفية شبه دورية، ما لم تتدخل قوة خارجية لتحكم بين الأطراف ولو بالقوة والقهر، كما حصل منذ عام 1990 إلى عام 2005، وأي تغيير في موزاين القوى الخارجية سيعيد البلاد إلى دورات الصراع الأهلي.
10ــ إن ممارسة دور حيادي في مجتمع طائفي متفجر مشابه عملية شبه مستحيلة، فإما أن يكون هناك حياد سلبيّ ينتهي بخروج الحياديّين إلى الهامش، وإما حياد إيجابي، يوجب تأمين قدر كاف من القدرات العسكرية والنارية لضمان أن تسمع كلمة الحياد.
11ــ إن الإتيان بزعيم سياسي غير مركزي في طائفته قد يمرر مرحلة، لكنّه سيؤدي إلى تفجير لاحق، تماماً كما حصل مع المسيحيين، الذين اضطهدوا في زمن الحكم السوري ـــــ الحريري للبنان، ثم خرجوا ناقمين على الحياة نفسها.
12ــ من لا يعرف كيف يساوم لا يعرف كيف يعيش في أدغال لبنان. وتوسيع الشعارات المبدئية (العدالة، المشروع الاقتصادي الاجتماعي، رفض التدخل الأميركي في شؤوننا الداخلية إلخ) يؤدي إلى التعثر في الوصول إلى تسويات جدّية أو طويلة المدى.
في الأقل، هذه مبادئ أولية في السياسة المحليّة، كي لا يصدم أبناء المناطق الفقيرة لاحقاً بأن هذه المعارضة لم ترفع من مستوى حياتهم بعد وصولها إلى السلطة، وكي لا يُخدع أبناء المناطق الفقيرة المتحلقون حول أثرى أثرياء لبنان ورئيس حكومة تصريف الأعمال، بأن الصدام مع الشيعة لم يورّثهم دولة رفاه.
العدد ١٣٢٠ الجمعة ٢١ كانون الثاني ٢٠١١
الاخبار

No comments:

Post a Comment