Wednesday, January 19, 2011

قبل فـوات الأوان

انتشار للجيش في بيروت أمس (جوزف عيد ــ أ ف ب)
سعد الحريري، إلى وقت قريب، كان يتمسّك بمعادلة «So what؟»، أو «وإن يكن؟»، ولكن المتغيّرات الكثيرة جعلت حزب الله ينزل إلى الشارع أمس ليقول للأطراف المحليين والدوليين «تراجعوا قبل فوات الأوان»
فداء عيتاني
حين وصلت الباصات إلى المنازل لجلب الأطفال ونقلهم إلى المدارس، كانت الشوارع قد خلت من زوّار الفجر. هؤلاء المئات من الشبان الذين نزلوا إلى الشوارع في إجراء نسّقه حزب الله، اختيروا من المقاتلين المتمرّسين الجيّدي الانضباط والالتزام منعاً لوقوع أخطاء، وكان القرار بنزول هؤلاء إلى الشوارع ما بين الساعة الخامسة والخامسة والنصف فجراً، على ألا يبقى أيّ عنصر في الشارع بحلول الساعة السابعة، وأن تعود الأمور إلى طبيعتها مع ساعات الصباح الأولى.
كان المطلوب من هؤلاء الشبان أن يتجمّعوا في جميع النقاط الحساسة في بيروت، وعلى مداخل العاصمة، ولم يقف أحد منهم في وسط شارع، أو يقطع طريقاً، أو يحمل سلاحاً. فالتكليف الحزبي كان أن يحضروا فقط في الشارع وعند المفاصل، من دون أي نوع من أنواع الأسلحة، النارية أو البيضاء. وهو ما حصل.
لم يكن هناك أي قرار بالتمادي، أو بالبقاء في الشوارع. وحين تدخلت القوى الأمنية لمعرفة ما يفعله هؤلاء الشبان، كان الجواب من مجموعات: «نحن ذاهبون في رحلة وننتظر الباصات»، وفي أماكن أخرى: «نقوم بصبحية في الشارع ونشرب القهوة». ولم تجد القوى الأمنية، سواء من قوى الأمن الداخلي أو من استخبارات الجيش، أي مبرر لمنع التجمعات المدنية، وإن كانت بثياب سوداء موحّدة.
الأطراف السياسيون لم يكونوا على علم بما يحصل، لا في المعارضة ولا في الموالاة. ولم يتمكن أي جهاز أمني من إفادة المسؤولين السياسيين بما حصل قبل حصوله. وأما أطراف المعارضة، وإن أبدى بعضهم علمه المسبق، فقد كانوا يتابعون الاتصال بقادة من حزب الله، لم يكونوا هم بدورهم على علم (مسبقاً وبعضهم لاحقاً) بتفاصيل ما جرى، وأسباب الانتشار وما سيليه من خطوات. فالجهاز الحزبي الذي نفّذ أمر قيادته كان يعمل باستقلالية عالية، وسرية مطلقة، لضمان عنصر المفاجأة، وهو جزء من الرسالة التي يفترض أن الانتشار يوصلها لمن يعنيهم الأمر في الداخل والخارج.
تكفّلت إذاعة النبأ والشائعات عن قطع طرقات وإقامة حواجز بترويع المواطنين لاحقاً. وبعدما اكتشف المواطنون ما حصل، دبّ الذعر فيهم، وعمد البعض إلى التوقف عن العمل، ولكن الجميع قرر سحب الأطفال من المدارس، فقط في العاصمة، وفي مناطق السكن ذات الأغلبية السنّية، دون غيرها من المناطق، وشملت حالة الذعر، إلى بيروت، الخط الساحلي، وبعض مناطق الجبل ذات الأغلبية السنّية.
وبالطبع فإن حزب الله يتحمّل هنا مسؤولية الذعر الذي أصاب المواطنين وقلقهم على مصير أولادهم في المدارس، كما يشارك الحزب في هذه المسؤولية الذين أطلقوا الشائعات عن أعمال قطع طرقات وغيرها. ومن قرّر نشر الشبان في الشوارع في ساعات الفجر، لا شك في أنه يملك من حسن التقدير ما يجعله يعرف أن الانتشار سيثير حملة من الشائعات.
أما من قرر هذه الخطوة، فكان يريد إرسال رسالة واضحة إلى الأطراف المحليين والإقليميين والدوليين.
1 ـــــ أولى الرسائل هي تلك الموجهة إلى الحلفاء من أطراف المعارضة، ألّا يعمدوا في مرحلة لاحقة إلى إطلاق حملات وغزوات وتجاوزات كتلك التي رافقت أعمال العنف في السابع من أيار 2008، وأن المعني بملف المحكمة وبهذه الخطوات هو أولاً وأخيراً حزب الله، وهو قادر على التصرّف بمفرده إن لم تلتزم أطراف المعارضة بأسلوبه الدقيق في العمل مستقبلاً.
2 ــ تحميل الأطراف المحليين والدوليين والإقليميين مسؤولياتهم، وداخلياً توجيه رسالة قاسية إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، أن الأسوأ هو ما لم يحصل بعد.
3 ـــــ إن إعطاء النصائح لحزب الله، وإطلاق النظريات عن المحكمة وضرورة انتظار القرار الاتهامي قبل الدفاع عن النفس لا ينفعان، وإن اعتقاد البعض بأن نار المحكمة والقرار الاتهامي لن تطاول إلا حزب الله هو اعتقاد خاطئ تماماً، وإن حزب الله يعرف كيف يُطفئ الحريق قبل اندلاعه.
4 ـــــ إن تخيّل أطراف محليين أن حزب الله لا يمكنه القيام بأي ردّ فعل خشية الفتنة، وأن الشارع السنّي يمكن استنهاضه في أي لحظة بقليل من المال والكثير من النفخ والتحريض الطائفيين هو أيضاً ضرب من الهلوسة، إذ إن الانتشار حصل في ساعة كان فيها الجميع نياماً، وأحدث مفاجأة حقيقية، وأظهر قدرة حزب الله (والمعارضة استطراداً) على الإمساك بالشارع قبل أن يستيقظ المسؤولون الأمنيون التابعون لتيار المستقبل، وقبل أن يتمكن أيّ شيخ من شيوخ الفتنة من ارتداء عباءته أو استدعاء التلفزيونات لإطلاق تصريحاته.
5 ـــــ على الشخصيات المطلوبة إلى القضاء السوري، التي يرفض القضاء اللبناني استدعاءها الشعور بقلق عميق، فهم مرتكبون ومسؤولون عن السعار الطائفي الحالي، ولا ينفعهم كل ما صرف على فرع المعلومات في إبلاغهم مسبقاً بنيّات حزب الله ليستطيعوا الفرار من البلاد.
6 ـــــ المشهد الذي ظهر أمام الناس والصدمة التي عاشوها مطلوبان، ليرى أبناء الطائفة السنّية أيّ حدّ من الخطر بلغته الأمور. إنها أيضاً رسالة إلى المواطن الذي (في رأي حزب الله) أوصلته قيادته السياسية لا إلى الفقر والتهميش السياسي والاجتماعي فقط، بل أيضاً إلى مواجهة المقاومة وتبنّي خيار الولايات المتحدة في مواجهة حزب الله بالجمهور السنّي والزعامة السنّية، وإن على هذا المواطن وجمهور تيار المستقبل أن يعلما أن خطورة الأمور بلغت حدّ اللاعودة، وخاصة مع تسليم القرار الاتهامي. والحريق قد يطاول الجميع، وحزب الله قد يمسك بالشارع في لحظات إذا استمر الحريري بأدائه الحالي.
7 ـــــ إن سعد الحريري 2007، الذي سمعه المواطنون يتحدث بصلف ضد الجميع، هو شخصية غير قادرة على الاستمرار في السلطة، وإن أي أمل هو في شخصية أخرى (من دون إغلاق الباب أمام شخصية الحريري إذا وافق سلفاً على تفاهمات س ـــــ س).
8 ـــــ إن إصرار الأميركيين وبعض السعوديين وأطراف عرب وغربيين على الاعتماد على الخلاف السنّي ـــــ الشيعي كأسهل الأساليب للقضاء على حزب الله لن يجدي، وكانت الحركة التي قام بها حزب الله للقول «حين تجمع مئات الشبان وتوزّع عشرات البنادق، وتبني جهازاً أمنياً داخل قوى الأمن، وتقيم حراسات في مناطق انتشار تيار المستقبل، وترفع لافتات حماسية في المناطق، فإنك لا شك تمزح. ولكن في لحظة الحقيقة، نحن لا نمزح». ولحظة الحقيقة هي حين إعلان المحكمة الدولية قرارها الاتهامي الذي يتهكّم البعض بأنهم ينتظرون قراءة نصّه الأوّلي فور توافر المبلغ لشرائه من السوق السوداء.
في مقابل كل ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن الشارع الذي يسير خلف تيار المستقبل هو فعلاً من أكثر الشوارع انظلاماً، والناظر إلى لبنان الجنوبي يشاهد حجم التنمية التي أصابت هذه المناطق التي أصبحت مصايف لأبنائها، بعدما تحوّل هؤلاء إلى الاغتراب والعمل في العاصمة، وتقلّص حجم الفقر إلى حدوده الدنيا. ورغم الهدر والسرقات الرسمية والفساد المستشري، فإن حصة المواطن من التأمينات والضمانات تعدّ مقبولة، وإن لم تصله من الدولة وأجهزتها، فستصله من مؤسسات حزب الله.
بينما الناظر إلى لبنان الشمالي، أو إلى إقليم الخروب أو البقاع الغربي، يشاهد حجم الإهمال وتراجع مستوى الحياة. وإن بعض الأحياء، في الشمال خاصة، لا تزال تحمل اسم المنكوبين، أو حي التنك، وهي نتيجة لمن استخدم السلطة السياسية لمصالحه المباشرة حصراً، ما انعكس أيضاً على المؤسسات الدينية، حيث لا نرى كاهناً مسيحياً يحتاج إلى سياسي للحصول على راتب شهري، كما لم تنهب الكنيسة الوقف المسيحي، أو يمدّ الشيخ الشيعي يده لهذا السياسي أو ذاك، إلا أن الشيخ السنّي في عكار، الذي يحصل على مبلغ 300 ألف ليرة لبنانية من دار الفتوى، يُضطر إلى أن يطلب من عصام فارس المساعدة للحصول على كفاف يومه.
أما تحميل الظلم اللاحق بجمهور تيار المستقبل وأبناء الطائفة السنّية للطوائف الأخرى بدل محاسبة قيادته السياسية، فيجب أن يتوقف في مكان، وقد يفهم رئيس حكومة تصريف الأعمال أن أموراً كثيرة يجب أن تعالج قبل فوات الأوان».
العدد ١٣١٨ الاربعاء ١٩ كانون الثاني ٢٠١١
الاخبار

No comments:

Post a Comment