Tuesday, March 29, 2011

________________________________________
بين الأستونيين والكنيسة... الأمن قبل السياسة

وزير خارجية أستونيا: نتعاون مع لاعبين دوليين لجلاء مصير مواطنينا (محمد عزاقير ــ رويترز)
بين حكومة لاتصريف الأعمال، وأخرى يدأب فريق على التبشير بولادتها «قريباً»، منذ زمن بعيد، ويتشفّى فريق آخر بآلام مخاضها، آملاً إجهاضها، قفز موضوع الأمن إلى الصدارة، فارضاً تغييراً جذرياً على أجندة اللقاءات والمواقف
كأن اللبنانيين لم يكن ينقصهم إلا عملية خطف ومتفجرة، حتى يتراجع ملف الحكومة إلى الموقع الأخير على لائحة اهتماماتهم، وتتركز حركتهم في اجتماعات أمنية، فيما مواقفهم تتدرج من استنكار وضع عبوة أمام كنيسة السيدة للسريان الأرثوذكس في زحلة، إلى المطالبة بكشف مصير الأستونيين السبعة الذين اختطفوا عصر الأربعاء الماضي بالقرب من زحلة، ثم الانطلاق من ذلك للتحذير من الفتنة التي يستحضرها الجميع لدى حصول أي أمر، كبيراً كان أو صغيراً، وبالتالي ليطالب فريق الأكثرية بالإسراع في تأليف الحكومة، بينما يسارع فريق المعارضة إلى توزيع الاتهامات وتجديد الحديث عن الفلتان والميليشيات.
ووسط سيل المواقف المكررة، توزع النشاط أمس على 3 محاور متداخلة: سياسي تمثّل في وصول وفد أستوني كبير برئاسة وزير الخارجية أورماس باييت، جال على الرؤساء ميشال سليمان ونبيه بري ونجيب ميقاتي ووزير الداخلية زياد بارود والأمين العام لوزارة الخارجية بالوكالة السفير وليم حبيب وقائد الجيش العماد جان قهوجي، للاطلاع على التطورات المتعلقة بموضوع خطف الأستونيين. ومحور أمني، توزّع بين اجتماع في بيروت ترأسه وزير الداخلية وضم المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي وبعض قادة الوحدات الأمنية، لبحث التطورات الأخيرة، ولا سيما خطف الأستونيين وتفجير كنيسة السيدة في زحلة ومواكبة تظاهرات العمال السوريين في لبنان، إضافة إلى اجتماعات متعددة الجنسيات في زحلة لمتابعة موضوع المخطوفين.
المحور الثالث تمثّل في العمل على الأرض (نقولا أبو رجيلي) من الأجهزة الأمنية والعسكرية في البقاع، التي، في أوج انهماكها بالعمل على الإمساك بطرف أي خيط يساعد في التوصل إلى معرفة مصير الأستونيين السبعة، جاءها موضوع متفجرة الكنيسة ليزيد «الطين بلة»، بحسب ما قال مسؤول أمني لـ«الأخبار»، وخصوصاً أن مكان التفجير يقع على بعد مئات الأمتار من المنطقة الصناعية شرق مدينة زحلة، حيث حصلت عملية اختطاف راكبي الدراجات الهوائية الأستونيين، الأمر الذي دفع البعض إلى الحديث عن احتمال وجود ترابط بين الحادثتين. لكنّ المسؤول الأمني المذكور يرى أن هذا الأمر «يبقى مجرد فرضيات؛ إذ لا يمكن استباق ما ستتوصل إليه التحقيقات في حادثة الكنيسة»، مرجّحاً أن «عملية خطف الأوروبيين كان يمكن أن تنفذ في مكان آخر، على طول مسافة الطريق الممتدة من المصنع إلى زحلة، أي نحو 18 كلم، فيما لو سمحت الظروف (من حيث المكان وحركة مرور السيارات) للخاطفين بالوصول إلى مأربهم».
الدوران في حلقة مفرغة
وكانت الأجهزة الأمنية المتابعة لقضية المخطوفين قد نفذت أول من أمس عملية تفتيش واسعة في مناطق عدة في البقاعين الأوسط والغربي، شارك فيها ضباط أمنيون من فرنسا وأستونيا، وتلتها اجتماعات مكثفة ومتلاحقة لعدد من كبار الضباط اللبنانيين والأوروبيين الذين تجمعت مواكب سياراتهم التي تحمل لوحات تسجيل مدنية أمام أحد المراكز الأمنية في قصر عدل زحلة. أما النتيجة، حتى يوم أمس، فيلخصها المسؤول الأمني بالقول «إننا ندور في حلقة مفرغة»، لافتاً إلى تعاون مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية لـ«حل هذا اللغز المعقد الذي يمكن أن تفكّ رموزه في أقرب وقت ممكن»، متوقعاً أن تحمل الساعات المقبلة بعض المعلومات والتطورات في هذا الشأن.
وحظيت هذه المتابعة لقضية خطف الأوروبيين السبعة بإشادة من وزير خارجية أستونيا الذي قال بعد لقاءاته المكثفة أمس إن «العمل من الجانب اللبناني نشيط جداً لمعرفة أسباب حصول هذا الأمر والمسؤول عنه وإطلاق الأستونيين». وكان لافتاً إعلانه تعاون بلاده، إضافة إلى لبنان، مع «دول أخرى في المنطقة ودول أوروبية لمعرفة أي تفصيل يساعد في إنهاء هذه القضية المحزنة بطريقة إيجابية»، متمنياً أن «يعطي تعاوننا مع لبنان ومع لاعبين دوليين آخرين ثماره في أقرب وقت ممكن». وقال رداً على سؤال: «التحقيقات ما زالت جارية في مكان حدوث عملية الاختطاف، ونحن أيضاً نجمع المعلومات في هذه المرحلة لمعرفة من قام بهذا العمل، ولماذا يبقى الأمر، للأسف، مستحيلاً». ونفى باييت أي علاقة لسائحة أستونية بعملية الخطف، مشيراً إلى أنها كانت في لبنان منفصلة عن السبعة، وأن السلطات اللبنانية استمعت إليها ثم غادرت عائدة إلى بلادها.
كوماندوس غير مرئيين
وفي وقت لم يطرأ فيه أي تطور لجلاء لغزي عمليتي الخطف والتفجير، جاء خبر أمني من وراء البحار، حيث أعلنت سفارة لبنان في ساحل العاج تلقيها رسالة تهديد بواسطة البريد الإلكتروني من مجهول يدّعي أنه يتحدث باسم «الكوماندوس غير المرئيين»، تتضمن تحذيراً للجاليات الأجنبية، وخصوصاً اللبنانية، واتهاماً لها «بالتدخل في الشؤون السياسية الإيفوارية»، وتعلن تبنّي الكوماندوس لـ«اختطاف اللبناني علي خليل فواز وتصفيته»، وتحميل «سفير لبنان الحالي المسؤولية بالدرجة الأولى». ولفتت السفارة إلى إجرائها الاتصالات اللازمة لبنانياً وإيفوارياً «حتى وإن كانت هناك شكوك في صدقية الرسالة نفسها».
وكالعادة، انقسمت المواقف من التطورات الأمنية بين من رأى فيها حافزاً للإسراع في تأليف الحكومة وتحصين البلد، ومن حاول استثمار هذه التطورات في حملته السياسية، حيث انطلق النائب محمد كبارة من الارتباط الجغرافي بين حادثتي الخطف والتفجير، للقول إن الأمن «لن يتحقق ما دام على أراضينا قواعد عسكرية لا سلطة للدولة اللبنانية عليها، سواء كانت تابعة لجبهة أحمد جبريل التي تدين بالولاء للنظامين السوري والليبي أو كانت خاضعة لسيطرة حرس الفقيه الفارسي في لبنان». وتحدث زميله النائب نضال طعمة عن «الحاجة الماسة إلى إغلاق المستنقعات والجزر الأمنية في عرض البلاد وطولها»، ورفض تيار المستقبل «أن تتحكم العصابات والميليشيات في مصير لبنان واللبنانيين».
وإذ وضع المكتب السياسي الكتائبي الاعتداء على كنيسة زحلة في إطار اعتداءات «طاولت الكنائس المسيحية في أكثر من منطقة لبنانية»، ورأى أنه «مخطط لا بد من التنبّه له ومواجهته في أسرع وقت ممكن لما له من تأثير على الوحدة الوطنية»، حذر من أن يؤدي تكرار ما تعرض له الأستونيون «في ظل التوترات الأمنية والأجواء المشحونة إلى تقويض موسم السياحة».
أما أكثر ما لفت أمس، فهو ما بدأ به تلفزيون لبنان الرسمي نشرته الإخبارية مساءً، الذي يتضمن شبه اتهام مباشر محميّ بكلمة «ربما»، عبر القول ما حرفيّته: «أمن لبنان من أمن سوريا. تحت هذا العنوان قد يندرج خطف الأستونيين السبعة في البقاع، وكذلك التفجير الذي استهدف كنيسة في زحلة»!
[1] [1]
العدد ١٣٧٤ الثلاثاء ٢٩ آذار ٢٠١١
سياسة
الاخبار

No comments:

Post a Comment