Friday, April 29, 2011

سوريا «حاضرة» في طرابلس بعد 6 سنوات على انسحابها

معظم أهالي طرابلس عزفوا عن المشاركة في التظاهرة التي نظمها حزب التحرير «نصرة لثورة الشام» (أرشيف ــ مروان طحطح)
عبد الكافي الصمد
يتندر كثيرون في طرابلس، منذ سنوات، بأن المركزين السابقين اللذين استخدمهما جهاز الاستخبارات السورية في المدينة لأعوام عدة، وهما مركز الأميركان في جبل محسن ومركز مار مارون على طريق الميناء، ما زالا على حاليهما منذ مغادرة القوات السورية لبنان في 26 نيسان 2005، كأنهما جاهزان لاستقبال السوريين ثانية في حال عودتهم!
هذه الطرفة التي يراها البعض سوداء وآخرون ينظرون إليها على أنها بيضاء، تعكس جانباً من النقاش الدائر في عاصمة الشمال حول مقاربة ملف الوجود السوري العسكري في لبنان منذ دخول القوات السورية أراضيه عام 1976، إلى حين انسحابها منه، إثر التداعيات الكبيرة التي تركها اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، وما أعقبه من تحميل بعض الأطراف، داخلياً وخارجياً، دمشق مسؤوليات مباشرة أو على نحو غير مباشر عن هذا الاغتيال وسواه.
انقسام الرأي في طرابلس نتيجة هذا النقاش حيال الوجود العسكري السوري فيها لم يغب في أي مرحلة، إلا أنه بقي مكتوماً لسنوات، أقله من الجانب الرافض له، قبل أن يُعبّر عن نفسه جلياً إثر انكفاء السوريين في أكثر من مناسبة، أبرزها ترجم سياسياً ـــــ انتخابياً عندما صبّ أهالي المدينة أكثرية أصواتهم لمصلحة تيار المستقبل وحلفائه في دورتي 2005 و2009، في رسالة واضحة فُسرت بأنها «ردّ فعل» انتقامي منهم تجاه سوريا وحلفائها المفترضين في المدينة.
لكن هذا الانقسام التاريخي لم يقتصر على الجانب السياسي، بل امتد ليُترجم أمنياً في تطور بالغ الخطورة، عندما تفجّر ذلك الاحتقان اعتداءً على سيارات وعمال سوريين، واشتباكات على المحور التقليدي بين باب التبانة وجبل محسن صيف 2008، أعاد معه مشهد الحرب الأهلية إلى الواجهة مجدداً، قبل أن يتدخل أطراف السلطة وفاعليات المدينة ومسؤولون أمنيّون لوضع حدّ لهذا الانفلات الأمني، فترجم ذلك في مصالحة طرابلسية رعاها مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، قوبلت برضى الأطراف كافة عنها، وإنْ تحفّظ عليها البعض شكلاً أكثر من الاعتراض عليها في المضمون.
وجهتا النظر المتباعدتان كثيراً حيال طريقة تعامل لبنان مع النظام في سوريا مستقبلاً، انطلاقاً من تجربة السنوات الثلاثين التي قضاها جيشه في لبنان، تراجعت حدتها قليلاً في السنتين الماضيتين، وخصوصاً بعد أول زيارة قام بها الرئيس سعد الحريري لدمشق في 25 كانون الثاني 2010، ما جعل الخطاب السياسي والشعبي المتشنّج تجاه سوريا يشهد تراجعاً لافتاً، لدرجة ندر معها بعد ذلك العثور على تعرّض تيار المستقبل وحلفائه في طرابلس علناً للنظام السوري من قريب أو بعيد. لكن أجواء الهدوء هذه لم تستمر طويلاً، وخصوصاً بعد التهم التي وجهتها جهات إعلامية سورية منذ أيام إلى نواب في تيار المستقبل، بأنهم يدعمون مجموعات معارضة داخل سوريا بالعناصر والمال والسلاح (ذكر التلفزيون السوري النائبين جمال الجراح وعقاب صقر، بينما ذكرت جريدة «الوطن» السورية النائبين محمد كبارة وخالد ضاهر، إضافة إلى كنعان ناجي)، ما استدعى ردوداً من التيار أجمعت على «نفي هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً». رسوّ صورة الوضع السياسي على هذا النحو، جعل البعض يرى أن المشهد العام طرأ عليه تبدّل لافت؛ فبعدما كان بعض اللبنانيين يشكون تدخل السوريين في شؤون بلادهم طوال العقود الماضية، انقلب الوضع رأساً على عقب، وباتت سوريا اليوم تشير بأصابع الاتهام إلى جهات لبنانية «تتآمر» على نظامها.
هذه التطورات في مجرى الأحداث والمواقف ترافقت مع أجواء قلق وترقب وخوف تخيم على طرابلس هذه الأيام، التي يدرك أبناؤها أن التنوع الطائفي الموجود فيها نتيجة حضور أقليات علوية ومسيحية فيها إلى جانب أكثريتها السنية، كما هي الحال في بقية مدن الساحل السوري الذي تعد طرابلس امتداداً جغرافياً طبيعياً له، قد يتحول إلى فتيل اشتعال في حال انفلات الأمور أمنياً، وهو انطباع تأكد حضوره يوم الجمعة الماضي، عندما آثر معظم أهل المدينة العزوف عن المشاركة في التظاهرة التي نظمها حزب التحرير ـــــ ولاية لبنان «نصرة لثورة الشام».
وإذ يعود هذا الحذر الموجود في طرابلس لجهة مقاربة الأوضاع في سوريا حالياً إلى تجارب مؤلمة ترجع إلى أيام الوجود العسكري السوري فيها، بدأ هذا الحذر أخيراً يتصاعد مع اقتراب النار من الحدود الشمالية (تبعد طرابلس عن الحدود السورية نحو 40 كيلومتراً)، بعد الأنباء التي وردت أمس عن نزوح مئات العائلات من مدينة تلكلخ السورية إلى عكار بعد الأحداث الأمنية التي شهدتها في اليومين الماضيين، فضلاً عن استمرار الإغلاق شبه الكامل للمعابر الحدودية بين البلدين، وجمود حركة عبور السيارات والشاحنات، وهو أمر له تداعيات خطيرة وموجعة على الوضع الاقتصادي الداخلي.
هذه التطورات جعلت طرابلس ـــــ ومعها الشمال ـــــ تقف أمام اختبار حيال المنحى الجديد الذي أخذته الأوضاع في سوريا، هو الأول من نوعه منذ انتهاء عهد الانقلابات والفوضى في سوريا مع وصول حزب البعث إلى السلطة فيها عام 1963، ودفعها كي تتيقن، نتيجة تراكم تجارب الماضي، القريب منه والبعيد، أن عوامل التاريخ والجغرافيا الموجودة بين لبنان وسوريا لا يمكن الهروب منها، وأنها تستدعي، تجنباً للأسوأ، نمطاً مختلفاً من التعامل معها لا يبدو أنه متوافر هذه الأيام.
مقالات أخرى لعبد الكافي الصمد:
• غياب غامض لشبان من باب التبانة [1]
• غزال يردّ على الاتهامات في ذكرى تحرير المدينة [2]
• مُنع من مخالفة بناء فكاد ينتحر [3]
• تظاهرة حزب التحرير تعيده إلى حجمه [4]
• طرابلس قلقة وحزب التحرير لا يتـراجع [5]
[6] [6]
العدد ١٤٠٠ الجمعة ٢٩ نيسان ٢٠١١
سياسة
الاخبار

No comments:

Post a Comment