Saturday, May 28, 2011

الحريري يخسر معركة الطابق الثاني
انتهت قضية الطابق الثاني في مركز الاتصالات بخسارة محور الحريري ــ ريفي، معركة شبكة الخلوي الثالثة، مقابل محور عون ــ نحاس ــ بارود المدعوم من رئيس الجمهورية والأكثرية الجديدة، والمعزّز بصمت مسيحيّي قوى 14 آذار الرافضين ضمناً تصرف ممثّل حليفهم في قوى الأمن
وفي اليوم الثاني على اشتعالها، انتهت قصة الطابق الثاني بتسلم الجيش طابق معدّات شبكة الخلوي الصينية، وبالتالي إنهاء حال الاستنفار غير المعلن بين عناصر الفرع والجهاز: عناصر فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي داخل مبنى مركز الاتصالات في منطقة العدلية، وعناصر جهاز أمن السفارات والإدارات والمؤسسات العامة في قوى الأمن الداخلي أيضاً، خارج المبنى.
قبل الوصول إلى هذا المخرج، كان نهار أمس يوماً عصيباً أمنياً وسياسياً وقضائياً، بدءاً بالوضع في مبنى العدلية ومحيطه، الذي تحوّل إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، لأنّ كلّاً من عناصر الفرع والجهاز بدا كأنه تلقّى أوامر تشي بأزمة طويلة، فتزوّدوا جميعاً بالفرش والمعلبات وكل ما تتطلبه الإقامة الطويلة، وخصوصاً بعدما ارتفع عديد جهاز أمن السفارات في المنطقة، حيث علم أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي كان قد أرسل عند اندلاع الأزمة إلى قائد الجهاز بالوكالة العميد محمود إبراهيم، طلباً بسحب العناصر المساندين لحرس المبنى، فردّ إبراهيم بإصدار مذكرة تقضي بعدّ هؤلاء العناصر جزءاً أساسياً من قوة حماية المبنى.
على المستوى السياسي، بدا كل طرف على موقفه، من جهة أعطى تكتل التغيير والإصلاح ما يشبه المهلة لرئيس الجمهورية ميشال سليمان تحديداً، حتى بعد ظهر غد الأحد، لمعالجة الأمر وفق القوانين والدستور، وإلّا فسيتجه العماد ميشال عون إلى إعلان مجموعة تحركات شعبية نحو مبنى الاتصالات في العدلية. وأرفق الوزير المعنيّ شربل نحاس هذا الموقف بتقديم شكوى إلى مفوض الحكومة العسكرية، يتهم فيها العناصر الأمنيين بالاعتداء على مركز الاتصالات دون علم وزارتي الاتصالات والداخلية، وبرفض أمر وزير الداخلية بإخلاء المركز، وباستخدام العنف مع استعمال السلاح، راجياً اتخاذ الإجراءات والتدابير المناسبة، ولا سيما رفع حالة التعدي عن المركز.
وفي المقابل، لفت أمس أن ريفي، بعد تغطية رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ونواب تيار المستقبل لموقفه، تصرف على طريقة «الأمر لي»، ليس في مواجهة وزيرين وحسب، بل وصولاً إلى رئيس الجمهورية، فتصرّف إعلامياً وفي اتصالات المعالجة كأنه رأس سلطة سياسية، حيث بدأ يومه بحديث إلى محطة المؤسسة اللبنانية للإرسال، بالقول إنه لن يسمح بنقل شبكة الخلوي إلى القطاع الخاص، أو إلى أي جهة غير رسمية إلا بقرار من مجلس الوزراء. وحتى عندما توصلت الاتصالات بين رئيس الجمهورية وعون والوزراء المعنيين وقائد الجيش العماد جان قهوجي إلى اقتراح فكرة دخول الجيش مبنى مركز الاتصالات وتسلّم حراسة الطابق الثاني، رفض ريفي وفريقه هذه الفكرة رفضاً قاطعاً بذريعة أن لا شأن للجيش بحماية المؤسسات الرسمية التي هي من مهمة قوى الأمن. وطرح ريفي فكرة وضع معدّات الطابق الثاني في عهدة القضاء، فرفض عون هذه المرة، لأن من شأن قبول ذلك أن ينقل القضية من «تحت دلفة وسام الحسن إلى تحت مزراب سعيد ميرزا»، فضلاً عن احتمال أن يكلف ميرزا فرع المعلومات بحراسة الطابق الثاني، أي إعادة الأزمة إلى بدايتها.
ومع تواصل الاتصالات، بدا أن قضية الطابق الثاني بلورت اصطفافات خاصة، فإضافةً إلى رفض سليمان وعون وجود فرع المعلومات في هذا الطابق، ومن خلفهما كل قوى الأكثرية الجديدة، لفتت مصادر سياسية واسعة الاطلاع إلى أنّ القوى المسيحية في قوى 14 آذار لم تبادر كحلفائها في تيار المستقبل، إلى التضامن مع ريفي، عازيةً ذلك إلى أسباب عدة أبرزها أنها لا تريد أن تعارض موقف رئيس الجمهورية، الذي رأى في تصرف ريفي مخالفة صريحة للقانون، فضلاً عن أنها ضمناً غير راضية عن تصرف المدير العام لقوى الأمن الداخلي.
ويبدو أن هذا الاصطفاف هو الذي أدى إلى تراجع الطرف السياسي الداعم لريفي، لجهة قبول مخرج الجيش، وخصوصاً أن قهوجي أبدى خلال التواصل المفتوح بينه وبين رئيس الجمهورية، أمس، استعداده لتحمل المسؤولية، وتنفيذ أيّ مهمة تكلف المؤسسة العسكرية بها. وهكذا عاد ريفي و«سمح» بدخول الجيش، وأصبح الأمر رسمياً عبر بيان مقتضب من مديرية التوجيه أعلنت فيه أن وحدة من الجيش تسلمت مساء أمس «من فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، المبنى التابع لوزارة الاتصالات في منطقة العدلية، وقد باشرت هذه الوحدة مهمة تأمين حراسة الطابق الثاني من المبنى المذكور، وتوفير الأمن في محيطه».
وهكذا أُنهيت حالة التمرد، ليبدأ المسار القضائي والسياسي لمعالجة ما جرى أول من أمس في مركز الاتصالات، حيث ذكر المكتب الإعلامي في قصر بعبدا، أن سليمان تابع مع كل من وزراء الدفاع والداخلية والعدل والمدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا «مسألة تكليف القضاء التحقيق واتخاذ الإجراءات المناسبة في موضوع عدم تنفيذ قوى الأمن قرار وزير الداخلية إخلاء مخفر الحراسة، الذي وضع على الطبقة الثانية في مبنى وزارة الاتصالات»، مشدداً على اتخاذ الإجراءات المناسبة لمعاقبة المخالفين ومنع تكرار ما حصل.
وكان تكتل التغيير والإصلاح قد عقد أمس اجتماعاً استثنائياً حضره نوابه ووزراؤه والقاضي سليم جريصاتي، وترأسه العماد عون الذي شبّه ما فعلته مديرية قوى الأمن الداخلي بالتصرّف الميليشاوي، وبأنه خطر جداً و«جريمة مشهودة متمادية انقلابية». و«بكل مودّة» سأل رئيس الجمهورية: «هل يجوز أن يطيح مدير قوى الأمن الداخلي وزيرين، أي وزير الداخلية، الذي ذهب الى منزله، ووزير الاتصالات، الذي بقي في المواجهة لكي ينقذ الدستور؟»، متمنياً عليه اتخاذ الإجراءات المناسبة وفقاً للتقاليد القانونية والإجرائية وهي: كفّ يد مدير قوى الأمن الداخلي، إزالة المخالفة الأمنية، سحب قوى فرع المعلومات من مبنى الاتصالات، ثم إحالة المدير على القضاء العسكري بصفته المسؤول عن مخالفة العسكريين وكل المخالفات المنصوص عنها في القانون. ثم طلب من رئيس مجلس النواب الاستعانة بصلاحيات المجلس، مشدداً على ضرورة معالجة هذا الموضوع «بكل مسؤولية في إطار وطني». وأعلن إبقاء التكتل في حال اجتماع دائم، محدداً ما يشبه المهلة، بدعوته الإعلام إلى جلسة مناقشة يوم الأحد عند الساعة الثالثة والنصف حيث «سنعلن النتائج التي سنحصل عليها، فإما أن تبقى الجلسات مفتوحة أو تقفَل. نتمنى إقفال جلساتنا قبل الأحد»، ملوّحاً بأن «لدينا جميع الخطوات التي تلي الخطوات القانونية».
وقال إن القضية كانت تقنية، لكن بعد «ارتكاب المخالفات لمنع المسؤولين من الدخول الى المبنى، أصبحت لدينا شكوك عدة في استعمال الشبكة الإضافية التي يجب أن تدخل من ضمن وزارة الاتصالات». ودعا الجهات التي تتهم نحاس بأنه كان يريد نقل المعدّات «إلى مصادر أمنية غير شرعية»، إلى أن تعلن مسؤولياتها عن الكلام «وإلا «ستنفك» رقبتها، اليوم سنضع حدا للشائعات وطق الحنك. اليوم هناك جريمة متمادية ومشهودة وتمثّل عملاً انقلابياً، وخصوصاً أننا قرأنا تصريحاً لإحدى الوكالات يقال فيه إن هذا العمل الانقلابي مغطى من رئيس حكومة تصريف الأعمال. القصة إذاً كبرت، ونستطيع أن نأخذ إجراءات ليبقى النظام الديموقراطي قائماً، ويجب احترام القانون والدستور، وهذا ما سنعمل عليه ونقاتل من أجله. وسنعالج الموضوع في جميع الميادين، وإلا فلن تستقيم الأمور، ونقول للذي يسرق أنت تسرق، والذي يتعدى نسميه معتدياً. وإذا قلنا هذا يتهموننا بالبذاءة. يريدون منّا أن نقول للسارق برافو أنت تستفيد. يريدون أن نراعي خواطر اللصوص والسارقين والذين يهدرون أموال الدولة والذين يقومون بانقلابات».
وإلى تكتل التغيير، صدرت ردود فعل عديدة تستنكر تصرف مديرية قوى الأمن الداخلي، أبرزها لحزب الله، الذي وصف ما حصل في مركز الاتصالات بأنه اعتداء خطير وغريب ارتكبه فرع المعلومات و«أظهر الدولة كأنها تنقلب على نفسها»، سائلاً عن الأجهزة الأمنية هل هي أجهزة رسمية أم أنها دويلات وجزر أمنية تابعة لمسؤولين سياسيين لا للدولة، وولاؤها للزعماء لا للوطن؟ أضاف: «إن رد فعل بعض الأجهزة على النحو الذي رأيناه لناحية منع الوزير المختص من ممارسة صلاحياته ورفض الجهات المختصة الانصياع لأوامر وزير الداخلية، يضعاننا أمام ريبة وشك كبيرين في وظيفة شبكة الاتصالات الثالثة وجهة استخدامها: هل هي لتحقيق أرباح مالية أو تآمرية، أم هي شبكة خاصة بقوى 14 آذار أو بعض الأجهزة المعينة بمعزل عن الدولة ومؤسساتها». ورأى أنه بعد ما حصل في العدلية «صار من الواضح تماماً من هو الفريق الذي يهدم وجود الدولة، ومن هو الفريق الذي يريد بناء دولة حقيقية»، وإذ طالب المسؤولين بإطلاع اللبنانيين على حقيقة ما جرى، أشاد بموقف الوزير نحاس، معلناً دعمه الكامل له «في خطواته التي يقوم بها لإعلاء القانون وسيادة مبادئه ونصوصه على أي طروحات أخرى». كذلك رأى أن موقف بارود «يمثّل صرخة شريفة ومسؤولة تنذر بحجم الخطر الذي يتهدد الدولة وقد يؤدي إلى انهيارها».
وعُلم أن رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النيابية النائب حسن فضل الله سيدعو إلى عقد جلسة للجنة للبحث في قضية الشبكة الثالثة ومعرفة المستفيدين من تشغيلها.
كذلك برز أمس موقفان لمرجعيتين دينيتين، حيث رأى البطريرك الماروني بشارة الراعي أن «كل واحد فاتح دولة على حسابه»، وتوسع المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان بالقول إن «كل مسؤول فاتح على حسابه، من الوزير، والنائب والمدير العام، والضابط، والموظف»، مشخّصاً الوضع بـ«إننا الآن في اللادولة».
[1] [1]
العدد ١٤٢٢ السبت ٢٨ أيار ٢٠١١
سياسة
الاخبار

No comments:

Post a Comment