Tuesday, May 31, 2011

حذر من سعي كتائبي إلى مجرد «حوار تجاري» مع سوريا!بيـن دمشـق و«الصيفـي»: «غـزل» سـياسي عـن بُعـد
الاسد والجميل في صورة من السبعينيات (م. ع. م.)
كلير شكر
قبل نحو أسبوع وأمام كاميرا الـMTV، سـجعان قزي، نائب رئيس حزب الكتائب، يقدّم مقاربة استثنائية، مخالفة لـ«بيئته السياسية»، حول دمشق وثورتها. بمقدوره أن يراكم
جبلاً من الأسباب التي تدفع حزبه إلى التزام الحياد إزاء ما يسمى «ربيع دمشق»، وغسل يديه من أي تحركات شعبية، ولو بـ«لافتة» انسانية. وإذا ما حُشر في الزاوية،
فإنة لن يتوانى عن ربط مصلحة مسيحيي لبنان، ببقاء نظام بشار الأسد.
يدرك الضيف أن ما ينطق به، لا يسرّ نفوس مشاهديه. بلغته أصداء امتعاض القاعدة الكتائبية، التي لم يرق لها، سماع خطابات التودد من على منبر الصيفي باتجاه دمشق
مباشرة. وهي التي تعودت آذانها لأكثر من عشرين عاماً، على أصوات الصواريخ المخترقة لمتاريس الفريقين. تربكها اندفاعة قيادتها للسير عكس تيار حلفائها الآذاريين
وتحبسها داخل سجن التساؤلات.
خلال الأسابيع الماضية، اضطرت قيادة الكتائب إلى تكثيف حلقاتها الحوارية داخل بيتها الحزبي، لشرح الحيثيات التي تحملها إلى ضفّة مهادنة موجة الثورات العربية
المتنقلة بعدما حطّت رحالها في بلاد الأمويين. إذ ليس من السهولة اقناع الكتائبيين مسؤولين وأفرادا، بصوابية الخيار، الذي حمل النظام السوري، من كتف الخصومة،
إلى كتف المصلحة المشتركة.
مع دمشق، يستحضر الكتائبيون، صورة بطرس خوند. أوجاع عائلته ودموعها. ذكريات عين الرمانة، والقاع، وغيرها. مشاهد حرب المئة يوم وضحاياها... ويبعثون بشير.
وينسى هؤلاء، أنّ ثمة حقبة وردية، جمعت «آل الأسد» مع «آل الجميل»، في حلف واحد. قبل أن يحلّ زمن المآسي والفراق. عام 1949 كانت المرّة الأولى التي تطأ فيها
رجلا الشيخ بيار الجميل المؤسس أرض الشام. التقى يومها الرئيس السوري حسني الزعيم. بعد الحركة التصحيحية، تكثّفت «الطلعات» بعدما شعر الجميل أن حافظ الأسد متفهّم
للوضع اللبناني وخصوصية مسيحييه. نظرته ثنائية للبنان، يخرجها من الإطار البعثي، ويفصلها عن المشروع القومي الكبير.
تلك العلاقة سرعان ما تحوّلت إلى حلف بعد الخطاب الشهير في 21 تموز 1976، بين «الجبهة اللبنانية» والنظام السوري، تعززه المصلحة المشتركة لحماية المسيحيين والحفاظ
على أمن لبنان وضبط المنظمات الفلسطينية. حتى أن الأسد الراحل حرص خلال تلك الفترة على تكريس علاقات ديبلوماسية مع «الجبهة اللبنانية»، من خلال العميد ابراهيم
حويجي الذي كان ممثلاً شخصياً للرئيس السوري لدى الكتائب أولاً و«الجبهة» ثانياً، ومركزه في سن الفيل.
شهر العسل الكتائبي - السوري لم يدم طويلاً، «بفعل تجاوزات أمنية سورية وبفعل رغبة دمشق بتعزيز أوراقها اللبنانية بعد توقيع اتفاق كامب دايفيد، وتحويل بيروت
إلى ساحة صراع دولي». قبيل انتخابه، حاول بشير إحياء القنوات الحوارية مع الجارة عبر مستشار الرئيس السوري محمد الخولي، لكنها أغلقت سريعاً.
أمين، حطّم الرقم القياسي الرئاسي والكتائبي والجميلي في اجتياز الحدود السورية، فزار «قصر الشعب» 13 مرّة، من دون أن يتمكّن من نسج علاقات استثنائية مع النظام
الدمشقي، محمّلاً رجالاته مسؤولية الفشل، بسبب إصرارهم على دفعه «لتقديم التنازلات تلو التنازلات».
اليوم، تغلب القيادة الكتائبية مصلحتها في وقوف النظام السوري على رجليه، على جرح الخصومة بين دمشق والمسيحيين. تعود في مقاربتها إلى الجذور، إلى المعادلة القاضية
بأن حكم الأسد ضمانة لمسيحيي لبنان شرط ألا يتدخّل في شؤون البيت اللبناني.
ولكن الخطاب الكتائبي لم يسلم من التمزّق. ثمة فريق، يمثله سامي، ويعتقد أن رزنامة التاريخ توقفّت عام 1975، يوم كان الحزب واجهة القرار المسيحي، والممسك به،
ويتصرّف على هذا الأساس، بمكابرة. فيما ثمة اتجاه ثانٍ متحمّس للحوار مع الخصوم وتقليص المسافات بينهم، نظراً للتحديات الخطيرة التي تواجه المسيحيين، وتراه
أكثر مهادنة.
الثغرة الثانية في الأداء الكتائبي، وفق محاوريه، هي ازدواجية الخطاب، بين ما يُعلن أمام الرأي العام، وما يُقال في الصالونات. للخارج تشددٌ ورفع سقوف يستهدف
تحصين البيت الداخلي من القضم القواتي للطبق الشعبي المشترك.
وفي الوقت الذي تحدد فيه الصيفي اعتباراتها بوضوح من الملف السوري، نائية بنفسها عن أي «حرتقة»، سياسية الطابع أو إنسانية المنحى، فإن «دوز» المقاربة يختلف
بين مسؤول وآخر. ولعل سامي أكثر المتطرفين والمختزلين لتعابير الغزل تجاه دمشق. نفَس العدائية لم يغادر حلقه، لأنه مسكون بالماضي. وإن كان بعض «رفاقه» يتعاطون
مع المسألة انطلاقاً من المستجد السياسي القائم على أساس انسحاب القوات السورية من لبنان، وإرادة الدولتين بفتح صفحة جديدة. يتطلعون إلى المستقبل ولكن من دون
رمي الماضي في سلة المهملات، لأن المصالحة، برأي هؤلاء، لا يفترض أن تحصل على حساب الذاكرة.
ليس جديداً، أن تحيّد الكتائب ذاتها عن أي خطاب لبناني داعٍ لإسقاط النظام السوري. لم تلعب يوماً هذه اللعبة، حتى في عزّ نزاعها مع دمشق. كل ما طالبت به هو
تغيير السلوك تجاه لبنان، والأمر ليس بالخطيئة، وفق الكتائبيين. فكيف بالحري اليوم بعد انتقال العلاقة من مربّع الصراع، إلى مرتبة «الإشكالات» القابلة للتسوية.
ولذلك، فإن سلوك النظام السوري درب الإصلاحات لا يزعج الصيفي أبداً، لأنّ «من مصلحته مواكبة التطور في العالم، الذي لم يعد فيه مكان للخصوصيات المغلقة والمستقلّة
عن كلّ تغيير، بدليل أنه صار بمقدور الولايات المتحدة إسقاط أنظمة عن بكرة أبيها من دون الحاجة إلى الاستعانة بجندي واحد!».
الموقف الكتائبي الرسمي واضح، ولكن بعض القياديين لا يتوانون عن رشّ «بهار» المشاعر وملح المزايدة، ويفترض بدمشق أن تتفهّم هذه الاعتبارات، بحسب أهل الصيفي،
لأنه لو انقلبت الأدوار، لما تصرّفت سوريا بنفس الأسلوب الذي تسلكه الكتائب.
تلك المبادرة، لاقت أصداء إيجابية في دمشق، ولدى حلفائها. السفير السوري علي عبد الكريم علي يتصل بأحد المسؤولين الكتائبيين ليثني على مقاربة الصيفي للملف السوري.
الرئيس بشار الأسد يقول كلاماً طيباً في حضرة سياسي لبناني بحق الموقف الكتائبي.
في المقابل، فإن حلفاء الكتائب لم يترددوا في تسجيل امتعاضهم من «الخطوط المفتوحة» بين دمشق وبكفيا، ولو بالواسطة. ويُقال إن قيادات قواتية أبلغت الصيفي انزعاجها
من خطاب التودد الذي يكتب على «صخرة الكتائب»، ويوجه إلى «قصر المهاجرين».
لكن هذا «الغزل عن بُعد»، لم يحمل أي ترجمة عملية، من نوع فتح حوار جدي بين الفريقين، أو مبادرة متكاملة، أو حتى زيارة رسمية للسفير السوري الى الصيفي.
في حسابات الكتائب، لا معارضة لمبدأ فتح حوار مع دمشق. الهدف هو تحسين العلاقات اللبنانية - السورية، وتالياً الكتائبية - السورية. ولكن ثمة شعوراً لدى الصيفي
أن دمشق تريد فتح حوار لتطبيع العلاقات من دون إقفال الملفات العالقة: المفقودون، إدارة سوريا للملف اللبناني من خلال دعم فريق على حساب الدولة اللبنانية...
تريد الصيفي من دمشق فتح صفحة جديدة مع لبنان الدولة، وليس القوى، وأن لا تتصرّف بطريقة عدائية تجاه بعض الأفرقاء، وأن لا تقف بوجه المحكمة الدولية. باختصار،
تخشى الكتائب من نسج علاقات «تجريبية» مع دمشق، وهما اللتان خاضتا تجربة طويلة، عرفت طلعات ونزلات، «ولذا يفترض بعودتها أن تكون ثابتة ومضمونة النتائج. لا بدّ
من تفاهم مسبق، يتوّج بلقاء عملي. أو على الأقل مؤشرات جدية على رغبة بتحسين العلاقة، وليس فتح حوار للحوار».
أما في جعبة بعض حلفاء سوريا ممن يتابعون هذا الملف، فإن الصيفي سجلّت نقطة لصالحها على دفتر الحسابات الدمشقية، لكنها لم تنجح في استثمارها، لأن مبدأ «زرع»
الحوار مرتبط، بحسب تقييم هؤلاء، بالحصاد الفوري ونتائجه. بمعنى أن بكفيا لن تقدم على أي خطوة عملانية تجاه «قصر الأمويين» قبل ان تعرف مسبقاً الثمن الذي ستقبضه،
في حين أن الاستراتيجية السورية لا تأخذ بعين الاعتبار القطاف المبكر.
ولكن في المقابل، فإن دوائر القرار الدمشقي لا تضع «فيتو» حدودي على الرئيس الجميل. وهؤلاء يعتبرون أنّ الحوار لا يعني أبداً انتقال المحاور من ضفّة سياسية
إلى أخرى، «بل ثمة حوار قد يؤدي إلى تفاهم مع الوقت، حول نقاط محددة، يمكن الاستفادة منها داخلياً. وقد يتزامن مع حوار داخلي من شأنه أن يخفف من حالة التشنج
القائمة، أو يرسم خارطة طريق جديدة».
ولكن بالنسبة لهؤلاء، فإن بكفــيا تتعاطى مع مسألة الحوار مع سوريا، بعقــلية تجارية، وتبحث عن المصلحة المباشرة. بالنتيجــة، حتى اللحظة، كل ما أثمر، هو رسائل
منقـــولة عبر الأصدقاء، ورغبات بالانفتاح، من دون أي اتصال مباشر، علماً بأنّها ليســت المرّة الأولى التي تفتح فيها بكفيا كوات في جدار علاقاتها مع دمشق..
سرعان ما تُقفل.

No comments:

Post a Comment