Monday, May 30, 2011

التبّانة تتظاهر ضدّ الأسد: إسقاط الماضي على الحاضر
بعد مرور شهرين ونصف شهر على بداية الاحتجاجات الشعبية في سوريا، شهدت منطقة باب التبانة في طرابلس تظاهرة مناهضة للنظام السوري. تظاهرة تحمل في خلفيتها ثلاثة عقود من العداء بين «التبانة» و«سوريا»، وخطاباً من تيار المستقبل يشيع الخوف من عودة سوريا إلى الشمال
عبد الكافي الصمد
طرابلس | قبل ظهر أول من أمس السبت، خرجت في منطقة باب التبانة الشعبية في طرابلس، تظاهرة هي الأولى من نوعها تأييداً ودعماً للشعب السوري، وتنديداً بنظام الرئيس بشار الأسد وسط دعوات وهتافات لإسقاطه. تظاهرة باب التبّانة جذبت الأنظار وجعلت المراقبين يتوقفون عندها، رغم أنها ليست الأولى التي تشهدها طرابلس في هذا الإطار؛ إذ سبقتها التظاهرة التي نظمها حزب التحرير يوم 22 نيسان الفائت. لكن تظاهرة باب التبانة تختلف في أسبابها وتداعياتها ورمزيتها عن تظاهرة حزب التحرير من عدة جوانب.
فمنذ انطلاق التحركات الشعبية ضد النظام في سوريا يوم 15 آذار الماضي، توقع كثيرون أن تنطلق من باب التبانة، قبل غيرها من المناطق اللبنانية، أول تحركات شعبية تضامناً مع الشعب السوري، نظراً إلى العلاقة التاريخية المتأزمة بين أبناء المنطقة والنظام السوري، منذ أن كان الجيش السوري موجوداً في لبنان؛ إذ لا تزال تداعيات الأحداث الأمنية التي جرت منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي حاضرة في ذاكرة أغلبية أهالي المنطقة، الذين يُحمّلون السوريين مسؤولية ما يسمونه «المجزرة» التي ارتكبت في المنطقة حينها، والتي ذهب ضحيتها مئات المواطنين على خلفية الأحداث الأمنية التي شهدتها المدينة يومئذ.
هذه «الصفحة القاتمة» من العلاقة بين أهالي باب التبانة والسوريين لم تسهم التطورات اللاحقة وانسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 نيسان 2005 في تخفيف حدتها، بل عادت إلى الظهور بقوة مجدداً صيف عام 2008 بالتزامن مع أحداث 7 أيار، حين شهدت المدينة اشتباكات دارت رحاها على محور باب التبانة ـــــ جبل محسن. كان الضرب على الوتر المذهبي بين السّنة والعلويين واستعادة ذكريات «الماضي الأسود» أحد أبرز أسباب تأجيج ذلك الصراع، قبل أن يُطوى ذلك الاحتقان عبر «مصالحة طرابلسية» رعاها مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار وحضرتها مختلف القوى السياسية حينذاك. وانتهت المصالحة إلى احتواء تلك الأزمة وإقفال صفحتها مؤقتاً، لكن من غير نزع فتائل تفجيرها التي بقيت ناراً تحت الرماد.
انطلاقاً من هذه الخلفية، كان ينظر إلى باب التبانة على أنها المنطقة التي ستكون حاضرة قبل غيرها لأن تشهد أول تحرك مناهض للنظام السوري. لكن الأمور لم تجر على هذا النحو، بعدما تبين أن اتصالات أجراها أكثر من طرف لهذه الغاية لم تلق تجاوباً كافياً. فوجهات نظر فاعليات المنطقة تباينت في مقاربة ما يحدث في سوريا، بين رأي يطالب «باغتنام المناسبة بهدف إعادة تسليط الأضواء على ارتكابات ذلك النظام، وأن الفرصة سانحة لذلك الآن»، وبين رأي آخر يرى أن «المنطقة عانت كثيراً من الأذى في السابق، وليس مفيداً لها إعادة إقحامها في الصراعات مجدداً، وأن يستغلها بعض الأطراف لحساباته السياسية الخاصة». يضيف أصحاب الرأي الثاني أنه «لا ضرورة لاستفزاز السوريين بعدما خرجوا من لبنان، وأن الالتفات لمعالجة قضايا باب التبانة ومشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية يبقى أجدى وأفضل».
تجاذب كبير دار بين أصحاب الرأيين في الأيام الماضية، ترافق مع نصائح أمنية نقلت إلى منظمي التظاهرة، دعت من جهة إلى «تنفيس الاحتقان والسماح للمواطنين بالتظاهر»، ومن جهة أخرى «حذرت من انجرار المنطقة وطرابلس نحو مرحلة من الفوضى الأمنية إذا خرجت التظاهرة عن السيطرة».
المشاركون في التظاهرة الذين قدر عددهم بما بين 300 و400 شخص، وجاء بعضهم حسب المنظمين من مناطق البداوي والقبة والحارة البرانية، يمثلون سياسياً العصب الرئيسي لتيار المستقبل والسلفيين وبقايا «الأفواج» في باب التبانة؛ إذ خرجوا من أمام جامع عباد الرحمن وجالوا في بعض شوارع المنطقة، هاتفين: «الشعب يريد إسقاط الطواغيت»، و«بالروح بالدم نفديك يا درعا»، فضلاً عن هتافات طالت الرئيس السوري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، قبل أن يخطب فيهم إمام جامع حربا الشيخ مازن المحمد، مشيراً إلى أن «بلاد الشام تنتفض على الطاغية بشار، وتعود إلى عزها وتستعيد كرامتها، وتستعد لتسلم زمام المبادرة من أجل تحرير فلسطين».
لكن المحمد الذي استنكر «دعوات البعض لأن نكون حياديين حيال ثورة سوريا، ونحن الذين قتل أبناؤنا ودمرت بيوتنا وسفكت دماؤنا على يد هذا النظام البعثي الكافر»، أعلن أن التظاهرة «هي لنصرة أهلنا الذين قبض عليهم بتهمة دخول لبنان خلسة، وللمطالبة بالإفراج عنهم»، محذراً من أنه «إذا فكروا بتسليمهم للنظام السوري، فإن لقاءنا المقبل سيكون بعد صلاة الجمعة المقبل أمام سرايا طرابلس».
وبانتظار ما قد يحصل يوم الجمعة المقبل، أو يسبقه، تسري شائعات في طرابلس لم تجد من يؤكدها أو ينفيها، أن تظاهرة باب التبانة عُدّت ورقة ضغط للإفراج عن أشخاص لبنانيين تابعين لتيار المستقبل، يُشاع أن بعضهم من باب التبانة، كانت قد اعتقلتهم قوات الأمن السورية وهم يقومون بأعمال مخلة بالأمن. ولم تؤكَّد هذه الشائعات من مصادر معنية بالقضية.
وما زاد من مؤشر القلق أن تصاريح بعض نواب المستقبل جاءت أخيراً في هذا الإطار؛ إذ تخوف النائب معين المرعبي من «وجود نية لدى الجيش السوري للقيام بعملية أمنية لخطف النازحين الذين هم تحت رعاية الدولة اللبنانية»، بينما استغرب النائب أحمد فتفت «إصرار النظام السوري وحلفائه في لبنان على اتهام تيار المستقبل بالأحداث الجارية في سوريا»، محذراً من «مغبّة استخدام سوريا هذا الأمر للتدخّل عسكرياً في لبنان»، مشيراً إلى أنّ «أي تدخّل عسكري سوري في لبنان هو أمر في منتهى الخطورة، ولا أظن أنّ النظام السوري قد يقترف مثل هذا الخطأ، وخصوصاً في هذه المرحلة بالذات».
الاخبار

No comments:

Post a Comment