Wednesday, June 22, 2011

ابو الياس في المكان الاحب إلى قلبه: على الاكتاف (م. ع. م.)
كلير شكر
قلّة من الساسة تذكر «ديوانية» ميشال المر التي كان «يلمّ» في «حضنها» نواباً وفاعليات، في «قصره» في وزارة الداخلية في الصنائع، «طالبين الرضى» على قاعدة «تقبيل»
يد «الوالي» قبل الحصول على «نعمته». يومها كان «دولته» حاكماً بأمره في «جمهورية اميل لحود». بشحطة قلم، يرسم مدراء عامين، بشهادات ومن دونها. يدير السلطة
بأمها وأبيها، بأصابع غير مرئية. خبير في قضايا العمل وشؤون عمالها، ضليع في أحوال الطرقات وسماكة زفتها، حرّيف في إشعال الحرائق ومتقن فنّ إطفائها، واختصاصي
في «عصر» الطاقات التي تدور في فلكه، واستثمارها... والأهم خبرة سياسية من الطراز الأول.
في تلك الحقبة شيّد المر «امبراطوريته الإدارية» التي ما يزال حتى اللحظة يغرف من «معجنها». زرع جيشاً من الموالين، القريبين والمقرّبين، أصدقاء اليوم وخصوم
الأمس، في الدوائر الرسمية، تسلل عبرهم إلى أحشاء الإدارة العامة، لينعم بـ«ذهب منجمها». شبكة عنكبوتية من الموظفين، تبدأ بالصف الأول ولا تنتهي مع الفئة الثالثة،
نشرها في كنف الدولة بإشراف شخصي منه، وفي حالات محددة، بتوصية من نجله الياس، «صهر الرئيس»، ومعبره إلى أحضان السلطة.
لا يمكن لأحد أن ينكر فضل «أبو الياس» في شق نفق العودة المسيحية إلى الدولة. حينها كان قادة هذا الفريق مشتتين بين المنفى والاعتقال، ومحاصرين بالسياسة بفعل
تبدّل موازين القوى. حليف السوريين، وداعم العهود الرئاسية، من الياس الهراوي إلى اميل لحود، وحتى ميشال سليمان، فتحت أمامه أبواب الجنة السلطوية. فاعتلى جرافته،
ليحفر الطريق إلى امبراطوريته.
في العهد اللحوديّ، تلوّن ريش الطاووس المريّ. ناطق باسم الرئاسة، مدبّر أحوالها، قابض على إدارتها. وضع خبرته العتيقة بتصرّف عسكري يخترق ميدان السياسيين.
«نادي أصدقاء الياس» تكفّل بملء الفراغات الإدارية، ونشر كفاءاته في المواقع الأولى للسلطة وواجهتها، ليتحكّموا بمفاصلها، ووضعها بتصرّف «أبو الياس»، لتسييلها
زمن الانتخابات، بلدية أو اختيارية أو نيابية، ولا غرابة إذا ما قيل في تلك الأيام، أن «ماكينة العمارة» كانت الأضخم بين رفيقاتها، لأنه إذا عُرف السبب بطُل
العجب: مدراء وأجراء يداومون نهاراً في مكاتبهم، وليلاً في «عمارتهم». ينقّحون اللوائح، يجرّدون المنتفعين، ويستدعون المستفيدين... ويشاركون علنياً في مهرجانات
انتخابية وسياسية.
بالأمس القريب لم يجد فادي النمار مدير عام وزارة الأشغال العامة أمامه سوى مفر الاستقالة، لينهي النزاع بينه وبين وزيره السياسي غازي العريضي، وبعدما اكتشف
أن المرجعية السياسية التي حمته لسنوات، رفعت مظلتها عنه. نهاية غير سعيدة ما كانت لتحصل لو أن «سيّد العمارة» ما زال «سيّد الإدارة». ولكن لتبدّل الحال والنفوذ
في لبنان.. أثمان طبيعية.
ميشال المر. اسم وحده كان كاف لتخويف رزمة من الوزارات، بناسها. زعيم أرثوذكسي للمتن الماروني. «سوبر وزير» وأكبر من حقيبة... في الخامس والعشرين من كانون الثاني
الماضي، اضطر «أبو الياس» إلى «اقتناص» حفيدته نايلة من سربها البيروتي، ليشكلا معاً «شبه كتلة نيابية» تضع صوتها في الصندوقة الرئاسية. صورة نادرة في «أرشيف»
السياسي العتيق، ما كان ليعتقد أنها ستلتقط له يوماً، مراهناً على «خلود» مشهد «الديوانية»، ولو كان حينها موقتاً.
وبالأمس القريب، خرج الياس من حضن السلطة، ليكون آخر المرّين نفوذاً، تاركاً والده وحيداً في صفوف البرلمان، مكتفياً بإدارة «الجمهورية»، منبره الأبرز. العين
على الانتخابات النيابية المقبلة، علّها تصلح ما أفسده «زمن ويكيليكس»... والرهانات الخاطئة. لكنها على الأكيد، لن تنجح في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
ولكن ماذا تبقى من امبراطورية المر الإدارية؟ من هم الأوفياء؟ ومن هم ورثته؟
نموذجان فاقعان للتمرّد على القبضة المريّة، يشيان بتسلل الشيب إلى رأس المارد. رتيب صليبا الذي شغل منصب مدير عام وزراة العمل ودرويش حبيقة الذي كان مديراً
عاماً للدفاع المدني. رجلا المر بامتياز... يخرجان من ملعب بتغرين بصفّارتيهما.
رتيب صليبا ابن بتغرين، ذراع «أبو الياس» اليمنى منذ عصور. رافقه في تدرّجه السياسي على مرّ السنين. كافأه «الزعيم المتني» بتنصيبه مديراً عاماً لوزارة العمل،
بعد «صعود صاروخي» في الإدارة. أحد أبنائه موظف في احدى الدوائر الرسمية، أما شقيقه يزبك فيشغل مركز مأمور نفوس بكفيا. وكل ذلك من «خيرات» المر. نجله قبلان
صاحب شركة مقاولات، فتحت أمامه طريق التعهدات العامة، ولكنها أقفلت باب العمارة بوجه والده. تناهى إلى مسامعها أن منزل رتيب في بتغرين يشهد على حياكة «مؤمرات»
ضد «أبو الياس». تحوّلت رفقة العمر إلى خلاف سياسي، قطع الحبال بين الرجلين اللذين صارا في مقلبين متخاصمين، بعدما التحف صليبا غطاء المعارضة السابقة، وتحديداً
«التيار الوطني الحر» والحزب السوري القومي الاجتماعي، ممهّداً الطريق أمام دور سياسي قد يلعبه في المستقبل، هو أو نجله.
درويش حبيقة ابن بلدة بسكنتا، ثاني بلدات المتن رفداً للإدارة بالموظفين المتنيين. كان يقود الطائرة العسكرية التي تقل ميشال عون قائداً للجيش. بعد مغادرة الأخير
إلى فرنسا، استظل جناحيْ «أبو الياس»، ليشغل العميد الطيار المتقاعد منصب مدير عام الدفاع المدني. مع عودة الدفء إلى سماء الرابية، بعد التقاء «نجميها» انتخابياً
وسياسياً، كان حبيقة أول المهللين للتحالف المري - العونيّ... وأول «المنشقين» اثر خلاف استحقاقي 2009 و2010 النيابي والبلدي، بعدما وضع خراطيم مياهه جانباً،
ليقف على «الجبهة البرتقالية» بوجه حليف الأمس. وما كان يشكو منه خصوم المر باستغلال السلطة، أعابه «أبو الياس» على الفائزين في الانتخابات النيابية الأخيرة.

صليبا وحبيقة من «المغضوب» عليهما، وفق لوائح العمارة «السوداء». الطريق إلى الدارة المريّة مقطوعة، ولا رجعة فيها. «أبو الياس» الذي «قاد» متنه وفق قواعد خاصة
به، لا يغفر أخطاء من انقلبوا عليه. في العمارة ممنوع الخروج من تحت «ابط» دولته... ماذا عن «الضالين» و«الثوابت»؟
فرج الله سرور، ابن كسروان، رئيس مجلس الإدارة - المدير العام لهيئة إدارة السير والآليات والمركبات، أحد مهندسي «مجموعة المر الهندسية»، ومن ثم حامي «أثمن
كنوزها». «عُزل» بين ليلة وضحاها في مركز هيئة ادارة السير الجديد قرب مبنى وزارة الطاقة على طريق النهر في محلة البدوي، تاركاً مكتبه «قسرياً» للعقيد جورج
لطوف كرئيس لمصلحة تسجيل السيارات في الدكوانة بالتكليف بعدما بقي المركز شاغراً منذ أكثر من عام وثلاثة أشهر.
مصالح الخلف والسلف في الداخلية، تلاقت عند تقاطع إقصاء «سيّد النافعة» وتحجيم نفوذه، بعدما وسّع بيكار علاقاته السياسية، ليخرج من كنف «أبو الياس» باتجاه قوى
المعارضة السابقة، وفاحت رائحة في إدارته لا يمكن «تغطيتها». فأقفل منجم الخدمات الذي كان بتصرّف «المرين»، من أرقام مميزة كانت توزّع على المحسوبين، إلى مستشارين
برواتب خيالية كانوا ملحقين بسرور، إلى سماسرة مزروعين في أرجاء النافعة، ومعظمهم «مرين»... أدار فرج الله ظهره للعمارة التي أقفلت مداخلها بوجهه، وإن كان يحتفظ
بعلاقات طيبة مع بعض أركان الامبراطورية المرية.
النمار مدير عام وزارة الأشغال العامة لم يبخل على المتن بالزفت كما بالوظائف، وفق الهندسة المريّة وخريطة طريقها. والده الياس النمار صديق «أبو الياس»، وفيزا
دخوله الامبراطورية. واحد من المهندسين الذين استضافتهم مكاتب «مجموعة المر الهندسية»، ليلتحق من بعدها بالإدارة العامة، قبل أن يتبوأ الفئة الأولى. وكغيره
من «ضباط» المر، كان يمدّ يد العون خلال أزمنة الاستحقاقات الانتخابية. وفي معركته مع العريضي، استنجد النمار بـ«دولته»، لكنه لم يجده إلى جانبه ليحفظ رأسه
في وزارة الأشغال... فتكثّفت الثلوج على طريق العلاقة من دون أن تجد من يساعد على جرفها.
ناجي اندراوس مدير عام الإنشاء والتجهيز في وزارة الاتصالات، ابن بلدة البوشرية، رفيق الياس من أيام الدراسة. والده مارسيل كان شريكاً لميشال. من الأوفياء لآل
المر، بعد نجاحه في اللعب على حبل التناقضات السياسية، بين ولائه العائلي للمر وولائه الإداري لوزراء من الخصوم. هو الأقل ظهوراً على مسرح العمارة، وإن كان
الأكثر التصاقاً بأهلها، ولا يزال. low profile. ولكن ذلك لم يحل دون تسهيل «حشو» المتنيين توظيفاَ في ثنايا إدارته. ويكفي أن تحمل معاملة إدارية إلى أحد سنترالات
المتن، ليثبت لك بالعين المجرّدة، تواقيع موظفين متنيين، ومن بتغرين تحديداً، علماً بأن مسيرة التوظيفات في هيكلية وزارة الهاتف، بدأت من أيام ميشال المر وزيراً
في حكومات الرئيس الراحل الياس سركيس.
خليل الحجل مدير عام المجالس والإدرات المحلية في وزارة الداخلية البلديات، ابن بلدة جل الديب، وقابض على معاملات كل بلديات لبنان. جذوره الكتائبية ليست هي
سبب صعوده الصاروخي في الادارة. شقيقه أنطوان مدير التنظيم المدني في المتن، لاحقته شكوى إدارية، من دون أن يتمكن «الزعيم» من حمايته، كما لم ينجح في تحرير
«ملك البلديات» من قبضة حسن السبع وأحمد فتفت يوم توليا الداخلية. خليل دينامو الماكينة المرّية في بلدته، لا يزال على علاقة وطيدة بـ«دولته»، لكنه بعث الحياة
بجذوره الكتائبية محسّناً علاقته ببكفيا، كما لم يقطع وصاله مع قيادات «التيّار الوطني الحر».
جوزيف نصير رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان، ابن برج حمود. والده مخايل نصير مدير اتحاد بلديات المتن الذي لا يزال في موقعه على
الرغم من بلوغه سن التقاعد منذ سنوات، ومسؤول الماكينة الانتخابية عن الناخبين غير الأرمن في برج حمود. شقيقته نورما موظفة في المديرية العامة للادارات والمجالس
المحلية في وزارة الداخلية. ساهم جوزيف في فتح أبواب إدارته أمام التوظيفات المتنية، وإن كان الكثير من بلدات القضاء يشكو من انقطاع المياه. وهناك من ينقل عن
مقربين من الرئيس ميشال سليمان كلاماً طيباً بحق نصير، قد يكون مدخلاً لتجاذب بين بعبدا والرابية البرتقالية، في حال الرغبة بالتجديد له.
كمال الحايك رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان، ابن بلدة زكريت المتنية. العلاقة العائلية بين والده و«أبو الياس» سهّلت تربعه على الكرسي
الأول في المؤسسة. شقيقه يوسف كان رئيساً لمجلس بلدية زكريت. ولكن مساهماته الانتخابية تكاد تكون معدومة، وزياراته إلى العمارة نادرة، أما الخدمات فتتم عبر
بعض رؤساء المصالح في المؤسسة.
روجيه حاموش رئيس مجلس الادارة في مستشفى ضهر الباشق، تربطه علاقة صداقة بوزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال. من القلائل الذين لم تتزحزح صلات وصلهم مع الياس.
غازي حداد، الأمين العام لمجلس الإنماء والإعمار، ابن بسكنتا. دخل «الجنة الإعمارية» يوم كانت «الداخلية» في «قبضة» الياس، لكنه لم يقطع رجله عن «العمارة».
وعلى الرغم من ذلك، فهو «رجل المكتب» الذي لا يشارك في النشاطات الانتخابية الميدانية. ولا تزال علاقته جيّدة بالمرين.
سوزان خوري رئيسة مصلحة دائرة النفوس في وزارة الداخلية، ورثها الياس عن والده الذي حرص على بقائها في الصنائع. كانت تتولى الشق الإداري من الحملة الانتخابية
في العمارة. ولا تزال من أركان «الامبراطورية».
هذه مجرد عينة. مساهمات الأب والابن لا تقف عند سلّة الأسماء المذكورة. «جيش» من الموظفين الرسميين، الضباط، القضاة، مهروا بتوقيع «مرّي»، بعضهم بدّل لونه،
وبعضهم الآخر ترك بصمات قوية في بناء «العمارة». ولكن التحولات الجذرية في السياسة لم تعف «الامبراطورية» من تداعيات في أساساتها، مذ أن صار للمتن، ومن خلفه
البقعة المسيحية، زعيم ماروني، وإن لم يكن أوحد. حجّ إداري وبلدي إلى الرابية يؤشر إلى المصب الذي يسلكه مسرب الوعاء المري، ويؤرق أهل العمارة... ولو أن هذا
المسرب البرتقالي ثقوبه كثيرة، وعيوبه أكثر، داخلياً وعلى مستوى علاقته ببحره ـ الناس.
ميشال المر اليوم، غير ميشال المر الأمس. وليس بالضرورة أن يكون فرخ البط عواماً، علماً بأن الشبكة العنكبوتية لم تتقطّع بعد، والكثير من أرجلها لا تزال في
أرجاء الإدارة. ولكن لا شك في أن أرضية الأمبراطورية إلى اهتزاز... وإن كانت ارتداداتها صامتة وغير مدوية...

No comments:

Post a Comment